بحث عن الواقع المجتمعي

عبد الكريم قابوس

استهلال

عندما اتصلت بموضوع هذا العدد من مجلة الجزيرة الوثائقية فكرت كثيرا، هل أنا قادر على  الإجابة عن هذه الاشكالية بطريقة كلاسيكية، لأن الموضوع سيتطلب كثيرا من النبش في الذاكرة المكتوبة والمرئية، ولأن الآليات البحثية المحفّة بالموضوع تتراوح بين التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع والإبستمولوجيا.
 تشجعت وكالعادة أستغل فرص الكتابة للقراءة حول الموضوع نفسه وما يحفّ به، أعادني الموضوع إلى فتح صناديق المذكرات والجذاذات التي استعملتها في أعداد الدكتوراه التي كان عنوانها ” استعمال الصورة في دراسة أنثربولوجيا المغرب العربي” وقررت أن أحصر الموضوع في السينما التونسية، ثم الفرنسية التي أعرفها جيدا، وإذا به، وأنا أستعد للتحرير، أتاني خبر الهجوم على متحف باردو من طرف الإرهابيين.

 توقفت ! ليس هنا دخل للسياسة، بل أني منذ سنة أُعدّ فيلما وثائقيا عن الفسيفساء. ومن بين اللوحات التي كنت أقف أمامها لوحة صغيرة تحتل وحدها جدارا كاملا مثل الموناليزا، صغيرة في حجمها عريضة في وضعها داخل إطار تاريخ الفن والإنسانية، مربع من الفسيفساء أضلاعه مقاسها 122 سنتمتر ، تمثل الشاعر فرجيل وتحف به ملهمة التاريخ ،كليو، وملهمة التراجيديا بقناعها، ميلبومان.
 وفرجيل هو الشاعر الذي ترك لنا ملحمة الأنييد  التي سجل فيها  على طريقة إلياذة هومريوس ، تاريخ المتوسط، وما يهمني هنا هو النشيد الثامن من الملحمة الذي خصّ به الشاعر حب إيني بطل الملحمة بديدون، عليسة بلغة روما، والذي يشدّني دوما البيت الثامن من الملحمة أترجمها هنا:
“أيتها الملهمة خبرِّيني المسببات، لماذا المسُّ من الحق المقدس، لماذا…” وتقف الكتابة.
أعتقد أن مدونة الفسيفساء في تونس، وهي أكبر مدونة في العالم، هي أهم فيلم وثائقي، صُوِّر بأشلاء الصخور والبلور، تعكس لنا المجتمعات القديمة، وحياتها وهي إفراز تلك المجتمعات.
أجمل ما في الفسيفساء أنها مشتتة و متناسقة في نفس الوقت، صورة مكتملة للمشهد مركبة من شظايا، وما الفيلم الوثائقي إلا وحدة بصرية مكونة من شظايا الصور.
ولهذا يأتي ما سأكتب على طريقة الفسيفساء، شظايا أفكار يوحدّها الوثائقي في علاقته مع المجتمعي.

1
تساؤلات وطروحات
هل الوثائقي نتيجة البيئة الاجتماعية ومعبر حقيقي عنها أو أنه يضع واقعه الخاص؟
سؤال محدد وضيق، والجواب عنه شاسع، بلا ضفاف، كالوثائقي نفسه. سؤال محفوف بالمطبّات، وبالأخص حين نجرؤ على توجيهه فوق تلك الأكداس من الأفلام والوثائق المصورة التي أصبح، وسيظل، يئن تحتها الموثِّق والباحث والناقد وخاصة هذا الرهط الجديد من مستعملي الوثائقي، أعني  مُعدِّي البرامج التلفزيونية النابعة من إعادة تركيب الصورة الوثائقية، التي هي كالسمكة اذا أخرجت من ماء عيشها الأول ماتت.

وإذا طرحنا هذا السؤال أمام المدونة الوثائقية الكونية، وعملية تستيفها (أستعير العبارة من يحيى حقي الذي يطلق على التوثيق الورقي عبارة التستيف) حسب تطور الوثائقي على سموت عدّة. سمت الزّمان ، والسّمت الجغرافي – السياسي، والسّمت الإقتصادي – المالي، والكل من خلال حشرجات التاريخ الذي واكبه الوثائقي والذي يكشف أن التاريخ، والوثائقي ، على حد تعبير أسامة ابن منقذ، لا يشرب من نهر الزمن مرتين، إذ حسب هنري توران في مقدمة فيلمه الرائع ،” 1936 المنعرج الكبير” ، بأن “التاريخ لا يعيد نفسه بل يُفَئفِئْ”.
ولنطرح السؤال من جديد؟
ما هو الوثائقي؟ (كسؤال مرتبط بالإشكالية الأساسية المطروحة من أول سطر في هذا المقال) وماذا نقصد بالبيئة الاجتماعية؟
 هذا يجرنا إلى التساؤل الآتي: ما مدى القدرة التعبيرية للوثائقي على تلك البيئة الاجتماعية التي برز فيها/منها أو عليها؟
وهل للوثائقي واقع (واقعية حسب المدرسة النقدية الفرنسية عندما ضبطت الروائي يتسلل للوثائقي إبان زمن الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية،  وهذا وحده يشكل أجمل إجابة من  منطلق السينما الروائية على سؤالنا).
من المسلّم أن تناول هذا النسيج من التساؤلات،  نسيج يأتي سداه سينما ولحمته المجتمع، يفرض الوعي الدقيق لضرورة تحديد الحقل الاجتماعي والمدونة السينمائية التي سيبرر من خلال سحبها التقاطع بين الإشكاليتين ، التوثيق بالصورة، وضرورة المجتمع لسحب تعبير سينمائي على الواقع.

برنامج طموح، وخيوط عدة تتشابك، وربما لا يخلص من خلالها المحلل وذلك  لفقدان المراجع، رغم مدونة مكتوبة هائلة، في عدة لغات، ولصعوبة الوصول للوثائقيات نفسها التي تحولت مع انفجار التلفزيون إلى سماد حقل بصري، يحرثه المال وتنبت فوقه باقات القنوات المتعددة .
إذا سلمّنا بطبيعة الوثائقي على أنه أداة تعبير وليست وسيلة وصف باهتة، ومجهر سيبرز اللاّمرئي في المجتمع المُعاش، خاصة لمّا أخذنا بعين الاعتبار تحديد الاختلافات الجذرية للفضاءات الجغراسياسية التي برز فيها الوثائقي وانعدام التوازن كمّيا ونوعيّا للمدونة الوثائقية لكل شعب حسب التسلسل الزمني.

2
فضاءات التساؤل حول الوثائقي والمجتمعي
أربع فضاءات مختلفة ، تحرك فيها الوثائقي في علاقته مع المجتمع، منها ما  نعرف عنها الكثير، لكن بقي الأكثر، ومنها التي ما زالت مجهولة، وذلك نتيجة حاجز اللغة، ومسلك التوزيع، حتى أتى التلفزيون الذي سيقوم بركلة بصرية في جبل السينماءات العالمية ليستغل مكوناتها.

الحقل الأول ، ما نسميه في تبسيط ركيك “الغرب”: والحق أنه مكون من المجتمعات ذات المرجعية اليهودية – المسيحية (بإفراغ الكلمتين من مرجعيتها الأيديولوجية بل استنادا لتقسيم قامت به المدارس التاريخية الأوروبية والدراسات الخاصة بعلوم الاجتماع، مثل مارك بلوك ، ومارسيل موس) يضم أوروبا والأمريكيتين وأستراليا، حقل برزت فيه ( في سياق الثورة الصناعية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والتي نبتت على تربته المجتمعية)، التجارب السينمائية الوثائقية، سينما بدأت بالدهشة، وتحولت لتطويع  الرأي العام، مرورا بالبحث عن البعيد و الغريب.  فقد تركت لنا  المراجع كل شاردة وواردة  حول مسيرة الوثائقي فيها عبر المؤسسات، والدراسات، ومراكز الخزن، والمهرجانات والنقابات، والباحثين.

