هل أتاك حديث أول وآخر أوسكار عربي؟

خاص – الوثائقية

يمين: المخرجة اللبنانية نادين لبكي / يسار: المخرج السوري: طلال ديركي

بينما يترقب محبو السينما حول العالم إعلان الفائزين بجوائز الأوسكار هذا العام في الحفل المرتقب الأحد القادم 24 فبراير/شباط الجاري بمدينة كاليفورنيا الأمريكية، يولي الجمهور العربي اهتماما خاصا بفيلمين عربيين ضمن ترشيحات الأوسكار هذه السنة، وهما “كفر ناحوم” للمخرجة اللبنانية نادين لبكي عن فئة أفضل فيلم أجنبي، وفيلم “عن الآباء والأبناء” للمخرج السوري طلال الديركي عن فئة أفضل فيلم وثائقي. لكن هذا موضوع آخر سنفرد له مساحة بعد الإعلان عن أسماء الفائزين.

فعلى مدار تاريخ الأوسكار طيلة 90 عاما لم يحصل على هذه الجائزة الثمينة سوى بلد عربي واحد هو الجزائر، ولا يذكر تاريخ هذه الجائزة ترشيحات عربية بارزة إلا محاولة وحيدة في عام 2015 كانت للفيلم الموريتاني “تمبكتو” الذي وصل للقوائم النهائية لكنه لم يحصد الجائزة.

وإلى اليوم ما زالت السينما العربية بانتظار تتويج آخر، ولا يبدو أن فيلم نادين لبكي سيحقق أي مفاجأة خصوصا وأنه مرشح أمام منافسين أقوياء مثل فيلم “روما” للمخرج المكسيكي “ألفونسو كوران” الذي تصدر ترشيحات الأوسكار هذا العام بحصوله على عشرة ترشيحات.

“زاد”.. الاستثناء الوحيد!

بعد أقل من سبع سنوات من حصولها على الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، رفعت بلد المليون ونصف المليون شهيد التحدي السينمائي عاليا، لتنقش اسمها بأحرف من ذهب على تمثال الأوسكار. فقد دخلت المنافسة على الأوسكار في فئة أفضل فيلم ناطق بلغة غير الإنجليزية (أفضل فيلم أجنبي) عام 1969 بصفتها منتجة فيلم “زاد” للمخرج الفرنسي كوستا غافراس، ولا تزال حكاية الجزائر مع الأوسكار منذ 50 عاما وحتى اليوم لم تكشف عن كل خباياها بعد.

 

يسرد مستلم الجائزة المخرج الجزائري أحمد راشدي لأول مرة بالتفصيل في هذا الحوار الخاص لـ”الجزيرة الوثائقية” الحكاية الكاملة، حيث يعود بالذاكرة إلى كواليس الفيلم، ويقص كيف حققت الجزائر الحلم السينمائي العربي، ويفتح قلبه من جديد لنلمس نبضاته حين صعد إلى منصة مسرح دولبي في هوليود بلوس أنجلوس لاستلام الأوسكار تحت تصفيق كبار النجوم وأهم المنتجين السينمائيين.

حاوره: محمد علال

المخرج "أحمد الراشدي" يحمل الأوسكار متوسطا كلا من كلينت ايستوود وكلوديا كاردينالي (أبريل 1970)

ما هي حكاية الفيلم الذي منح العالم العربي أول أوسكار في التاريخ؟

فيلم “زاد” مقتبس من كتاب مترجم إلى الفرنسية، كتبه السيناريست الإسباني جورج سمبران مورا – 1923- 2011-، وصلتني نسخة السيناريو عام 1968 بصفتي مدير المكتب الوطني للتجارة وصناعة السينما بالجزائر- تأسس عام 1967 وحل عام 1984 قرأته و أعجبت به، ثم اتجهت به إلى وزير الإعلام و الثقافة في ذلك الوقت الوزير الأسبق محمد الصديق بن يحي، و قلت له :” الجزائر تنادي بحق الشعوب و هذا فيلم عن الشعوب التي تطالب بالتحرر من الحكم العسكري في اليونان وهذا سيناريو فيلم”زاد” الذي يتناول موضوعا عن الانقلاب العسكري في اليونان”.

