عاصفة الحزم.. ماذا جنت بعد سنوات عجاف؟

 

وجدي الماجري

في الخامس والعشرين من مارس/آذار 2015 انطلقت لـ”عاصفة الحزم”، وما أدراك ما عاصفة الحزم؟ المعركة التي عمّرت أكثر ممّا حُدّد لها من عُمرٍ، فكأنّها حكاية طويلة ترويها لنا شهرزاد في ألف ليلة وليلة، غير أنّها لم تُكتب هذه المرّة على ذات ألواحٍ وحبر، وإنّما كُتبت على رقّ الإنسانيّة بأحرف من دمٍ وألمٍ. وبين أصوات الصّواريخ وأصوات عصافير البطن؛ يتخبّط الشعب اليمني كلّ يوم مناشدًا حمام السّلام والحُريّة بمنتهى الصّبر.

في الواقع، لقد سُميّت العمليّة العسكريّة “عاصفة الحزم” نسبة إلى مقولة مؤسس المملكة العربيّة السّعوديّة “الحزم أبو العزم أبو الظفرات، والترك أبو الفرك أبو الحسرات”. وقد استَخدمت السّعوديّة هذا الاسم طيلة الفترة الأولى من التّدخّل العسكري للتّحالف لدعم شرعيّة نظام الرئيس عبد ربه منصور هادي في اليمن ضدّ الحوثيّين الموالين لإيران والرّئيس المخلوع علي عبد الله صالح، والتي قُدّرت بنحو 27 يوماً، أي من 25 مارس/آذار إلى غاية 21 أبريل/نيسان عام 2015.

استمر التّدخّل العسكري للتّحالف لدعم شرعيّة نظام الرئيس عبد ربه منصور هادي في اليمن ضدّ الحوثيّين من 25 مارس/آذار إلى غاية 21 أبريل/نيسان عام 2015

 

20 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 قرار تشكيل حكومة باسندوة

أصدر رئيس الجمهورية اليمنيّة بالإنابة عبد ربّه منصور هادي في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 قرارًا يتمثّل في تكليف محمّد سالم باسندوة بتشكيل حكومة الوفاق الوطني لقيادة المرحلة الانتقالية التي تسبق موعد الانتخابات الرّئاسيّة. لكنّ الوضع آنذاك كان متشنّجًا وغير مستقرّ، فقد واجهت الحكومة الانتقالية الهشّة التي جاءت إلى السّلطة بعد الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح في عام 2012؛ عدّة تحديّات على مسار إنهاء انتهاكات حقوق الإنسان من قبيل الاحتجاز التعسفي والاعتداءات على حرية التعبير وحرية التجمع، ومشكلة تجنيد الأطفال.

بعد ذلك، شهدت شوارع اليمن في صنعاء احتجاجات تباينت الآراء حول ماهيّتها؛ فمنهم من اعتبرها رداً عفويا ومؤشرا على فشل حكومة الوفاق في توفير متطلّبات الحياة الكريمة التي قامت من أجلها هذه الثّورة، ومنهم من رأى أنّها عمليّة شغب ومُؤامرة تنطوي على مخطّطات سياسيّة أبرزها إسقاط النّظام الجديد للعودة إلى النّظام السّابق بقيادة علي عبد الله صالح. ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل تنوّعت أساليب عرقلة المسار الانتقاليّ، فقد قُطعت الكهرباء عن اليمن، وعاشت البلاد في ظلام دامس، وأثيرت أعصاب الشّعب بسبب اختفاء الوقود من البلاد.

وفي هذا الإطار، أفاد رئيس الحكومة محمّد سالم باسندوة في لقاء متلفزٍ أنّه قدّم طلب حصانة للرّئيس المخلوع صالح في مجلس النّواب، وبكى إثر ذلك إدراكًا منه بأنّه يعطي الحصانة لمن لا يستحقّها، ولكنه فعل ذلك كي يُجنّب الشّعب اليمني المعاناة. ولم تكن دموعه كفيلة بأن يتزحزح الرّئيس المخلوع عن مآربه السّياسية تحت ستار دعم سعوديّ إماراتيّ.

