في دلالات القول الوثائقي الفيلمي الثوري العربي

في حدود التقديم …

تهتم هذه الدراسة النقدية التحليلية، لبنى القول/الكلام، بالصورة الوثائقية العربية، في ضوء ما جرى من “خلخلة” للمياه السياسية العربية الراكضة منذ مدة، تفكيك مجموعة من الدلالات المتعلقة بتشغيل الفيلم الوثائقي، كعدة فنية وتعبيرية وجمالية وإنسانية، في محيطنا الثقافي العربي بشكل عام. محيط كان لجسد البوعزيزي التونسي، قصب السبق في تقديمه “قربانا” للعديد من الفئات العربية، لكي تحرك عوالمها الداخلية، والتي كانت تسكن دوما، تجليات تبريرية، ذات الصلة المرهونة بالقدرية العربية في “أرقى” أشكالها.

 في الحاجة لقول” لا ” بالفيلم الوثائقي العربي..
  
   
وكأنه، كان من اللازم، أن تمارس تلك الأنثى التونسية الأمنية “عنفها” الجسدي، على وجه البوعزيزي، المحب لعزته الجسدية، لكي يشعل”نار الحقيقة”، في العديد من الفضاءات الجغرافية العربية، وغيرها، تحت مسميات مفاهيمية متعددة، من أبرزها الربيع العربي، الذي لولاه، ما ازدهرت بورصة قيم الفيلم الوثائقي العربي، في العديد من الفضاءات العربية الإعلامية، والعديد من محطات المهرجانات العربية المتخصصة في هذا النمط التعبيري والفكري والإستيتيقي، معلنة في الوقت نفسه عن طبيعة حاجة مجتمعاتنا العربية المفككة، لهذا الفيلم الوثائقي الذي من الممكن، أن ينبهنا الى طبيعة هذه الذات العربية في كل أشكالها الثقافية وبناها السياسية والاجتماعية، في سياقات خلدونية وغيرها.
المهم، هنا، كيف استطاعت ثقافة الصورة في كل مكوناتها الإعلامية والعلمية، وعلى الرغم، من كون منظوماتنا العربية التربوية والمدرسية في كل أسلاكها، لازالت تتعامل معها، خارج الحاجة البيداغوجية الفهمية والإفهامية، أن تنوب عن العديد من الفئات العربية، بمختلف مستوياتها الثقافية والاجتماعية والسياسية والرمزية، أن تساهم في حل معادلة فرجوية مهمة ودالة.
أقصد، مدى التصاق العديد من المشتغلين في مجال الصورة الوثائقية العربية، في تمرير، العديد من التصورات والمحتويات المعبرة عن هذا الجرح العربي، في صيغ فيلمية وثائقية. حاجة ولدت من رحم الرغبة في البوح، وإزالة رمزية الخوف، الجاثمة على نفوس عربية عديدة إن لم تكن معظم النفوس العربية قد تجرعت سابقا، خطابات قدرية متنوعة ومختلفة عبر أنماط ثقافية متعددة أحيانا.
إن الحاجة الى الفيلم الوثائقي، في سياق ما عرفته العديد من المجتمعات العربية، من قول لا، عبر تجليات ومظاهر وأشكال احتجاجية كثيرة، قابلة لإنتاج “نظرية سيميولوجية عربية”، مولدة للعديد من الدلالات. يكفي تشريح طبيعة الوجه العربي في مجمله، لاستخراج تجاعيد وتلوينات ومنعرجات اجتماعية ومادية، كافية لتحديد أي نمط اقتصادي يعيشه هذا العربي؟، وأي صورة مفككة ولدها هذا الوجه، الذي هو اليوم في أمس الحاجة الى بلاغة جديدة تعبر عن طبيعة حاجياتها وآفاقه الرحبة التي  ينشدها اليوم؟.

بلاغة الفيلم الوثائقي العربي في سياق “تحولاته الجديدة”..

 لا زلت أتذكر، فيلم “نحن هنا”، وهو فيلم وثائقي تونسي، استطاع أن ينزع الجائزة الكبرى وجائزة النقد، ( وفي هذا الفوز دلالة قوية ودالة)، في ظل منافسة دولية قوية، بمهرجان خريبكة الدولي الوثائقي بالمغرب، في دورته الرابعة. فيلم هو من توقيع المخرج التونسي الواعد عبد الله يحيى، فيلم من الممكن أن نجد خيطا رابطا بين عنوانه، واسم مخرجه، والمرحلة السياسية التي خلخلها الفيلم.ألم أقل إننا اليوم في أمس الحاجة الى سيميولوجيا عربية خاصة بنا نحن من اكتوينا بكل مظاهر التعثر، وضياع فرص النهوض بمستوياتنا ومنظوماتنا التربوية والعلمية والثقافية، باعتبارها المدخل الحقيقي، لأي فعل نهضوي حقيقي؟.
لنلاحظ اسم المخرج، عبد الله يحيى، ولنتأمل عنوان الفيلم، نحن هنا، ولنربط ذلك بحقبة الهارب من تونس، وما أصاب هذا البلد المغاربي حتى النخاع، من رغبة في الحياة.
من شخوص الفيلم، شخص محب لغناء الراب، المعبر عن طبيعة الحياة المهمشة في دروب وأزقة احدى مدن تونس. العباد هنا، كسرت عظامهم، (التكسير هنا بالمعنى المجازي)، بكل أشكال القهر والخوف.  العديد من الشباب في هذا الحي ارتبط بموسيقى الراب الشبابية،  لقول لا لمرحلة الرئيس التونسي الهارب.” نحن هنا”، صرخة في وجه كل أشكال الاقصاء والتهميش. وحدها الموسيقى استطاعت أن تجر الناس عموما والشباب خصوصا، لكي يلتصقوا بكل أشكال الحياة، والبحث عن كافة السبل لتكسير الحصار المضروب على القرى الهامشية، في ظل رؤية فيلمية تميزت بجعل الواقع المهزوم أولا، من أجل انتاج واقع آخر، واقع الحلم بزمن آخر… زمن تكسير سلطة الخوف، والتعبير عن كل أشكال  الذل والمهانة، لغة من الممكن التحكم فيها عن طريق  التمسك بالحق في الحياة. هنا الحلم يوازي الحياة، تمسك تمظهر عبر أشكال كتابية متعددة، حيث فضاء الجدران هو الفضاء الأنسب لقول لا هنا، في وجه ظروف مأساوية جمعت ورهنت الشاب بالطفل بالشيخ بالمرأة، ضمن رؤية درماتالوجية قوية وعنيفة، لكنها لا تخلو من حس جمالي كان ينهض عليه الراغب في الحياة وهوعبد الله ومن معه خارج الفيلم وحتى داخل الفيلم. هذه الرؤية بقيت رهينة سرد فيلمي مرتبط بذلك الطفل الصغير الذي كلما ضاق المصور(بكسر الواو)، و(المصور)، بفتح الواو، كلما تم الرجوع إليه وهو يخترق كافة الفضاءات بدراجته البسيطة، وبعجلاتها الصغيرة والدائرة بسرعة في مشهد يحيلنا، على ضرورة تغيير كل شيء ووفق أحلام راكب الدراجة التي بها استطاع المخرج أن “يصنع” حدوثته التونسية الحالمة بغد أفضل. حدوثة لها بنيتها الحكائية الواقعية/التخييلية في كل مجتمعاتنا العربية، بل وفي كل المجتمعات الحالمة، والباحثة عما هو أفضل وما هو أجمل.

كامل المقال


إعلان