“البداية والنهاية”.. كفاح كارلوس غصن بين صعود مشرق وسقوط مؤلم

رجل طموح ذو أصول لبنانية، سجل صعودا كبيرا وصل خلاله لقمة هرم صناعة السيارات في العالم، قبل أن يستيقظ العالم في أواخر سنة 2018 على خبر اعتقاله في العاصمة اليابانية طوكيو، وتلاحقه تهم مرتبطة بالاختلاس والفساد المالي.

في هذا الفيلم الذي تبثه الجزيرة الوثائقية بعنوان “كارلوس غصن.. البداية والنهاية”، يُوافق كارلوس غصن على النظر للوراء في رحلته التي استمرت 40 عاما، ليفصح عن أسراره، وليروي لنا القصة الكاملة لأحد أقوى مديري شركات السيارات في العالم، وكيف تحول من مكانة رجل الأعمال الناجح إلى شخصية دولية هاربة.

“لم أشعر أبدا بالتهديد”.. مفاجأة غير سارة في مطار طوكيو

وصلت الطائرة التي تحمل كارلوس غصن إلى مطار طوكيو هانيدا الدولي في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وفي تلك اللحظة استُدعي من قبل الأمن في المطار. يقول: لم أشعر أبدا بالتهديد، وكنت نموذجا يحتذى في اليابان، وألفت عني عدة كتب، وكان يطلب مني أن ألقي المحاضرات في كل مكان، ودعيت إلى كل الجامعات، ولم يكن لدي أي سبب للقلق.

كل هذا تبدل في لحظة، وأصبح كارلوس في ومضة عين يعامل معاملة المعتقل، فجُرّد من كل مقتنياته وبدلت ملابسه ووضع في زنزانة منفردة، ساد صمت رهيب في تلك اللحظات، ولف المكان هدوء كئيب، ولم يحظ رجل الأعمال الشهير حتى بالإجابة عن تساؤلاته التي طرحها، كما أنه لم يستطع أن يفسر ما يحدث له.

يقول مساعده “تي آيه”: رغم أنه كان محبوبا في اليابان، فقد نأى عنه الجميع في ذلك الظرف، فكان أي أمر متعلق به خطيرا ومعديا. وفي مؤتمر صحفي عقده “هيروتو سيكاوا” الذي كان مديرا تنفيذيا لشركة “نيسان موتورز”، وعمل مساعدا لغصن مدة 19 عاما، قال: يؤسفنا تماما أن نعلن أن السيد كارلوس قد ارتكب عملية اختلاس كشف عنها تحقيق داخلي في الشركة.

كانت الاتهامات الموجهة له هي “الكذب على شرطة بورصة طوكيو، بإعلانه أن تعويضه كان أقل من المبلغ الذي حصل عليه، كما استخدم ممتلكات نيسان لأغراضه الشخصية، وكشف تحقيقنا عن عمليات اختلاس واضحة”. ويتابع “سيكاوا” في مؤتمره الصحفي أن “الدرس الذي يجب أن نتعلمه من سنوات كارلوس المظلمة هو أن القوة يجب أن لا تتركز في يد رجل واحد”.

أدين كارلوس بالتهم الموجهة له بعد ساعات قليلة من اعتقاله، ويقول “تي آيه”: كان واضحا الكم الكبير من التخطيط الذي سبق عملية الاعتقال، لقد كانت الشركة هي التي قادت عملية الاعتقال بنفسها.

“قدرته على خفض التكاليف هي ما كنا نحتاج إليه”

من بيروت التي فر إليها، يوافق كارلوس غصن على التحدث عن مسيرته التي استمرت 40 عاما، وأسس خلالها إمبراطورية حكمها بقبضة من حديد، ففي يوم 29 مارس/ آذار 1999 دُمجت شركة رينو الفرنسية ونيسان اليابانية في طوكيو، ووقعت شراكة عالمية بين الشركتين، لتشكل رابع أكبر مجموعة لتصنيع السيارات في العالم، واستلم كارلوس غصن مهمة إعادة الهيكلة في شركة نيسان التي تراكمت عليها ديون ضخمة.

الياباني هيروتو سيكاوا المدير التنفيذي لشركة نيسان ونائب كارلوس غصن يعلن إدانة مديره بتهمة الاختلاس

يتحدث غصن عن سروره بقدومه إلى اليابان، كما يتحدث عن إعجابه بقيم المواطنين في ذلك البلد، من حيث التنظيم والنظافة والانضباط والالتزام بالمواعيد، والشعور بالانتماء للمجتمع. يقول “لوي شفايتزر” المدير التنفيذي السابق لشركة “رينو”، إنه لم يكن لينجز صفقة نيسان لو لم يرسل غصن إلى هناك، “فقدرته على خفض التكاليف هي ما كنا نحتاج إليه في نيسان/اليابان”.

