تطور الوثائقي والثورة الرقمية الحديثة

د.أمل الجمل

لا شك أن مسيرة السينما في بلادنا، وعلى الأخص في مصر، على علاقة وثيقة بالظروف والتحولات الاقتصادية والسياسية والثقافية، تماماً مثلما تتأثر بالتغيرات التكنولوجية. فتأمل أوضاع السينما وما أصابها من طفرة إنتاجية أو حتى كساد وتوقف مرحلي، إلى جانب محاولة تحليل مشكلاتها والأسباب الكامنة خلف انحدار مستواها أو العكس، وكذلك طريقة استقبال الجمهور لها قد يمنح المتلقي والباحثين في مجال السينما رؤية للأوضاع السائدة في البلاد سواء كانت سياسية أو ثقافية أو تكنولوجية. ربما لذلك لم يكن من قبيل الصدفة أنه عندما هبت انتفاضة 25 يناير 2011 توقع الكثيرون أن تصاحبها سينما ثورية على المستويين الروائي والوثائقي، وأن يتبدل الحال بزاوية مقدارها 180 درجة. قطعاً التغيير الجذري لم يحدث كما كان متوقعاً له، خصوصاً فيما يتعلق بالروائي الذي أصبح في مأزق كبير في ظل قوة الأحداث المتسارعة – التي تفوق الخيال – والتي مرت بها معظم بلدان المنطقة العربية، في حين أثبت الفيلم الوثائقي تفوقه وتميزه بأنواعه وأشكاله المختلفة حتى في ظل ضعف الإمكانيات أحياناً خصوصاً فيما يتعلق بأفلام عرفت بأفلام الإنترنت أو أفلام “الويب دوك”، وكذلك أفلام الموبايل. 

 
فلاش باك لابد منه
   من قراءة تفصيلية لتاريخ السينما المصرية ومشوار مخرجيها، نكتشف أنه على فترات متفاوتة ثمة جيل من الشباب يظهر ويتمرد على قيود الإنتاج التقليدية، ويسعى لتحقيق حلمه بشكل أو بآخر سواء في مجال الوثائقي أو الروائي، أو من خلال تلك الأشكال التي تجمع بين الجنسين. وإذا تأملنا – على الأخص – وضع السينمائيين الشباب منذ منتصف عام 2004 وخلال السنوات الأخيرة السابقة على انتفاضة 25 يناير 2011 سنكتشف ظهور تجارب مبشرة تنتمي للسينما المستقلة على المستويين الروائي والوثائقي، مثلما أقيمت في مصر عدة ورشات عمل سينمائية لصناعة الأفلام منخفضة الميزانية خصوصاً في مجال الوثائقي، وبدأت مجموعة من الشباب والشابات يفكروا في حلول ليخرجوا أفلامهم حتى لو اضطروا إلى أن يبيعوا أشياء يمتلكونها، وبينهم شباب وشابات كانوا يساعدون بعضهم البعض بالكاميرات أو وحدات المونتاج، حيث كان الشباب فيها يدعمون بعضهم البعض بالإنتاج التشاركي، ومنها أفلام تنهض بطولتها على الهواة غير المحترفين والوجوه الجديدة –  مثل إيثاكي ثم “عين شمس” – أفلام اعتمدت على بناء فني غير تقليدي يمزج بين الأنواع ويتحدى السرد التقليدي، والكوميدية الهزلية المتردية

لقطة من فيلم “عين شمس”

المسيطرة على السوق. ثم تعددت ورش عمل تدريبية على صناعة الأفلام قليلة التكاليف، وانتشرت فكرة أفلام الموبايل وأقيم لها ورشات عمل ومهرجان يدعمه السينمائيون الشباب، وبزغت أفلام وثائقية أخرجتها نساء لتناقش هموم جريئة تتعلق ببنات جنسها مثل “عن الشعور بالبرودة” الذي يعتبر صفعة قوية على وجه المجتمع الذكوري، مثلما ظهر الاهتمام بإقامة عروض خاصة عديدة لهذه الأفلام في المراكز الثقافية والجمعيات الأهلية في محاولة للوصول لجمهور معين وللتغلب على معوقات الوصول لدور العرض السينمائية. كذلك تحدي إبراهيم البطوط قانون الرقابة واستمر لفترة يقاومها في محاولة لكي يلغي البند المتعلق بضرورة الترخيص للسيناريو قبل التصوير. صحيح لم تنجح الحملة لكنها كانت تجربة جريئة لها صدى واسع وسانده فيها كثر.

