ملاحظات عن الهامش
كلمة الهامش كلمة مغرية و مغوية عندما نتناولها بصدد الفن : الهامش من حيث التعريف يفترض وجود المتن. النص الرسمي، المؤسسة، السائد، الاعتيادي. و اذا كانت الفنون مقاربة مختلفة للسائد، فالفن من حيث الجوهر هامشي. عرفت حركات الحداثة الأوروبية نفسها بين 1880 و 1930 دوما باعتبارها ثورات على ما قبلها. وتلك الثورات الجمالية و التجديد الراديكالي للأشكال استحال مع الزمن واختبار الزمن للأشكال طابعا جماليا و مصطلحات نقدية. لم يعد كون فنان طبيعيا أو تعبيريا مصدرا أو مدعاة لكونه هامشيا. لكن الهامش ما زال حتى مع تجاوز لحظة مابعد الحداثة في نهاية العقد الأول من القرن الواحد و العشرين مغريا و حاضرا مع اتساع رقعة فضاء الفنون الجغرافية و الاعلامية. برزت سينمات و كانت مغرية باعتبارها (هامشية) ايران، شرق آسيا، الأرجنتين…أنماط موسيقا شعبية: الراي، الراب، البلوز الأفريقي أو القوالي الباكستاني (معولما) في الوورلد ميوزيك (موسيقا العالم). الوثائقي المنفذ بتقنيات الديجيتال الرخيصة من بؤر التوتر و ما الى ذلك…
لكن خارج تعريف الهامش بعلاقته بآلية و سوق الانتاج هناك علاقة أشد عمقا تعنى بجوهر الانتاجات الفنية على اختلاف أنواعها و تتبدى فيها ملامح و قسمات المبدعين و مواضيعهم الفردية ذاتها. هذه بضع ملاحظات شخصية عن انتاجات و أفراد يعرفون أنفسهم أو تعرف آليات التلقي انتاجاتهم بعلاقتها بالهامش.
الهامش روسيا، عن النورس و المخطوطات :
في مسرحية النورس للروسي أنطون تشيخوف. في بداية القرن العشرين، يقول المؤلف المسرحي الشاب تريبليف لحبيبته نينا : (يجب خلق أشكال جديدة). أمام مسرح مرتجل في بستان أمام بحيرة في الريف الروسي العميق. تفشل هذه المسرحية المقدمة أمام جمهور عائلي و لا يكترث لها سوى طبيب عجوز فاقد للأوهام.
![]() |
انطون تشيخوف
شاءت المفارقة التاريخية أن يلعب المخرج المسرحي الروسي الشاب آنذاك فسيفولود مييرخولد هذا الدور ، في اخراج المعلم الروسي الأشهر قسطنطين ستانسلافسكي. لعب مييرخولد دور تريبلييف قبالة معلمه و والده الروحي ستانسلافسكي في دور تريجورين، الكاتب المكرس ضمن المؤسسة، عشيق أم تريبليف و الذي سيغوي حبيبته نينا لاحقا. الهامش في مواجهة المؤسسة. تنتهي (النورس) بدمار براءة نينا التي جرتها المؤسسة خارج الهامش و انتحار تريبليف (الهامشي). و قضى مييرخولد اعداما برصاص السلطة الستالينية التي لم تطق في رؤيتها الدوغماتية للفن أن يتمرد ابن الثورة الذي أعلن الحرب الأهلية على الجبهة المسرحية بعد ثورة أكتوبر و أسس الاكتوبر المسرحي، لم تطق أن يتمرد على صيغتها الواقعية الاشتراكية التي ابتذلت انجاز ستانسلافسكي نفسه في منهج اعداد الممثل و أدائه الواقعي النفسي.
![]() |