في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 تم تكليف محمّد سالم باسندوة بتشكيل حكومة الوفاق الوطني لقيادة المرحلة الانتقالية التي تسبق موعد الانتخابات الرّئاسيّة

 

18 مارس/آذار 2013 أوّل جلسة لمؤتمر الحوار الوطني

لقد جرى التّحضير مُطوّلاً لمؤتمر الحوار الوطني الشّامل وتمت عرقلته لأكثر من مرّة، ثمّ بدأت المرحلة الأخيرة بعد ثورة الشّباب اليمنيّ بدعم خارجي غير مسبوق، واستهلّ أولى جلساته في 18 مارس/آذار 2013 بالعاصمة اليمنيّة صنعاء.

وقد انعقد المؤتمر تحت شعار “بالحوار نصنع المستقبل”، واستمرّ لعشرة أشهر حتّى 25 يناير/كانون الثاني 2014، وهو التّاريخ الموافق لموعد الجلسة الختاميّة لمؤتمر الحوار الوطني في مبنى القصر الجمهوري بصنعاء وسط حضور عربي ودولي كبير، وأُعلن في الجلسة عن الوثيقة النّهائيّة التي توصّلوا إليها أخيرًا وتُفيد بقيام دولة فدراليّة من ستّة أقاليم. وأمام هذا القرار، أعرب الحوثيّون عن رفضهم التّام، فاجتاحوا صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول، ووُقعت اتفاقيّة السّلم والشّراكة الوطنيّة برعاية مبعوث الأمم المتحدة لليمن جمال بن عمر والتي قضت بتشكيل حكومة جديدة يقودها خالد بحاح، وبتعيين مستشارين من الحوثيين والحراك الجنوبي لرئيس الجمهوريّة.

وفي 17 يناير/كانون الثاني 2015، حدث أن اختطف الحوثيّون مدير مكتب رئيس الجمهورية أحمد عوض بن مبارك بعد اتهامه بالفساد المالي والإداري وتمرير “مسودة الدستور” دون توافق على مسألة شكل الدّولة المتعلّقة بالأقاليم. وليس هذا فحسب، بل هاجموا منزل الرّئيس هادي في 19 يناير/كانون الثاني 2015، وحاصروا القصر الجمهوري الذي يقيم فيه رئيس الوزراء. وطالبوا بتعيين العشرات من أنصارهم في مناصب قياديّة وعسكريّة أهمّها تعيين نائب للرئيس من الحوثيّين.

ورفضا لمطالب الحوثيين التي تنطوي على نية الاستحواذ على أغلبية الكراسي للحكومة اليمنية، وجد الرئيس منصور عبد ربه هادي نفسه مُجبَرا على تقديم استقالته، إذ لا مجال للأخذ والعطاء في أمور مصيرية تتعلق بمصلحة البلاد ولا مجال للرضوخ للعدو المتمرد . فكانت النتيجة فرض الإقامة الجبرية عليهما. وفي غضون ذلك، لم يعقد البرلمان جلسة لقبول الاستقالة أو رفضها.

 ثُم تدخّل مندوب الأمم المتّحدة جمال بن عمر لإجراء حوار سياسي ومفاوضات بين الحوثيين والأحزاب السياسية بغية إيجاد أرضيّة مشتركة إزاء شكل الدّولة ورئاستها. وبعد مفاوضات لم تنل رضا الحوثيين؛ قاموا بإعلان دستوري في السادس من فبراير/شباط قضى بحلّ البرلمان وتمكين “اللّجنة الثّوريّة” بقيادة محمّد عليّ الحوثي من قيادة البلاد.

