“تامبورا” بركان إندونيسي تسبب بمجاعة أوروبا

الوثائقية – خاص

تفشى الفقر والمجاعات والأمراض القاتلة في أوروبا بعد انفجار بركان تامبورا

عانت إندونيسيا على مر تاريخها من الزلازل المدمرة، وكان آخرها الزلزال الذي ضرب مدينة بالو ومحافظتي سيغي ودونغالا في إقليم “سولاويزي الوسطى” يوم 28 سبتمبر/أيلول الماضي بقوة 7.4 درجات على سلم ريختر متبوعا بموجات مد بحري (تسونامي)، مما أسفر عن مقتل وإصابة نحو ثمانية آلاف شخص.

لم يكن ذلك الزلزال هو الأسوأ في إندونيسيا، فهذا البلد الذي يقف على خط النار ويشتهر بكوارثه الطبيعية من زلازل وأعاصير وبراكين، شهد أسوأ انفجار بركاني عام 1815، وذلك عندما انفجر بركان تامبورا في جزيرة سمباوا فكان الأسوأ في تاريخها وتاريخ العالم، وأثرت تبعاته ليس على إندونيسيا وحدها بل على أوروبا أيضا حيث تسبب بأسوأ مجاعة في تاريخها. فكيف لبركان يثور في أقصى القارة الآسيوية أن يؤثر على قارة تبعد عنه بآلاف الكيلومترات؟

عانى شرق سويسرا عجزا في الحصاد الزراعي فلم يعد الناس قادرين على الحصول على طعام لسنوات فاتجهوا إلى السرقة من بعضهم البعض للحصول على قوت يومهم

تامبورا.. بركان غير العالم

بدأت الكارثة العالمية من جزيرة سمباوا الإندونيسية يوم 10 أبريل/نيسان 1815 عندما ثار بركان تامبورا الذي بلغ ارتفاعه 4200 متر، فتدفقت الحمم البركانية وحصدت من أرواح البشر أكثر من أي بركان آخر، حيث قتل أكثر من مئة ألف نسمة بشكل غير مباشر. وعلى الرغم من وقوعه في إندونيسيا فإنه تسبب بتغيير المناخ العالمي وخصوصا في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، فانخفضت درجات الحرارة في أوروبا وسقطت الأمطار بغزارة، وهو ما أدى إلى تلف المحاصيل الزراعية فتفشت المجاعة والأمراض القاتلة التي أودت بحياة الآلاف فثار البعض وهاجر من استطاع الهجرة.

أوروبا.. عام بلا صيف

بعد انفجار البركان اخترق الغلافَ الجوي دخانٌ يحمل حوالي 60 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون ولأكثر من 20 مترا في الطبقات العليا فوُزعت السحب على الكوكب كله، وهو ما أدى إلى انخفاض درجات الحرارة بشكل حاد واستمرار هطول الأمطار وتغيير الرياح الموسمية، فسيطر الجفاف بسبب الطقس البارد ومر العام من دون صيف على أوروبا، ولم يستطع المزارعون نشر بذورهم بسبب الأمطار الغزيرة التي اجتاحت أوروبا خصوصا سويسرا وفرنسا وألمانيا.

كما عانى شرق سويسرا عجزا في الحصاد الزراعي فلم يعد الناس قادرين على الحصول على طعام لسنوات، واتجهوا إلى السرقة من بعضهم البعض للحصول على قوت يومهم، واستغل مرابو الحبوب هذا الوضع فقاموا بشراء المحاصيل من المزارعين واحتكارها ثم بيعها بأثمان غالية، وهو ما أدى إلى انتشار الفقر والمجاعة والموت بسبب الهزال حتى أصبحت 50% من الأسر الأوروبية تتضور جوعا وتعيش تحت خط الفقر.

لجأ سكان أوروبا إلى الهجرة فقبلوا دعوة القيصر الروسي الذي وعدهم بالجنسية والأراضي فتوجه نحو ثمانية آلاف نسمة من جنوبي ألمانيا إلى هناك وبدؤوا حياة جديدة.

ولم يكن حال القارة الآسيوية آفضل حيث فاضت الأنهار في الهند والبنغال وجُرفت المزارع وانتشرت الفياضات. 

وصلت الكوليرا إلى أوروبا عام 1830 عن طريق الحجاج والجنود

الكوليرا.. القاتل العالمي المتسلسل

اغتنمت الكوليرا تلك البيئة الخصبة فانتشرت منطلقة من البنغال، بعدما أدى التغير المناخي والطقس المضطرب إلى انتشار مغذيات الكوليرا في البحار والمحيطات ونقلتها الرياح الموسمية إلى العديد من الأنهار والبحار.

كما نقلها الجنود والحجاج والتجار من جنوب شرق آسيا إلى الفلبين والصين واليابان ثم إلى بلاد فارس التي نقلتها إلى روسيا حتى وصلت الكوليرا عام 1830 إلى أوروبا وجنوب أمريكا، فقتلت في لندن وحدها نحو 30 ألف نسمة بعد تفشيها في الأحياء الفقيرة للعاملين.