وافق الوزير على الاطلاع على السيناريو، وقد ساهمت علاقة الصداقة بيني وبينه في إسراع الأمور، وبعد يوم واحد اتصل بي ليقول لي بأنه انتهى من قراءة السيناريو كاملا لأن حجمه لم يكن كبيرا، حوالي 120 صفحة فقط،”لا أزال أحتفظ بالسيناريو الأصلي”و دار بيننا نقاش مطول حول مضمون الفيلم ،حينها ألمح إلي الوزير بأن الأمر يرجع لي في النهاية، بصفتي مديرا للسينما، فهو لا يريد التدخل في صلاحياتي، أراد الوزير منحي جميع صلاحيات التصرف في السيناريو، ولأن الموضوع يتعلق بـ”انقلاب عسكري”،فالأمر لم يكن سهلا بالنسبة لنا في الجزائر.

الصورة الأولى: أحمد راشدي أثناء إلقائه الكلمة في حفل توزيع الأوسكار 1970
الصورية الثانية: وزير الثقافة الجزائري يحمل الأوسكار الأصلي بعد 47 سنة

ففي تلك الفترة، كانت الجزائر قد عرفت عام 1965 انقلاب الرئيس الراحل هواري بومدين على الرئيس الراحل أحمد بن بله فيما يعرف بـ”التصحيح الثوري”. كنت أعلم أنه لم يكن بإمكاني الدخول في عملية إنتاج سينمائي مشترك في موضوع كهذا، في مثل هذه الظروف السياسية الحساسة، كنت بحاجة إلى الضوء الأخضر من أعلى سلطة في البلاد، أي ترخيص مباشر من الرئيس الراحل هواري بومدين.

كيف اتصلت بالرئيس بومدين و هل وافق بسهولة؟

كنت جد متردد وخائف من التوجه إلى الرئيس بومدين من أجل أن أطلب منه قراءة السيناريو، وفي مقابل ذلك كنت جد متحمس للمشاركة في إنتاج الفيلم، بعد عدة أيام التقيت صدفة بالسيد عبد المجيد علاهم، كان يشغل منصب مدير تشريفات الرئيس هواري بومدين. حكيت له قصة الفيلم والسيناريو وطلبت منه أن يسلمه للرئيس، ولكن عبد المجيد تردد في البداية وسخر من الأمر، وأمام إصراري اقتنع بأن يسلم السيناريو إلى بومدين دون أن يقدم وعدا بأن يرجع برد إيجابي، وبعد خمسة أيام فقط اتصلت بي رئاسة الجمهورية لتبلغني أن لدي موعدا مع الرئيس بومدين وأكدت الرئاسة أن اللقاء مدته عشرون دقيقة فقط.

