التفكير في الهامش.. ولعبة المركز المسترابة

عن المنذور للنسيان في الثقافة والمدينة والتاريخ

نصر الدين اللواتي

    تقديم:

خلف ما يبدو واقعيا، أكثرُ من واقع يشكّك بعضه في بعض، و طبقات متعددة يخفي بعضها بعضا، و وراء الشاشات المزهوة في كل لحظة بالإستعراض التلفزيوني المعمم، تحتشدُ كيانات وأصواتٌ ونصوص مغيّبة أريد لها أن تكون منذورة للنسيان، ذلك مما يكشفهُ الإنتباه السوسيولوجي والتاريخي والسيميائي لتعقيدات الواقع وظواهره المركبة، لكن المغيّب قد يأبى قانون اللعبة، والطبقات قد ترفض الإنتظام والكيانات تقاومُ في المعنى وفي الواقع كنهر يحفر مجراه ساخرا بكل قوانين المنع، والأصوات تتسرّب وتتنادى منذرة حينا، وفاتنة أحيانا، مُثبتة ببلاغة مربكة أن الهامش قادرٌ على الإفلات من سلطة النمط والمركز، وكلما أميط اللثام عن هامش ظهرَ آخر، وكلما أعمل المركزُ قوانين التغييب والتنميط، كلما ضجت الهوامش بذواتها، معاني وسلوكات وخطابات، أفرادا ومجموعات.
فالمجال في جغرافيا المدينة يتعرّفُ على نفسه برسم مركزه والإلقاء خارج مداره بهوامشه الحضرية والإجتماعية، والمجتمعُ ينسجُ من وراء أشكال التعايش اليومية، استراتيجيات للإحتيال على منظومات القيم، فيكرّس هويات إجتماعية وتصورات تحتل الفضاء العموميّ وتتركّزُ فيه، ملقيا ب”الآخر” في مدار الصمت أوهو الصوت المكتوم كما يصفه الباحث الفرنسي ميشال دو سرتو، “آخرٌ” جَندري حينا وإثني أحيانا، أو طائفي أو طبقي في حالات عدة.
أما في حقل الثقافة و عبر تاريخ الإنتاج الفكري فتتكفلُ  الإسهامات النظرية الجدّية للتفكيكية باستكشاف هوامش الثقافي الممنوعة والمحرمة، سواءٌ في ثقافتنا العربية أو في ثقافات أخرى، تلك الهوامش المغيبة من النص الرسمي، السياسي أو السردي أو الفقهي أو حتى نص الكتابة التاريخية، حيث يعملُ قانون المنع والتحريم والحذف عملهُ، ملقيا بها في سراديب الذاكرة والوعي.
الثقافة والتاريخ والإيديولوجيا، كما سنحاول التعرض إليها في هذا المقال، تبدو مجالات مُثل�� لإظهار visibility الهامشي ولإستكشاف تعبيراته كحالة ملتبسة لم تتخلّص يوما من محاولات الإمتلاك والحديث باسمها، أو من محاولات إعادة إنتاجها أو مسرحتها وإستعراضها بقدر كبير من الإدعاءات والشعارات والأوهام.
والسؤال الآن كيف السبيلُ إلى التفكير في هذا الهامش المغيب في النص والمطرود من الحيّز، أو المنمّط في الخطاب؟ كيفَ نعرفهُ وندركُ حالاته وآليات إشتغاله دون الوقوع في فخ البداهات المضلّلة؟ كيف السبيل إلى وصف هذا الهامش؟ وأين تتموقعُ الذات الواصفة؟كيفَ يتبدّى الهامشي؟ هل كخطاب إنشقاقي يحفر في الذاكرة والمخيال؟ أم كنسق في الواقع ينتجُ حالة الرفض والمقاومة محاولا إمتلاك الفضاء وإنهاء مركزية المركز؟ أللهامش صوت زمن الخطابات المتدفقة وعولمة الإتصال؟ ولكن في نهاية الأمر أليس مجرّد التفكير في الهامش هو إعادةُ تركيب مسترابة لنفس أنموذج المركز وإعادة إنتاج لهُ ؟

كامل المقال


إعلان