وضع الوثائقي
    على الرغم أن السينما بدأت في مصر تسجيلية على يد الرائد “محمد بيومي”، وعلى مدار السنوات أخذت السينما تُوثّق حيوات الناس وأسلوب معيشتهم وعاداتهم وتقاليدهم ومقدرتهم على الصمود في وجه الطبيعة القاسية والتكيّف معها. وعلى الرغم أن الفيلم التسجيلي مثلما قاد إلى ابتكار تيارات مهمة في السينما الروائية “الواقعية الجديدة” في إيطاليا مثلاً، وكذلك في السينما العربية بدرجات متفاوتة، فكثير من المخرجين الروائيين المصريين بدأوا حياتهم من خلال الوثائقي. مع ذلك نال الفيلم الروائي نصيباً وحظاً أوفر من الوثائقي لأسباب عديدة، فالمنتج الخاص لم يغامر وينتجه إلا في حالات نادرة جداً كما فعل شاهين مثلاً مع بعض تلاميذه ومنهم يسري نصرالله في فيلمه “صبيان وبنات”.
    كذلك لم يكن للوثائقي حظ من التوزيع في دور العرض السينمائي بمصر إلا في مرحلة محددة من تاريخ الصناعة تركزت في الستينيات، ثم اختفى منذ السبعينيات من دور العرض ولم يعد إليها إلا في حالات نادرة في السنوات العشر الأخيرة من خلال بانوراما الفيلم الأوروبي التي تنظمها ماريان خوري، أو من خلال أفلام قليلة كان لها وضعها الخاص بسبب الظروف السياسية التي كانت تمر بها البلاد مثل “التحرير 2011″، و”يهود مصر”.
    وهكذا ظل الفيلم الوثائقي، كالابن غير الشرعي للسينما في مصر، وباستثناء الجهات الحكومية سواء كانت مؤسسة دعم السينما في الستينيات، أو المركز القومي للسينما، أو التليفزيون، فلم يكن هناك جهات تتحمس لإنتاج الوثائقي خصوصاً في ظل عدم القدرة على تسويقه أو عرضه في دور العرض السينمائي، أو حتى بيعه للفضائيات، واستمر الأمر هكذا حتى ظهرت قناة الجزيرة الوثائقية في المنطقة العربية فصار للفيلم الوثائقي نصيب كبير من الاهتمام يكاد يتفوق على الروائي. ثم توالى اهتمام القنوات الفضائية العربية الأخرى بالوثائقي بشكل نسبي، ومن ثم اهتمت به المهرجانات السينمائية وصار له قسم خاص وجوائز تُمنح لأفضل أفلامه ومخرجيه، وصار هناك مهرجانات مخصصة للفيلم الوثائقي ومنها مهرجان الجزيرة الدولي للأفلام الوثائقية والذي شاركت كاتبة هذه السطور في لجان تحكيمه بإحدى الدورات. 

