غاز غزة.. إسرائيل تسرقه والسلطة تفرط فيه

“انظر إلى المنطقة المحيطة، انظر إلي قطر وإسرائيل وقبرص، جميعهم اكتشفوا الغاز وسيصبحون من الأمم الغنية، بينما أهالي غزة يجلسون وأمام أعينهم الغاز في مياه البحر، الأمر كما لو أن أحدهم جائع ولا يملك طعاما ليأكله وأمامه وليمة ويُمنع من الاقتراب منها. غزة غارقة في الظلام وتعتمد على غيرها في توفير الطاقة بينما أمامها في البحر آبار الغاز التي تمكنها من أن تكون من أغنياء الطاقة”. كان هذا تعليق الباحثة والأكاديمية دانية عقاد عن غاز غزة الذي يُمنع شعبها من الوصول إليه ويعيشون في ظلام دامس بسبب عدم توفر مصادر الطاقة. 

ففي تحقيق استقصائي بثته قناة الجزيرة  في 2019، كُشفت تفاصيل تنشر لأول مرة بشأن الغاز الموجود في بحر قطاع غزة بفلسطين، وكيف تعاملت السلطة الفلسطينية مع استخراج الغاز بصفقات مشبوهة، وفرض الاحتلال الإسرائيلي التأميم لهذا الغاز.

وكشف التحقيق -الذي جاء ضمن برنامج “ما خفي أعظم”- بدايات اكتشاف الغاز بغزة قبل عقدين من الزمان، وكيف تعاملت السلطة الفلسطينية آنذاك بقيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات مع هذا الاكتشاف الذي وصفه أنه “هبة السماء” لأهل غزة، وكيف كانت ستستفيد (السلطة) من هذا الغاز كمصدر لتشغيل الطاقة ورافد لخزينتها العامة.

وقدر خبراء في مجال الطاقة والغاز تحدثوا لـ”ما خفي أعظم” المبالغ التي كان سيدرها الغاز الفلسطيني بنحو 4.5 مليارات دولار سنويا إذا ما تم استخراج هذا الغاز والاستفادة من الحقول المحيطة ببحر غزة.

غاز نقي قريب من الشاطي

حصل التحقيق على وثائق تثبت نقاوة غاز غزة مما يسهل بيعه، وقربه من الشواطئ مما يسهل عملية استخراجه بكلفة مالية منخفضة وتحقيق مكاسب مالية كبيرة، وهو ما يغني فلسطين عن المساعدات والمنح والعيش تحت خط الفقر، كمثيلاتها من دول إنتاج الغاز بالعالم.

وثائق يعرضها الفيلم لتورط بعض رموز فتح بصفقة الغاز مع إسرائيل

وأفاد التحقيق أن السلطة الفلسطينية كلفت عام 1996 المهندس الراحل إسماعيل المسحال بالتواصل مع شركات مختلفة منها “جي أف إي” الألمانية و”روبرتسون” البريطانية للتفاوض على التنقيب وعمليات الاستخراج، قبل أن تتواصل مع شركة “بريتش غاز” لتطوير حقل الغاز ببحر قطاع غزة، والتفاوض مع الشركة عبر مسارين الأول عبر المسحال والآخر عبر محمد رشيد مستشار عرفات والمعروف باسم خالد سلام.

في الوقت الذي يمتلئ فيه بحرهم بالغاز، يعيش أهل غزة في ظلام دامس بسبب انقطاع الكهرباء عنهم

كما أظهر العديد من الوثائق التي تفيد بتفويض السلطة الفلسطينية لرشيد -المقرب من القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان ويعيش بين أبو ظبي والقاهرة- بالتفاوض والتصرف نيابة عن السلطة الفلسطينية بكافة الأمور المتعلقة بالغاز وتطويره، قبل أن تلاحقه بقضايا فساد ونهب للمال العام وغسل الأموال.

وقد عرض الفيلم وثائق تفيد بتفويض السلطة الفلسطينية لرشيد -المقرب من القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان، بالتفاوض والتصرف نيابة عن السلطة الفلسطينية بكافة الأمور المتعلقة بالغاز

إسرائيل.. احتلال الأرض والبحر وما تحتهما

وأشار التحقيق إلى أن إسرائيل لم تكن ظاهرة في عمليات التفاوض والتوقيع، لكنها كانت حاضرة بكل عمليات المسح والتنقيب بدعوة من الشركة المنفذة لذلك، قبل أن تبدأ شركة بريتش غاز بالتفاوض مع تل أبيب لشراء الغاز المستخرج بحجة أن فلسطين لا تستخدم كل الكمية المستخرجة.

وكشف عن الدور الذي لعبه وزير الطاقة الفلسطيني حينها عزام الشوا بالتفاوض مع إسرائيل إبان الانتفاضة الثانية والتوصل إلى اتفاق مجحف يقضي بأن تحصل تل أبيب على الغاز مقابل تزويد المناطق الفلسطينية بالكهرباء، وتخفيف مديونية غزة لشركة الكهرباء الإسرائيلية، وبناء محطة كهرباء إضافية قرب غزة، قبل أن يوقف الاتفاقَ رئيسُ الوزراء الإسرائيلي (آنذاك) أرييل شارون خشية أن تفيد منه المقاومة.

لوحة إعلانية كبيرة في غزة ترفع شعار “غازنا حقنا”

وتوصل التحقيق إلى أن إسرائيل سعت لتعطيل تصدير الغاز من فلسطين باقتراح نقله إلى مصر وتصديره من هناك، قبل أن توقع القاهرة وتل أبيب اتفاقية تقضي بشراء الأخيرة الغاز من الأولى وإيقاف نقل غاز غزة، وهو ما دفع شركة بريتش غاز لإيقاف استخراج الغاز وبيعه وإبقائه حبيس الآبار.

وأظهر التحقيق قيام سلطات الاحتلال بالتنقيب ببحر غزة وحفر الآبار وتصدير الغاز على أنه إسرائيلي، مع منع الفلسطينيين من حقهم بالتنقيب أو التصدير أو الاستفادة من العائدات جراء بيع غاز غزة.


إعلان