الريجيم القاتل.. قصة فتاة وثّقت طريقها إلى الموت

خاص-الوثائقية

فقدان الشهية العصبي مرض نفسي يؤدي لاضطراب الأكل وانخفاض الوزن بشكل شديد

كانت جميلة جدا ومرحة ومتفوقة في دراستها، تعزف العود وترتاد الشواطئ وتهوى السفر إلى نيويورك. وعندما أدركت أنها وقعت في ورطة، قررت أن تكافح وتنتج فيلما يحكي ما إذا كانت انتصرت أم خسرت معركتها.

يحمل الفيلم عنوان “الريجيم القاتل”، ويروي قصة إيما كاريس وهي مراهقة من هولندا كانت تعيش حياة طبيعية وتغمرها عائلتها ومدرستها بالحب، وما إن بلغت الثانية عشرة حتى طغى العناد على سلوكها وفقدت شهيتها للأكل لتدخل في معركة شرسة مع العائلة والأطباء.

الفيلم الذي بثته قناة الجزيرة الوثائقية يبدأ بمقطع لكاريس تقول فيه “تذكروا هذا اليوم، الأول من مايو/أيار 2015 تاريخ يُصنع، عرضٌ عالمي أول، سيظهر الخبر في كل الصحف، بعد ستة أشهر ستقود إيما الدراجة ولا يزال بوسعي فعل ذلك”.

ولكنها ظهرت بعد سنة وقد أقعدها الهزال والتصق جلدها بعظمها لتقول “إن الحياة ليست مفروشة بالورود”. وتروي أنها تتعالج بالفعل من فقدان الشهية العصبي “رغم أنها ليست مصابة بهذا المرض”.

وفقدان الشهية العصبي مرض نفسي يؤدي لاضطراب الأكل وانخفاض الوزن بشكل شديد. وتعتبر الفتيات المراهقات الفئة الأكثر تضررا من هذا المرض القاتل، ويصيب الذكور بنسب أقل.

 

إيما.. بداية المعركة

يسلط الفيلم الضوء على المرض اللعين وتتحدث فيه إيما ووالداها وأصدقاؤها والأطباء والاختصاصيون الذين رافقوها طيلة فترة العلاج.

تحكي ماريلس كاريس أن ابنتها إيما هي الابنة الوسطى تكبرها أخت ويصغرها أخ، وكانت تشعر بأنها ليست محور الاهتمام، وشعرت أنها أقل من غيرها، وتعاملنا مع ذلك بسلاسة وحساسية، لكنها كانت تثبت حضورها وتكافح لتجد لها مكانا.

أما والدها جو كاريس فيتحدث عن ابنته قائلا “كانت بحاجة للسلام والهدوء وكانت مرحة ونقية، المعلمون كانوا يحبونها، في المدرسة مثالية وفي البيت عنيدة”.

وتحكي صديقتها جيسي خوشية أنها “كانت رائعة والأولى في كل شيء وكنا نسميها ويكيبيديا المتنقلة”. وعندما لاحظت ماريلس أمورا طارئة على ابنتها وأنها لم تعد تتناول وجبة الغداء، بدأت تضيف المزيد من السعرات الحرارية للعشاء لتعويض إيما عن الغداء.

يومها كانت إيما في الـ12 من عمرها، وبعد فترة توقفت كليا عن الأكل مما استدعى نقلها لأكثر من مستشفى ومؤسسة رعاية نفسية في هولندا.

تقول طبيبتها آن ماري فان “عالجناها في قسم المراهقات، كانت متعبة جدا”. وقد قُبلت إيما في مؤسسة متخصصة في مدينة زايست بوسط هولندا.

في الـ12 من عمرها توقفت إيما كليا عن الأكل مما استدعى نقلها لأكثر من مستشفى ومؤسسة رعاية نفسية في هولندا

علاج بأمر قضائي

ووسط فقدان الشهية والجوع والنزق، أصرت المراهقة على أن تحقق حلمها، فقد كانت تستمع يوميا لأغنية “أنت في نيويورك.

استجاب والدها لرغبتها وتركها تذهب لنيويورك، لكنها انتكست هناك وساءت حالتها جدا، وعندما عادت صُدمت صديقاتها لرؤيتها.

أصبحت حالتها حرجة جدا، أُدخلت للعلاج بأمر قضائي وحاول معها الجميع ولكن لم يُجدِ الأمر نفعا.

وحتى لو أكلت مرة، فإنها تتمرن سريعا لحرق السعرات الحرارية. لقد كانوا يقيدونها حتى لا تتحرك، ولاحقا كان لزاما تغذيتها بالأنبوب حتى لا يقتلها الجوع.