الحقل الثاني لا نعرف عنه شيئا: نتيجة التهميش أثناء الاستعمار الذي تزامن مع بروز السينما الوثائقية،هذا الحقل الذي  نعرف الوثائقي عنه وليس الوثائقي منه، وهو ما نسميه الحقل الهندوسي – الكونفوشيوسي أي آسيا الهند والصين واليابان مع الدول التي تمثل كواكبها الجغراسياسية والثقافية. وربما ستكون  مدونتها الوثائقية مع الانفجار الرقمي الاكتشاف الأكبر وتهزّ المسلمّات الثابتة حول طبيعة الوثائقي وخاصة في علاقته مع البيئة المجتمعية.
الحقل الأفريقي بما فيه الجزر الأسترالية والاستوائية: الذي ، وإن كان ينبوع وثائقيات مدهشة، بقي حقلا وثائقيا وكأنه محميات طبيعية وإثنية، وخزانات لتقاليد دوما مدهشة، حيث أتت الأفلام الوثائقية عنها وليس منها أيضاً صرخة المخرج الكبير السنغالي عصمان صمبان لما قال متوجها للمخرجين الوثائقيين الغربيين :” كفوا على تصويرنا كما تصورون الحشرات” وهي جملة تلخص كل شيء. هناك تجربة نادرة وتبقى مرجعا  وهي تجربة جان روش، الأستاذ الذي تتلمذنا على يديه أجيالا من العرب والأفارقة ومؤسِّس السينما الإثنية، خاصة أنه اكتشف المعادلة التي تطرحها إشكاليتنا وذلك بإدماج الأفارقة الذين يتم تصويرهم بالمساهمة في تصوير مجتمعهم.

الحقل الأخير هو الحقل العربي الإسلامي: الذي تبدو مدونته الوثائقية كالقزم ذي الرأس الضخم، وسجله التسجيلي ينحدر من الانتماء الثقافي كل حسب استعماره ، تقريبا يتكون  بثلاث محاور ، أفريقيا الشمالية واستلابها الفرانكوفوني ، والشرق المتوسط بمرجعيته الأنغلوساكسونية والأوروبية الشرقية، وحقل ثالث تفجّر بصريا منذ بعث قناة الجزيرة، أعني الخليج.
الجسم هو المدونة الوثائقية العربية التي ما زالت تعد بمئات  الساعات من الأفلام، في حين أن مخزون قناة الجزيرة  الوثائقية، والجزيرة مباشر، وتحقيقات الجزيرة الأم تقاس بآلاف التترات (وربما سيبرد وحدات قيس وزن التخزين الرقمي) أي آلاف الساعات وهو الرأس الضخم للقزم الوثائقي العربي.

إذا وقفنا في مفترق هذه الحقول، والتطور الزمني للوثائقي سنصاب بالحيرة وربما الغثيان النظري عندما يبرز عدم التكافؤ في طرح العلاقة الممكنة والمحتملة بين الوثائقي والبيئة المجتمعية، خاصة  إذا جازفنا وانزلقنا مفهوميا من الاجتماعية الى المجتمعية.
هن هنا لا بد أن ندعو للتحليل المؤرخ المختص، وعالم الاجتماع والانثربولوجيا، والناقد والابتسمولوجي .
من هنا  كذلك سيأتي خطابنا على شكل ترسُّل، تبدو فقراته مشتتة، ًو انطباعية، لكن لا حيلة،  إلا أن نحول هذه الدراسة إلى كتاب ضخم.
ما سيأتي في سياق متقطع هو محاكات لما يقوم به الوثائقي حين يريد إعطاء صورة عن البيئة المجتمعية التي انبثق منها، لكن تشتتنا نريده كتشتُّت الفسيفساء.

3
تعريفات  مرة أخرى
مرة أخرى ما هو الوثائقي؟
التعريف الذي نصبو إليه ليس تعريفا قاموسيا بل تحديدا لحقله الدلالي للوثائقي عبر تطوره التاريخي إنتاجا وإبداعا واستعمالا، والكل في علاقته مع البيئة الاجتماعية التي برز فيها بحثا عن جزء من الإجابة على تساؤلنا الأساسي.
لنتذكّر أن أول استعمال لكلمة وثائقي كانت سنة 1929 وإذا سلمنا بأن تاريخ السينما يبدأ، حسب المدرسة الفرنسية، بيوم العرض الأول الشهير الذي نظمّه الأخوة لوميير يوم 28 ديسمبر 1895 نكتشف أن السينما بقيت 36 سنة بدون تسمية لها، علاقة مع المجتمع مفهوميا، السينماتوغراف، أي الكتابة بالحركة، لأن استعمال كلمة documentry جاء على يد جون غريرسن، أب السينما الوثائقية البريطانية عندما صوّر فيلمه عن صيادي السمك الإنكليز، واختلف مع فلا هرتي الذي أبهر المتفرجين بفيلمه “نانوك” عن حياة الإسكيمو. اعتمد المخرج الأول على الوثيقة شبه خامة دون تدخُّل فاعتبر أفلامه وثائقيا في حين أن فلا هرتي قام بنوع من إخراج حياة الناس و اعتبر أفلامه وثائقية هو الآخر.
من هنا وفي عملية رجعية (بمعنى الرجوع لما سبق) يكتشف الباحث أن الوثائقي زامن في تعريفاته تطور التقنية والمجتمع  أي أن الوثائقي وليد مجتمعه، وتطوّر حسب ما كان يصبو إليه في إعطاء أشمل صورة عن ذلك المجتمع مستعملا كل الوسائل والاختراعات، والحيل،  والتحايل أحيانا.

البداية بأفلام الأخوة لوميير، وخاصة أشهرها والتي يُستدّل بها لدى مؤرخي السينما،  “فيلم الخروج من المصنع” و فيلم “القطار يدخل المحطة” التي تم تشريحها وتحليلها لقطة لقطة، وإن كانت أفلاما ذات دقيقة واحدة، لأن المونتاج (التركيب) لم يأتِ إلا مع المخرج غيرفيت والسينما الروائية في حين ان المصورين الأوائل الذين بعثهم الأخوة لوميير يجوبون العالم يقومون بما يسمى مونتاج كاميرا، أي تحسبا من نفاذ الخام، حيث كانت بكرة الفيلم ذات 33مترا تكفي لتصوير دقيقة واحدة، فيصورون لقطاتهم بطريقة متقطعة.
لكن فيلم الخروج من المصنع، كان هو الأول مجهزا روائيا، حيث حشر العمال ساعة وراء باب المصنع حتى يُعدّ المصوِّر آلاته، وفيلم القطار كان بلا صوت، لكنه آثار فزع الجمهور.
هل من باب الصدف أن يكون الفيلمين الأولين في التاريخ عن مصنع وقطار، وهي رموز الثورة الصناعية وثورة المواصلات والعمال، حيث يحيلان إلى بروز الحركات العمالية في آخر القرن التاسع عشر.
لنقلها ببساطة رغم تعدد محاولات تعريف الوثائقي، أن الفيلم الوثائقي هو الفيلم بدون ممثل وبطله المجتمع والإنسان والزمان والمكان، هذه الرباعية التي نطلق عليها المجتمعي بصيغة الاسم لا النعت.

4
من شهقة البدء إلى غابة التصنيف

إذن ولد الوثائقي، والسينما قاطبة، من رحم المجتمع عاكسا طبيعة ذلك المجتمع، لحظة إنتاج الفيلم. من شهقة البدء وحيرة الاكتشاف إلى ضبابية تعدُّد المشارب والمواضيع والمحامل.
وسوف يتطور الوثائقي عبر السنون حسب تطور المجتمع، وسوف يحاول الوثائقي كذلك ، التدخل في المجتمع.
وإن كانت الكاميرا آلة ” التقاط الواقع الحيّ” كما سمّاها مخترعيها، وهي عبارة عن آلة علمية، كالمجهر أو القطار، تحولت إلى آلة للبحث عن صورة العالم، عندما أرسل الأخوة لوميير مصورين لاستجلاء  واستجلاب صور البعيد والغريب. واستجابت لفلسفة ذلك العصر التي أسسّها أوغست كونت أي الفلسفة الوضعية positivisme،  غير أن الوثائقي تحول مبكرا إلى البحث عن الواقع، والتخبُّط في مدارات عدة حتى يصبح منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى سينما الحقيقة، أو السينما المباشرة، منذ السبعينات ليصبح سينما الواقع، استجابة لمتطلبات الغول البصري الذي نسميه تلفزيون.

