الحراك الجزائري.. متى بدأت الحكاية؟
خاص-الوثائقية

حكم عبد العزيز بوتفليقة الجزائر بصلاحيات لم يتمتع بها أي أحد قبله
“نحن هو الابتلاء يا حكومة وهذه النار لن تخمد، يا من كنتم تعتقدون أن كل شيء للبيع، البهجة غير قابلة للبيع”.. رسالة أراد المتظاهرون الجزائريون إيصالها لسلطتهم التي حكمت بلادهم أكثر من 20 عاما.
خرج الشعب الجزائري من ذروة الغضب وخيبات الأمل والفقر لتحرير الجزائر العاصمة -أو البهجة كما يطلقون عليها- من قيد حُكم أطبق على أنفاسهم لعقود.
وعن بداية الحراك الجزائري عرضت قناة الجزيرة فيلما بعنوان “الحكاية لم تبدأ من العهدة الخامسة” ضمن برنامج للقصة بقية، تعرّض لبدايات الاحتجاجات في الجزائر، والمخاوف التي رافقت المحتجين، وتدخلات الجيش لضمان تحقيق مطالبهم.
“كان دائما عندي أمل أن أولاد بلادي سيقومون بهذا الحراك، وأننا سننهض من أجل التغيير”.. هكذا عبرت جيهان إحدى المشاركات في التظاهرات عن فرحتها ببداية حراكٍ شعبي كانت تنتظره منذ زمن.
ومن كل شبر في الجزائر عزم أهلها على التغيير السلمي بعد 57 عاما قضوها بعد الاستقلال يتوقون للخلاص من نظام سياسي استمر لعقود.
حكم عبد العزيز بوتفليقة الجزائر بصلاحيات لم يتمتع بها أي أحد قبله، فالجزائر التي يبلغ تعداد سكانه أكثر من 40 مليون نسمة -70% منهم يقل عمره عن 30 عاما- لم يعرف 45% منهم سوى بوتفليقة رئيسا لبلادهم.
انهيار جدار الصمت
كان ترشح الرئيس المريض -الذي لم يخاطب شعبه منذ سبع سنوات- بداية نهاية حكمه، فانهار جدار الصمت لتظهر جزائر جديدة لا تشبه ما قبل 22 فبراير/شباط 2019 وهو بداية انطلاق الحراك الجزائري.
يقول مهدي رمضان الباحث في علم الاجتماع “ولد الحراك في الجزائر بسبب اختلاف ثقافة الشعب التي أصبحت أكثر وعيا، والسبب الثاني هو الخطأ الفادح الذي ارتكبته السلطة بترشح بوتفليقة مرة أخرى”.
ولأول مرة منذ 20 عاما تمتلئ ساحات الجزائر بطوفان بشري ينشد الخلاص من حكم الرئيس المريض، وقد تخلصوا من عقدة العودة إلى سنوات الدم رافعين شعار “فزاعة الإرهاب لم تعد تجدي نفعا”.
تقول دينا مسعود إحدى المشاركات “كنا متخوفين من ردة فعل المؤسسة العسكرية، وكانت أيدينا على قلوبنا، لكن رسالتنا كانت: نموت ويحيا الوطن”.
وقال كعبوب محمد “الحراك لم يبدأ عندي من اليوم، بل بدأ منذ بداية العهدة الرابعة، من الملاعب”.
كانت مدرجات الملاعب الجزائرية المتنفس الوحيد للشعب الجزائري، شاهدة على مطالبهم، فصرخ الشباب الجزائري من قَبل في المدرجات “في العهدة الثالثة ضعفت البلاد بسبب المصالح الشخصية”.
أما مفتاح أنيس فقال “حرمونا حقوقنا، أبناؤهم كلهم في أوروبا وتركونا نحن في الفقر، الله غالب”.

قدمت السلطة الجزائرية تحت ضغط الشارع -الذي لم يهدأ- تنازلات بدأت بالعدول عن العهدة الخامسة وانتهت بتنحي بوتفليقة
المؤسسة العسكرية.. مع أم ضد؟
وفق مؤشر الفساد لعام 2018 تحتل الجزائر المرتبة 105 من بين 180 دولة بمعدل نزاهة 35%.
ورغم أن عائدات النفط للجزائر الذي يحتل المرتبة الرابعة عالميا في احتياطي الغاز والسابعة عالميا في احتياطي النفط بلغت في عام 2017 أكثر من 33 مليار دولار، فإن الجزائر ظلت تعاني من التوزيع غير العادل للثروات واحتكار فئة صغيرة من رجال الأعمال المقربين من السلطة للسوق بطرق غير قانونية.
دفع هذا الفساد والتهميش والإقصاء والمحسوبية والبطالة الشعب الجزائري للخروج إلى مظاهرات عمت ولايات الجزائر الـ48 في ست جُمَع متواصلة.
وبين متوجس ومحذر من العودة إلى سنوات الدماء ومصطف إلى جانب دعاة التغيير وقفت المؤسسة العسكرية الجزائرية محاولة السيطرة على وضع الشارع.
ودافع اللواء المتقاعد عبد العزيز مجاهد عن الجيش الجزائري، مؤكدا أنه كان الدرع الواقي للوطن والمواطن منذ استعادة السيادة الوطنية للبلاد، وأنه كان صمام الأمان للجزائر في الكثير من المراحل المفصلية.
وقدمت السلطة الجزائرية تحت ضغط الشارع -الذي لم يهدأ- تنازلات بدأت بالعدول عن العهدة الخامسة وانتهت بتنحي بوتفليقة الذي أصيب بجلطة دماغية عام 2013 وانتخب بعدها لعهدة رابعة.
يستمر الحراك في الشارع الجزائري حتى اليوم لتحقيق أهدافهم، وينتظر الجزائريون انتهاء المرحلة الانتقالية التي يصفها البعض بالمرحلة الأصعب.