الواقع والخيال.. هل لأحدهما أن ينفي الآخر؟
د. أمــل الجمل

يعتقد البعض أن العمل السينمائي الخيالي– الروائي أو غير الوثائقي – يقدم مدخلا “للعالم” الواقعي، في حين يرى البعض الآخر أن الشريط الوثائقي أكثر قدرة على تقديم مدخل للعالم، فهل حقاً يمتلك أحدهما دون غيره ذلك المفتاح إلى الواقع؟ وهل الضرورة الفنية تُحتم على الوثائقي أن يتفادى التخييل طمعاً في تحقيق المصداقية في شكلها الأفضل؟ أم أن الوثائقي هو أيضاً – بصورة ما وإلى درجات معينة يتفاوت من عمل لآخر – ينطلق مع الخيال رغم معالجته لأمور وشئون وقضايا الواقع؟ وهل يتميز أحدهما بخصوصية فتح الخيال على الواقع أكثر من الآخر؟
التساؤل بصيغة أخرى؛ من منهما يقدر على أن يمنح الواقع إطلالة أقوى وأكثر صدقاً حتى في ظل قوة الخيال، إطلاله تمنحنا قراءة ما خفي من الصورة، أي النص التحتي لها وما به من مؤشرات – ورموز مكثفة تبث إلينا بدلالات عبر الإيماءات والحركات، الملابس والخطوط والألوان، الضوء والظُلمة، الموسيقى والأنغام والإيقاع، وكافة تلك العلامات والشفرات والعلاقات التي يتألف منها جميعاً العمل الفني مما يساعدنا نحن القراء على رسم صورة شبه متكاملة للمجتمع وللأحداث وللشخصيات في فترة تاريخية ما سواء كان العمل وثائقياً أو روائياً، خصوصاً عندما يُزيح صناع العمل اللثام عن كثير من الأسرار والخبايا، مُبحرين في الأعماق الدفينة، مُمسكين بتلك الخيوط التي تربط العام بالخاص، الداخل بالخارج، والظاهر بالخفي، النفسي والجسدي لأي وجود إنساني في تناسبهما وعلاقتهما – فيشي العمل بالمستقبل وكأنما يتنبأ به بينما هو في الحقيقة يقرأ الواقع بكثير من ملابساته وتفاصيله ويتوقع نتائجه المستقبلية والاحتمالات المتباينة له؟
![]() |