منذ 1905 تشهد السينما أكبر ثورة وهي فصل الكاميرا عن آلة العرض. كانت كاميرا لوميير تصور في النهار وتعرض في الليل، كما هو الأمر اليوم بالنسبة للسمارت فون، لكن تدخل رأس المال، وفصل المصوِّر عن العارض وفصل الإخراج  والإنتاج عن التوزيع.
فبدأت السينما وهي وثائقية تغزو المعارض الشعبية، التي كانت أسواقا واحتفالات في نفس الوقت، ويخرج للمجتمع باعة متجولون من نوع جديد، يبيعون مشاهد من واقع المجتمع،
وبسرعة شديدة سيتحول الوثائقي إلى منظومة تستجيب لتطور الاتصال عندما برز الراديو، وتطورت الصحافة، وهكذا شُيِّدت بسرعة قاعات عروض خاصة، لعرض أفلام ما يسمى الجرائد السينمائية، وهي المرحلة الأساسية التي تجلّت فيها علاقة الوثائقي بالبيئة المجتمعية، وبقيت السينما الروائية، منحصرة في خانة ضيقة باعتبارها “مسرح سينمائي”.  
وكما سبق فإن الفيلم الوثائقي لم يبرز إلا بعد الحرب العالمية، إذ تحوّل الوثائقي من 1914 وحتى 1920 إلى سينما حرب، تُستعمل لتحديد مواقع العدو وقوته وعدته ومواقعه، وطبعا لعرض تطورات الحرب أمام المشاهد أي الجمهور.
فالسينما تصبح ثلاثية المشارب صناعة وفنا ووسيلة اتصال جماهيري، من هنا سيحاول الوثائقي البحث عن مكان له لكي يكون المرآة العاكسة للمجتمع، ويبرهن عبر إنتاجه على أنه ضرورة مُلحّة فرضها المجتمع كغذاء بصري، وحتى ظهور التلفزيون.

بدأ الوثائقي ينتقل من الدهشة إلى التجاوز ليصبح وسيلة بيداغوجية، وتربوية، إلى أن انقضّت عليه الأيديولوجيا ليتحول إلى أهم وسيلة للبروباغندا، سيستعمله ستالين، وهتلر،   وموسوليني، هذا الأخير كان يؤمن بالسينما حتى بعث بنفسه أول مهرجان سينمائي بالبندقية، وأوكل هتلر لغوبلس مهمة استعمال السينما موازاة لاستعمال الحديد الصلب لصناعة السلاح، وتدخّل ستالين بنفسه لإنتاج الأفلام، وما روائع أيزنشتاين حتى وإن كان ظاهرها روائيا إلا وثائقيات في الأساس، أفلاما طلبها ومولّها الحزب البولشيفي.
وسوف تخلق الحرب العالمية الثانية، إلى جانب الشعر والرواية والملصقات، سينما المقاومة التي تركت لنا مدونة هائلة، وتحولت كل السينما إلى نوع من التوثيق المرئي أمام الغزو النازي، وما اشتهر الهولوكوست إلا عن طريق لقطات صُورَّت أثناء اكتشاف المحتشدات والتي لا تفوِّت الساعة، تلك اللقطات التي حولّت حتى اليوم نظرة المجتمع للنازية، في حين أن جوانب أخرى منها قد اختفت أو لم تطفُ على السطح لغياب الوثائقي الخاص بها .

لكن مع الطائرة واختراع آلة عيار 16 مليمتر وآلة التسجيل الخفيفة، طار السينمائيون نحو العالم لخلق رهط جديد من الوثائقيات وأهمها السينما الإثنية والأنثربولوجية، ثم الروبرتاج، والتحقيقات ،وأهمها، وهي ظاهرة مجتمعية لا يستهان بها، التظاهرات الرياضية، والمؤتمرات.
لكن سوف يتخذ الوثائقي منعرجا أساسيا بعد أحداث مايو في فرنسا 1968  وما شابهها في العالم، نتيجة توقف السنوات المجنونة التي تمثّلت في استغلال خطة مارشال، وتحول المجتمع الصناعي إلى مجتمع مالي ومعلوماتي، وبرزت سينما الحقيقة أولا، وتحولت إلى سينما الواقع ليتدخل التلفزيون والحاسوب ويبعثر الكل في ركلة بصرية لا ندري إلى أين ستصل بالعالم جرّاء سهولة التسجيل والتصوير، وسهولة البث، وسهولة النفاذ للصورة.

5
تسجيلي أم وثائقي .. مقاربة عربية
كل ما تقدّم سابقا يخص المجتمعات المفرزة للوثائقي كصناعة وتقنية ومحتوى واستجابة مجتمعية  وتجارة، أما نحن العرب ما هي علاقة الوثائقي بالبيئة المجتمعية لدينا؟
 برنامج على الجزيرة يُلخص عنوانه حالة الوثائقي في العالم العربي والإسلامي بعبارة جميلة  وهي ” أرشيفهم وتاريخنا“ وهي تذكرني في  عنوانها ”العرب يُؤَرشفون ويُؤَرشف لهم“ إن كان للعرب مساهمة في التنظير للوثائقي فهي مساهمة لغوية وقد أتت صدفة منذ البداية فصل المخرجون والمنظرُّون الوثائقي عن التسجيلي.
اهتم النقد بالوثائقي نظريا وتاريخيا في مصر أساسا عن طريق مدرسة نظرية كان زعيمها هاشم النحاس وآخرون، وعندما تخصص الإخوة التلمساني و فؤاد وصلاح التهامي خرجت المفردتين: التسجيلي والوثائقي وهذه الجرأة الابستمولوجية لا نجد لها أثرا في اللغات الأخرى إذ تحشر كل الأصناف الوثائقية والتسجيلية والتوثيقية ( أي أفلام الارشيف) في خانة ” الدوكيومنتري” أي تصنيف الوثائقي كعلامة تجارية.

من المتعارف عليه لما وصل الوثائقي إلى قمة الاعتراف به في العشرينات عندما فرض نفسه كرهط سينمائي مستقل، كان يستلّ من المجتمعات طبيعتها في نوع من اختلاس خِرَقٍ من الواقع عند طريق السرد الروائي والتكوين المفتعل لهذا الواقع، مثل ما اكتشفه النقاد في فيلم المرجع ” نانوك” لفلاهرتي الذي ركّب مشاهدا في مجتمع الإسكيمو وبدأ فضح الروائي لعدم استجابته للتسجيلي.
الفصل بين الوثائقي والتسجيلي أتى متأخرا في الغرب وبالتحديد بعد الحرب العالمية الثانية عندما انقضّ التلفزيون على التسجيلي وأخرج عن الوثائقي التحقيق والروبرتاج وما يسمى اليوم بأفلام الاستقصاء، إلى جانب طبعا الأنباء المصورة التي كانت في بداية السينما العمود الفقري للوثائقي في علاقته مع الجمهور.

كل ذلك أدّى  بالوثائقي كظاهرة فنية تريد أن تعكس البيئة المجتمعية للانكماش على نفسه، عندما تحوّل في أواسط السبعينات لسينما الحقيقة في كندا وأمريكا، وسينما الواقع في فرنسا ثم أوروبا،  هذا الرهط الذي أصبح له مهرجانا كبيرا يُنظّم سنويا في مركز بامبيدو الشهير بالعاصمة الفرنسية، والذي أصبح كعبة فيلم الواقعي بمهرجانه الشهير عن سينما الواقع.
كل ذلك خلق موجة من رفض التعريفات في فرنسا، ويحدد الوثائقي اليوم موقفه من أساليب تصوير المجتمع في صلب الصناعة السينمائية والتلفزيونية ليصبح ما يسمى في فرنسا وثائقي الإبداع، ويحتل مكانة في صلب المركز الوطني للسينما ويفتك بالتمويلات وطرق التوزيع إلى جانب الروائي.

