غلاف غزة.. تاريخ خاصرة الاحتلال التي هدها طوفان الأقصى

استوطن اليهود في قطاع غزة منذ عقود، فكانوا يزرعون أفضل أنواع المانجا والخضراوات في العالم على أراض ليست لهم، ولديهم منازل تطل على بحر ليس لهم أيضا، وفجأة في عام 2005 سحبتهم الحكومة الإسرائيلية من هذه “الجنة” قسرا، بعد ضربات عدة للمقاومة من داخل قطاع غزة، فتركوا منازلهم وحقولهم وممتلكاتهم أمام عيون الصحافة العالمية والمحلية التي كانت تراقبهم من وراء السياج.

وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك “أرييل شارون” هو من طرح خطة الانفصال عن قطاع غزة في 2004، وتشمل إخلاء المستوطنات في القطاع والانسحاب الكامل من أراضيه، وهي خطة أقرها الكنيست بعد عام من طرحها تقريبا.

خرجت قوات الاحتلال الإسرائيلي من غزة، وأخلت 25 مستوطنة يقطنها 8500 مستوطنا، وانتهى الوجود الاستيطاني الإسرائيلي بإعلان الحكومة في تل أبيب إنهاء الحكم العسكري هناك، وأنشأ الاحتلال “منطقة عازلة” على طول الحدود البرية، وتبعد أقرب مستوطنة عنه 7 كيلومترات.

وقد وعدت حكومة الاحتلال وقتها المستوطنين بالتعويض الكامل، لكنهم لم يتلقوا الكثير، وأصبح المزارعون الأثرياء يعانون من البطالة المرتفعة، ورُمي عدد منهم في أراضي غلاف غزة، حيث يعيشون في منازل متنقلة (كرافانات).

الجدار الفاصل.. حاجز جغرافي وديمغرافي يمزق الجسد الفلسطيني

من هنا بدأت حكاية غلاف غزة أو بالعبرية “عوتيف غزة”، فتلك المنطقة لم تعد تنتمي إلى غزة، كما لم تضمها إسرائيل بالمعنى الكامل، بل بقيت كأنها مرحلة انتقالية، أو عتبة جغرافية استعمارية بين المكانين، وهذا ما جعل اسمها يبرز إلى الواجهة عند كل عدوان إسرائيلي على القطاع، لكونها في مرمى صواريخ مقاومة الاحتلال في غزة.

وهنا يجب التنبيه إلى أنه كثيرا ما يحدث خلط بين مصطلحي بلدات الغلاف أو مستوطنات الغلاف، فالقضية لا يسهل تصنيفها، ومع أنها ليست مستوطنات اعتيادية، فإن إسرائيل أخذت قرارا عام 2007 بمعاملتها على أنها مستوطنات، فقد صادق وزير المالية في شهر يونيو/ حزيران من العام نفسه على قانون الاعتراف بـ “عوتيف غزة” مثل مستوطنات سِفِر، بسبب ما يتعرضون له من توتر وخطر دائمين، وليمنحهم حق التعويض غير المباشر، وفقا لقانون ضريبة الأملاك وصندوق التعويضات.

ومع الوقت تطورت المنطقة العازلة، وبنى الاحتلال فيها جدارا يمتد فوق الأرض وتحتها لمنع المقاومة من حفر الأنفاق، ثم ما لبث أن ارتفع عدد المستوطنين وعائلاتهم ليصل إلى حوالي 55 ألفا عام 2019، بعد أن كان نحو 42 ألفا عام 2009، وهي زيادة قدرها 30.6%، بحسب تقرير لموقع “غلوبس” الاقتصادي الإسرائيلي، ومعظم هؤلاء ذوو خلفيات يهودية شرقية، كما أن أغلبهم من المتطرفين اليمينيين.

مستوطنات غلاف غزة محاطة بسياج

ولم تزل الحكومة الإسرائيلية تمنحهم حوافز كبيرة لهم، كي يبقوا حاجزا جغرافيا وديموغرافيا بين قطاع غزة والضفة الغربية، لمنع قيام دولة فلسطينية متصلة الأراضي.

مجالس الغلاف.. بلدات تضم عشرات آلاف المستوطنين

قسمت إسرائيل غلاف غزة إلى ثلاثة مجالس محلية تتبع الحكومة الإسرائيلية، فيها نحو 50 مستوطنة “بلدة”، والمجالس هي أشكول وأشكلون وشاعر هنيغف.