يقول كارلوس غصن: كانت نيسان تبيع 2.5 مليون سيارة، ولم يكن لعلامتها أي أهمية على الإطلاق، ولم تكن تركز على حاجة السوق، والأهم أنها كانت مدينة بنحو 20 مليار دولار، وكانت على حافة الانهيار. لم نأت من أجل التنظير، بل يجب علينا أن نكون مثل الأطباء نفحص ثم نعرف أين الخلل، ونتعامل معه ونساعد فيه، ثم نعلمهم كيف يعتنون بأنفسهم بشكل أفضل، ثم ننتقل إلى المرحلة التالية.

قاتل التكاليف.. خطة تخفيض العاملين لإنعاش الشركة

حدد كارلوس غصن 3 أشهر لخطة إنعاش نيسان، وتحدث خلال مؤتمره بهذه المناسبة قائلا: الأرقام تظهر أن نيسان بحالة سيئة، وهذا يعني تخفيض عدد العاملين من 140 ألف إلى 115 ألف موظف.

قال الناس إنها كارثة، وأطلقوا عليه لقب قاتل التكاليف، لكنه يبرر ذلك بقوله: نحيل الموظفين إلى التقاعد المبكر ونغلق المصانع، حتى نتمكن من تحرير الموارد، لإعادة الاستثمار في المستقبل.

تحالف رينو ونيسان وتوقيع عقد الشراكة بينهما سنة 1999

وفعلا سارت خطته كما رسمها، أغلق مصانع وسرح عمالها وخفض الميزانيات، وطبق السياسات التي طبقها في فرنسا من أجل خفض التكاليف.

يقول الصحفي المختص بالشؤون المالية “هيساو إينوي”: بعد عام واحد حقق نتائج إيجابية، وأعلن عن أرباح بمليار دولار، فظن الناس أن هنالك تزييفا في السجلات في السنة الأولى، لكنّ تحسن الأرقام في السنة الثانية أثبت أن ذلك كان صحيحا.

“أنا مهتم بتغيير الواقع”.. رحلة ابن بيروت إلى العوالم الفرنسية

ولد كارلوس في مدينة بورتو فاليو البرازيلية الواقعة قرب غابات الأمازون، وكان جده بشارة قد هاجر من لبنان قبل 50 عاما إلى البرازيل حالما بالثروة، وانتقل الصبي إلى بيروت وعمره 6 أعوام مع والدته وأخته الكبرى، وسكنت عائلته في الأشرفية شرقي بيروت، وهي معقل الطائفة المسيحية المارونية.

كارلوس غصن يصبح المدير العام لشركة نيسان اليابانية

درس كارلوس في مدرسة “سيدة الجمهور” وهي مدرسة الآباء اليسوعيين، وقد وصفه زميله في المدرسة فريد عرقتنجي بأنه كان مزعجا إلى حد أثار نوعا من الافتتان في نفوس من يحيطون به، وقد قدم نفسه باعتباره قائدا قادرا على التحدث بسهولة، شديد التركيز في صباه، وإذا وضع هدفا فإنه يسعى لتحقيقه.

قرر كارلوس وهو ابن 18 عاما الذهاب إلى المدرسة التحضيرية في باريس، وهي إحدى مدارس النخبة. سافر في الخريف إلى باريس خارجا من لبنان ومجتمعه الودود المضياف إلى مكان أكثر حيادية وأقل دفئا، وقد كان هذا صعبا عليه بعض الشيء. وخضع للامتحانات، وانضم إلى مدرسه البولي تكنيك، وكان سعيدا جدا بالثقافة الفرنسية القادرة على توليد جوانب شديدة التناقض.

كان كارل ولدا شقيا وخطيبا مفوها وصاحب أهداف واضحة

يقول كارلوس: يذهب الطلاب للجامعة لأنهم يبحثون عن الاستقلال في حياتهم المهنية والمالية، أدهشني أنه لم يهتم أحد بالقطاع الخاص والتجارة، لأن هذا كل ما ينصب عليه اهتمامي، أردت أن أفعل شيئا له علاقة بالتكنولوجيا ويمكنني التعامل فيه مع الناس، أنا مهتم بتغيير الواقع، لذلك كان طبيعيا أن أنجذب إلى عالم الصناعة.