المخرج أحمد راشدي أثناء تصوير آخر أفلامه أسوار القلعة السبعة 2015

ماذا قال لك الرئيس بومدين حينها؟ 

بومدين لم يكن غريبا عني، فقد كنا نعرف بعضنا البعض منذ أيام الثورة. وهو بارع في اختبار الآخرين، بدأ يحدثني عن السيناريو وقال إن الناس والجمهور ليسوا أغبياء إلى هذا الحد، فلو أنتجنا الفيلم في أي بلد سيقال بأن المقصود هو الجزائر، سألني بومدين سؤالا مباشرا وذكيا وقال:”هل تريدهم أن يقولوا بأن الجزائر عرفت انقلابا عسكريا؟ وأضاف:” هل تعلم أن ما وقع في الجزائر ليس انقلابا عسكريا؟” أجبته:”إنه تصحيح ثوري وليس انقلابا عسكريا” رد علي قائلا:” بل انقلاب، أطلق عليه ما تشاء من الألقاب ولكنه يبقى انقلابا بالنسبة للآخرين”. أجبته:” من قام بالتصحيح الثوري في الجزائر ليسوا عسكريين فقط” كانت إجابته جد واضحة:”لا يمكن اللعب على أي وتر، مهما حاولنا إيهام الناس سيقال أن الجزائر عرفت انقلابا عسكريا، هل تقبل الرهان؟” بعد نقاش طويل وصلنا إلى خلاصة وقال:” أنا مدير الجزائر و أنت مدير السينما، أنجز الفيلم لو نجح الفيلم سأكون أنا السبب ولو فشل ستكون أنت”، وهكذا بدأت رحلة تصوير فيلم “زاد” في الجزائر.

 لماذا كل هذا الإصرار على أن تكون الجزائر شريكا في الفيلم؟

المنتج الفرنسي جاك بيرا صاحب المشروع الأصلي لفيلم “زاد” كان بحاجة إلى أن يصور الفيلم في اليونان، لم يمكن بإمكانه ذلك في ظل الظروف الأمنية والسياسية و العسكرية الساخنة، والجزائر بشكلها المعماري و طبيعتها الجغرافية تشبه كثيرا العاصمة اليونانية أثينا، لهذا وقع الاختيار على الجزائر رغم أننا دولة حديثة الاستقلال ولم تمض سوى 7 سنوات فقط على استقلال الجزائر، كما أن التصوير في الجزائر كان أمرا سهلا، لا يوجد بيروقراطية والأمر غير مكلف، الجزائر حينها كانت تملك أحلاما كبيرة وتريد الوصول إلى العالمية من خلال الإنتاج المشترك، المهم أن لا يكون الموضوع ضد الجزائر.

المخرج كوستا غافراس (يسار) في كواليس تصوير فيلم زاد بالجزائر

هناك بعض الآراء تقول بأن المخرج كوستا غافراس بدأ التصوير في اليونان وفشل قبل أن يأتي إلى الجزائر؟

 المخرج كوستا غافراس لم يظهر بعد في الصورة خلال تلك المفاوضات، كان اسمه مطروحا فقط كمخرج جيد يمكن أن يشرف على إخراج فيلم”زاد”، لم يتم تصوير أي مشهد من الفيلم في اليونان، بل أكثر من هذا فإن كوستا غافراس لم يمكن بإمكانه دخول اليونان في تلك الفترة، لم يكن له أي دخل في الفيلم في بداية الأمر، ولكن المنتج الفرنسي جاك بيرا فكر بجلب مخرج فرنسي يتمتع بصفتين أولا “خبرة مقبولة”، وثانيا يكون “مخرج له علاقة باليونان”، وهذه الصفات كانت تتوفر في المخرج كوستا غافراس فهو فرنسي من أصل يوناني.

لم يكن هناك مخرج جزائري قادر على إخراج الفيلم؟

رمزية الفيلم أن يكون هناك بعد يوناني، سواء من جهة المخرج أو الموسيقى، ولكن باقي المشاهد تم تصويرها في الجزائر بكل حرية،أول مشهد تم تصويره في الجزائر تحديدا داخل محكمة الجزائر العاصمة، كما تم تصوير عدة مشاهد في شارع أودان و ديدوش مراد و داخل المسرح الوطني، في مستشفى الجزائر و في بن عكنون، معظم مشاهد الفيلم كانت داخلية، ومعظمها صورت في الجزائر،و في فرنسا صورت بعض المشاهد فقط.

