كتكوت وشرّير وخائن.. العربي بعيون إسرائيل

يكشف الوثائقي “صورة العربي في الإعلام الإسرائيلي” أن الإعلام العبري يخوض حربا لا هوادة فيها من أجل تدنيس صورة العرب وتضليل الرأي العام في إسرائيل في ذات الوقت
بينما يسرف الجنود في إزهاق أرواح الأبرياء في الميادين والأزقة وعلى نقاط العبور، يخوض الصحفيون حربا شرسة لتشويه أصحاب الأرض الأصليين وتجريدهم من كل معاني الإنسانية وتكريس دونيتهم في مواجهة الوافدين المغتصبين.
هذه الحرب الموازية رصدتها قناة الجزيرة الوثائقية في فيلم بثته في الخامس من أغسطس/آب 2018 تحت عنوان “العربي بعيون إسرائيلية”.
يتحدث الوثائقي للعديد من الصحفيين والناشطين والسكان العاديين ويتتبع عناوين الصحف ونشرات الأخبار في القنوات الإسرائيلية، ليكشف أن الإعلام العبري يخوض حربا لا هوادة فيها من أجل تدنيس صورة العرب وتضليل الرأي العام في إسرائيل في ذات الوقت.
معركة التشوية المتواصلة ميادينها القنوات الفضائية والإذاعات والصفحات الأولى للجرائد والمواقع الإلكترونية.
ومن خلال تتبع وسائل الإعلام العبرية، يتضح أن هذه الحرب الطاحنة لا تستثني أحدا، فمحمود عباس كتكوت وياسر عرفات شرير، وقادة حركة حماس وحزب الله إرهابيون، بينما بقية العرب والفلسطينيين خونة وأغبياء وهمج وفاسدون وفاشلون يعادون الحضارة الإنسانية.
تروي المستشارة الإعلامية لورا حوّى أنها ترصد منذ فترة تعاطي الإعلام العبري مع الإنسان العربي، وقد توصلت لنتيجة مفادها أن العربي يبدو شخصا من دون أي إيجابيات في نظر الصحفيين الإسرائيليين.
حوّى التي أجرت حوارات الفيلم، تنقلت إلى قرى عربية يحرص الإعلام الإسرائيلي على تشويه سمعة سكانها ووصفهم بالمتخلفين، بينما ذنبهم الوحيد أنهم ليسوا صهيونيين.
أساس هذه الحرب هو أن الجمهور الإسرائيلي مستهلك للإعلام إذ لا تزال نسبة كبيرة منه تقرأ الصحف المطبوعة، فيما تحرص البقية على متابعة الأخبار عبر القنوات الفضائية والإذاعات ومواقع الإنترنت.
الصحافة تناصر الجرافة
المختص بالشأن الإسرائيلي ناصر لحام يشير إلى أن الإعلام العبري ديمقراطي في تعاطيه مع الشأن اليهودي بينما يجنّد قواه لإلحاق الأذى بالعرب.
وفي حديثه بالفيلم الوثائقي، يلاحظ لحام أن كل فلسطيني من أراضي 1948 هو “إسرائيلي خائن” في نظر الصحافة العبرية، ولذلك تجرأ أحد الصحفيين الإسرائيليين على شتم جمال زحالقة ووصفه بالوقح أثناء حوار معه على الهواء “رغم أنه دكتور وعضو بالكنيست ولم يرتكب حتى مخالفة سير”.
في المقابل، يقول الصحفي الإسرائيلي بن دور يميني إنه نشر دراسة لمقارنة وضع الأقليات العربية في إسرائيل بوضعها بدول الجوار والغرب، وإنه توصل إلى أنه من الأفضل للإنسان أن يكون في إسرائيل من أن يكون في مكان آخر.
لكن الصور لم تدعم هذه المزاعم، فما أن انتهى الصحفي العبري من مقارناته حتى تحول المخرج إلى مشهد جرافات تهدم منزلا عربيا، وظهر جنود الاحتلال يقمعون السكان المحتجين على الهدم.

ومع أن القنوات العبرية أذاعت خبر الهدم، فإنها لم تذكر اسم صاحب البيت، بل اكتفت بالقول إنه غير مرخص وإن الشرطة ردت على المحتجين بالقنابل وهو ما لم يعجب المعلقين على الخبر إذ رأوا أنه كان يجب عليها الرد عليهم بالرصاص.
وحتى تكتمل الصورة، تنقلت المستشارة الإعلامية لورا حوّى إلى قرية مصمص وتحدثت لصاحب البيت المهدوم وسيم إغبارية حيث روى أن شرطة الاحتلال هدمت المنزل بعد تسقيفه وتجاوزت كلفته 40 ألف دولار أميركي.
ويستغرب الشاب وسيم إغبارية أن السلطات الإسرائيلية صورت أعمال تأسيس البيت وتركته يواصل البناء حتى أكمل سقف البيت، وأنها غرمته 80 ألف دولار لتغطية تكاليف الهدم.
العرب يستحقون العطش
ومن مصمص تنقلت كاميرا الجزيرة الوثائقية إلى رامة، وهي قرية جميلة بالجليل الأعلى، لتحكي قصة تعرضها لعقاب جماعي من شركة المياه الإسرائيلية.
يروي الفيلم أن بعض السكان تأخروا عن تسديد فواتير الماء، فردت الشركة بقطع المياه عن جميع بيوت القرية وعرضت حياة الناس للخطر.