من هنا نعيد طرح السؤال من جديد.
هل هذه المقاربة تفرض علينا أن نحدد تحليلينا على نوع واحد وهو الوثائقي وعلوم الاجتماع. وبعد تتبُّع المسارات التاريخية للوثائقي وتطور التعريفات الدالة على مفاصل تساؤلنا وإشكاليتنا بموازاتها لتطور المجتمعات التي تبرز فيها الأفلام الوثائقية، نطرح لماما مسارات نظرية تفتح لنا أبوابا تحاول أن تفضي بنا إلى تساؤلات أخرى كما في ألف ليلة وليلة، كل ما فتحنا بابا نجد سبعة أبواب يجب فتحها ويتحول الغوص في علاقة الوثائقي بالمجتمع إلى بئر نظري بلا قاع. انزلقنا مفهوميّا من الاجتماعية إلى المجتمعيّة:
هنا سيستدعي مساهمة الناقد، وعالم الإنسانيات (الأنثروبولوجيا)، والمؤرخ، والابستيمولوجي.

6
مدارات الوثائقي والمجتمعي

الفن (الرسم والنّحت) والشعر والرّواية والمسرح وبعدها السينما هي إفرازات للتطورات المجتمعية على مستوى التاريخ السياسي والاقتصاد السياسي والكل مطروح فوق أرضية أساسها الثقافة، والموروث، والدين من خلال تلك التطورات المجتمعية وكذلك  تطور الوثائقي كشكل ومضمون، وتابع حشرجات المجتمعات المنبثق والمعبر عنها عبر التاريخ الحديث.
 لتطرح الأسئلة مباشرة.
ما هو الفيلم المجتمعي؟ هل هو الذي يصور المجتمعي داخل المجتمع، أي الذي يؤكد على الصراعات الاجتماعية؟ هل الفيلم المجتمعي يستقي قيمته من النظرة التي يعكسها لمجتمع ما؟  أو من اختيار المواضيع المتناولة؟ أو أنه المرهم الذي يهدهد اختلاجات المواطن في نوع من الواقعية / الفبركة؟
كل هذه الأسئلة تفرض على المؤرخ البحث عن التطور التاريخي للوثائقي، كظاهرة تقنية، وطموح جمالي، وممارسة ثقافية، وخاصة كوسيلة تدخل اجتماعي حتى أصبح أداة نضال أو وسيلة تعبير وفي كثير من الأحيان أداة لترويض المجتمعات؟
كيف التحرك في خيوط هذا التشابك النظري وغابة  التساؤلات؟
لماذا نطرح اليوم هذا السؤال: ما معنى أن نهتم سينمائيا بالمجتمع والمجتمعي ؟ وبالتحديد وثائقيا؟ مع العلم أنه من المسلم به أن في كل وثائقي حكي، أي جزء روائي وأن في كل رواية توثيق، على الأقل في طبيعة الصورة ومكوناتها وزاوية الحدوث.
من جهة يصنع الوثائقي نظرة محددة للمجتمع، وهذا بغض النظر عن التصنيف، فإن الواقع المجتمعي الذي يعكسه الوثائقي يستجيب إلى مقاسات تشكيلية، حسب الموضوع والفكر والانتماء.
ومن جهة أخرى يؤثر  المجتمع في الوثائقي ليعكس واقع مجتمعه ويتطور شكلا ومضمونا يتطور المجتمع استجابة للتطورات التقنية، والاجتماعية والثقافية.

7
توازي تطوّر الوثائقي بتطوّر المجتمعات

طبعا وكما قلنا  حقل بحثنا أوروبا، لا لشيء إلاّ لأنّ العالم العربي لا يمتلك تدوينا لموروثه السّينمائي الوثائقي.
هناك  في الفضاء العربي  كتب ومصنفات ومقالات وكتالوجات حول الأفلام – والأفلام الوثائقيّة – لكن غياب المؤسّسات الأرشيفية المختصة  لا يتيح ولا يبيح لنا النّفاذ لتلك الأفلام.
في حين أن أوروبا توصّلت إلى وعي بقيمة الوثائقي والصّورة بصفة عامّة كوثيقة، ومرجع وسلعة أيضا.
وأماكن مثل مؤسّسة ” المعهد الوطني للسّمعيات البصريّات” في فرنسا الّذي يخزّن كلّ الموروث السّمعي البصري من إنتاجات السينما التلفزيونات ويفهرسها ويوثقّها و يصنفها ويطرحها لإعادة استغلالها.
من هنا تنحصر مرجعيتنا على أوروبا اعتمادا على المراجع باللّغة الفرنسيّة.

أمّا الرّجوع إلى الوثائقيات العربيّة فهو  صعب المنال؛ خاصّة أنّ تلك الأفلام بقيت مسجلة على محامل  ومقاسات صعبة النفاذ وربما عديمة المشاهدة في حين أنّ الفيلم  الرّوائي العربي  أصبح يغزو الإنترنت،  على اليوتيوب إذ  يقع التربّص لكلّ ما تبثّه القنوات التّلفزيّونية العامّة والمتخصّصة من أفلام ومسلسلات لتدون وتقترح للتحميل المجاني على المواقع المجتمعية.
والمقارنة بين المدوّنات النقدية والنظرية العربيّة والأوروبيّة يكشف أنّ مسار الوثائقيات العربيّة يستجيب لتطوّرات الوثائقي الأوروبي تماهيا أو تقليدا دون أن يكون ذلك التّطوّر يعكس  تطوّر المجتمع العربي  ومن هنا تبقى المقارنة نظريّة.

8
كيف يكون الوثائقي إفرازا مجتمعيا؟
 قبل البحث عن كيفية الوثائقي كإفراز للمجتمع نقدم كيف تم تنميط الوثائقيات  في غابة من التصنيفات و لنستعرض بعض الأنماط :
يكون الوثائقي حسب التصنيف، فيلم أنثروبولوجي، إنساني، مركب من وثائقيات أخرى، أفلام سفر وسياحة، أفلام دعاية وبروباغندا، أفلام ترسل وبحث، وأفلام تمزج بين الروائي والوثائقي، وانفلتت منها منذ بداية التلفزيون، التحقيقات، الروبورتاجات ، أفلام الاستقصاء والتغطيات المباشرة.
أما على مستوى الأصناف يكون الفيلم تاريخي، علمي، رياضي، طبي وغيرها.
من هنا تنكّب اليوم وحدات بحث في الجامعات والمؤسسات الأرشيفية، والجمعيات، تساؤلات تطرح أسسا جديدة حول السؤال الذي طرحته في البداية.
ارتبط بروز الوثائقي بكل أصنافه بتطورات  المجتمع  الذي برز أو تطور في  صلبه وذلك حسب التطورات أي المجتمعية السياسية، الاقتصادية ،الثقافية، والجمالية.
والكل مرتبط بأمرين: التقدم العلمي و الثورات التكنولوجية، من هذا المنظور سنكتشف أن تطور أو قل إرهاصات الوثائقي، وخاصة نمطيته التي باتت معروفة والتي  تتبع مسارات تاريخية، وأخرى تكنولوجية.

نحاول هنا تقديم فهرسة لأنماط الوثائقيات وكيف أفرزها مجتمعها وكيف عكست تلك المجتمعات:
أولا – أفلام الدهشة التقنية

هذه المرحلة امتدّت من تاريخ أول عرض عام 1895 إلى سنة  1905
وقد كانت بمثابة عروض تقدم الاختراع وليس المضمون نفسه، لكن يمكن اعتبار هذه المرحلة بداية إفراز المجتمعات الصناعية للوثائقي، حيث أنه  من خلال الدهشة أمام الاختراع بدأت الشعوب تكتشف نفسها وبالتالي مجتمعاتها في لقطات مكبرة عبر الشاشة.
 
ثانيا – من 1900 إلى 1914: مرحلة البعيد والغريب
انتقلت كاميرا الأخوة لوميير لتجوب العالم واستجلاب صور الشعوب و الفضاءات الأخرى، وهكذا بدأ الوثائقي يقترح على المتفرج غير القارئ والمثقف وسيلة جديدة لمقارنة مجتمعه بالمجتمعات الأخرى وهو ما يسمى ببدايات السينما الأنثربولوجية التي لم تبرز وضوحا وممارسة إلا في الخمسينات.

ثالثا –   1914إلى1990: وثائقي الحرب
وهي الفترة التي ازدهرت فيها سينما الحرب والصحافة المصورة، انغمست السينما في تقديم أفلام عن الحرب العالمية الثانية، لكنها أفرزت نوعا جديدا من الأفلام وهو الأخبار السينمائية وهنا يبدو الوثائقي كضرورة مجتمعية، والغريب أن قَصبتين ستتحركان بطريقة متلازمة ومتوازية ، سبطانة المدفع والبندقية و منظار آلة التصوير والكاميرا، وبقي ذلك لحد اليوم، فلا أخبار مصورة بدون حرب ولا حروب بدون صور.

