مدارس واتجاهات السينما التسجيلية

من الجدير بالذكر أن السينما كفن بدأت تسجيلية، ففي البدايات الأولى كانت السينما تقدم صورة منسوخة للواقع المتحرك الذي كان يبهر السينمائيين الأوائل آنذاك حيث أن الصورة الفوتوغرافية كانت تنسخ الواقع ولكن في صمته وسكونه وفي لحظة مفردة خارج سبرورته الزمنية.
أما السينما فقد جاءت بمثابة ومضة أعطت الحياة الصورة الفوتوغرافية فحركتها وأدخلت لها الروح وأصبحت الصورة منذ ذلك الوقت حية تنبض بالحركة.
سعى الأخوين لومبير من البداية وبعد الاكتشاف ومنذ العرض الأول في 28 ديسمبر 1895إلى تقديم الواقع المتحرك كما هو معروف فجاء لنا( خروج العمال من المصانع، محطة القطار ودخول وخروج القطارات وحركة المسافرين، البحر الهائج وشاطئه وأمواجه المتلاحقة، طفل يتناول طعامه .. ) كل هذه الأفلام التي قدمت من أكثر من مائة عام.. كانت جميعا (تندرج بمفهومنا المعاصر على كلمة تسجيلي) أفلاما تسجيلية.. ولقد استمرت السينما منذ ذلك الحين في تقديم الأفلام التسجيلية التي تصور الواقع الحي والأحداث (سواء إن كانت سياسية، اجتماعية … الخ) الهامة، واستطاعت بذلك ان تحفظ لنا التاريخ الواقعي المرئي والموثق لعالمنا .. حيث أن السينما تفردت بهذه الخاصية (حفظ الزمن) عن باقي الفنون، فلا يوجد أي فن يستطيع أن يسجل العالم الواقعي الحي المرئي مجسد أمامنا سوى السينما.
فالأموات يصبحون أحياء، والماضي نجده ممثل أمامنا في الحاضر والذكريات تظهر أمامنا وكأنها حدثت الآن… فبالفعل السينما أصبحت ذاكرة البشرية.
“تعتمد المفاهيم الجمالية للسينما التسجيلية على قوانين الصور المتحركة على قدرة السينما بشكل عام كفن مستقل، حيث تخطي حدود الزمان والمكان.
وأخيراً على قدرة السينما على عرض العالم المادي وظواهر الواقع عن طريق العالم المادي نفسه (الذي هو مادتها) والظواهر نفسها. فنحن مما لاشك فيه نرى على الشاشة العالم الحقيقي  .
 
العالم الحقيقي ولكن من خلال وجه نظر المبدع الذي يقدمه ولكن دون تزييف، حيث أنه إذا فقد الفيلم التسجيلي مصداقيته لدى المتفرج … يفقد قدرته في الإقناع والجذب، أي يفقد هدفه الذي قدم له في الأصل… حيث أن الفيلم التسجيلي من وجهة نظري الخاصة (إذا لم يقدم ويعرض موضوع هام وحيوي أو يعرض مشكلة بشكل جاد) يفقد أهميته … حيث أن الترفيه أو مجرد الفرجة للاستمتاع، أعتقد في نظري أنها ليست من سمات الفيلم التسجيلي الجيد، ولكن شرط أن تقدم لإبراز العنصر الهام وهو الموضوع المشار إليه من قبل المبدعين القائمين عليه.
إن الجدل لازال قائما حتى وقتنا هذا حول تعريف محدد دقيق للفيلم التسجيلي أو الوثائقي Documentary فالمبدعون والمنظرون لا يتفقون على تعريف واحد… فالبعض برى أن الفيلم الوثائقي يعني (الفيلم الحقائقي)… بمعنى أنه يعرض الحقائق ويقدم تفسير خلاق للمواد الواقعية.
والبعض بفضل التعبير عنه بكونه (فيلم غير خيالي) … وهذا ما يفرقه عن الأفلام الروائية الخيالية… حيث أن الأفلام الوثائقية أو التسجيلية تعالج الواقعي وليس الخيالي… والناس والأماكن والأحداث الحقيقية وليست المتخيلة كما في الأفلام الخيالية Fiction Film … وهذا بالطبع هي أهم خصائص الفيلم الوثائقي، أما بالنسبة للأفلام الخيالية… فالتوثيق فيها يكون متضمنا في عالم السرد الفيلمي… ومهما كان واقع الفيلم مقنعا … فإننا دائما نكون مدركين بداخلنا أننا أمام فيلم… قصته متخيلة وكذلك أحداثه متخيلة ومصنوعة من قبل المبدع، ودور المبدع هنا أن يتقبل الجمهور الحقيقة الرمزية لأحداثه وشخصياته الفيلمية.

*غادة جبارة أستاذة جامعية و رئيسة قسم المونتاج  بالمعهد العالي للسينما

كامل الدراسة


إعلان