أيضا دخل الإعلام الإسرائيلي على الخط، وانطلق من الحادثة لتشويه العرب ووصفهم بالأجلاف والسذج والأغبياء الذين يرفضون تسديد تكاليف الخدمات.
ويلاحظ فاتن غطاس -وهو أحد سكان رامة- أنه في القرية العبرية المجاورة حدث أن تأخر البعض في تسديد الفواتير لكن الشركة قطعت المياه عن المعنيين فقط ولم تعاقب بقية السكان كما فعلت مع قرية رامة العربية.
العرب.. غوغاء وأشرار
وتشتد ضراوة معركة التشويه والتحامل عندما يتعلق الأمر بالانتفاضات الفلسطينية، إذ يصور الإعلام العبري المنتفضين بأنهم غوغاء وهمج ولا يتحدث عن مطالبهم الحقيقية ولا عن أسباب غضبهم.
وفي حديثه لوثائقي الجزيرة، يقول المختص في الشأن الإسرائيلي ناصر لحام، إن الإعلام العبري يصور الإنسان العربي بأنه محدود الذكاء ولا يعرف التخطيط ولا التفكير.

ويلاحظ لحام أنه كان هناك استثناء يتعلق بالمتقبّلين لعملية أوسلو حيث وصفهم الإعلام العبري لفترة بأنهم “متحضرون وجميلون” ولكنه انقلب عليهم بعد عودة احتلال الضفة الغربية.
وبينما غطت صحيفة “يديعوت أحرنوت” خبر وفاة الزعيم ياسر عرفات تحت عنوان “ادفنوه عميقا حتى لا يقوم من جديد”، لم تخجل وسائل إعلام عبرية أخرى من وصف الرئيس الحالي محمود عباس بأنه مجرد “كتكوت”.
جهل ما وراء الجدار
بيد أن الفيلم يشير إلى ما هو أخطر من التشويه، إذ تقول الأرقام إن 35% من المجتمع الاسرائيلي ليس لديهم أي معرفة عن المجتمع الواقع خلف جدار الفصل العنصري، ولا يكرهون الفلسطينيين فقط إنما يرفضون وجودهم أصلا.
وبالطبع، فإن الجزء الأكبر من حملة التشويه يوجه لغزة إذ يصفها الإعلام العبري بأنها قندهار، ويركز على كون حركة حماس تشكل تهديدا لنصف مليون إسرائيلي، بينما لا يبالي بالمدنيين الذين يقتلهم جنود الاحتلال في القطاع.
وعندما أنتج المخرج محمد بكري “فيلم جنين-جنين” ونجح في لفت انتباه الرأي العام العالمي إلى واحدة من أقسى المذابح الإنسانية، هاجمه الصحفيون العبريون واتهموه باختلاق القصص الفظيعة وتلقين الأشخاص الشهادات التي أدلوا بها.
أحد هؤلاء الصحفيين بن دور يميني الذي وصف مذبحة جنين بأنها أسطورة كبيرة. ويقول في حديثه بالوثائقي إن كل من قُتلوا في المذبحة 54 شخصا معظمهم من الإرهابيين.
لم تفهمني فقتلتها
وللتدليل على أن الحرب الإعلامية حققت أهدافها، يروي الوثائقي قصة جندي إسرائيلي أقر بأنه أمر سيدة من غزة أن تذهب في ناحية اليسار فذهبت باتجاه اليمين لكونها لا تفهم العبرية، فقتلها على الفور.
من شأن هذه الحادثة أن تثير غضب أي مجتمع طبيعي لكن الجمهور الإسرائيلي تقبّلها لأنه مجيّش أصلا ضد الإنسان العربي.

وفي الغالب فإن الإعلام العبري لا يتحدث عن ضحايا القوات المحتلة في غزة وغيرها من المناطق الفلسطينية، بل على العكس من ذلك يبالغ في التحريض ومطالبة الاحتلال بالرد بقوة.
وفي حرب لبنان عام 2006 تماهت الصحافة العبرية مع رواية جيش الاحتلال وتحدثت للجمهور الإسرائيلي عن حرب نصر خاطفة لن تطول لأكثر من ساعات ولكنها استمرت لأكثر من شهر.
وترى الناشطة العربية منار يعقوب أن رصد مجريات حرب التشوية ليس كافيا، بل على العرب التحرك سريعا لتغيير صورتهم لدى الجمهور الإسرائيلي والتأثير على الإعلام العبري.
وفي المجمل، فإن الإعلام الإسرائيلي يصرّ باستمرار على تقديم العرب كشعوب فاشلة متوسطة الذكاء لديها أموال كثيرة ويقودها حكام جبناء وفاسدون.
بيد أن هذا الازدراء والتحامل لا يخلو من الغيرة خصوصا عندما يتعلق الأمر بالتطور في الخليج، إذ ينتاب الإسرائيليين قلق إزاء إمكانية امتلاك العرب الخليجيين للتكنولوجيا إلى جانب المال.