من التوثيق إلى الوثائقي
الاسقاط الفكري والإيديولوجي على الوثيقة
كاظم مرشد السلوم – العراق
أصبح التوثيق لكل ما يجري من حولنا هو السمة الابرز لهذا العصر، ربما بقصدية احيانا وبغيرها في احيان اخر، ولم يعد الحصول على الوثيقة مهيأ ومخطط له مسبقا دائما، وان كان ليس كذلك لمن يهتم بالتوثيق، وربما الأرشفة ايضا، فهناك آلاف الكاميرات، موضعة في العديد من الاماكن العامة والشوارع، تراقب وتسجل حركة الناس، ليس بقصد التوثيق، وإنما بقصد التسجيل، الذي يأتي معظمه، ضمن الضرورة الأمنية، بعد موجة العنف التي تصاعدت كثيرا في معظم دول العالم، لكن هذه الكاميرات، ربما تسجل وثائق مهمة، لا تقدر بثمن، وتتميز مثل هذه وثائق بسرعة انتشارها، بعد ثورة المعلومات والتقنيات الهائلة، وإضافة الى هذه الكاميرات، ثمة هواة مهتمين بتوثيق كل ما يجري حولهم، وكذلك توثيق تفاصيل حياتهم، ولطالما سجلت كاميرات هؤلاء الهواة، أحداثا مهمة، كان لها الاثر الكبير في التأثير على مشاعر الناس، متعاطفين، وغاضبين، ازاء ما تحمله هذه الوثيقة.
تناقض المشاعر هذا، لا يقتصر على عامة الناس فقط، بل يتعداه الى ذوي الاختصاصات المختلفة، سياسيون، فنانون، صحفيون وإعلاميون، مؤرخون، وغيرهم، ويشكل تناقض المشاعر هذا، الفعل الاخير الذي ينتجه اي من هؤلاء على هذه الوثيقة .
هذا التناقض في المشاعر لا يتأتى من فراغ، بل هو نتاج للأفكار والأيديولوجيا التي يحملها هذا الشخص أو ذاك، وبالتأكيد فان السياسي الاميركي، يتبنى افكارا غير تلك التي يتبناها غيره من السياسيين في بلدان اخرى، حتى وان التقت المصالح فثمة فرق يبقى قائما باستمرار، هذا الامر ينعكس على البقية التي ذكرنا بالتأكيد .
وما يهمنا هنا كيف يمكن لتناقض المشاعر المتكون لدى المهتمين بالتعامل مع الوثيقة السينمائية نتيجة للإسقاط الفكري والأيديولوجي ,والثقافي والاجتماعي الذي يتبنى كل منهم، أن يؤثر في طريقة التعامل مع هذه الوثيقة سينمائيا .
فحادثة مثل ضرب البرجين التوأمين في نيويورك في الحادي عشر من سيتمر، وثقت بعدة طرق منها كاميرا المراقبة، كاميرات الهواة، ومن ثم كاميرات محطات التفلزة، وكانت كل الوثائق تسجل لحظة ضرب البرجين، ومن ثم انهيارهما، هذه الوثيقة شاهدها الملايين في كافة ارجاء العالم، وبشكل مباشر .
ولكن كيف تم التعامل معها، وكيف وظفت مستقبلا في العديد من الافلام، سواء الوثائقية او الروائية، حيث استخدمت مئات المرات في العديد من الافلام، وكل مخرج فيلم وظفها وفقا لثيمة العمل والهدف الذي انتج من اجله، تبعا لفكره وأديولوجيته، وبالتأكيد كان الاختلاف واضحا في طريقة التوظيف وهدفها .
ثلاثة منتجين هم ( الآن بريغان، جاك بيران، نيكولا مورفي) قاموا بتكليف 11 مخرجا من 11 بلدا لإنجاز فيلم من 11 دقيقية عن حادثة الحادي عشر من سبتمبر، كل بمفرده وبحسب رؤيته للحدث تاركين لهم حرية الاختيار وبحسب تجربة وحس وخلفية المخرج الثقافية والتاريخية والفنية وقد وجهت الدعوات الى كل من :

1. كين لوتش من المملكة المتحدة
2. كلود ليلوتش من فرنســــا
3. شين بين من أمريكـــــا
4. غوانزاليز انريتو من المكسيك
5. يوسف شاهين من مصر
6. سميرة مخلباف من ايران
7. أدريسا أدويد راووغو من بوركينا فاسو
8. ميرا نايير من الهند
9. دانيس تافونيك من البوسنة
10. شوهي ايمامورا من اليابان
11. جيتاي عاموس من أسرائيل
وقد جاءت الأفلام على وفق رؤى خاصة بكل مخرج ازاء هذه الواقعة الحقيقية ولكن بإسقاط إيديولوجي وفكري يمثل ثقافة بلد المخرج ونظرة شعب هذا البلد الى الواقعة من خلال وجهة نظرهم الخاصة الى الولايات المتحدة والى نظامها الرأسمالي والى ما تقوم به من حروب في أرجاء العالم، لذلك كان الواقع الحقيقي واحد وهو ضرب برجي التجارة العالمية، ولكن الرؤيا الى هذا الواقع تباينت بين مخرج وآخر، فرؤية “يوسف شاهين” للحدث اختلفت تماما عن رؤية المخرج الاسرائيلي “جيتاي عاموس” كون الموضوع له علاقة بصراع يمتد لعقود عدة بين إسرائيل والعرب الذين لهم موقفهم الخاص من الولايات المتحدة بسبب استمرار تأييدها لما تقوم به اسرائيل في المنطقة. وجاء تناول الواقع في هذه الأفلام على النحو التالي:
![]() |