 
وثائقي الويب
    مثلما انتشر التدوين في مرحلة ما، ومثلما تغير شكل السرد القصصي والروائي واختلفت لغته مع ظهور جيل جديد من الشباب خصوصاً في مستهل الألفية الثالثة كحالة من التمرد على القيود المكبلة للنشر ومعوقاته المادية والرغبة في الإفلات من هيمنة جيل بعينه، كذلك كان هناك عدد من مخرجي الأفلام الوثائقية والمصورين يبحثون عن أساليب جديدة لتقديم قصصهم، وسردها فظهر مصطلح وثائقيات الإنترنت لأول مرة 2002 في مهرجان سينما الواقع بباريس، وكان أول عمل اتبع المعايير – وفق آراء المختصين – بعنوان “مدينة الأموات” والذي ظهر عام 2005. ثم في عام 2010 أصبح هناك قسم خاص ومستقل يعرف بأفلام “الويب دوك” والتي استحوذت على اهتمام شريحة كبيرة من الجمهور، حتى أن بعض أفلامه زارها آلاف من المشاهدين في أيام قليلة.
   يختلف وثائقي الإنترنت، أو الوثائقي التفاعلي، أو الوثائقي متعدد الوسائط في إنتاجه عن الأشكال التقليدية، إذ يعتمد على تطبيق مجموعة كاملة من الأدوات والوسائط المتعددة. فإلى جانب أنه يتميز بقدرته التفاعلية مع المتلقي على الإنترنت، فإنه يستخدم وسيلة فريدة من نوعها تسهم في خلق عمل وثائقي غير خطي، إذ يتضمن الفيديو، وعرض شرائح صوتية أو معرض للتصوير الفوتوغرافي أو النصوص المكتوبة أو الصوت المسموع أو رسومات المعلومات أو الخرائط أو رسومات البيانات أو الرسوم المتحركة أو اللقاءات الإضافية، وأحياناً يتم اللجوء لتوظيف بصريات الألعاب والمنطق، خصوصاً إذا كان العمل ينهض على الرحلات الاستكشافية.

 
المشاهد يُغير موقعه
   كذلك يختلف وثائقي الإنترنت أو “الويب دوك” في كونه فعَّل دور المشاهد، ومنحه فرصة أن يُمثل دور إيجابي ومشارك فعال، خصوصاً في ظل اتساع الخيارات التي يمنحها له صانعو العمل، ومن هنا تحول موقع المشاهد إلى مكان آخر ومنطقة وسطى ما بين التلقي وعملية السرد نفسها، وإن كانت الخيارات متعددة ومهما بلغ تنوعها في وثائقي الويب لكنها في النهاية خيارات محدودة، فللقصة بداية ونهاية محددة، لكن من بين هذا المتاح سيحدد كل متلقي الطريق الذي سيسير فيه العمل، فيمكنه أن يتفادى مرحلة أو اثنتين أو يسلك طريق متقدم ليعرف ماذا حدث لأبطاله وموضوعه، وهكذا فالمشاهد هو الذي يتحكم في اتجاه تقدم الفيلم، ويختار نقاط ومكونات القصة التي تهمه أكثر من غيرها، أو مثلاً يختار الشكل البصري المفضل لديه أثناء سماع القصة، فهو الذي سيحدد، مثلاً، ما إذا كان سيكتفي بتأمل وجه البطل وملامحه وهو يحكي، أو سيشاهد الصور التي التقطها أو الرسومات البيانية أو الصور المتحركة وغيرها من الخيارات المتاحة. ومع ذلك لا يزال هناك بعض أفلام من وثائقي الويب تتعمد أن تنهض على السرد المتواصل وتتجنب تعدد الاختيارات خشية عدة أمور؛ أن لا تفقد المشاهد الكسول، وألا يضيع مغزى القصة بفعل التشوش أو التجزئة، لذلك لا تغامر بغرس خيارات متعددة مفخخة بالمعلومات قد تُصيب المتلقي بالضجر والملل. 

  

ويميزها أيضاً أن أغلبها يعتمد على مشاركة المشاهد – ليس فقط بالاختيار – ولكن أيضاً لأنها تُتيح له على الأقل فرصة المشاركة في النقاش ونشر صوره الخاصة. وبالطبع ساعدهم في ذلك وجودهم في عصر الإنترنت، وهو الأمر الذي جعل بعض الكليات والجامعات العالمية تقوم بتدريس كلا النوعين؛ أفلام الموبايل وكذلك وثائقي الإنترنت. بالإضافة إلى أن البعض ألف كتباً تدور حول الموضوع يتضمن محتواها؛ متى ولماذا يشد فيلم وثائقي إنترنت جيد المشاهد وإلى أي مدى يجب أن يكون مستوى التفاعل؟   
   يُنتج هذا النوع من وثائقيات الإنترنت – على خلاف أفلام الموبايل مثلاً – في إطار عمل جماعي، فإلى جانب الكاتب هناك المصممون ومختصو الغرافيك والمصورون ومطورو صفحات الإنترنت والمبرمجون. كما أن إنتاجها لا يخلو من بذل جهد كبير خصوصاً أن هناك أفلام تحتاج إلى جهد مضاعف في البرمجة قد يستغرق ضعف أيام التصوير.

