الفلم الوثائقي المغاربي بين الجدية و الترقيع
تعيش التجربة السينمائية عموما في المغرب العربي مرحلة انتقالية حاسمة ، لا يمكن فصلها عن التغيرات السياسية و الاقتصادية الكبرى التي طرأت على تلك المجتمعات. استطاع تيار العولمة أن يجعل من هذه الصناعة أداة في تحديد مفهوم الحضارة وفرض آليات تربطها بالوعاء الثقافي الأوربي، بعد ما كانت في بدايتها نضالية و تحررية. تجدر الإشارة إلى أن البدايات الأولى في صناعة السينما لا تختلف كثيرا في البلدان المغاربية كثيرا عن بعضها البعض خصوصا التجربة الجزائرية و التونسية و المغربية، بحيث أنها تشترك في البدايات الأولى مع “الإخوة لوميار ” اللذان صورا أولى المشاهد في أواخر القرن التاسع عشر ما بين 1894و1897في كل من شوارع العواصم الثلاث. ان الظروف التاريخية و الاجتماعية والسياسية لم تكن تختلف كثيرا في جوهرها في الفترة الاستعمارية الفرنسية مهما كانت أشكالها.،بالرغم من ان تونس أصبحت في أواسط القرن التاسع عشر أولى البلدان العربية التي توثق دستورا بعد صدور عهد الأمان” في 1857 -الذي كان عبارة عن ميثاق لحقوق المواطن وتلغي الرق ولكن تفاقم المشاكل الاقتصادية وتجاوزات البايات وتزايد المطامع الأجنبية كانت مصدرا لانعدام الاستقرار في البلاد.
بعدما استعمرت الجزائر من طرف فرنسا في 1830استطاعت أن تبسطت حمايتها على تونس في 1881 و على المغرب في 1912، مما أثار رفضا شعبيا عنيفا في أنحاء كل مناطق المغرب العربي. وفي عام 1920 أسست مجموعة من الوطنين التونسيين الحزب الحرّ الدستوري التونسي الذي انشق عنه الحزب الدستوري الجديد سنة 1934 ليشكل القوة التي ستقود البلاد نحو الاستقلال. وبعد نضال طويل ومرير نجحت الحركة الوطنية التحريرية التي قادها الحزب الدستوري الجديد وكانت من أهم روافدها الحركة النقابية في استرجاع حرية البلاد وكرامتها فحصلت تونس على استقلالها في 20 مارس 1956، بثمان سنوات قبل استقلال الجزائر في 1962. و في الجزائر انتفض الشعب في منطقة الشرق (خراطة ،قلمه، سطيف) حيث قتل أكثر من خمسة و أربعين إلف شخص إلا ان الجزائر استطاعت أن تبرز تقدما في التنظيم الثوري ملحوظا الى غاية اندلاع الثورة التحريرية في 1954.
نتيجة الديون المترتبة لسلطان المغرب عبد الحفيظ على فرنسا، استطاعت هذه الأخيرة فرض معاهدة الحماية في عام 1912، ورفض الشعب والجيش هذه المعاهدة، واشتعلت الثورة المغربية في مختلف المناطق، فاضطر السلطان عبد الحفيظ للتنازل عن العرش لأخيه يوسف. كما في منطقة الاحتلال الفرنسي، كذلك في منطقة الاحتلال الاسباني قامت الثورات الشعبية، وكان من أهم هذه الثورات ثورة أحمد بن محمد الريسوني أما الثورة الأهم فهي ثورة محمد عبد الكريم الخطابي 1920 ـ 1926 م في منطقة الريف وقد انتصر على القوات الاسبانية، وأرغمها على التراجع عن معظم المناطق التي احتلتها وأسس حكومة وطنية وضعت ميثاقاً لتحرير المغرب في مدينة أغادير وأعلن قيام جمهورية الريف وأدى انتصار قوات الخطابي في المغرب على القوات الاسبانية إلى قيام حركة انقلابية في إسبانيا هدفت إلى إعادة تنظيم الجيش للوقوف في وجه الثورة وفعلاً أرسلت إسبانيا عام 1922 قوات جديدة لاستعادة المناطق التي حررها الخطابي لكنها منيت بخسائر فادحة. فبعد الاستقلال اختلفت الدول في السياسات الثقافية نتيجة اختلاف النظم السياسية.إلا ان الجزائر في السيبعنيات من القرن الماضي توجت بالسعفة الذهبية في مهرجان “كان” الدولي بفلم “وقائع سنوات الجمر” لمحمد الأخضر حمينه. لم يكن في تلك المرحلة الاهتمام بالنوع الوثائقي إلا في بداية الثمانينيات من القرن الماضي مع الفلم الوثائقي “استعمار من غير امبرطورية” للأستاذ المرحوم عز الدين مدور خريج المعهد الدولي للسينما بموسكو.
![]() |