بروباجاندا المحافظين الجدد
أمين صوصي علوي
يمكن اعتبار نموذج أفلام المخرج تيد أنسباش مثالا على أعراض الحالة الفرنسية, فقد قدم سلسة من الأفلام الوثائقية تتبنى بوضوح الأجندة الفرنسية للمحافظين الجدد, بدأها مع قدوم أوباما عام 2008 بفيلم, حينما تحجب الجمهورية وجهها (Quand la République se voile la face) هاجم فيه بعض السياسيين الفرنسيين وحملهم مسؤولية تهديد الثقافة الفرنسية بحجة سكوتهم وتواطؤهم مع ما يزعم أنها مظاهر راديكالية مخيفة ومتصاعدة, مثل الحجاب والدفن في مقابر خاصة بالمسلمين, أو حصول النساء في مدينة ليل مثلا على مكان بالمسبح البلدي خاص بهن. ثم قدم فيلما آخر عام 2009 للدفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية متهما فيه أعداء سياساتها بالهوس بنظرية المؤامرة. اسم الفيلم، المخادعون الرهيبون (Les effroyables imposteurs) وهو تحريف ساخر لعنوان كتاب الصحفي الفرنسي تيري ميسان الخدعة الرهيبة ( L’effroyable imposture) الذي يشكك في نسبة أحداث 11 سبتمبر 2001 للمسلمين. استطاع المخرج إلوصول إلى الجمهور الفرنسي والألماني بدعم من لوبي المحافظين الجدد الذي أنتج أفلامه عن طريق شركة دوك أون ستوك (Doc en Stock) بالشراكة مع قناة Arte التي اختارت برمجتها في أفضل ساعات البث المزدوج (فرنسي/ ألماني). أيامها كان مؤسس هذا اللوبي الفرنسي، الإسرائيلي ميشيل توبمان مديرا للأخبار في قناة Arte.
في عام 2013 بثت القناة الفرنسية الرسمية (France 5) فيلما جديدا لتيد ان سباش بعنوان “سفر إلى ما وراء التعصب – من فرنسا إلى باكستان”. خلال 52 دقيقة يجد المشاهد نفسه أمام سرد عاطفي للأحداث ينتقل بشكل عشوائي من قصة أم مكلومة دخل ابنها السجن الفرنسي بتهمة الإرهاب. إلى شاب بريطاني مسلم يعاني من ضيق نفسي يريد الذهاب للجهاد في سوريا، ثم قصة يافع بريطاني من أصول باكستانية بعثه والده قسريا إلى حلقات تحفيظ القران بكراتشي. مشاهد لا يمكن الربط بينها موضوعيا مهما اجتهد المونتاج في ترتيبها، لولا صوت الراوي الذي يعمد إلى التهويل للإقناع بتسلسل تلك الأحداث مصحوبا بموسيقى تصويرية حادة تتغير بتغير رغبة المخرج في توجيه المتلقي نحو حالات نفسية تتأرجح بين الحزن والقلق والخوف، لتبقيه تحت الضغط النفسي طيلة السرد، فتقل حظوظ مقاومته للمغالطات الواضحة وتنسيه أنه انتقل من تحقيق صحفي كما تعلن مقدمة الفيلم إلى قصة أدبية يختفي فيها التوثيق العلمي للأحداث والوقائع لتحل محله الانطباعية. هذه الحيل الفنية التي اتبعها انسباش ظهرت في مطلع التسعينيات في مجال الإعلانات التجارية وانتقلت إلى الحملات السياسية كأحدث أساليب البروباجاندا التطبيقية تحت مسمى التلقين القصصي (Storytelling) . سيناريو الفيلم أعد مسبقا لاتهام المدارس القرآنية بباكستان بأنها “مصدر الارهاب”، بعد ان راكم حولها جملة من الظواهر الجيوسياسية المتنافرة، معلنا بذلك عن اكتشافه “لجذور الشر”.
ما يثير الانتباه في موضوع الفيلم هو التركيز على نوعية من الإرهابيين تختلف عمن سبقها بالتطرف الذاتي (auto-radicalisation ) وهو مفهوم جديد أفرزته النظريات الأمنية لعهد أوباما, حيث بدأ الحديث عن جيل جديد من الإرهابيين يطلق عليه اسم “الذئاب المنفردة”. يلصق انسباش هذه الصفة بفئة المهتدين الجدد المنحدرين من أسر مسلمة وبالفتيان الغربيين الذين اعتنقوا الإسلام حديثا، مستدلا بحالة محمد مراح الذي اتهم بقتل ثلاثة مظليين فرنسيين من أصول مغاربية، ثم قتل أستاذ وثلاثة أطفال بإحدى المدارس اليهودية.
![]() |