 
ثورة الموبايل
   رغم عراقة السينما المصرية وتاريخها الطويل ظل هذا التاريخ قيد متين يُكبل حركة وتطور الوثائقي، إلى أن اندلعت ثورة الديجتال، وأخذت تتطور باستمرار، خصوصاً عندما انخفضت أسعار الكاميرات وأصبحت في متناول الكثير من الشباب والشابات، مع ذلك ظل إنتاج الفيلم الوثائقي يحتاج إلى تكلفة غير قليلة، فهو يحتاج إلى مصور وفنيين للكاميرا والصوت، والإضاءة، ومساعدين للإخراج، وتصاريح عديدة لأماكن التصوير، وترخيص رقابي، بالإضافة إلى المونتاج بتكلفته الباهظة. لذلك ظل هناك شباب وشابات غير قادرين على اقتناء الكاميرا او استئجارها، وغير قادرين على تحمل أعباء الإنتاج، ومن ثم كانوا غير قادرين على تحقيق حلمهم في التصوير والإخراج، لذلك عندما ظهرت فكرة التصوير بالموبايل وصناعة الأفلام عبرها كانت خطوة مهمة للبعض ليعلن من خلالها عن موهبته ويطورها حتى ولو بشكل مؤقت، خصوصا أن توظيف الهواتف المحمولة لم يعد يقتصر على استقبال المكالمات الهاتفية وتلقى الرسائل النصية والفيديوهات أو القيام بإجراء العمليات الاتصالية فحسب، بل إن شركات صناعة المحمول ظلت تسعى دائما لمواكبة التطورات التكنولوجية لتوفيرها في الهواتف الذكية من أجل زيادة حصتها في المبيعات، وجذب متلقي جديد.

    ظهرت فكرة التصوير وممارسة الإخراج عبر الموبايل في مصر عندما تم الإعلان عن مهرجان سينما الموبايل عام 2007 كأول تجربة في مصر والشرق الأوسط. بالطبع مهرجانات سينما الموبايل وُجدت في أوربا أولا وخصوصاً فرنسا التي يوجد بها نحو أربعة مهرجانات لسينما الموبايل – وهذا ليس بأمر غريب على فرنسا التي يقام بها أكثر من 300 مهرجان سينما سنوياً. أما في مصر فكان أول من طبق الفكرة المخرج المسرحي محمد عبد الفتاح مؤسس فرقة حالة المسرحية ومدير مهرجان القاهرة لأفلام الموبايل، فهو صاحب فكرة تأسيس مهرجان لسينما الموبايل وهي البادرة التي أطلقها في النصف الثاني من مارس عام 2007، وسانده في دعم هذا المهرجان في سنواته الأولى مجموعة من المخرجين الشباب مثل إبراهيم البطوط وتامر السعيد الذين ساعدا في تدريب الشباب على زوايا التصوير والإخراج بكاميرا الموبايل، لإكسابهم خبرات في هذا المجال. ثم في العاميين الماضيين أقيم مهرجان أخر نظمته الشركة العربية وشهد إقبالاً متزايد خصوصاً في ظل التطور التكنولوجي لأجهزة الموبايل وفي ظل وجود رعاة للمهرجان وتقديم جوائز معقولة تساعد الفائزين في التفكير في تحقيق عمل آخر إبداعي في ظل ظروف وشروط إنتاجية أفضل، وكانت أهداف المهرجان المعلن��؛ تشجيع المواهب ومساعدتها في تقديم أفكارها للعالم، تحرير صناعة الأفلام وآفاق المبدعين من تعقيدات الإنتاج، إلى جانب دعم التقنية الجديدة التي تمكن من صناعة الأفلام عبر الهاتف الجوال كأحد وسائل التعبير التي فرضت نفسها. ثم انطلقت فكرة المهرجان في بعض الدول العربية الأخرى منها الإمارات وسوريا والأردن.

