تعال وانظر.. مقاربات حول تلقي الوثائقي

“إذ لم تنفتح ما يبقاش اسمها شبابيك” هذا البيت الجميل من ديوان “الزحمة” لعبد الرحمان الأبنودي هو مرقد الفرس في مسيرة الوثائقي والسينما بصفة عامة ـ في علاقته مع المتلقي أي ثنائية   وثائقي / متلقي.
ونردد مع الشاعر إذا لم تعرض لم يبق اسمها أفلام .والفلم شعر في بعض الأحيان.
وإذ قال أندري مالرو يوما استفزازا “السينما هي أيضا فن” فإن أي مقاربة للسينما في أي حقل من تحاليلها هي ثنائية هذا الفن الذي هو كذلك إبداع جمالي وإبداع تقني.
ولذلك سنكتشف عبر مسيرة هذا الفنّ الذي سمي بالسابع أن علاقته بالمجتمع أي بالمتلقي تتطور وتتغير بتطور الآلة … كما يحدّدها ألبرت فولتن عندما كتب أحد أولّ الكتب عن السينما : “السينما آلة وفنّ”,
ولذلك تبدو المقاربة أو الاشكالية في علاقة الوثائقي بالمتلقي مقاربة رباعية الأبعاد. وقبل أن نتناول تلك الأبعاد ، سؤال يبدو ساذجا  يفرض نفسه.

المتلقي من هو ؟
المتلقي فرد أو جماعة ؟ هل هو الإنسان القلق الباحث عن باحة  فرجة فيذهب إلى السينما ؟ هذا لا ينطبق على مشاهد الوثائقي مبدئيا  لأن هذا الرهط همش أم الروائي.
هل هو الجمهور الذي نتحدث باسمه ولا نعرفه إلا بعد أن دخلت السينما والوثائقي أساسا لعلبة التلفزيون وأصبح أباطرة المشهدية التلفزية يفرضون قواعد صارمة  وهما المبرمج الذي يحدّد توقيت البث   والمناسبة ومكتب البحوث الذي يدرس نوعية المشاهد ورغباته وانتظاراته حتى تعدّل تلك الأنتظارات والرغبات  لتطويعه للاستهلاك حتى يحوّله إلى نقطه مرمي سهام الاشهار.
لكن هناك المشاهد المتلقي المنعكف الذي يشاهد وكأنـّه في عزلة وهو أمام الشاشة وبين المئات من المشاهدين أعنى الناقد.
من هنا تبدو العلاقة بين الوثائقي والمتلقي معقدة.دراستها وتحليلها تضع أمام الباحث خيارات وتعقيدات لا يتمكن من تناولها الا باستعمال الأبعاد الأساسية المتبعة في العلوم الانسانية ومقاربات متعدّدة أخرى.ومنها:
 المقاربة التاريخية وقد تناولها الباحث رجيس دوبري في كتابه الشهير “حياة وموت الصورة”. نكثفها في ما يلي : بانتشارها أضاعت الصورة مكوناتها ،كما أدى تسطيح عملية المشاهدة ـ الأبصار ـ إلى افتقاد التمثـّل لقداستها، فالصورة وخاصة في بعدها الوثائقي كانت تتمتع بقوة تحول الغائب إلى حاضر.
المقاربة الفلسفية وقد بدأها النافد والباحث ، فيلسوف النقد السينما، بلا بالاش المجري  الذي اقتبس كل معطيات الفنمولوجيا من إمانويل كانت إلى مارلو بوتي حيث أكد  أن الوثائقي يتحوّل في هذه المقاربة إلى مادّة لجلد الرؤيا ووخز وجدان المتفرج حتى يتحول من متلقي بارد إلى مشاهد مشاكس يشك ويطرح نقط الاستفهام.
 المقارنة السوسيولوجية وهي التي يلهث ورائها رأس المال الذي يريد تحويل السينما وحتى الوثائقية إلى ما سماه انياسوراموني ” علكة العيون” ، جرعات محدّدة لمشاهد كسول حسب عدد المشاهدين وعدد ساعات ودقائق المشاهدة وانتظار المشاهد وما هي الطبخات التي ينتظرها وطريقة فرز المشاهد لما سيشاهده. من هنا حدّدت شبكات البرمجة وتخصص الفضائيات التي وإن اقتصرت على الوثائقي تخصصت أيضا حسب نوع الوثائقي وذلك اعتمادا على المتلقي.
ـ المقاربة الكمية الاحصائية، كيف رجع الوثائقي لقاعة السينماوما هي نسبة توزيعه حيال الروائي، كيف ينتقل الوثائقي إلى الانترنات الذي يقدر على حساب عدد المشاهدين في لحظة.
ركائز الوثائقي والبحث عن المتلقي

كان المشاهد قبل السينما يجلس على كرسي في المسرح ويشاهد لقطة واحدة حتى وإن فيها وعليها يتحرك الممثل، ثم أدخلت آلة ساعدت المتلقي المتفرج على تغيير حجم اللقطة  أعني المنظار المكبر الذي كان الآلة الأساسية لمشاهدة المسرح والأوبرا، لا يفارق عيون المتفرج البورجوازي؟

وعندما أتت أفلام الأخوة لوميبير كانت ذات لقطة واحدة وكأنها ركح مسرحي.
غير أنّ التركيب وتغيير أحجام اللقطات وحركة الكاميرا انتزعت من متفرج المسرح حريّة تحديد حجم اللقطة من وراء منظاره المكبر وهكذا اختلس المخرج حرية المتفرج في إعداد وجبته  البصرية ولذا وجب تحديد ركائز الوثائقي..

كامل المقال


إعلان