 رابعا -1920إلى 1939: زمن الوثائقي البحت 
كثرت الأطروحات حول اختراع كلمة وثائقي وربطها  بالسينما، وتنسب لفلاهرتي في مقال شهير كتبه غريرسن، لكن الوضع الاجتماعي في  الغرب بعد رخاء نسبي نتيجة استغلال المستعمرات تغير حين دخلت أوروبا وأمريكا في أزمة اقتصادية، فبعد محاولة اكتشاف المجتمعات البعيدة برزت في بريطانيا مدرسة وثائقية تبحث في إرهاصات المجتمع، في المدن الصناعية، والأوساط الفقيرة وبؤر الأعمال الشاقة.

 خامسا  – 1940إلى1950: وثائقي البروباغندا والصمود
 سيعيش الوثائقي على مسارين، البروبغندا من ناحية المحور (ألمانيا وإيطاليا)، وسينما المقاومة لدى بلدان الحلفاء، وهذه الفترة غنية جداً في بريطانيا وروسيا وأمريكا بكل مكوناتها خاصة في كندا والمكسيك، طبعا إلى جانب المدونة الوثائقية بالولايات المتحدة والتي شرعت مكتبة الكونغرس في بثها مجانا. هذه الفترة هي موضوع أطروحات ودراسات عدّة.

سادسا -1950إلى 1968: سينما الآخر البعيد والأنا القريب
نمت سينما البعيد أو الغرائبية  وسينما المجتمع القريب على أرضية مخطط مارشال، وخاصة بعد اختراع الكاميرا المحمولة عيار 16ملم، إذ بدأ الفيلم الوثائقي يصبح إثنيا وأنثروبولجيا، و برزت موضة الركض حول العالم  لاستجلاب البعيد والغريب، وتزامن ذلك مع انفجار إعلامي بنشر التلفزيون الذي لم يكن لديه آلة لتسجيل الفيديو وهو عصر ذهبي للوثائقي الذي كان يُموِّل القاعات ببرامج تعرض قبل الأفلام وعنوانها الأخبار المصورة، والأخبار الموثقة على شاشة التلفزيون في غياب المباشر وبتاريخ 1968 بعد الثورة الطلابية في فرنسا ثم أوروبا قاطبة،  سوف يطيح الوثائقي بالعديد من التابوهات حين انغمس في المعامل والحياة اليومية في عملية فضح وتنديد، خاصة أن العديد من المخرجين الكبار انتقلوا في تلك الأثناء من الروائي إلى الوثائقي.

  سابعا – من1970 إلى اليوم: حابل السينما ونابل التكنولوجيا
يضيع المؤرخ بين التطورات التقنية من فيديو خفيف، فيديو منزلي، رقمنة الصورة، تطور المحامل، بروز الانترنت والهاتف الجوال والمواقع الاجتماعية ، وتطور قنوات البث، ويقف الباحث هنا يتساءل عن طريق الجمعيات والمهرجانات والقنوات المختصة ليبحث عن جواب حول  انزلاق الوثائقي منذ السبعينات من التوثيق إلى سينما الحقيقة في البداية، إلى ما يسمى سينما التصوير المباشر، إلى سينما الواقع، ويلي ذلك أهم استحداث والمتمثل في  سينما الإبداع الوثائقي الذي يبحث عن سردية وثائقية تُزاحم الروائي الذي كان يُقدِّم المتخيَّل على أنه أصدق من الواقع، إلى أن الواقع يحكي أحسن وأدق من السرد الروائي.
وهكذا سنجد الوثائقي يعيش اليوم تنميطا و تصنيفات متعددة الوجهات.

9
بوابات العلاقة بين الوثائقي والمجتمعي

لنحاول فتح بوابات  الوثائقي في علاقته  مع المجتمعي. ربما تفضي هذه البوابات إلى طروحات  تجد إجابتها في طرحها. كل ذلك يطفو على مستوى التاريخاني ثم التّصنيف وبعدها التّطوّر النّوعي وتلونّات الوثائقي.
الفيلم الوثائقي الذي كان الأب الشّرعي للسينما بكل أنواعها، مرّ بأزمات سبّبتها التطوّرات والحشرجات المجتمعيّة تاريخيّا، ثمّ تعدّد محاولات ترويض الاقتصاد الّذي “يسلّع”  الفنّ والهزّات المجتمعيّة من حروب وثورات طوّرت الجمهور وحدّدت مواصفاته، مما أثرّ على الإنتاج السينمائي الّذي يتكوّن مع تطوّر الجمهور الذي يتطور بتطور المجتمع.

1) الموضوعي والذّاتي:
إنّ الدور الحقيقي لكل فنّ كان وسيكون التعبير عما يفرضه الزّمن.
ولا يرتقي أيّ فنّ إلى إمكانيّة التّعريف بالمجتمعات أسرع وأدق وأكثر من السّينما… والوصول به إلى أوسع نطاق من النّاس كما يبحث الوثائقي – والّسينما قاطبة – على تسليط الأضواء على مجتمع عصر إنتاجه، عن الأفراد والجمهور والتعبير عن أحلامهم، تطلّعاتهم، مخاوفهم، مسلّماتهم الثّابتة والمتغيّرة … في كلمة تسليط الأضواء على المجتمع المعاصر.
وهكذا يكون الوثائقي وسيلة لتحديد مشهد المجتمع بعيدا عن المشهدية، ويتحوّل شيئا فشيئا إلى خزّان موروث ومدوّنة تاريخيّة.
على المستوى الموضوعي يعكس الوثائقي الوضع الحقيقي والصّادق لمجتمعه الّذي أفرزه كفنّ وصناعة وتجارة منها المشاكل الاجتماعيّة، طبقات المجتمع، وخاصّة الصّراعات الفكريّة والأيديولوجيّة.

2) الوثائقي مرآة المجتمع:
يبدو الوثائقي كأنّه انعكاس للحاضر وهو كما قال الرّوائي “ستندال” عن الفنّ الرّوائي والرّواية: ” الرواية  هي مرآة تتجوّل بها على الطّرقات فتعكس زمنها، بطرق تفكيرها وعيشها، بعظمة وضع المجتمع وهناته، حشرجاته، حيراته، تطلّعاته ،آماله، وأحلامه”. لنجازف ونقول أن مقولة “ستندال” تنطبق على الوثائقي في علاقته مع المجتمع، لكنها في الأول مرآة مقعرة تحدد الصورة ومرآة محدبة تشوه صورة المجتمع، ومع تعدد الشاشات الأربعة (السينما، التلفزيون، الحاسوب والسمارت فون) النهمة وثائقيا، تصبح مرآة مهشمة تعكس ألف صورة لمجتمع واحد مسببة غثيان بصري لدى جمهور تتجاذبه اللغات والسلع، والقضايا المفتعلة.
يبدو من الصّعب أن يتعرّف مواطن اليوم  على وضعه المُعاش عبر الوثائقي، وربّما يتعرّف عليه أكثر مواطن الغد، من هنا يصبح الوثائقي، الذي كان يصبو إلى عكس مجتمع اليوم، يتحول إلى خزّان للذّاكرة البصريّة لمجتمع الأمس.
من هنا نجد إشكاليتنا تصطدم بمفارقات حاضر الوثائقي كانعكاس للتاريخ الآني الذي يمر أمام أعيننا (أحداث سبتمبر 2011 مثلا) والوثائقي كموروث بصري بدأ الاهتمام به، وما القنوات المختصة في التاريخ، والبيئة لأفصح دليل على ذلك.
فالوثائقي قادر على تحديد مشهدية المجتمع الّذي يتحرّك فيه والّذي أفرزه كممارسة مجتمعيّة تفرضها التطوّرات العلميّة، والسياسيّة والاقتصاديّة، وكلّ ما يطلق عليه ثقافة الحاضر من هنا هو إفراز المجتمع.
وسرعان ما يتحول إلى موروث وذاكرة المجتمع.