قام الحوثيين بإعلان دستوري في السادس من فبراير/شباط قضى بحلّ البرلمان وتمكين “اللّجنة الثّوريّة” بقيادة محمّد عليّ الحوثي من قيادة البلاد

 

15 فبراير/شباط 2015 قرار مجلس الأمن الدّولي تحت طائلة البند السابع

أصدر مجلس الأمن الدّولي في 15 فبراير/شباط 2015 قرارًا صارمًا (رقم 2216) كان قد اتخذه بالإجماع طالب فيه الحوثيّين بسحب أسلحتهم ومسلّحيهم من كافّة أجهزة الدّولة اليمنيّة ومؤسّساتها الحكوميّة، كما عارض تحرّكاتهم غير الشّرعيّة لحلّ البرلمان ومحاولة بسط نفوذهم على مؤسّسات الحكومة. واستنكر أيضًا سيطرتهم بالقوة على المنابر الإعلاميّة، ودعاهم إلى الانخراط الفوريّ في مفاوضات السّلام التي يرعاها مبعوث الأمم المتّحدة جمال بن عمر، وإطلاق سراح كلّ من الرّئيس عبد ربه منصور هادي ووزرائه وأعضاء حكومته الموضوعين جميعا تحت الإقامة الجبريّة. وفي حالة عدم تنفيذ هذا القرار، أعلن المجلس عن استعداده التّام لتطبيق البند السّابع من ميثاق الأمم المتّحدة المتعلّق باستخدام القوّة أو العقوبات الاقتصاديّة لفرض تنفيذ القرارات.

26 فبراير/شباط 2015 تأزّم الأوضاع بين السّعودية والحوثيّين

قام عبد الملك الحوثي زعيم حركة أنصار الله في اليمن بإلقاء خطاب سياسيّ تناول فيه طبيعة التّعديلات الخاصّة بالعلاقات الخارجيّة لليمن.

وفي 12 مارس/آذار تأزمت الأوضاع بين السعودية والحوثيين وتحوّلت العبارات الشّفهيّة إلى مناوشات عسكريّة قام بها الحوثيّون المسلّحون على الحدود السّعوديّة.

24 مارس/آذار 2015 الرّئيس عبد ربّه منصور يطلب التّدخل العاجل

بعث الرّئيس الشّرعيّ لليمن عبد ربّه منصور هادي في 24 مارس/آذار 2015 رسالة عاجلة إلى قادة دول مجلس التّعاون الخليجيّ، يتحدث فيها عن “الانفلات الأمني الفظيع والوضع الخطير الذي يعيشه اليمن جرّاء العدوان الحوثي المدعوم من إيران والرّئيس المخلوع علي عبد الله صالح الذي ينهج إلى فرض هيمنته على اليمن من جديد”. كما ناشد فيه الدّول الخليجيّة للوقوف إلى جانب الشعب اليمني في هذه الأزمة، وطلب منها استنادًا إلى أحكام ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بمبدأ الدّفاع عن النّفس المنصوص عليه في المادّة (51)، واستنادًا إلى ميثاق جامعة الدّول العربيّة ومعاهدة الدفاع العربي المشترك، أن تقدّم يد المُساعدة الفوريّة باستعمال كافّة الوسائل المـتاحة لها لردع الهجوم الحوثي ووضع حدّ لتقدّمهم نحو المدن الرّئيسيّة كصنعاء وعدن.

في 26 مارس/آذار أعلنت القّوات المسلّحة للتّحالف بقيادة السّعوديّة انطلاق “عاصفة الحزم” بمشاركة رئيسيّة من دول مجلس التّعاون الخليجي عدا سلطنة عمان

 

26 مارس/آذار 2015 انطلاق “عاصفة الحزم”

بعد تلك الرّسالة الحاسمة حُسم الأمر بين الدّول الخليجيّة، وصدر بيان لكل من السّعودية والإمارات والبحرين وقطر والكويت –ولم يتضمن عُمان- جاء فيه “قرّرت دولنا الاستجابة لطلب الرّئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهوريّة اليمنيّة لحماية اليمن وشعبه العزيز من عدوان المليشيات الحوثيّة التي كانت وما زالت أداةً في يد قوى خارجيّة لم تكف عن العبث بأمن واستقرار اليمن الشقيق”.

