انعتاق الكاميرا والرهانات الجديدة

قراءة في فيلميّ “بن علي الطريق إلى القصر”  و”بن علي الطريق إلى المنفى”

د. أحمد القاسمي

إلى فترة قصيرة ظلّ إنتاج فيلم وثائقي عربي وتوزيعه حدثا مهمّا في حدّ ذاته، بصرف النّظر عن موضوعه وأسلوبه في معالجة محتواه. ولا غرابة في ذلك. فتأمين إنتاج أثر وثائقيّ مغامرة ماليّة -في ظل غياب الدعم وصعوبة التوزيع- لا تقلّ شأنا عن المغامرة الفنيّة. أمّا إذا ما تقاطع مع الشّأن السّياسي والاجتماعي ونظر إليها بروح فنّان حرّ تحوّلت المغامرة عندئذ إلى فعل متهوّر غير مأمون العواقب.

فعلى خلاف الشّعوب المتقدّمة التي جعلت السّينما في مقدمة الفنون وأوكلت لها  مهمة صناعة الوعي – أيّا كان هذا الوعي: دعايةً إلى المجتمع الاشتراكي والعدالة الاجتماعيّة أو دعاية إلى الحريات الفردية وثقافة الاستهلاك عماد الحلم الأمريكي أو بحثا عن رؤى بديلة تقاوم هذا الاستلاب في سينما المؤلف، بدا صنّاع القرار في الوطن العربي غير معنيين بأدوار السّينما الخطيرة..  فعصا البوليس الغليظة قد أغنتهم عن البحث عن سبل أخرى لصناعة الوعي. ولعلّ هذا ما يفسّر تهميش سينمائيين أفذاذ من فرسان الوثائقي شأن السّوري عمر أميرلاي أو اللّبناني مارون البغدادي أو العراقي قيس الزبيدي.

وتشاء ثورتان متلازمتان إلقاء حجر في هذا المشهد الرّاكد أوّلهما الثّورة الرّقمية التي وفّرت أجهزة التقاط الصّور وجعلتها متاحة بين أيادي الشّباب خاصّة وحرّضتهم على التّعامل مع التّصوير الفوتوغرافي ووفّرت الحوامل وذلّلتها، واستعاضت عن الأشرطة المغناطيسية المكلفة بأجهزة رقميّة للتّخزين عظيمة السّعة ونابت الانترنت ومواقع التّواصل الاجتماعي خاصّة عن مسالك التّوزيع التّقليديّة وخلّصتهم من نزواتها ومتطلّباتها.

أما ثاني هذه الثّورات فتلك التّحولات السياسية العميقة التي شهدتها دول الّربيع العربي. ولا عجب فقد كانت تتغذّى من وهج هذه الثّورة الرّقمية ومن فاعليّة مواقع التّواصل الاجتماعي وجعلت تذكي جذوتهما في آن بما توفّر من مشاهد احتجاج وتحدّ للنّظم القائمة لم تألفها الشّاشات التّقليديّة. ولقد تحالفت الثّورتان لتوفير هامش من الحرية جعل رقابة رجل السّياسة تفتر ويده ترفع عن السّينما حتى بات من الجائز أن نتحدّث عن عصر جديد للفيلم الوثائقي العربي أمارته وفرة الإنتاج، وانصراف النّقاد إليه بالدّرس والتّحليل وفتح مسارب التّأويل. ونشأت جملة من المهرجانات المتخصّصة وقف فيها الوثائقيّ ندّا منافسا للفيلم التّخييليّ/الروائي وانتزع منه قصب السبق في أكثر من مهرجان.

قراءة بقية المقال بصيغة PDF


إعلان