3) الوثائقي قناة بيداغوجية لفهم المجتمع:
عندما نستعرض المدونة الوثائقية بكل مراحلها يبدو وراء الغشاء الانبهاري والتوق لتقريب البعيد والكشف عن اللامبصر، فإنّ الوثائقي هو في آخر التحليل أداة بيداغوجية مجتمعية ناجحة: فهو يُعلم، ويوضح ويقدم وجهة نظر صحيحة أو مخطئة حول موضوع محدّد.
من هنا يسحب على الوثائقي أحد أدوار العلوم الإنسانية : التحليل، التدقيق، التدوين والتحرير. أي أنّه كعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، والتاريخ، يقوم بالدور النبيل المتمثل في إلقاء الأضواء على أسس الواقع. من هذا المنطلق يبرز  دور الوثائقي ابستيمولوجيّا بدون أن ينطق بذلك أو ينتمي لذلك الحقل. والعكس صحيح.
 فإن غيّب الواقع من الوثائقي يقوم بالدور المعاكس للبيداغوجية الاجتماعية، وأدق مثَل ما قام به الوثائقي والتحقيق والإعلامي البصري حول أحداث سبتمبر عندما أعلن البنتاغون رسميا وبدقة أن حجب المعلومة أثناء الحروب هو سلاح ككل الأسلحة، وللبنتاغون الحق في حجب الحقائق.

من هنا، وعلى عدّة مستويات، يتقاطع الإنتاج السينمائي الوثائقي مع علوم الاجتماع. وهكذا يكون الوثائقي وليد بيئته لأنّه يبحث عنها، ويلهث وراء أدق المعطيات لتكبير اللقطة والإشارة إلى ما يبدو مخفيا نتيجة التعود وما يسميه بيار بورديو “هابتوس” أي تذويب الخاص والدقيق والعام في خضم اليومي، واللهاث وراء الحياة ليتحول الواقع إلى نوع من الرتابة لا يستطيع إيقاظها إلا الفيلم الوثائقي. وكما يسميه علماء الاجتماع طمأنينة الجوار. أن تمر يوميا على مشهد يتغاضى وعيك عن رؤيته.

4) الفيديو صنبور وثائقي يتحول من أفلمة المجتمعي إلى إنتاج المعرفة
يبدو الوثائقي من مواقفه، ومن حتميته الأخلاقية والجمالية، وطريقة إنتاجه للصورة، والتفكير في العلاقة بين العالم المعاش والصورة كأنّه يبحث عن الاعتراف بالجميل للمجتمع الذي أفرزه .
من هنا حاول علماء الاجتماع، وعلماء الإثنية والأنثروبولوجيا، استعمال الوثائقي عن طريق الفيديو كوسيلة تدوين وتحليل مثلها مثل المكتوب.
ومن هنا  أيضا يبدو الوثائقي كحتمية مجتمعية لمّا أصبح وسيلة اتصال يكشف المخفي ويصبو للبحث عن تعرية المسكوت عنه لشرح مكونات التسلط الفكري والمجتمعي والثقافي والديني، ثم يرتقي إلى تفكيك عمليات التهميش، والفروق  الطبقية، أي تحديد معاني الحراك الاجتماعي.
أسباب ومسببات لجوء علماء الاجتماع للوثائقي  ليس الوصول إلى أوسع شرائح المجتمع بل سرعة بث المعلومة وهذا ما اختطفه التلفزيون، ثم الفيديو والانترنت واليوم الشبكات المجتمعية.

 أصبح الوثائقي اليوم منتجا للمعرفة، وذلك لأنه قادر على تسجيل الواقع  بأسهل الطرق وأقلّها ثمنا وأسرع تنفيذا وبثا إلى حدّ المباشر، حتى وإن كان ذلك الواقع يتحوّل في بعض الأحيان من فعل موضوعي إلى عملية تفكيك ذاتية.
ولا يكتفي الوثائقي مجتمعيا بإنتاج صور المجتمعات بل يتوق لنشر المعرفة والأفكار، وإن كانت منهجيته تشكو آنية الفكرة التي ربما تدخل في النسيان عند انطفاء نور الصورة إنما  كثيرا ما تكون تلك الممارسة وسيلة لبلورة مفاهيم كانت غامضة. وللوثائقي دور لا يستهان به في إنتاج  المعرفة، وبلغة “رولان بارت” إنتاج المعنى عندما يتم تكديس الوثائق وأرشفتها وها هي التلفزيونات تلهث وراء الوثائقيات القديمة كمنبع لا لتقديم  الوثائق والحجج والأدلة، بمفهوم التحقيق القضائي، بل كصنوبر معرفة لا يستطيع تدوينها النص والكلمة والصورة الثابتة، من هنا نستعيد مقولة أن الوثائقي يشن  الحرب ضدّ الموت والفناء.

فالوثائقي اليوم ينتج أنواعا جديدة من المعرفة.
لنأخذ مثلا: المحطات المختصة في وثائقيات الطبيعة، حياة الحيوان، أفلام الزراعة والنباتات، البراكين والزلازل، التقنيات الحديثة، أفلام الطب والتكنولوجيا، كل تلك الوثائقيات هي إفراز تطور المجتمع وإجابة لمتطلبات وضروريات ملحه فرضها العصر عندما تتحول المعلومة إلى سلعة في تقاطع مسارين: تدخُّل الوثائقي في تحديد صورة المجتمع، وتأثير التطورات الاجتماعية على تطور الوثائقي تكمن الإشكالية التي نريد طرحها.
الرهانات الأساسية في العلاقة بين الوثائقي والمجتمعي هي رهانات جمالية، فكرية وأيديولوجية. فالوثائقي إن كان دوما يبحث تعرية اهتراء المجتمعات جرّاء تدخل الإنسان (البيئة، والصحة، والمدن مثلا) فهو يصبح خاصة، لما يغزو التلفزيون، وسيلة لمحاربة ما يهدّد المجتمعات، أي دور المجتمعي دور نضالي.

5) الوثا��قي والمجتمعي والواقعي:
الألفية الثالثة هي ألفية الديمقراطية، التوق للديمقراطية على الأقل، ولا توجد، مجتمعيا، وسيلة لممارسة الشفافية أكثر من الصورة وخاصة الوثائقي (بكل أوجهه، إن كان تسجيليا، أو تحقيقا، أو ريبورتاجا، أو استقصاء) .
صحيح أن للسينما وخاصة الوثائقي دور – مثل ما كان عليه في ما بين الحربين مشوها للواقع عن طريق أفلام البروباغندا – في ترويض الرأي العام، وصحيح أن الوثائقي هو الطريق والطريقة الأفضل لتكوين نظرة أكثر وضوحا للمجتمع بكل مكوناته البشرية والطبقية والأيديولوجية.
لنسلِّم بأن العالم اليوم – أكثر من أي وقت مضى –  يفرض على الوثائقي أن يصبح رهينة الالتزام بأن يقوم  بعكس الواقع حتى يضمن الساسة صدقية التحركات المجتمعية.

ففي المجتمعات التي تصف نفسها بالديموقراطية لا تقدر على ضمان  استقرار المؤسسات والاحتفاظ بالسلطة وعدم تعرضها لخطر التفكيك (كالوضع الذي تعيشه العديد من البلدان العربية والإفريقية)، إلا بتوفير وسائل دقيقة ومحددة وناجحة مجتمعيا لضمان الشفافية على كل المستويات، وأنجح أداة لذلك هي الوسائل السمعية البصرية، وادقها وأكثرها صدقية وتأثيرا الوثائقي . فشريط الأنباء يُخبر، والوثائقي يُقرِّر وينفي، والاستقصاء يكشف ويتساءل.
أهم  تلك الوسائل الدقيقة والمحددة والناجحة مجتمعيا لضمان الشفافية على كل المستويات هي التربية الشعبية حسب ما كتبه نعوم شومسكي وأطلق عليه  “صناعة التوافق”، لمّا يقدم السياسيون هذا التوافق كعملية ديمقراطية يشارك فيها المواطن وبصفة شخصية وإيهامه أنه يمارس مشاركة السياسي في القرار.
ولذلك  الغرض لا أفضل من الصورة وخاصة الوثيقة التلفزيونية التي تربعت منذ ثلاثين سنة على عرش وسائل الإقناع المجتمعي فهي يوما دعاية ويوما ديماغوجيا، من هنا سيتحول ما يسمى بسينما الواقع إلى نقيض للفيلم الوثائقي المجتمعي الذي يحلل ويشرح ويندد وينبه. وهذا وجه من أوجه مساهمة المجتمعي في تحديد دور وطبيعة الوثائقي وهو ما يسمى بالوثائقي المجتمعي، فما هو الفيلم المجتمعي؟ وماهي حدوده؟ وإن كانت السينما المجتمعية روائية أو وثائقية؟
لماذا يحاط الوثائقي المجتمعي اليوم بقداسة تفرضه على التلفزيون ليزاحم الخبر، ويُعرض على شاشات قاعات السينما إلى جانب الأفلام الروائية وأفلام علوم الخيال (حيث يبرمج اليوم الوثائقي إلى جانب الروائي) في طرح هذه الأسئلة محاولة للبحث عن جواب للسؤال المطروح في البدء.
خاتمة