 وفي 26 مارس/آذار أعلنت القّوات المسلّحة للتّحالف بقيادة السّعوديّة انطلاق “عاصفة الحزم” بمشاركة رئيسيّة من دول مجلس التّعاون الخليجي عدا سلطنة عمان، وبمشاركة محدودة لكلّ من الأردن ومصر والمغرب والسّودان.

وبدأت ساعة الصفر في عاصفة الحزم.. هكذا قالوا، وكذلك بدا الأمر للجميع، أنّها مجرّد ساعة انطلاقة قصيرة المدى سيلوح فيها النّصر وتهتزّ لها النّفوس العاشقة لصوت الرّصاص ورائحة البارود. ولكن، عن أيّ نصر يتحدّثون؟ وبأيّ فوز سيحتفلون؟

وفي يوم 28 مارس/آذار، قال المتحدّث باسم الحملة العسكريّة إنّ أهداف العمليّة تتمثّل في مهاجمة القواعد الجويّة ومراكز العمليّات وتدمير الطّائرات ومراكز القيادة والسّيطرة والاتصالات وتدمير الصّواريخ البالستيّة. وفي تصريح لسفير السّعوديّة في واشنطن عادل الجبير قال إنّ العمليّة العسكريّة تهدف لتدمير الأسلحة التي قد تشكّل خطرًا على الأمن القومي لدول الخليج سواء أكانت أسلحة جويّة أم صواريخ بالستيّة أم أسلحة ثقيلة.

21 أبريل/نيسان 2015 إعلان نهاية “عاصفة الحزم” وبداية “إعادة الأمل”

بعد نحو شهر من انطلاق عاصفة الحزم، وتحديدا في 21 أبريل/نيسان، أعلنت قيادة التّحالف نهاية عمليّة عاصفة الحزم في اليمن وبداية ما سُمّى بـ”إعادة الأمل”. وقد جاء ذلك تِباعًا لما أعلنته وزارة الدّفاع السّعوديّة بخصوص نتائج عاصفة الحزم كإزالة التّهديدات الموجّهة لها من قبل الحوثيّين نسبيًّا، وضمان شيء من الاستقرار على أراضي الحدود والمناطق المجاورة لها، وذلك بعد أن قامت قواها التّحالفيّة بتدمير بعض الأسلحة الثّقيلة والأسلحة البالستية التي يستعملها العدوّ في عمليّة نوعيّة استهدفت جبل عطان بصنعاء.

وقد صرّح وزير الخارجيّة البحريني أنّ انتهاء عاصفة الحزم وبداية إعادة الأمل لا يعنى على الإطلاق الانسحاب الفوريّ من الأراضي اليمنيّة أو إيقاف العمليّات العسكريّة، وإنّما يُقصد بهذا التّغيير المُفاجئ للاسم هو شحن النّفوس المفزوعة من ويلات الحرب بشحنة من الأمل إثر انطلاق العمليّات الإنسانيّة وإيصال المساعدات الماديّة للمتضرّرين.

ثُم واصلت عمليّة “إعادة الأمل” على نفس منوال عاصفة الحزم، إذْ اشتدّت المعارك ضدّ الحوثيّين في مختلف مناطق اليمن وعلى وجه التّحديد في محافظة مأرب وتعز وأيضا في العاصمة صنعاء في منطقة فج عطان.

واحد من كل خمسة من سكّان اليمن يعجزون عن تدبير قوتهم اليومي

 

“عاصفة الحزم”.. بين الرفض والقبول

منذ الإعلان عن “عاصفة الحزم” دوّت عاصفة الخوف والجزع في قلوب سُكّان العاصمة اليمنيّة، وشُدّت الأعصاب كثيرًا ودخلت المدينة في حالة تأهب كامل.

