الفيلم الوثائقي والجمهور

أمير العمري

ربما يكون من أهم المشاكل التي يواجهها الفيلم الوثائقي منذ ظهوره، حتى يومنا هذا، العلاقة مع الجمهور. والمفارقة أن الفيلم الوثائقي يصنع أصلا  لكي يخاطب الجمهور، وهو يعتبر أقرب (نظريا) من الفيلم التمثيلي إلى الجمهور، وذلك بحكم طبيعة موضوعه الذي يعالج قضايا الإنسان في أرض الواقع وكل ما يتعلق بحياة الإنسان اليومية وما ينشأ فيها من مشاكل وتحديات.
لكن المشكلة أن الجمهور الطبيعي الذي يتردد على دور العرض السينمائي لمشاهدة أفلام هوليوود التي تنحو نحو الإبهار مثلا، ويتم الترويج لها باستخجام أسماء النجوم اللامعين الذين يقومون بأدوار البطولة فيها، لا يرحب بمشاهدة الفيلم الوثائقي كما يفعل مع الفيلم الروائي الدرامي التقليدي. ولكن هناك بالطبع بعض الاستئناءات المحدودة، من أفلام ظهرت فقط خلال العقد الأخير، أي بعد أكثر من قرن على ظهور الفيلم الوثائقي.
ويعتقد معظم مشاهدي الأفلام في دور العرض السينمائي، أن الفيلم الوثائقي عمل ممل، يدور حول مواضيع لا تهمهم ولا يشعرون أثناء متابعتها لهم بالمتعة والإثارة التي يشعرون بها وهم يتابعون الفيلم الروائي التمثيلي. هذه الفرضية الخاطئة سادت لسنوات إمتدت طويلا، لكنها بدأت في الانحسار التدريجي الآن ولكن ببطء شديد.
صحيح أن الجمهور في البلدان الأوروبية أكثر إقبالا على مشاهدة الفيلم الوثائقي في دور العرض السينمائي من الجمهور في الولايات المتحدة، غير أن جمهور الوثائقي بشكل عام، يظل محدودا في العالم كله مقارنة بجمهور الفيلم الروائي. وتثبت البيانات والإحصائيات أن عدد الذين يشاهدون الفيلم الوثائقي عبر شبكات التليفزيون وأيضا القنوات التليفزيونية التي يدفع المشاهد مبلغا من المال مقابل مشاهدة فيلم معين يختاره، أو عبر مواقع الإنترنت، أقل كثيرا من جمهور الفيلم التمثيلي.
وتبدو الإحصائيات المتوفرة التي أجريت على مشاهدي الفيلم الوثائقي مربكة للمتخصصين في إنتاج هذا النوع من الأفلام وتوزيعها، ولذلك أصبح من الضروري البحث عن وسائل أكثر فعالية، لتسويق هذا النوع السينمائي وجذب الجمهور إلى مشاهدته استنادا إلى وجود قطاع لا باس به من الجمهور يرغب في مشاهدة المزيد من الأفلام الوثائقية، لكن مشكلة هذا القطاع أنه يبقى خارج دائرة الجمهور العريض الذي يستطيع التأثير في سوق التوزيع ودور العرض، فمعظمه مازال يعتمد في مشاهدة الفيلم الوثائقي، على وسائل أخرى غير التردد على دور العرض السينمائي، أي من خلال التليفزيون أو الانترنت أو قرصنة الشرائط المدمجة. وتتمثل المهمة الشاقة أمام منتجي الفيلم الوثائقي في إقناع الجمهور بشراء تذاكر المشاهدة، ومشاهدة الفيلم الوثائقي الجديد في دور العرض السينمائي.

نموذج مايكل مور

وقد أثبتت أفلام مايكل مور أن الفيلم الوثائقي يمكنه أن يجذب قطاعا “شعبيا” من الجمهور، بعد أن حققت نجاحا كبيرا في دور العرض السينمائي حول العالم وليس داخل الولايات المتحدة فقط.
لقد أعتبر النجاح التجاري الكبير الذي حققه فيلم “فهرنهايت 9/11”  (2004) لمايكل مور، الذي كان تصويرا ساخرا لسياسة الرئيس جورج بوش الإبن في تعامله وإدارته مع الملف العراقي، سابقة غير مسبقوقة بالنسبة للفيلم الوثائقي. وقد حقق الفيلم في عروضه على مستوى العالم 222 مليون دولار، وهو رقم قياسي لم يسبق أن حققه فيلم وثائقي في تاريخ السينما، لا من قبل ولا من بعد، ففيلم “سيكو” Sicko  الذي أخرجه مور عام 2007، لم يحقق سوى 36 مليون دولار في عروضه العالمية، لكن يجب ألا ننسى أن هذا الفيلم كان يبتعد عن تلك السخرية السياسية من المؤسسة الأمريكية التي ظهرت بجلاء في فيلم “فهرنهايت 11/9” والتي كانت مطلوبة من جانب قطاع كبير من الجمهور الأمريكي في فترة الحملة الانتخابية عام 2004، أما “سيكو” فكان يتناول موضوعا أكثر تخصصا يمتليء بالكثير من الإحصائيات والمقارنات، وهو موضوع النظام الصحي الأمريكي مقارنة بنظام التأمين الصحي في بريطانيا وكندا وكوبا.

كامل المقال


إعلان