ميكروبات صديقة.. كيف تحمي البكتيريا أجسامنا؟

 

الوثائقية-خاص

هل تعلم أن جسمك يحمل معه “مئة تريليون” ميكروب كل يوم، وهو ما يساوي وزن أدمغتنا؟! ولكن لا تقلق، فهذا الغزو الميكروبي ليس ضارا، لأنك تحتاج الميكروبات أكثر من حاجتها هي إليك.

وقد تتفاجأ عندما تعلم أن تلك الميكروبات التي تتحين الفرصة ؛ قد تكون سبب وقايتك من الكثير من الأمراض.

المُكَوَّرات العُقدية والعنقودية والعُصَيّات اللبنية جميعها بكتيريا نافعة، يلجأ البعض لزراعتها في جسمه من فضلات غيره للاستفادة منها.. ولكن كيف تحمي البكتيريا أجسامنا؟

تفرز المكورات العنقودية طبقة رقيقة على الجلد تبقيه رطباً ومرناً

 

جسم الإنسان.. حديقة حيوان!

خاض العلماء حروبا طويلة على البكتيريا، فقد كانوا ينظرون إليها على أنها كائنات قاتلة ومعادية يجب التخلص منها، لذلك اكتشفوا المضادات الحيوية وأدوات التعقيم التي تمكننا من العيش في بيئة آمنة ومعقمة.

بدأت تلك الحرب مع ظهور أمراض قاتلة تسببت بها البكتيريا مثل الكوليرا والسل والطاعون، فظهرت المضادات الحيوية التي أنقذت أرواح ملايين البشر ونجحت في محاربة تلك الكائنات القاتلة.

لكن العلم الحديث اكتشف أمرا مغايرا.. ليست كل الكائنات الدقيقة قاتلة، فالميكروبات التي نشُن حربا عليها تعتمد عليها أجسادنا لتبقى في صحة جيدة.

فالإنسان الذي تعيش مئة تريليون خلية ميكروبية في جسمه، يرى العلماء أن جسمه أشبه بحديقة حيوانات تزخر بأصناف المخلوقات، كما توجد علاقة نفعية متبادلة بينه هذا الجسم وبين البكتيريا التي تساعده على صد الغزاة وإنتاج الطاقة والنمو.

وفي دراسات حديثة اكتشف العلماء أن بكتيريا المكورات العنقودية تنتج طبقة رقيقة على الجلد تبقيه رطبا ومرنا، والعصيات اللبنية تدخل إلى تجويف الأنف وتقلل من التهابات الجيوب الأنفية، أما البكتيريا العصوية فتتسلل إلى الأمعاء الغليظة وتساعد في تكوين فيتامين “كي” الذي يساعد على تجلط الدم ويحافظ على صحة العظام، وكذلك البكتيريا المَلوية البَوابية تتخذ من الأمعاء مَسكنا فتساعد على تنظيم الهضم وتنتج الطاقة.

حوالي 100 تريليون خلية بكتيرية تعيش في أجسادنا، أكثر بعشر مرات من خلايانا البشرية

 

النظافة الزائدة.. ضارة!

وجد العلماء أن بعض الأمراض مثل السكري والقلق والاكتئاب والسمنة والحساسية مرتبطة جزئيا بخسارة الكائنات الغريبة داخلنا بسبب استخدام المضادات الحيوية.

ومن غابات الأمازون حيث الحياة البدائية الخالية من المضادات الحيوية، أجرى الباحثان الأمريكيان من جامعة نيويورك مارتن بليزر ومارية غلوريا دراسة على قبيلة تشيشيرتا لمعرفة تأثير استخدام أدوات التعقيم والصابون والمضادات الحيوية على الكائنات الدقيقة داخلنا.

وصُدِم الباحثان عندما وجدا أن البكتيريا الفموية الضارة عند سكان قبيلة الأمازون أقل مما هي عند سكان المدن رغم استخدام سكان المدن للمعجون والفلورايد الذي يقتل البكتيريا.

