الصوت والصمت في السينما التسجيلية الفلسطينية
محاولة في علاقة بين الفكري والجمالي
بشار إبراهيم
ناقد وإعلامي فلسطيني
إحدى أهم الإشكاليات التي تعانيها السينما الفلسطينية، كما سائر وسائط التعبير الفلسطينية، تكمن في أنها ترزح، جميعها، تحت وطء قضية مصيرية، تتعلق بالوجود الفلسطيني برمّته.
بل لعل ليس من المبالغة القول إن أشكال التعبير الإبداعي التي مارسها الفلسطينيون، منذ قرن ونيف، وحتى اليوم، إنما ولدت جرّاء حافز وظيفي، أُريد له المساهمة في شؤون القضية، التي تفتحت عيون أجيال من الفلسطينيين والعرب عليها.
الدور الوظيفي للأعمال الفلسطينية، كان من الضروري أن يقود إلى علو المضمون الفكري، وطغيانه في كثير من الأحيان على الجوانب الجمالية، التي هي شرط لازم من شروط الإبداع.. ولكن ثمة كثير ممن لم يكن ينتبه إلى أهمية الجمالي، ويعلي عليه من شأن الوظيفي/ الفكري، على اعتبار أن هذه الأعمال جنود لقضية مقدسة.
يذهب نفر من النقاد إلى القول: «القيمة الجمالية قد لا تؤثر بالضرورة في قيمة العمل، فقد نجد أعمالاً تفتقر إلى الصيغة المناسبة فنياً، ومع هذا فإن تأثيرها يفوق أي تأثير آخر» .. وفي المسافة ما بين امتلاك القدرة على التأثير، وتحقيق الشروط الفنية الجمالية، تمتد المسافة التي تناثرت عليها الأفلام الفلسطينية.
امتلاك القدرة على التأثير، دون امتلاك الشروط الفنية والجمالية، يجعل من الفيلم بياناً، خطاباً، إعلاناً، مداخلة، محاضرة.. وتصبح السينما حينها دعائية تحريضية.. وهذا مرض قسط وافر من الأفلام الوثائقية الفلسطينية!..
امتلاك الشروط الفنية والجمالية، يفترض به أن يؤهل لامتلاك القدرة على التأثير، على الأقل بسب من آلية تأثير الجمالي في النفس والعقل البشرية.
الفكري يخاطب العقل. يقول الأمور، وقد يفلسفها.. الجمالي يخاطب االلاوعي، وهنا أهميته. نستحضر قول بيير بورديو: «إن أكثر ما يخيف في الاتصال، هو لاوعي الاتصال»، وبالتالي فإن الجمالي يمتلك قدرة على النفوذ والتأثير، ما أن يتحقق شرطه في العمل.
يذهب الفكري إلى الصوت؛ إنه يحمل الشعار والمقولة ويؤدي دور الرسالة والخطاب.. وعندما تجيش به الأمور يجد نفسه يمارسه الصراخ والضجيج.. ويذهب الجمالي إلى الصمت؛ إلى التأمل والتفكر والتأمل..
![]() |