طموحات البرازيل.. أصغر مديري ميشلان في مهمة لإنقاذ الشركة

كانت لدى كارلوس رؤية دولية لمستقبله، وعندما بحث في الشركات اختار ميشلان متعددة الجنسيات، وكانت لدى الشركة طموحات كبيرة في البرازيل، وكان لدى كارلوس شغف بالسيارات، باتت ميشلان خيارا بالنسبة له، رابطا بين العمل والسيارات.

كلية البوليتيكنك بفرنسا حيث أنهى كارل غصن دراسته الجامعية

كان له هدف واحد هو الذهاب إلى البرازيل، لكن بدلا من ذلك ذهب إلى “شوليه” رئيسا لقسم التصنيع، وأصبح مديرا لمصنع “لوبوييه”، ثم أصبح أصغر مدير في مصانع ميشلان حين بلغ 27 عاما، وقد حقق الاستقرار في المصنع، وكان البرازيلي اللبناني الوحيد، خريج البولي تكنيك.

كانت الشركة بحاجة إلى شاب يعرف البرازيل، ويطبق ممارسات غير تقليدية لإنقاذ الأعمال هناك، فاعتبر المدراء التنفيذيون أن إرسال رجل في الثلاثين من عمره مثل كارلوس ضرب من الجنون، لكن مع تأزم الوضع هناك كان على “فرانسوا ميشلان” أن يقوم بهذه الخطوة، وأخيرا حقق كارلوس حلمه في الذهاب إلى البرازيل والعمل هناك.

كان هناك مصنعان، واحد للعجلات وآخر للصلب، وعُين كارلوس مديرا وحيدا هناك، وشكل هذا تحديا كبيرا. يقول: من الجيد أن يشعر الناس بالخوف أحيانا لأن الخوف بداية الحكمة، فعندما يخاف الناس يعترفون بمهارتك وينتبهون، ولا يقفون في طريقك، وعليك التصرف والتحرك بسرعة، لأن الأمور تحدث بسرعة، ويمكن أن تتعثر بسرعة.

حين بلغ من العمر 27 عاما أصبح كارلوس غصن أصغر مدير في مصانع ميشلان في البرازيل

كان كارلوس بارعا في التحليل ويعمل بسرعة، ولديه القدرة على الإبداع، ويصل صلب الموضوع ولا يغرق في التفاصيل، ويرسم الخطط ويتواصل بوضوح فيما يريده، وتتضافر كل هذه الأمور لتنتج تركيبة ناجحة، إنها كارلوس غصن.

وقد أحاط نفسه بفريق جيد، وأنشأ غرفة عمليات فاعلة، فكانت البرازيل منعطفا تعليميا استثنائيا من حيث سرعة وتغيير الاتجاه.

“لقد أنضجتني تجربة أمريكا”

أبدى “فرانسوا ميشلان” اهتماما خاصا بكارلوس، لأنه رأى فيه شخصا ذا إمكانيات كبيرة للتطور، وتصرف معه كما يتصرف الأب مع ابنه، فعندما ذهب إلى البرازيل لأول مرة أخذه كارلوس إلى الأماكن وعرفه على ثقافة أخرى، واستمتع بذلك كثيرا.

وقد تطورت العلاقة بينهما في تلك الرحلة وفكر “فرانسوا” أن يعينه في إدارة ميشلان في أمريكا الشمالية، وكذلك الاستحواذ على شركة يوني رويال غودريش، وكان هذا أمرا مفاجئا لغصن ومدهشا في الوقت ذاته.

مسيرة احتجاجية لعمال مصنع أغلقه كارلوس غصن وسرح موظفيه

كانت الأمور تحدث بسرعة، فهذه الشركة الفرنسية الرائدة في أوروبا التي تتنافس مع يوني رويال غودريش في صناعة العجلات، استحوذت على منافستها الأمريكية بأقل من 10 مليارات فرانك. وقد أعلن مصنع يوني رويال -أكبر القطاعات في أوكلير- عزمه إغلاق أبوابه، وأدى ذلك إلى تسريح 300 عامل، فالسوق الأمريكية لا ترحم.

يقول كارلوس: لم يكن فرانسوا رجلا قاسيا، بل تمتع بحس إنساني، وعند تكبد الخسائر كان يحزنه كثيرا اضطرارنا لاتخاذ قرارات صعبة بشأن الموظفين سواء بخفض الرواتب أو التسريح، فكان ينبغي التعامل مع حساسيته بقدر كبير من الاعتدال. أما أنا فيدعونني قاتل التكاليف، لقد أنضجتني تجربة أمريكا.