لقد تباينت ردود الأفعال إبّان بداية “عاصفة الحزم” بين الترحيب والرفض والصّمت، ذلك أنّ غالبًا ما تكون مُخلّفات الحرب أكبر وأفدح من إنجازاتها.

ففي 26 مارس/آذار 2015، شهدت مدينة تعز اليمنيّة مسيرة حاشدة مؤيّدة للضّربات الجويّة للتحالف.

وفي 28 مارس/آذار، شارك آلاف اليمنيين في مظاهرات في مدن إب وتعز ودمت عبّروا فيها عن مساندتهم الشعبيّة لعمليّة التّدخل الخليجي آنذاك ورفضهم لانقلاب جماعة أنصار الله وممارساتها العدوانيّة، ورفع المتظاهرون أعلام الدّول المشاركة في عاصفة الحزم وصور الرّئيس اليمني هادي، وشعارات تطالب برحيل مسلّحي الحوثي عن كافة مؤسّسات الدّولة.

في المُقابل، في 29 مارس/آذار، نظّم العشرات وقفة احتجاجيّة أمام القنصليّة السّعوديّة في مدينة إسطنبول مستنكرين “المجازر التي يذهب ضحيّتها المدنيّون الأبرياء”.

وفي 30 مارس/آذار، نظم نشطاء وحقوقيّون اعتصامًا حاشدًا أمام السّفارة السّعوديّة في العاصمة الألمانيّة برلين تنديدا “بالعدوان العسكريّ الذي تقوده السّعوديّة على الشّعب اليمنيّ”.

وفي 10 أبريل/نيسان، تظاهر عشرات الآلاف من اليمنيّين في صنعاء ضدّ الغارات الجويّة التي ينفّذها التّحالف العربي تحت شعار “ما لم تحصدوه بالحوار لن تحصدوه بالقوّة”.

يعاني أكثر من 1.2 مليون طفل من سوء التّغذية المعتدل كما يعاني أكثر من نصف مليون طفل من سوء التّغذية الحادّ

 

الأبعاد الإنسانية.. اليمن يواجه كارثة

لقي التّدخل العسكري الذي قادته السّعودية والإمارات والذي كان له تأثير كبير على تدهور الوضع الإنساني انتقادات واسعة على الصّعيد الشعبيّ والدّولي. فقد صرّح منسّق الشّؤون الإنسانيّة للأمم المتّحدة لليمن بأنّ الغارات التي نفّذتها طائرات التّحالف على مدينة صعدة تشكل خرقًا للقانون الدّولي الإنساني، وذلك بعد أن أعلن التّحالف الذي تتصدّره السّعودية والإمارات صعدة هدفًا عسكريًّا بأكملها.

وفي 1 يوليو/تموز، أصدرت الأمم المتحدة إعلانًا رسميًّا يُحذّر من أنّ مستوى الطّوارئ في اليمن قد بلغ المستوى الثّالث، وهو المستوى الأعلى. وقالت المفوّضيّة السّامية للأمم المتّحدة لحقوق الإنسان في تقرير لها صدر في سبتمبر/أيلول إنّ نحو ثلثي المدنيّين الذين قُتلوا منذ انطلاق عاصفة الحزم في 26 مارس/آذار قُتلوا نتيجة الغارات الجويّة، وذلك بحلول نهاية يونيو/حزيران 2015.

في 24 أغسطس/آب، قال ممثل الأمم المتّحدة الخاصّ للأمين العام المعني بالأطفال والنّزاعات المسلحة، إنّ 73٪ من مئات الأطفال الذين قضوا في اليمن منذ تصاعد القتال أواخر مارس /آذار 2015، كانوا ضحايا الغارات الجويّة.