 
أثار للربيع العربي 
   

ازدادت أهمية أجهزة الموبايل مع هبوب ثورات الدول العربية وانتفاضات شعوبها خلال الأعوام الماضية، خصوصاً في المجال الإعلامي حيث نقل الخبر والوقائع والأحداث، وبثها على مواقع اليوتيوب أو بثها على شاشات القنوات التليفزيونية، حيث شكلت كاميرات الموبايل سمة أساسية من سمات تلك الثورات، وكأنما تحول استخدام وتوظيف كاميرا الموبايل إلى أحد وسائل النضال السلمي، وصار الأمر موضوع دراسة في الجامعات الكبرى، بعد أن أصبح الموبايل وسيطاً فنياً متعدد المزايا، تصوير ونقل للبث والمشاهدة، أصبح إذن من السهل إنتاج فيلم وثائقي قصير أو طويل باستخدام الموبايل واجراء كل عمليات الانتاج من خلاله وتحميله الي العالم عبر صفحات الانترنت. أصبح هذا متاحاً لكل شخص يصادف حدث مفاجئ به طرافة أو جاذبية أو أهمية إنسانية مثلما هو متاح لكل صاحب فكرة إبداعية خلاقة من دون الحاجة لإمكانيات ضخمة، وهناك مخرجين كبار لهم تاريخهم في مجال الروائي والوثائقي قرروا أن يخوضوا تجربة التصوير بالموبايل ومنهم المخرج المغربي حكيم بلعباس الذي بدأ تصوير أحد أفلامه بهذه التقنية. إذن لا تقتصر أهمية التصوير والإخراج الوثائقي بالموبايل فقط في اكتشاف مواهب جديدة في مجالات متنوعة ومنحها فرصة للتدريب وإعمال الخيال واكتساب خبرات لم يكن من الممكن امتلاكها من قبل، فالتكنولوجيا الحديثة لكاميرات أجهزة الموبايل الذكية والتي تحتوي علي معالج ذكي، سريع وأكثر كفاءة، تسمح لكل من الهواة والمحترفين من تصوير أفلامهم باستخدام هذا الوسيط الذكي بالإضافة الي اتاحة اتصال مباشر بالإنترنت لعرض الصور والأفلام في نفس الوقت. 
هجوم مردود عليه
    وتماما كما حدث من هجوم ورفض للديجتال من قِبل بعض السينمائيين ومديري التصوير عندما انفجرت ثورة الكاميرات الرقمية “الديجيتال” في البداية بسبب انخفاض مستوى جودة الصورة، حيث يشوبها كثير من العيوب مقارنة بالصورة السينمائية، لكن البعض الآخر لجأ إليها توفيراً للنفقات ونجح في – ليس فقط تلافي كثير من العيوب – ولكنه عمل على توظيف تلك العقبات أو الخاصيات السلبية لصالح الجانب الإبداعي لديه، مُحققاً من خلالها أفلاماً مهماً في تاريخ السينما وأشهر مثال على مجموعة دوجما 95، ومنهم لارس فون ترير الذي بدأ بفيلمه “تحطيم الأمواج”. وفي مصر ظهرت تجربة فيلم “المدينة” ليسري نصر الله الذي عبَّد الطريق أمام مبدعي السينما كي يُواصلوا تجاربهم بعيداً عن شروط السوق السينمائي التقليدي، فظهر مخرجون ومخرجات جدد مثل ابراهيم البطوط، وأحمد عبدالله، وهالة لطفي، وماجي مورجان، وآخرون من العالم العربي. 