“لم تكن خيانة، ربما كنتُ جاحدا”.. خطة العشرين مليارا

جاءت شركة “رينو” لاستقطاب الكفاءات، وأغري كارلوس بالانتقال الى الشركة، وعندما أخبر “فرانسوا” كان على وشك البكاء، يقول كارلوس: “لم تكن خيانة، ربما كنتُ جاحدا”.

ذهب كارلوس لمقابلة رئيس رينو، وهو يمني النفس أن يصبح مديرا للشركة. كانت مقابلة مهمة وكان كارلوس متوترا بعض الشيء لكنه سرعان ما شعر بالراحة، كان السؤال الأول عن إنجازات كارلوس، فكان “لوي” معجبا به، لقد كان ذكيا، يتميز بالطاقة والحيوية والحماس، فكان الرجل المناسب في المساعدة في عولمة الشركة وتعزيز ادائها.

لوي شفايتزر المدير التنفيذي السابق لشركة رينو وصديق كارلوس غصن

تكتسب رينو أهمية كبيرة في التاريخ والثقافة الفرنسية، وربما لم تكن في أحسن أوضاعها، لكنها ذات شخصية وتثير قدرا من المشاعر، لقد حظي كارلوس بتقدير واسع هناك وأقر الجميع بإمكاناته، فقد شعر بتفوقه على معظم الآخرين، فالمدير برأيه هو الذي يحدث تغييرا، ويجعل الآخرين يفعلون ما لا يريدون، ولكن بكل فخر.

شكّل كارلوس سلسلة ما أسماه الفرق المتقاطعة، ووضع خطة لتوفير 20 مليار دولار في ثلاث سنوات، وقد بدت الخطة طَموحة لدى “لوي”، فقرر إغلاق مصنع فاليفورد، وتسريح 800-900 عامل. فالعولمة لا تحتمل أن تتوجه الشركة نحو مجتمعها المحلي، وهذا يكلف ثمنا باهظا، ولكن خطة الـ20 مليارا تستحق ذلك.

تحالف رينو-نيسان.. نظرة اقتصادية تتجاهل البعد الاجتماعي

لو لم تأت نيسان لكان الأمر فادحا، ولكن بعد وصول نيسان لم يتخيل “شفايتزر” أن يترك كارلوس رينو أبدا. وهكذا، وفي 2005 أصبح كارلوس الرئيس التنفيذي لشركتين تفصل بينهما آلاف الكيلومترات وفارق زمني قدره 8 ساعات، وتملكان مصانع في كل أنحاء العالم.

في خطاب توليه لشركة نيسان، أعلن كارلوس سياسة خفض التكاليف

كان كارلوس تجسيدا للمواطن العالمي، فخلال 14 عاما قضاها على قمة هرم رينو قلب حظوظ الشركة بالكامل، فسرّع عمليات العولمة والتعاقدات الخارجية، ومع الوقت ابتعدت رينو عن فرنسا وتوالى تسريح الموظفين، وانخفض عدد الفرنسيين بنسبة 30%، بينما زادت مبيعات رينو وأرباحها بنسبة 60%، من 2.5 مليون إلى 4 ملايين سيارة.

كانت رينو بحاجه إلى هزة، لأنها كانت تستغل جزءا صغيرا من إمكاناتها، ويرى بعض الفرنسيين أن كارلوس لم يهتم بالبعد الاجتماعي للشركة، وكان مستعدا لتسريح 2000 شخص، وذلك ما عرّضه لانتقادات لاذعة، على المستويين الرسمي والشعبي.

ورغم أنه كان رئيسا لأحد أهم الشركات الفرنسية فإنه لم يكن متسلطا، بل كان خارجا عن المألوف، ذا شخصية متحدية وغير مبالية، لسان حاله يقول: أخبروني ماذا تريدون وسأفعله.

وفيما يتعلق بتعويضاته المالية، فكان كارلوس مصرا على تحديد المبالغ، ويعتبر أن المال لا ينبغي أن يكون عائقا في الصراع على المواهب العالمية والحصول عليها.

“كيف أجرؤ على منح نفسي هذا الراتب المرتفع؟”

في 2009 اكتشف اليابانيون أن المبلغ الذي يتقاضاه كارلوس غصن يعادل سبعة أضعاف ما يتلقاه منافسه رئيس تويوتا، فقالوا: هذا الأجنبي يأتي لإنقاذ نيسان، لكنه يحصل على مبلغ هائل نظير ذلك. وهذا ما شكل صدمة في اليابان.