أما في الأمعاء فنسبة البكتيريا الضارة عندهم أكثر، ويرجع الباحثان السبب في ذلك إلى الحمية الغذائية لدى سكان الأمازون التي تتألف من الخضراوات والنشويات والألياف، وهي مواد فقيرة في البروتين والدهون. كما وجدوا –وهو الأهم- أن الجهاز المناعي لسكان قبيلة الأمازون أقوى، وذلك لعدم استخدامهم المنظفات ولحملهم بكتيريا طبيعية.

ولمحاولة معرفة ما إذا كانت العزلة والمنظفات تقتل فعلا البكتيريا الضارة أم لا، ذهب الباحثان إلى مدينة ماناوس البرازيلية المتطورة التي تقع على نفس ارتفاع تشيشيرتا ولها نفس مناخها الجوي، وذلك لمعرفة كيف أثرت الحياة العصرية على البكتيريا الطبيعية والنافعة التي نشأت معنا منذ الولادة.

ووجد الباحثان أنه رغم استخدام المنظفات بهوس في أحد المنازل التي خضعت للتجربة فإن البكتيريا الموجودة على المراحيض مثل بكتيريا الجلد والأمعاء هي نفسها الموجودة على الأسِرة في غرف النوم، إذ لم تقتل أدوات التعقيم والمنظفات المستخدَمة بهوس البكتيريا الضارة.

وفي دراسة أخرى أجراها باحث في جامعة تكساس، وجد أن الهواء الذي يُنقى عبر أنظمة تنقية صناعية يحوي بكتيريا مُعدية أكثر من الهواء الذي يأتي من النوافذ.

وهذا يعني كما يرى الباحث أن استخدام المنظفات والعزلة لا يعني أننا في بيئة صحية، وأن النظافة الزائدة قد لا تكون جيدة لصحة الجسم.

في دراسة حديثة اكتشف العلماء أن مواليد العمليات القيصرية أكثر عرضة للإصابة ببعض الأمراض

 

الولادة القيصرية.. تحجب البكتيريا

ذكرنا أن الإنسان العادي يحمل معه مئة تريليون ميكروب كل يوم، أي نحو كيلوغرام واحد، لكن الكثير من هذه الميكروبات النافعة يَفقدها الجنين الذي يولد بعملية قيصرية حسب دراسة الباحثة مارية غلوريا.

فالميكروبات الموجودة في قناة الولادة عند الأم تتسابق لضمان حصول الجنين على الميكروبات التي يحتاجها عند مروره، والعصيات اللبنية التي تملأ قناة الولادة تدخل إلى أمعاء الجنين بعد مروره من قناة الولادة عند الأم، وتساعده على هضم الحليب، وهذا ما يفقده الجنين الذي لا يمر من قناة الولادة ويولد بعملية قيصرية.

وفي دراسة حديثة اكتشف العلماء أن مواليد العمليات القيصرية أكثر عرضة للإصابة بأمراض من قبيل الحساسية والربو واضطرابات المناعة من المولودين طبيعيا، وذلك لأنهم يفقدون البكتيريا التي تكون في قناة الولادة.

الحيوانات التي تتلقي المضادات الحيوية في صغرها أكثر عرضه للسمنة بسبب خسارتها للكائنات الصديقة

 

المضادات الحيوية.. تضر أم تنفع؟

كشفت دراسات أجراها باحثون على الفئران أن تلك التي تناولت مضادات حيوية في صغرها أكثر عرضة للسمنة من غيرها، وذلك بسبب خسارتها للكائنات الصديقة. فبعض تلك البكتيريا تحدد ما إذا كانت الفئران جائعة أم لا، ومن دونها تستمر الفئران في الأكل دون توقف، وهو ما أصابها بالسمنة.

وهذا لا يعني التخلص من المضادات الحيوية التي تنقذ أرواح الملايين، وإنما استخدامها بذكاء، ومن هنا تقوم بعض شركات الأدوية بتطوير مضادات حيوية تستهدف الميكروبات الضارة دون غيرها.

ويقوم الأطباء حديثا بزراعة ميكروبات نافعة، حيث يستخلصون ميكروبات الأمعاء من فضلات شخص سليم ويحقنونها في شخص مريض للاستفادة منها. ومن الثابت أن ميكروبات الأمعاء المسماة الملوية البوابية تساعدنا -إضافة إلى الهضم- على تنظيم هرموناتنا المعوية وتحدد لنا متى نجوع وتنتج الطاقة.