واتّهمت هيومن رايتس ووتش قوّات التّحالف مرارًا بقتل المدنيّين الأبرياء وتدمير المراكز الصّحية والبنى التّحتية، إذْ تسبّب النّزاع في حدوث أزمة صحيّة رئيسية وأدّى إلى عدم انتظام خدمات الرّعاية الصحيّة الأوليّة والثانوية أو توقّفها تمامًا، وأغلقت 160 منشأة صحيّة أبوابها في مختلف أنحاء البلاد.

ووصفت اللّجنة الدّوليّة للصّليب الأحمر في 22 أبريل/نيسان 2015 الوضع في اليمن بأنه “كارثي” ويسير نحو الأسوأ يومًا بعد آخر، حيث تعاني العاصمة صنعاء من انقطاع التّيار الكهربائي وشحّ في ماء الشّرب. وتحدث مدير العمليّات في الشّرق الأوسط في اللّجنة الدوليّة للصّليب الأحمر الدّولي عن رؤيته لعشرات الجثث في شوارع عدن، وأضاف أنّ ما يُعادل 50 قتيلاً كانوا يسقطون كلّ يوم منذ بدء العمليّة الحربيّة في اليمن أواخر شهر مارس/آذار.

في 19 أغسطس/آب، حذّرت منظّمة الأغذية والزّراعة التّابعة للأمم المتّحدة من “تفاقم المجاعة” في اليمن، حيث يعاني أكثر من 1.2 مليون طفل من سوء التّغذية المعتدل كما يعاني أكثر من نصف مليون طفل من سوء التّغذية الحادّ. وكان مبعوث الأمم المتّحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشّيخ أحمد قد صرّح بأنّ “اليمن على بعد خطوة واحدة من المجاعة”. وأظهرت دراسة لبرنامج الأغذية العالمي أنّ نحو 13 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي، بينهم ستة ملايين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشّديد، وهم في حاجة ماسّة إلى المساعدات الخارجيّة، وهذا يعني أنّ واحد من كل خمسة من سكّان اليمن يعجزون عن تدبير قوتهم اليومي. ويُعدّ نحو 1.3 مليون نازح داخليًّا في البلاد هم الأشدّ معاناةً من انعدام الأمن الغذائي. ويعتبر نقص مياه الشرب مشكلة فادحة جدًّا، فقد تضاعف سعر المياه في مدينة صنعاء ثلاث مرّات منذ بداية النّزاع نتيجة تعطّل أنظمة الضخّ بسبب عدم وجود وقود الدّيزل.

وفي هذه الأجواء أعلنت منظمّة الصّحة العالمية أنّ 643 شخصًا قتلوا وأُصيب 2223 بجروح في اليمن منذ بدء المواجهات المسلّحة في البلاد في 19 مارس/آذار.

في يونيو/حزيران 2017 أنهت قوّات التّحالف العربي بقيادة السّعوديّة مشاركة قطر في العمليّة العسكريّة باليمن متهمة إيّاها بدعم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية والحوثيين

 

“عاصفة الحزم” تنجح في “حصار قطر”!

وبعد انقضاء ما يزيد على ثلاث سنوات من الحرب على اليمن، أعلنت كلّ من السّعوديّة والبحرين والإمارات ومصر فجر الاثنين من يونيو/حزيران 2017 قطع علاقاتها الدّبلوماسيّة مع قطر، كما طلبت من الدّبلوماسيّين القطريّين المُغادرة، وأغلقت المجالات الجويّة والمنافذ البريّة والبحريّة مع الدوحة. ومنذ ذلك الحين، أنهت قوّات التّحالف العربي بقيادة السّعوديّة مشاركة قطر في العمليّة العسكريّة باليمن، متهمة إيّاها بدعم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية والحوثيين.

وفي 17 أغسطس/آب 2017، أدان تقرير لفريق الخبراء التّابع للجنة العقوبات الدّولية على اليمن دعم الإمارات جماعات مسلحة تمارس الاحتجاز غير القانوني والإخفاء القسري في اليمن. وكشف أيضا عن ممارسة الجماعات المدعومة من الإمارات للقتل خارج إطار القانون والتعذيب التعسفي في المناطق التي تسيطر عليها مع غياب شبه تام لسلطة الدّولة الرّسمية.