تدهورت صحتها وبدت وكأنها خرجت للتو من القبر، هيكل عظمي لا يقوى على الحراك، وتوشك أن تلفظ نفسها الأخير.

واصلت صحتها التردي واستمرت في تصوير المشاهد. ثم طلبت من عائلتها مساعدتها لتلقي العلاج في البرتغال.

كانت إيما تتجاهل نصائح الأطباء المحيطين بها وترفض الطعام لأن طعمه مثل الرمل

رحلة إلى الموت

تُعلّق والدتها “سمحنا لها بزيارة البرتغال” وعندما كانت في المطار تستعد للمغادرة بدا وضعها مؤلما جدا وقالت لصديقاتها إنها ليست على ما يرام وربما “هذا لقاؤنا الأخير”.

تقول إحدى طبيباتها في البرتغال “بالكاد كان هناك جسد على المقعد، كانت هيكلا عظميا وكانت ترعبني، كانت جميلة والآن جلد وعظام”.

أما الخبير بمركز الرعاية فريد ليفي، فيحكي عن إيما كاريس قائلا “كانت شخصيتها رائعة وتحدثت الفرنسية وتقول إنها فتاة باريسية”.

وتروي الخبيرة بمركز الرعاية الإنسانية شارلوت غيس “لاتزال صورتها تطاردني بجسمها النحيل وعينيها الغائرتين، لقد رأيت فيهما الحزن والموت”.

عند هذه المحطة من المرض لم تعد الفتاة الطموحة تتمكن من المشي وبدأت تفقد بصرها، بينما كانت أمها تراقبها عن بعد عبر الكاميرات.

تقول أمها إنها “كانت تختنق حتى الموت ولكنها تفكر في أنها ستذهب وتسبح كسمكة”. تعافت لفترة وذهبت للشاطئ وأصيبت بالتهاب رئوي. اتصل الأطباء بعائلتها في هولندا والتحق بها والدها على الفور، ولكنها غضبت لحضوره لأنها لم ترد أن تزعجه.

إيما: بعد ست سنوات من العلاج القسري والوحدة وأنا في العيادات سأجرب في المرة الأخيرة التعافي من مرضي اللعين وسأبدأ من الغد، أنا خائفة كثيرا

مواجهة أخيرة

في هذه المرحلة كانت تتجاهل نصائح الأطباء المحيطين بها وترفض الطعام لأن طعمه مثل الرمل وكانت على وشك الموت.

وبعكس التوقعات تعافت من السل وواصلت تصوير طريقها إلى الموت، وسجلت مقطعا تقول فيه “ما زلت أعاني من فقدان الشهية المرضي، فلا أستطيع تناول أكثر من 650 سعرة حرارية، وأنا على وشك الموت واليوم يوم من أيام المرض”.

واصلت “بعد ست سنوات من العلاج القسري والوحدة وأنا في العيادات سأجرب في المرة الأخيرة التعافي من مرضي اللعين وسأبدأ من الغد، أنا خائفة كثيرا”. ويبدو أنها في هذه المرة اختارت مواجهة المرض والعمل على تحسين وضعها الصحي.

انتهت قصة إيما بوفاتها وخسارتها المعركة

نهاية فتاة جميلة

وتعلق الطبيبة شارلوت على هذه المرحلة بالقول “متشبثة بالحياة وتقترب من الموت، لقد عرفت أن فرصتها في الحياة ضئيلة، وحتى لو تعافت فإن أمامها أسئلة عن طبيعة الحياة الممكنة”.

وأضافت “نمت معها وكانت خائفة من النوم، كانت تريد أن تموت وهي مستيقظة حتى تودع الحياة، مات جسدها وظل قلبها ينبض”.

وبينما كانت تعبر نحو الموت، اتصلت بوالديها وأخبرتهما أنها ليست بخير. ويرويان أنها تحدثت في أمور غريبة، وطلبت مساعدتها في إنشاء مشروع صغير، وبدأت تتحدث عن العمل.

وبينما يعتصر قلبه حزنا، سرد جو كاريس نهاية قصة ابنته “تواصلنا معها مرة أخرى، كانت تحتضر ولم نسمع صوتها بعد ذلك أبدا”.

لفظت كاريس أنفاسها، ويروي الأطباء أنها كانت محاطة بالحب. قصة فتاة انتهت وخسرت المعركة.

ويختم الفيلم بلقطة من أيما سجّلتها قبل أن يفتك بها المرض “شكرا لكم يا أصدقائي، كنتم دائما إلى جانبي، وداعا الآن”.


إعلان