السينما.. ذاكرة المنسيين في الأرض
أسامة صفار
القمح مش زى الدهب
القمح زي الفلاحين
صلاح جاهين
لا تقل أهمية كاميرا الديجتال في التعبير عن المهمشين عن تلك التي حظي بها ميثاق الماجنا كارتا Magana carta باعتباره الأصل الذي قامت عليه الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان ودساتير الدول الديمقراطية في العالم.
وتتجلى تأثيرات كاميرا الديجتال الخفيفة الرخيصة والتي كانت هامشية تماما في بداياتها للسينمائيين وخاصة الخارجين منهم على طاعة صناعة السينما بميزانياتها الضخمة وانطوائها -غالبا- تحت لواء السلطة الاقتصادية أو السياسية أو بشكل أوضح سلطة المركز.
وقد جاء اختراع ” كاميرا الديجتال” ليكون بمثابة الحل السحري الذي قدمه القدر ممثلا في العلم والتكنولوجيا ليحل معضلة العلاقة بين المهمشين والسينما حيث استطاع ممثلو المهمشين من السينمائيين أن يحملوا كاميراتهم وينتشروا بين عشش الصفيح ومناجم الفحم وسكان المناطق العشوائية، بل ويخترقوا السجون ومستشفيات الأمراض العقلية والقبائل البدائية التي همشتها الحضارة الغربية ليصوروا أفلامهم بعيدا عن طغيان التكلفة الباهظة لكاميرا السينما وما يتبعها من ضوابط رقابية تعمل دائما لمصلحة رأس المال والأيدلوجيات .
وهذا لا ينفي ظهور المهمشين على الشريط الذي أنتجته صناعة السينما التي تنتمي للسلطة بأشكالها الاقتصادية أو السياسية. و سواء كان هذا الشريط وثائقيا أو روائيا فقد أظهرهم باعتبارهم عناصر لا غنى عنها لاستكمال الصراع الدرامي أحيانا.
وقد وقف السينمائيون حائرين أمام صناعة الفيلم التي تتكلف بالملايين؛ بينما من غير المنطقي صرف الملايين على فيلم يتحدث عن مهمشين لا يحظون بأي قيمة في نظر منتجي هذه الأفلام، لذا كان ظهورهم على صور وأنماط محددة إما باعتبارهم نماذج موجودة في الواقع وبالتالي تفرض نفسها في السينما أو الاستعانة بهم كالبهارات في العمل الفني. والحديث هنا لا يقتصر على المهمش اقتصاديا(الفقير) أو اجتماعيا(المنبوذ) أو عرقيا لكن يتجاوز إلى المرأة باعتبارها أول مخلوقات الله التي احتلت الهامش بإرادة أبنائها!!
مصطلح محافظ
و”سينما المهمشين” مصطلح محافظ أطلقه نقاد ينظرون بتعال ودونية في اتجاه الواقع الاجتماعي الذي يفترض بالسينمائي الأخذ منه والرد إليه؛ فالمقولة التأسيسية للنقد السينمائي هي أن السينما مرآة المجتمع والفن هو الواقع تقريبا، وبالتالي فإن المهمشين جزء لا ينفصل عن الصورة المتشكلة عبر المرآة حتى وان همشت أدوارهم وحوصروا في مجموعات أو فئات أو طوائف أو غيرها.وقد عالجت السينما الواقعية المهمش ووضعه في المجتمع كما أظهرت السينما المصرية نماذج له وخاصة في فيلم “العزيمة” للمخرج الراحل كمال سليم عام 1939.
![]() |
كمال سليم
وامتد الاتجاه الواقعي في السينما المصرية ممثلا في أفلام صلاح أبو سيف ومن بعده عاطف الطيب ورضوان الكاشف وداود عبد السيد ومجدي أحمد على وخيري بشارة ومحمد خان.
وكان الفيلم الوثائقي المصري رغم ارتباطه برأس المال في بداياته (جريدة شركة شل المصورة) وبالسلطة السياسية بعد ذلك (جريدة مصر السينمائية وأفلام السد العالي والتنمية في مصر) والتي جاءت نتاج اهتمام حكومات ثورة 23 يوليو بتوثيق منجزاتها والدعاية لها؛ وهو ما أكده الرائد التسجيلي المخرج سعد نديم في كتابه تاريخ السينما التسجيلية في مصر قائلا: “هذا ومن المعلوم أن السينما قد نشأت تسجيلية وكانت مدة عرض الفيلم تتراوح بين دقيقتين حتى وصلت إلى ساعة وما يزيد على الساعتين أيضاً وبدأت السينما التسجيلية تنتشر في أوروبا وفى كل أرجاء العالم الكوني .
![]() |