   نعود فنقول تماما مثلما وُجهت كاميرا الديجتال بالرفض هكذا استقبل البعض تصوير الأفلام بكاميرا الموبايل، إذ هاجموها وانتقدوا مهرجانات سينما الموبايل، مؤكدين أن “مثل هذه المهرجانات تهدم السينما؛ لأنها تفتح المجال لأصحاب الخبرات الضعيفة للدخول إلى مجال الفن.” متناسين أن لا شيء قادر على هدم السينما، وأن الدخلاء وذوي الخبرات والكفاءات الضعيفة موجودون في شتى الأماكن وفي ظل التكنولوجيا باهظة الثمن أيضاً. أما البعض الآخر فوصفوها “بالبدعة الجديدة وأنها أمر في غاية السوء لأن هذه النوعية من الأعمال تفتقد تماما الى الفكر والابداع الفني المطلوب.” ونسي أصحاب هذا الرأي أنه ما أكثر الأفلام الرديئة المنتجة بأموال ضخمة وبشريط خام سينمائي.. نسي أصحاب ذلك الرأي أيضاً أن الإبداع الحقيقي ليس مرهوناً بالمال أو بحجم الإنفاق، وإنما هو رهينة الخيال. وفريق ثالث ادعى أنه “أصبح من السهل تصوير أي شيء عن طريق التكنولوجيا المختلفة ولكن لا يمكن أن نعترف بها كونها سينما تعبر عن واقعنا، وتقدم فنا راقيا والا أصبح لدينا سينما الأفراح على سبيل المثال.” وفي تقدير كاتبة هذه السطور أن هؤلاء أيضاً سوف يعترفون – عاجلاً أو آجلاً – بتلك النوعية من الإبداع خصوصاً عندما تبرز أعمال قوية لافتة، والزمن وحده خير دليل.
    على صعيد آخر يمكن الرد على مهاجمي مشروع سينما الموبايل بآراء أخرى لمنتجين ومخرجين وفنانين، فمثلاً في الدورة الثانية من مهرجان سينما الموبايل الذي نظمته الشركة العربية قالت الفنانة المصرية بشرى “بأنها قبل خمس سنوات قالت مازحة إنه إن لم تعجبها السينما المصرية، ستقوم ببطولة أفلام مصورة بالموبايل معتبرة أن حديثها يقترب من التحقق على أرض الواقع.” وفي نفس الإطار يقول المخرج الشاب أمير رمسيس المدير الفني للمهرجان “أن صناعة الأفلام من خلال الهاتف المحمول تتطور بشكل يومي وما كان صعب المنال العام الماضي أصبح اليوم متاحاً بفضل التطور التقني وأعتقد أن فكرة التدوين البصري قد أصبحت أكثر انتشاراً يوماً بعد يوم في عالمنا العربي مواكبة للحدث الذي نحياه بشكل يومي وأصبح لها مساحتها سواء في التوثيق للحدث المجتمعي أو في خلق جيل جديد من صانعي السينما”.” في حين تحدثت الفنانة اسعاد يونس عن “أهمية تلك الذاكرة المرئية المسموعة التي يحملها هؤلاء الشباب بين أيديهم، والتي لا يستطيعون فقط ومن خلالها أن يسجلوا انطباعاتهم أو رؤاهم وأن يطبعوا أحلامهم، ولكن أيضا، وبكل ذلك الإبداع وتلك البصيرة والموهبة يستطيعون أن يحولوا مسار العالم أجمع.” بينما يُؤكد المخرج محمد خان “أن المهرجان هو متنفس لعدد كبير من الشباب لا يمتلكون التقنيات الحديثة التي تستخدم في السينما، من خلال تصوير أفلامهم بكاميرات الموبايل والتي أصبحت وسيلة مهمة من وسائل التوثيق والتصوير في مجتمعنا حاليا.” أما المنتج حسين القلا رئيس المهرجان فيرى أن “سينما الموبايل هي المستقبل، والعالم كله قد بدأ العمل علي هذا الطريق إيمانا منه بأهميتها”.


إعلان