مشهد من فيلم "زاد" تم تصوريه في شوارع الجزائر

كم كانت مساهمة الجزائر ماديا في الفيلم؟

ميزانية الفيلم ككل كانت 6 مليون فرنك فرنسي، و هذا مبلغ كبير جدا في تلك الفترة، مساهمة الجزائر في الفيلم  كانت أربعين بالمائة، أي 2.40 مليون فرنك فرنسي، ولكن عندما تم عرض الفيلم غطى كل مصاريفه خلال الثلاثة أسابيع الأولى، كما أن الجزائر وضعت مبدأً واضحا بالنسبة للأفلام المشتركة، حيث كنا نفرض على أي مخرج يريد دعما من الجزائر، أن يشرك ممثلين من الجزائر وأيضا تقنيين جزائريين في الفيلم، في فيلم”زاد”حوالي عشرون ممثلا رئيسيا منهم على الأقل خمسة جزائريين”، بالإضافة إلى الفريق الفني،لم يكن هناك أي ممثل عربي.

كيف جاءت فكرة ترشيح الفيلم للأوسكار؟

 مباشرة بعد إنتاج الفيلم، قمنا بتوزيعه للعرض في عدة دول خصوصا في فرنسا، وتزامن ذلك مع إعلان القائمة الطويلة للأفلام المرشحة للأوسكار لفئة أحسن فيلم أجنبي،كنا نعلم بأن الدولة هي من ترشح الفيلم للأوسكار وليس المخرج، وشأت الصدفة أن تقوم فرنسا بترشيح فيلم آخر، فرنسا لم تلتفت إلى فيلم “زاد” وهذا ما أزعج المنتج الفرنسي جاك الذي كان شريكنا في فيلم “زاد”و قد احتار كثيرا وانزعج لعدم ترشيح الفيلم باسم فرنسا، ولأننا شركاء في الإنتاج فقد كان من حقنا كجزائريين ترشيح الفيلم باسم الجزائر، راسلنا أكاديمية الأوسكار بطلب مشاركة فيلم “زاد” باسم الجزائر وبعد مراجعة الشروط وافقوا على أن يكون الفيلم باسم الجزائر.

مشهد من فيلم زاد

الشريك الفرنسي، كان مترددا في البداية، لأنه لو فاز الفيلم لن يكون لفرنسا أي دور، حتى حق الحضور في حفل توزيع الأوسكار، يعني أن كوستا غافراس وحتى المنتج الفرنسي سافرا إلى الولايات المتحدة لحضور الحفل باسم الجزائر وليس باسم فرنسا!!.

وصول الفيلم إلى مرحلة الـ90 فيلما، كان بحاجة إلى كثير من الجهد والتوزيع في الولايات المتحدة، راسلنا عددا كبيرا من الموزعين في أمريكا، وقد وافق موزع واحد فقط على تبني الفيلم، تفاوضنا على النسبة المئوية وهذه طريقتهم في توزيع الأفلام.

وبهذا الشكل حصل الفيلم على اهتمام كبير من الصحافة الأمريكية وحقق أرقاما هامة في شباك التذاكر، و قد كان الموزع جد متحمس للفيلم وقال: “إنه يشعر بأن الفيلم سيفوز بالأوسكار” هذا الكلام قاله قبل أشهر من إعلان النتائج، ولكنه أشار إلى أن الفيلم لا يزال بحاجة إلى كثير من الدعاية والدعم، طلب حوالي 130 ألف دولار مصاريف الدعاية، وهذا يعني أننا لم نحقق أي أرباح  من خلال توزيع الفيلم، هذه المرحلة كانت مهمة جدا واحتاجت الكثير من المجازفة، خصوصا عندما اقترح علينا الموزع مبلغ 200 ألف دولار، وقال:” أمامكم خياران أن تأخذوا مبلغ 200 ألف دولار على توزيع الفيلم في الولايات المتحدة وتدفعوا مبلغ الدعاية، أو انتظار إعلان النتائج، ولو فاز الفيلم بالأوسكار أعطيكم مليون دولار ولو خسر لن أعطيكم مليما واحدا وتدفعون مصاريف الدعاية” حينها لم أتردد كثيرا و قبلت الرهان على أن نواصل في رحلة الأوسكار والمغامرة، غير أن المنتج الفرنسي شريكنا في الفيلم كان دائم التردد، ورفض المغامرة لأنه بحاجة إلى المال، بالنسبة لنا كجزائريين لم يكن لدينا ما نخسره، الرهان بالفوز كان أهم من 100 ألف دولار.