يضم مجلس أشكول المحلي 32 مستوطنة إسرائيلية، ويمتد على مساحة 380 كيلو مترا مربعا، أما مساحة الأراضي التابعة لمجلس أشكلون المحلي فتبلغ حوالي 175 كيلو مترا مربعا، ويحتوي على أربع مستوطنات إسرائيلية. بينما يمتد مجلس شاعر هنيغف على مساحة 180 كيلو مترا مربعا، ويضم 11 مستوطنة إسرائيلية.

ويبلغ عدد سكان بلدات الغلاف بمجالسه الثلاثة حوالي 37 ألف نسمة مقسمة بين المجالس كالتالي:

مجلس أشكول المحلي: 13 ألف شخص، وهو الأكبر من حيث المساحة. مجلس أشكلون المحلي: 17 ألف شخص. مجلس شاعر هنيغف المحلي: 7 آلاف شخص.

غلاف غزة.. هجوم مفاجئ على نقطة ضعف الاحتلال

بسبب موقع الغلاف الحدودي الحساس وكونه منفصلا عن دولة الاحتلال، وتحيط به مقاومة غزة، فقد أصبح كعب أخيل لإسرائيل (أسطورة إغريقية)، أي نقطة ضعفها، وقد أطلقت عليه المقاومة أخيرا السهم النافذ في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، متسببا بفشل أمني واستخباراتي وعسكري تاريخي لإسرائيل لم تصدقه هي نفسها إلا بعد مرور ست ساعات، لتبدأ الدفاع عن المنطقة.

وتركز فجر ذلك اليوم هجوم حماس على النقاط العسكرية التي تحيط بالبلدات الإسرائيلية الأقرب إلى المنطقة العازلة بين إسرائيل وقطاع غزة، وهي تتضمن بلدات زيكيم، وسديروت، ونحال عوز، وكيسوفيم، وأشكول، ونتيفوت، كما ألحق الهجوم المفاجئ لجيش الاحتلال أضرارا في قاعدة رعيم العسكرية، ومعبر إيريز، وماغن وكفار عزة.

وقد وصلت المقاومة إلى عمق الأراضي المحتلة عند مستوطنة أوفاكيم التي تبعد نحو 24 كيلومترا عن المنطقة العازلة، أما بقية المناطق التي وصلت إليها المقاومة، فهي تبعد عن المنطقة العازلة كالتالي:

أشكول: 14 كيلومترا من الجدار الفاصل. نتيفوت: 13 كم. عسقلان: 11 كم. رعيم: 6 كم. ماغن: 5 كم. زيكيم: 3 كم. كفار عزة: 3 كم. سديروت: 3 كم. كيسوفيم: 2.5 كم. معبر إيريز ونحال عوز: 1.5 كم.

إخلاء المستوطنات.. بساتين تسكنها أشباح المقاومة

وانتقمت بعدها إسرائيل عبر شن عدوان شرس على قطاع غزة يبلغ حد الإبادة الجماعية، وقد قتلت خلالها أكثر من 8 آلاف مدني أغلبهم من الأطفال، وقد بدأت في الوقت نفسه بإجلاء مستوطني منطقة غلاف غزة من جميع المستوطنات “البلدات” إلى منازل استضافة وفنادق في مناطق بعيدة منذ اليوم الأول.

المستوطنات التي يقوم الجيش الإسرائيلي بإخلائها حول غزة

وقال “بيني غانتس” وزير الأمن الإسرائيلي السابق وعضو “كابينيت الحرب” لسكان البلدات الإسرائيلية في تصريحات صحفية إن عليهم الاستعداد للعيش بعيدا عن منازلهم لمدة عام أو أكثر، في إشارة منه إلى المدة التي قد تستغرقها الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، وأنهم سيمكثون في منازل بديلة حتى عودتهم.

وبذلك يكون مستوطنو غزة تركوا أراضيها مرتين مجبورين، وفي المرتين تركوا الأشجار المثمرة خلفهم، لكن في الأولى قطفها أهل القطاع حين عادوا إلى شواطئهم المسروقة، أما الثانية فستبقى على الأشجار حتى تجف، فلا تزال أشباح المقاتلين تعيش بينها.

 

المراجع:

العربي

الجزيرة

bbc

lbcgroup


إعلان