أُفضِّل كلمة فاتحة، لا خاتمة، أي التي تفتح آفاقا جديدة.
كنت أود المواصلة وأغرق في موضوع آخر متصل بالموضوع الأساسي وهو الوثائقي وعلوم الاجتماع، ولنا مدونة كبرى تفتح لنا بوابات جديدة على دقة الوثائقي في رسم المجتمعات من النواحي الإثنية، والاثنولوجية، والانثروبولوجية والتاريخية، وربما هذا الملف يُفتح هنا على الجزيرة الوثائقية في وقت آخر لنصل على حد قول إدغار موران “عندما نتخطى  عن طريق الكاميرا الجدار الذي يحجب عنا الواقع، نكتشف أن المجتمع في متناول عالم الاجتماع الذي يفكك الواقع بكل مكوناته، وتكفّ السينما عن تقديم المجتمع كسلسلة من المشاهد الكوميدية والدرامية”.
 ***
ملحق
مقتطفات من أقوال المخرجين والمنظرِّين حول علاقة الوثائقي بالمجتمعي

 -“أدخل التلفزيون تغييرات هامة في ممارسة السينمائيين وما ينتظر المشاهد بالنسبة للوثائقي، وذلك لأن التلفزيون يمول ويضمن توزيع الوثائقيات. ولأن أهم دور للتلفزيون هو الإعلام، فقد فُرض على الوثائقي أن يكون إعلاميا وأدى ذلك إلى الخلط بين الوثائقي في أعلى تجلياته، (فرتوف، فلا هرتي، وغيرهم ) والتحقيقات الكبرى.“
(المخرج المنظر فريدريك بلتيي)  Frédéric Pelletier

-“ماذا يعني اليوم أن نهتم سينمائيا بالمجتمعات؟ من ناحية تصنع السينما نظرة خاصة للمجتمعي، وعلاوة على تصنيفات السينما وخاصة الوثائقي، يستجيب الواقع الذي
تعكسه  الأفلام إلى تصنيفات شكلية على مستوى اختيار الموضوع والتوجهات الأيديولوجية. ومن ناحية أخرى يصبغ المجتمعي السينما حتى أن السينما ستحمل علامات المواضيع التي تهدهد المجتمع”.
مقدمة مجلة حراك Mouvements    عدد 27-28 

 -” إن هدف السينما الوثائقية هو أساسا دور بيداغوجي، أي ان يُعلّم، وينير، ويعطي نظرة حول ظاهرة معينة أو موضوع محدد، من هنا يقترب العمل الوثائقي من العلوم الإنسانية، أي ليفتك عمل المؤرخ وعالم الاجتماع والانثروبولوجيا، أي أنها سينمات تشارك في العمل النبيل المتمثل في تقديم دعامات الواقع. وهو عمل إبستمولوجي لا يريد أن يفصح عن هويته… و نرى من عدة جوانب أن النتاج السينمائي  الوثائقي يتقاطع ويلتقي مع إنتاج علوم الاجتماع”.
(لاري بورتيس Larry Portis   مجلة L’Homme en mouvement  عدد خاص عن السينما الوثائقية عدد 142 – 2004).

– “السينما تكون وثائقية من تموضعها، وهدفها الأخلاقي والجمالي، وبطريقة إفراز الصور، والتفكير في العلاقة بين العالم وصورة العالم، لكن هذا التموضع والهدف والطريقة، ممكن في الروائي والتوثيقي على حدّ السّواء  وهي عملية مرتبطة بالمخرج ورغبته الإبداعية لإعطاء صورة من / عن المجتمع”.
(ماكسيم  شاينفيغل  Maxime Scheinfeigel)

– “من الناحية  الموضوعية تعكس بعض الأفلام أوجه حقيقية للمجتمعات التي تنبع منها، أعني المشاكل الاجتماعية، ومتوقع الطبقات فيها، والخلافات الأيديولوجية أساسا…  ومن الناحية الذاتية، يبحث المتفرج والباحث والمنظر في الوثائقيات عن المكونات التي تعكس واقع الإنسان والمجتمع”.
(ريال ميشو Réal Michaud   مجلة Séquences  عدد 26-1961 )
 
– “إن كانت أفلامنا روائية أم وثائقية كل ما نسرده كذب في كذب، فنّنا هو أن نقدم الكذب بطريقة يؤمن بها المشاهد، أن نلملم أشلاء مشاهد فتلك ليست  قضية المُشاهد. بطريقة أخرى أقول إن سلسلة الأكاذيب تتحول عبر السينما إلى حقيقة كبرى.”
(عباس كياروستامي –  كتاب Cinéma notre temps  1994)
 
– “كل  الأفلام الروائية الكبرى تصبو لأن تكون وثائقية، كما أن كل الوثائقيات الكبرى تصبو لأن تكون روائية.. والمخرج الذي يصبو إلى هذا النوع أو ذاك يجد نفسه أمام النوع الثاني”.
) المخرج جان لوك غوادر( Jean-Luc Godard

– “كل الناس يلعبون الكوميديا باستثناء بعض الممثلين.”
( المسرحي والسينمائي ساشا غيترتي Sacha Guitry)

– “أن تصوِّر فيلما وثائقيا هو أن تكتشف واقع المجتمع في نفس لحظة التصوير… وأعتقد أن الحقيقة نظرة ذاتية، ولا أؤمن كثيرا بالموضوعية العلمية، ولم يتوقف الوثائقي عن البحث عن علاقته بالمجتمع، فهو رهينة رغبات المشاهد.”
(هنري ستورك Henri Storck مخرج وثائقي أخرج أفلاما مع يوريس افنس 1933 )

– “يختار الوثائقي أن يُقدِّم تقريرا عما يراه في المجتمع، والفن يأتي في مرحلة ثانية، إن كان يتمتع بمؤهلات الإبداع، أما شهادته على الواقع تأتي في آخر المطاف، فالمخرج الوثائقي هو شاهد، ومناضل وفنان نضاله مرتبط بالبحث عن المعنى والمعرفة.”
(غي غوتيي Guy Gauthier  من كتاب الوثائقي ، سينما أخرى 1995 )

– “صحيح أن المشاهد يصل للحقائق العميقة عن طريق التخيل والسينما الروائية، لكن هناك حقائق لا يقدر الروائي النفوذ إليها وتقديمها وهي كنه حقائق المعاش”.
(إدغار موران Edgar Morin  أول عام اجتماع يؤلف كتبا عن السينما)
 
– “السينما هي عين مفتوحة ملء اتساعها، عين أكثر قدرة من عين البشر، قادرة على رؤية ما لا يراه البشر في المجتمعات.”
(جرمان دولاك  Germaine Dulac  مخرجة  من أوائل من مارسوا الإخراج في فرنسا)
– قصيدة دزيغا فرتوف عن الوثائقي والمجتمعي:
” أنا السينما – العين
أنا العين الميكانيكية
أنا الآلة التي تعكس واقعكم
واقع لا تقدر أن تراه
اليوم أنا اتحرر
من جمود الإنساني
أنا في حركة أزلية
أتقدم من الأشياء وأبتعد عنها
أتسلل من تحتها، ألج فيها
أتنقل حتى خياشيم الحصان في السباق
أخترق الجماهير في الزحمة بسرعة فائقة
أستبق الجندي أثناء هجومه
أطير مع الطائرات
أستلقي على ظهري،
 أسقط واقفا مع الأجساد التي تستقيم واقفة”.

