تطبيق: معالجة الأفلام التسجيلية للصراعات السياسية
سلسلة (سري للغاية) في قناة الجزيرة “أنموذجاً”
تمــهيد
يبحث الفيلم التسجيلي بوصفه نوعاً إعلامياً في الواقع بكل أبعاده وتفاصيله، على الرغم من أن البحث في الواقع هو هدف مشترك لكافة الوسائل الإعلامية، لكنه يتجلى بوضوح في الفيلم التسجيلي. وكذلك يعالج الفيلم التسجيلي الأحداث الواقعية بأسلوب فني ويرصد حياة المجتمع الديناميكية، إذ إن المشاهد في رؤيته للواقع قد لا يعي التفاصيل المهمة التي ترتبط بتفاصيل عديدة، وهنا يظهر دور الفيلم التسجيلي في كيفية تقديم الواقع للمشاهد بشكل مؤثر ومقنع في الوقت نفسه.
“جريرسون” هو أول من صاغ مصطلح (تسجيلي)((Documentary وعرّفه بأنه “المعالجة الخلاقة للواقع”و قد أصر بالاتفاق مع أحد طلابه وهو ” بول روثا ” بأن على الفنان التسجيلي أن يكون محللاً سياسياً و اجتماعياً (هاردي،1965،11)
وقسم جريرسون الإنتاج السينمائي التسجيلي إلى مستويين:
* المستوى الأدنى أو الأقل: الذي يشمل الجرائد والمجلات السينمائية، وأفلام المعرفة و الأفلام العلمية، و التعليمية، وأفلام الرحلات، التي تعكس الواقع بدورها دون تقديم رأي أو تحليل.
* المستوى الأعلى: وهو الذي يرى أن يقتصر مصطلح الأفلام التسجيلية على الأعمال التي تتضمن مغزى سياسياً واجتماعياً وتقدم معالجة خلاقة لموضوعاتها وتعكس وجهة نظر المخرج (الحديدي وإمام علي2002).
بناءً على ما سبق تشكل السياسة مادة دسمة للأفلام التسجيلية لما تحويه من جدل، وصراع إذ يعد الصراع السياسي سمة لكل المجتمعات البشرية، ومن الصعب أن تجد مجتمعاً يخلو من الصراع السياسي وهو سمة ملازمة لتفاعل الحياة إذ ينتشر في كل بقاع الأرض.
وتندرج الأفلام التسجيلية الباحثة في الصراعات السياسية ضمن الاتجاه الواقعي، الذي لا يقدم الشخصيات المألوفة والشائعة، والموضوعات المستمدة من الطبيعة فحسب، وإنما يكتشف أيضاً فردية البشر، وتشابههم مع جماهير البشر الأخرى في آن واحد ، والواقعية في الفن تنبه الناس على جمال الطبيعة، وجمال البشر، وتهتم أساساً بتصوير العلاقات الاجتماعية التي ينشغل بها الناس والقوى التي تتحكم فيهم، و الروابط والمصالح المشتركة بينهم. وفي مجال السينما التسجيلية يستمد الاتجاه الواقعي مادته من الواقع المباشر للمدن والمصانع والأسواق لإبراز ما يكمن تحت السطح من أسباب ومسببات.
“ويرى المخرج الأمريكي (فان دايك) أن عناصر الصراع في الفيلم التسجيلي تكون في حقيقتها قوى اجتماعية أو سياسية وليست صراعاً بين شخصيات بعينهم لذا فإن للفيلم التسجيلي صفة ملحمية” ( مرعي، 2004، 26).
ونتيجة صعوبة حصر الأفلام التسجيلية التي تناولت الصراعات السياسية فإن الدراسة الحالية ستأخذ سلسلة “سري للغاية” التسجيلية أنموذجاً، وهي تحقق السمات التي لابد من توافرها في الفيلم التسجيلي السياسي حيث واجه صانعها ( يسري فوده) المرتبطين ارتباطاً مباشراً بصراعات سياسية خطيرة. وانتزع منه�� بشكل مباشر وأحياناً غير مباشر الحقيقة التي روت ظمأ المواطن حيث يعد أول من التقى (رمزي بن الشيبة) الذي يعتقد أنه من مهندسي هجمات 11 سبتمبر،و كذلك بث البرنامج كواليس المقاومة الإسلامية العراقية، ورافقها في الدخول إلى العراق.
وقد حصلت هذه السلسلة على الجائزة الفضية لمهرجان القاهرة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني 1998، وحصلت كذلك في مجمل حلقاتها على جائزة الإبداع المتميز من الجامعة الأمريكية في القاهرة عام 2000.
والأسئلة التي تطرح نفسها هنا :كيف تعالج الأفلام التسجيلية الصراعات السياسية ؟ وهل تبرز صراعاً على حساب صراع من أجل الحصول على قاعدة جماهيرية، وتفضل بحث مواضيع دقيقة في الصراع الواحد ؟ وهل تتوخى المصداقية والمهنية والموضوعية في الطرح أم نرى شخصية صانع الفيلم التسجيلي واضحة أمامنا؟
* عاصم علي الجرادات طالب ماجيستير في الجامعة الأردنية تخصص أفلام وثائقية
![]() |