الفيلم الوثائقي بين الواحد و المتعدد
في هذا المقال لا يمكن لنا إلا إجرائيا تناول الفيلم الوثائقي بمعزل عن غريمه الفيلم التخييلي. لذا فتناولنا لهذا النوع الفيلمي سيكتسي طابعا تاريخيا مع الإشارة إلى كل المعطيات التي ميزت مسيرته. إلا أن طموحنا يهفو إلى قراءة متأنية لإبراز تشكلات هذا الجنس الإبداعي.
المفــــــهوم
قبل التطرق إلى التيارات والمدارس السينمائية التي عرفتها مسيرة الفيلم الوثائقي لابد من مساءلة مفهوم “الوثائقي” Documentaire، والذي يظل مرتهنا للتحديد أكثر. إذ استعمل هذا التوصيف لأول مرة مع فيلم “نانوك الاسكيمو” لروبير فلايتري سنة 1922 ،وتم تعميمه مع كريسون “مخرج انجليزي” سنة 1926. لكن المثير في هذا هو أن السينما حينما ظهرت مع الإخوان ليميير Les Frères Lumières اعتمدت في بدايتها على تصوير وإنجاز روبورتاجات، والروبورتاج يمكن أن نقدمه في هذا السياق كالإرهاصات الأولى للفيلم الوثائقي. وللإشارة التاريخية يمكن أن نورد مسألة أخرى حرص عليها الإخوان ليمير وهي إرسال مجموعة من المصورين إلى جل بقاع العالم من أجل تصويرها وعرضها على الجمهور. أي أن السينما قبل أن تتحول إلى السينما الروائية أو التخيلية، حيث المحكي يأخذ مكانه بامتياز.
دخول القطار للمحطة
![]() |
إذن كانت البدايات مع هذا النوع الفيلمي الذي يسمى روبورتاج Reportage كما يحلو للمخرج الفرنسي ألان ريني بفيلمه “هيروشيما حبيبتي” أن يقدم الفيلم الوثائقي على أساس “أنه يستطيع أن يمنح لنا تقريرا حول حضارتنا”. لكن التعريف الأقرب لملامسة عمق هذا النوع الفيلمي هو التعريف الذي قدمه جون فيكو: “الفيلم الوثائقي هو وجهة نظر ترتكز على الوثائق”. خلاصة القول ولكي نقدم تعريفا يسعى للإحاطة أكثر بالوثائقي، فهو الذي نورده كالتالي: “الأفلام الوثائقية هي الأعمال المنجزة انطلاقا من مادة محددة، تشتمل على لقطات مصورة قريبة من التجربة المعاشة”. يعني الانطلاق من الواقع وملازمته، لهذا فإن العديد من المهرجانات المتخصصة في هذا المجال نجدها تأخذ أسماء تقربنا من خصوصية هذا النوع الفيلمي. مهرجان “سينما الواقع” Cinéma du réel بباريس، “رؤية الواقع” Visions du réel بنيون .. نحن أقرب إلى “سينما الحقيقة” منها إلى “سينما الخيال” لهذا ظلت هذه التسمية لصيقة بالفيلم الوثائقي في الستينات من القرن الماضي.
لكن ما حدث في تاريخ السينما هو انطلاق سينما الخيال إلى مكان أرحب. حيث ظل الفيلم الوثائقي ذلك الطفل المشاكس والجدي في الآن نفسه، لم يحظ بالهالات التي مهرت سينما الخيال.
* باحث في السينما من المغرب
![]() |