(دزيغا فرتوف Dziga Vertov  مخرج ومنظر بلشفي صاحب تجربة  قطار السينما)
 
 -“مخرج الفيلم الوثائقي المجتمعي يدخل من ثقب الباب، ويصور السلطان بدون أن يفطن له، ويتسلّل تحت سجاد القمار في  الكازينو، لذلك يختلط الوثائقي المجتمعي بالوثائقي العادي او الجريدة السينمائية  لأنه يدافع عن نظرة المخرج. هذا الرهط من مخرجي الوثائقيات  يتميّز باتخاذ المواقف ووضع النقاط على الحروف، وإن لم يكن ملتزما كفنان سيكون ملتزما كإنسان.”
)المخرج جان فيغو  Jean Vigo – 1941(
 
– “منذ أن استُعملت السينما في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، اعتبر الذي لا يستعمل السينما ليس عالم أنثربولوجيا.”
)جان روش  Jean Rouch  مؤسس السينما الإثنولوجية) 

– “في حال السينما المباشرة، تبدو العلاقة التي نخلقها بين من هو أمام الكاميرا ومن هو ورائها هي أساس كنه الفعل السينمائي، كل ما أقوم  به من فعل هام وأساسي هو الولوج في حياة الناس”.
( المخرج لويس مال  Louis Malle  مخرج رائعة كالكوتا أول وثائقي يعرض في القاعات كالأفلام الروائية)

– “أشعر بنفسي أنني أكتب سيرتي الذاتية في كتابة سيرة الناس، المخرج الوثائقي الذي يضع نفسه مكان الأشخاص الذين يصور واقعهم ويحاول أن يرى العالم بأعينهم ويتكلم على لسانهم، هو المخرج الذي يحكي حياة الناس وكأنه أخ أو ابن الأشخاص الذي يتناول واقعهم، وهو المخرج الذي يرى أن الوثائقي هو فن السيرة، والقادر على إعادة تركيب الذاكرة عبر صورة تلج في لب المجتمع أي الإنسان و بالمقابل نتعرف على المجتمع الذي يلج في الصورة”.
( المخرج والمنظر السويسري ريشارد ندو Richard Dindo )


ببليوغرافيا

ALMENDROS N., Un homme à la caméra, Paris, Hatier, 1980.
AUMONT J., (textes sélectionnés par) Eisenstein, au delà des étoiles , Paris, U.G.E., 1974.
BOURDIEU P., Questions de sociologie, Paris, éditions de Minuit, 1984.
BRENDA J., “Les aventures de l’auteur au cinéma” in L’auteur en question, la revue Documentaire, n°14, 1999, pp.135-144.
CASETI F., Les théories du cinéma depuis 1945, Paris, Nathan, 1999.
COLLEYN J-P., Le regard documentaire, Paris, Centre Georges Pompidou, 1993.
COLLEYN J-P., & de CLIPPEL C., Demain, le cinéma ethnographique, Paris, Cerf, 1992.
COLLEYN J-P., de LATOUR E., PIAULT M – H., “ Enseignement, recherche, et documentation en anthropologie visuelle ”, Paris, Le Journal des anthropologues, n°47-48, printemps 1992, 268 p. pp. 213 – 216.
COPANS R. & JEANNEAU Y., (ed), Filmer le réel, de la production documentaire en France, Paris, Les documentaristes associés – La Bande A Lumière, 1987.
De FRANCE C., Pour une anthropologie visuelle, Cahiers de l’Homme, Paris, Mouton, 1979.
DEVARRIEUX C., & de NAVACELLE M. C., Cinéma du réel, Paris, Autrement, 1988.
ECO U., “ Un petit monde très moderne ” in LODGE D., Un tout petit monde, Paris, Rivages, 1991.
EISENSTEIN S.M., Le film, sa forme, son sens, Paris, Christian Bourgois, 1976.
FERRO M., Cinéma et histoire, Paris, Denoël/Gonthier, 1977
GALES M. “ L’auteur du crime ”, in La revue Documentaire, n°14, 1990, pp.69-74.
GAUDREAULT A., Du littéraire au filmique, Paris, Armand Colin, 1999.
GAUTHIER G., Le documentaire, un autre cinéma, Paris, Nathan, 1995.
HENNEBELLE G., Le Tiers – Monde en films, Cinémaction, Hors série, 1982.
JEANNEAU Y., La production documentaire, Paris, Dixit, 1997.
JEANNENEY J – N., Une histoire des médias des origines à nos jours, Paris, Seuil, 1996.
KRAMER R., “Etre ou ne pas être dans le plan ?”, Paris, IIe Biennale Européenne du documentaire, 1991.
LEBLANC G., Scénarios du réel, Tome 2, Paris, L’Harmattan, 1997.
MARKER C. Le fond de l’air est rouge, Paris, François Maspero, 1978.
MAURO D., Cinéma et politique, Thèse de doctorat de troisième cycle, Paris, Université de Paris III – Sorbonne nouvelle, 1979.
MAURO. D., “ Le pouvoir du documentaire : entretien avec Thierry Garrel ” in La Revue Documentaire, N°5, novembre 1991
MAURO D., Le cinéma documentaire entre rébellion et aliénations, essai de sociologie d’un art, thèse de doctorat, Paris, université de Paris III- Sorbonne nouvelle & Lille, ANRT, 2003, 720 p.
METZ C., Essais sur la signification au cinéma, Tome I, Paris, Klincksieck, 1978
MULLER T.S., “ Documentaire : la diffusion en question ” in Bruxelles, Eurofilmfest, n°18, automne 2001.
PANH R., Débats in Carnets du Docteur Muybridge, Lussas, Etats généraux du documentaire, n°1, 1990.
ODIN R., (ed),L’âge d’or du documentaire, Tome 1, Paris, L’Harmattan, 1998.
ODIN R., (ed),L’âge d’or du documentaire, Tome 2, Paris, L’Harmattan, 1998.
PREDAL R., Jean Rouch, un griot gaulois, Cinémaction, n°17, 1982.
PREDAL R.,(ed) Le documentaire français, Cinémaction, n°41, 1987.
PREDAL R., (ed) Le Cinéma direct, Cinémaction, n°76, 1995.
PREDAL R., (ed) Histoire du cinéma, Cinémaction, n°73, 1994.
RAMONET I., “ L’ère du soupçon in Médias, mensonges, et démocratie, Le Monde diplomatique, Manière de voir n°14, février 1992, pp.10-16.
RIOU A., “ Un documentaire qui regonfle : Jocelyne contre Bidendum ” in Le Nouvel Observateur, n°1933. Du 22 au 28 novembre 2001 , p.152.
ROLLWAGEN J.R., Anthropological filmaking, Harwood Academic Publishers, 1988.
ROTH L., “Fictions du réel” in Catalogue du Festival Fictions du réel, Marseille, Vue sur les docs, , 2001, pp.33-35.
S.C.A.M. (Ed), Pour un manifeste du documentaire, Le livre blanc de la Scam, 11 juin 1996
SORLIN P., Sociologie du cinéma, Paris, Aubier – Montaigne, 1977.
SORLIN P., Esthétiques de l’audiovisuel, Paris, Nathan, 1992.
TOUSSAINT B., Le langage des images et des sons, Paris, Armand Colin, 1999
VERTOV D., Articles, journaux, projets, Paris, U.G.E, 1972.
من أهم الكتب للتحميل
UNESCO- Cinéma et sciences sociales : Rapports de l’Unesco N°16.
http://unesdoc.unesco.org/images/0013/001359/135914fo.pdf

المجلات أعداد خاصة
1-Revue « Mouvements »
 N°227-28 -3-2003 Quand la société fait son cinéma.
http://www.cairn.info/revue-mouvements-2003-3.htm

2-Images documentaire/
N° 16- 1-1994Cinéma du réel
http://www.imagesdocumentaires.fr/Cinema-du-reel.html
N° 21 2-1995 Le cinéma direct et après ?
http://www.imagesdocumentaires.fr/Le-cinema-direct-et-apres.html
L’Homme et la société
n° 142, 2001/4
Filmer le social, filmer l’histoire
http://www.cairn.info/revue-l-homme-et-la-societe-2001-4.htm


إعلان