عولمة السينما: عولمة الصورة / الوثيقة

بغض النظر عن التعريف العلمي أو القاموسي اللغوي، لمصطلح العولمة، ثمة خيارات متعددة لفهم وتداول مصطلح العولمة، كما هو شائع الاستعمال في الأدبيات العامة، نختار منها هنا اثنين ، الأول ينطلق من حالة انتشار عالمية للموضوع المعني يستفيد منها سكان المعمورة قاطبة، وهذا أمر حميد وعلامة نجاح، والثاني يشير إلى هيمنة صيغة ما تنشأ في مركز ما يتحلى بقوة تجعله يفرضها على القوى الأصغر، التي بدورها، ونتيجة لذلك، تفقد ليس فقط استقلاليتها بل وخصوصيتها وتميز هويتها الوطنية، وهذا أمر سلبي يصيب كل المجالات التي تتأثر به، سواء أكانت اقتصادية أم سياسية أم ثقافية. من بين هذه المجالات المتنوعة تبدو السينما الأكثر تأثرا بنتائج العولمة سواء سلبا أم إيجابا.

إرهاصات العولمة السينمائية

لا ينكر أحد من مؤرخي السينما أهمية المخرج السينمائي الأمريكي دافيد وورك غريفت، الذي يقر له الجميع بريادة  دوره في اكتشاف وتطوير وسائل التعبير السينمائية وتحويل السينما إلى فن له خصوصيته المميزة له، إضافة إلى دوره في جعل عملية إخراج الأفلام ذات جدوى اقتصادية فأصبحت السينما إثر ذلك  صناعة مزدهرة، وهذه الانجازات أهلته لكي يحمل بجدارة  لقب” أب السينما”، وليس فقط السينما الأمريكية بل السينما عامة.
 حين كانت السينما طفلا ينمو في الفترة الصامتة، كان المخرج الأمريكي دافيد يورك غريفث الذي يلقب عن حق بأبي السينما، يحلم بأن يجعل من السينما لغة أو فنا عالميا. وعلى الأغلب، فلم يكن ذاك الحلم إلا نتيجة طبيعية مترافقة مع بهجة الاكتشاف التدريجي المتسارع لإمكانات و لآفاق هذا الفن الوليد. لم يكن غريفت وقتها يقصد بحلمه ذاك السينما الأمريكية تحديدا، بل الفن السينمائي بشكل عام ، ولم يكن يقصد بحلمه أن تكون السينما الأمريكية هي المهيمنة عالميا، بل ان تكون السينما ” لغة ” عالمية إنسانية الرسالة تساعد على التواصل بين شعوب العالم . ففي ذلك الحين لم تكن  صناعة السينما الأمريكية بالقوة والحجم والانتشار العالمي وقوة التأثير الذي وصلت إليه فيما بعد، مثلما أن أمريكا ذاتها، كقوة سياسية واقتصادية وعسكرية، لم تكن في حينه بهذا الحجم الكبير الذي آلت إليه بدءا من النصف الثاني من القرن العشرين، ولم تكن لتلك الصناعة السينمائية في البداية رسالة أيديولوجية واضحة، مخطط لها وذات صلة وثيقة بالمصالح السياسية والاقتصادية الأمريكية في سائر أرجاء العالم .
نشأت السينما الأمريكية مستفيدة منذ البداية ومستندة إلى أرضية اقتصادية صناعية هائلة الإمكانات سمحت لها بتطوير متواصل للتقنيات السينمائية، تتقاسمها شركات إنتاج وتوزيع كبيرة، وهذا ما ساعدها على سرعة الانتشار عالميا. وإذا ما استثنينا مجموعة من الأفلام التي حققها غريفت وبضعة أفلام حققها مخرجون آخرون، وبعضهم جاء من أوروبا، والتي كانت تنطلق من خلفية ثقافية وتستند إلى تراث أدبي وفني راق، ويحركها هاجس إبداعي استكشافي لإمكانات الفن السينمائي الجديد، والتي تتضمن أبعادا فكرية وفنية، فإن غالبية الإنتاج السينمائي الأمريكي، كانت تتعامل مع الأفلام كسلعة ذات إمكانات  تجارية ربحية بالدرجة الأولى، تحقق أهدافها بواسطة قصص ” مغامرات ” فيها قدر كبير من التسلية والتشويق .

كامل المقال


إعلان