عقوبة الإعدام.. تاريخ لا إنساني تحت ظل القانون
خاص-الوثائقية

“أبتاه ماذا قد يخط بناني
والحبل والسجان ينتظراني
هذا الكتاب إليك من زنزانة
مقرورة صخرية الجدران
لم تبق إلا ليلة أحيا بها
وأحس أن ظلامها أكفاني
ستمر يا أبتاه لست أشك في
هذا وتحمل بعدها أكفاني
الليل من حولي هدوء قاتل
والذكريات تمور في وجداني”.
يبدو أن هذه الأبيات التي كتبها الشاعر المصري هاشم الرفاعي بعنوان “رسالة في ليلة التنفيذ” مصورا حالته في زنزانته التي يحس في ظلامها كفنا له وينتظر تنفيذ حكم الإعدام عليه شنقا؛ تحكي واقع ما حدث مع الشباب المصريين التسعة الذين أُعدِموا أمس الأربعاء 20 فبراير/شباط في قضية مقتل النائب العام هشام بركات، وقد اغتيل هشام بركات في 29 يونيو/حزيران 2015 جراء تفجير سيارة مفخخة كانت متوقفة في طريق عودته إلى منزله.
قبل الإعدام وفي قاعة المحكمة صرخ الشاب “محمود الأحمدي” أحد المعدومين يقدم دليل براءته قائلا: “في ناس معانا تعذبت بكل ما تعنيه الكلمة، وحضرتك شايف بعد ستة أشهر التعذيب لسه على جسمي، الطب الشرعي كاذب، وضابط أمن الدولة قال لي خلي كل حاجة تمشي زي ما هي وهعمل كل حاجة بمزاجي وأنت هتشيل قضية النائب العام، وفي أمين شرطة هنا في المحكمة عذبني وممكن أقولك عليه”.. ليرد عليه القاضي حسن فريد الملقب بقاضي الإعدامات قائلا “بس أنت اعترفت يا محمود”، فيبهته محمود “إديني صاعق كهرباء وقعدني مع أي واحد وهخليه يعترف أنه قتل السادات، إحنا اتكهربنا كهرباء تكفي مصر عشرين سنة”.
لكن القاضي لم يسمع لكلام محمود ورفاقه التسعة ليؤكد حكم الإعدام ويُعدموا بالفعل.
تنعى والدة محمود فلذة كبدها عند قبره قائلة “قال لي اخطبي لي يا ماما.. كان عايز يتزوج، هتتزوج من الحور العين يا ماما، محدش يعيط عليه، في رعاية الله يا حبيبي”.
ويُكمل الشاعر حكايته قائلا وكأن محمود يخاطب أمه بعد إعدامه:
“إن ابنك المصفود في أغلاله
قد سيق نحو الموت غير مدان
فاذكر حكايات بأيام الصبا
قد قلتها عن هوى الأوطان
وإذا سمعت نحيب أمي في الدجى
تبكي شبابا ضاع في الريعان
وتكتم الحسرات في أعماقها
ألما تواريه عن الجيران
فاطلب إليها الصفح عني إنني
لا أبتغي منها سوى الغفران”.
أحكام الإعدام التي تنشط هذه الأيام في مصر ويتفاعل معها الكثيرون، تستدعي إلى الذاكرة تاريخ هذه العقوبة وتطورها بصرف النظر عن عدالة الأحكام أو جورها، فماذا تعرف عن عقوبة الإعدام؟

من المقصلة إلى القتل الرحيم
كان القرن الثامن عشر شاهدا على سن أول قانون لعقوبة الإعدام، والذي سنه ملك بابل كما يقول المؤرخون، وسُنت عقوبة الإعدام لـ25 جريمة مختلفة. وقبلها سُنت عقوبة الإعدام في أثينا في القرن السابع عشر.
وفي أعقاب تأسيس القانون الروماني، سُنت اللوائح الـ12 للتشريعات القديمة التي نصت على عقوبات إعدام تتضمن أساليب كالقتل من خلال الصلب والإغراق والضرب حتى الموت والإحراق حيا.. ويعد هذا أول ظهور لطرق الإعدام المختلفة في القوانين الوضعية.
وتُعتبر عقوبة الإعدام من أقدم العقوبات في التاريخ البشري، إذ توجد لها آثار في تراث الحضارات القديمة مثل حضارة ما بين النهرين والحضارة الإغريقية والفرعونية.
وتعددت أساليب الإعدام منذ ظهوره فبدأ بالسحق حتى الموت، ثم قطع الرأس مرة واحدة بالمقصلة أو السيف، ثم الإعدام رميا بالرصاص، فالشنق الذي يعتبره البعض الوسيلة الأكثر إنسانية لتطبيق حكم الإعدام وأقرته بعض الدول.
كما جاء الإعدام بالحقن القاتلة، وهي وسيلة إعدام مستخدمة في عدة دول، يتم فيها حقن الشخص بجرعات من مواد كيميائية تؤدي إلى الموت، ويمكن أن تستخدم هذه الوسيلة أيضا في القتل الرحيم وفي الانتحار.
وفي عام 2015 عقدت المحكمة العليا في الولايات المتحدة جلسة للنظر في دستورية الإعدام بالحقنة القاتلة، واعتبرت في حينها أن الإعدام بالحقنة القاتلة ليس مخالفا للتعديل الثامن للدستور الذي يضمن الحماية من العقاب “الوحشي وغير المعتاد”، لكنها طلبت تغيير العقاقير المستخدمة لتنفيذ العقوبة، والتي تعتمد حاليا في كثير من البلدان كوسيلة “رحيمة” لتطبيق حكم الإعدام.
وفي التراث التشريعي الإسلامي، هناك ذكر وإقرار وتأطير دقيق لعقوبة الإعدام في حالات محددة ووفق شروط معينة، وإن كان التشريع الإسلامي فتح الباب واسعا لتعطيل العقوبة من خلال بدائل منها عفو أولياء الدم، والدّية المسَلمة إلى أهل الضحية.

نحو الإنسانية
ظهرت دعوات كثيرة تطالب بوقف عقوبة الإعدام، ويُرجع بعض المؤرخين نشأة الحركة الإلغائية -التي دعت لإلغاء الإعدام- إلى عام 1757 في فرنسا، حيث خلفت الطريقة التي أُعدم بها شخص حاول اغتيال الملك لويس الـ15 موجة غضبٍ وتنديد عارمة. فقد أُعدم “روبرت فرانسوا داميينه” بطريقة وحشية كانت سائدة حينها، وتقضي بربط أطرافه الأربعة إلى أربعة خيول يندفع كل منها في اتجاه لينشطر الشخص إلى نصفين أو أربعة أرباع.
وازدهرت الحركة المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام في القرن الـ19، إذ أقدمت البرتغال على إلغاء الإعدام نهائيا ونُفذت العقوبة آخر مرة عام 1849. ومع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الـ21، تراجعت عقوبة الإعدام في العالم بشكل واسع، وألغت أكثر من 160 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عقوبة الإعدام أو لم تمارسها.
وعلى الرغم من أن الجمعية العامة الأممية اعتمدت في الأعوام 2007 و2008 و2010 و2012 قرارات حثت فيها الدول على احترام المعايير الدولية التي تحمي حقوق الأشخاص الذين يواجهون عقوبة الإعدام، وتقييد استخدام تلك العقوبة تدريجيا، وخفض عدد الجرائم التي يُعاقَب عليها بالإعدام.. فإن بعض الدول العربية ما زالت تنفذ عقوبة الإعدام بشكل كبير وواسع مثل العراق والسعودية ومصر.