كما قال المتحدث باسم الحوثي محمد عبد السلام أنّ جماعته رصدت رسائل بين الإمارات والرّئيس المخلوع علي عبد الله صالح قبل ثلاثة أشهر من اغتياله.

وفي أواخر 2017 انهار التّحالف بين صالح والحوثي مع وقوع اشتباكات مسلحة بين الطرفين في صنعاء في 28 نوفمبر/تشرين الثاني.

وفي 2 ديسمبر/كانون الأول أعلن صالح الانشقاق على الحوثي في بيان متلفز، داعيًا أنصاره لاستعادة البلاد، وأعرب عن الانفتاح على الحوار مع التّحالف الذي تقوده السّعودية. ويبقى سبب اغتياله قيد روايات مختلفة، فقد تضاربت الأنباء عن مكان وطريقة مقتله.

وفي مارس 2018، نقلت رويترز عن دبلوماسيين ومصادر سياسيّة يمنية أنّ السّعوديّة وجماعة الحوثي، تعقدان محادثات سريّة في محاولة يائسة لإنهاء الحرب الدّائرة منذ ثلاث سنوات، وذلك يعكسُ أزمة السّعودية مع اليمن وبالغ تورّطها في تصعيد الأوضاع المدنيّة منذ انطلاق التّدخل العسكري،

وعجزها عن وضع نقطة نهاية لعاصفة الحزم.

إنّ نكبة اليمن اليوم مكمنها أنّ الشعب ذهب ضحيّة التّنكيل به من قبل الغازي من الوطن ومن خارجه

 

أربع سنوات عجاف.. ماذا بعد؟!

ها قد أطلّ على اليمن العام الرّابع للحرب عاكسًا مخلّفات “عاصفة الحزم” على الواجهة الأماميّة لحالة إحباط وقنوط يفيض بها الشّارع اليمني.

إنّ نكبة اليمن اليوم مكمنها أنّ الشعب ذهب ضحيّة التّنكيل به من قبل الغازي من الوطن ومن خارجه، وأصبح متقطّعًا بين شرعيّة تفتقد إلى حسن الإدارة وقوّة الإرادة، وتحالفٍ متخاذلٍ شنّ الحرب تحت لافتة لا تمت بصلة للأحداث السّياسيّة والعسكريّة للواقع.

أربعة أعوام مسترسلة من الحرب على اليمن قد انطوت ولم يحدث أيّ تغيير فعليّ وملموس على التّوازن السّياسي والعسكري، ولم تحقّق السّعوديّة التي تقود التّحالف المشارك في تلك الحرب تقدّمًا ملحوظًا سواء على الجبهة العسكريّة، أو في المفاوضات التي تواصلت وانتقلت من الكويت إلى جنيف ومسقط. وبطبيعة الحال، يُعتبر هذا الوضع إخفاقًا كبيرًا ومأزقًا مُبينًا خصوصًا للسّعودية والإمارات اللتين تصدّرتا التّحالف على الرّغم من التّفوق الهائل لهما في المعّدات العسكريّة.

وأمام اقتناع الشّعب اليمنيّ بفشل السّعوديّة والإمارات في حسم المعركة التي لم يبزغ فجرها إلى غاية اليوم، مازالت المعارك قائمة على أرض اليمن، ومازالت “عاصفة العجز” مثلما سمّاها الشعب المقهور والمضطهد تسفك بأرواح الأبرياء، وما زالت التّجاوزات والانتهاكات المرتكبة بحقّ الشّعب اليمني المنهوك القوى تزيد من معاناته البالغة التي يعيشها منذ سنوات نتيجة وقوعه كبشَ فداءٍ لصراعات وحروب لا طائلة منها سوى تدمير البلاد وتشريد العباد.