عملاق شركة نيسان كارلوس غصن يتحدث عن استحقاقه لراتبه المرتفع

من وجهة نظر كارلوس: “إنها سوق عالمي، وحصولك على مليون أو ستة مرتبط بمعدلات السوق، ففي فرنسا ينظر لمدير الشركة على أنه موظف، حتى أنهم لمحوا لاعتباري موظفا حكوميا، لأن الدولة تملك حصة قدرها 15% من رينو، فكيف أجرؤ على منح نفسي هذا الراتب المرتفع؟”، وهذا ما جلب عليه انتقادات حكومية لاذعة.

استحوذت نيسان على 34% من أسهم ميتسوبيشي موتورز، وأصبحت المجموعة الرائدة في العالم في 2018، كان كارلوس في حيرة من أمره حول تجديد عقده في رينو، إذ أظهرت نتائج 2017 مستوى مناسبا من الإيرادات والأرباح بعد التعافي، وعملت الشركة بشكل جيد، لذا رأى انه من المناسب تسليم العهدة لشخص اخر.

“بمنزلة إله في اليابان”.. غدر من حيث لا يتوقع

بحث الأمر مع زوجته، ولم يرغب أولاده في الاستمرار، ولكن مع إصرار لجنة رينو وممثلي الدولة الفرنسية، أقنع نفسه لولاية أخرى. حاول كارلوس التركيز على التحالف لتعزيز التقارب بين الشركات الثلاث وإنشاء مجموعه متكاملة من ثلاثة كيانات مستقلة، أراده اليابانيون اتحادا مشتركا، بينما أرادت الدولة الفرنسية اندماجا، لكنهم لم يصلوا لاتفاق.

الوثائقي في مقابلة حصرية مع المدير التنفيذي السابق لشركة نيسان اللبناني السيد كارلوس غصن

لم يكن هذا مقبولا لليابانيين، فلو دمجنا إداره رينو ونيسان بالكامل ستصبحان شركة واحدة، ونتيجة لذلك فإن رينو ستسيطر بشكل كامل على نيسان، فظنوا أنهم من خلال إقصاء غصن سيتوقف مشروع الاندماج لفترة على الأقل وسيتوقف استبداده. لذا رأى كثيرون أن على كارلوس غصن الرحيل وأن تلاعبه بات مكشوفا وانطلقت موجة إدانته من داخل نيسان نفسها.

كان الخطر -بنظر الكثيرين- أنه باختفاء كارلوس يمكن أن يتدمر كل شيء. فالجميع يدرك بأنه هو نقطه ضعف رئيسية للشركة وللمجموعة. لذا ناقش “ليو” الأمر مع غصن وأخبره أنه لو حدث له مكروه ما فيجب أن يكون لهم خطة بديلة للخلافة، وردّ أنها ليست مشكلته وأن لجنة ما ستجد الحل. كان أكبر أخطاء غصن اعتقاده أنه لا يمكن تعويضه، وهذا أكبر عيوبه.

يقول “برنار فاسدو”: “رأيته في باريس قبل شهر من اعتقاله وكان يظن أنه يحقق المعجزات، وقال لي كل شيء على ما يرام، وأنه بمنزلة إله في اليابان”. أما “لوي شفايتزر” فكان غاضبا من سذاجة غصن، وكيف يعقل أنه لم يتوقع أمرا كهذا.

لطالما تنقل كارلوس غصن بطائرته الخاصة معززا مكرما، لكنه لما عاد آخر مرة من اليابان سافر منها تهريبا

بعد أربعة أشهر اعتقل في أحد سجون طوكيو، وقبل محاكمته أفرج عنه بكفالة، ووضع تحت الإقامة الجبرية في منزله، وبعد 10 أشهر، وأثناء التحضير لمحاكمته قرر الفرار من قبضه القضاء الياباني، وأعد خطة للهروب إلى لبنان.

وبعد عملية فرار لا تصدق، قيل إنه اختبأ خلالها داخل صندوق آلة موسيقية مخزنة على متن طائرة تجارية، وخلال دهشة الجميع حط كارلوس غصن في بيروت في 30 ديسمبر/كانون أول 2019، بعد 14 شهرا من اعتقاله في طوكيو.

ورغم طلب اليابانيين من لبنان تسليمه لها، إلا أن فصل محاكمة غصن قد لا يُكتب على الإطلاق.