كيف تعاملت الصحافة العالمية والعربية مع ترشيح الجزائر للأوسكار؟ هل كان هناك دعم؟

طبعا الصحافة العالمية كانت تتساءل، كيف لهذه الدولة الفتية أن تصل للأوسكار، هناك عدة مقالات تحدثت عن الدولة أكثر من حديثها عن الفيلم، ولكن أكثر مقال أحزنني حينها هو حوار صدر في صحيفة” ليكسبرس” الفرنسية وقد أجرته الصحيفة مع الممثل الشهير ايڤ مونتان وهو أحد أبطال فيلم”زاد” وقد هاجم الجزائر بشراسة، و رفض ترشيح الفيلم باسم الجزائر، وعقب هذا الحوار سافرت مع المخرج لخضر حامينا إلى باريس للقاء الممثل ايف مونتان وطالبناه بتقديم الاعتذار للجزائر، قال له لخضر حامينا:” لقد شاركت مع  النجمة مارلين مونرو ولم تصل يوما إلى الأوسكار أو القائمة القصيرة، أنت اليوم في مرحلة متقدمة من الأوسكار بفضل فيلم “زاد “في الأوسكار بفضل الجزائر، وعليك أن تقدم اعتذارا رسميا للجزائر عبر الإعلام الفرنسي، لو رفضت نسحب ترشيح الفيلم من الأوسكار، ليس لدينا ما نخسره”، وفعلا اعتذر الممثل الفرنسي ايف مونتان في إذاعة باريس، وواصلنا مسيرة الأوسكار. بالنسبة للصحافة العربية كالأهرام وغيرها من الجرائد الكبرى لم يكن هناك أي حديث عن الجزائر وترشحيها للأوسكار إلى أن فزنا بالجائزة.

مشهد من فيلم زاد داخل احد مستشفيات الجزائر

هل كانت هناك أفلام عربية مرشحة؟ 

أبدا، كانت الجزائر لوحدها، وتلك هي أول مرة ترشح فيها دولة عربية للأوسكار، كان حلما بعيد المنال على السينما العربية، حتى المخرج الراحل يوسف شاهين كان يحلم بذلك، فأحلام يوسف شاهين كانت عالمية وكان يريد أن يصل يوما إلى الأوسكار بفيلم غنائي راقص، لهذا نجد أفلامه دائما فيها الرقص والغناء، لقد أجرى يوسف شاهين دورات تكوينية في أمريكا واستورد هذا النمط السينمائي، الذي كان يحقق مكانة هامة في الولايات المتحدة، يوسف شاهين لم تكن الدولة المصرية تقبل ترشيحه، فالدولة لديها مخرجوها، أما الجزائر فكانت بلدا حديث الاستقلال، و كنا نتمتع بالحرية وروح المجازفة، وكانت الجزائر تعرف كيف تضع اسمها في خانة الكبار.

 جاء يوم إعلان النتائج وتسليم الجوائز، كيف استعديتم ليوم الحفل الكبير؟

ذهبت مع المخرج لخضر حامينا إلى الولايات المتحدة، وكان معنا فريق الفيلم المخرج والمنتج الفرنسي، و أقمنا في فندق “ذا بيفرلي هيلتون”، الذي يحتضن حفلات “غلودن غلوب”، كانت الزيارة الأولى لي إلى الولايات المتحدة، وبكثير من الحماس وصلنا ثلاثة أيام قبل الحفل، ولك أن تتخيل المشاعر، ولكن أتذكر أنه عندما أرسلت لنا السيارة من أجل التوجه إلى قاعة الحفل، لم نجد العلم الجزائري في السيارة التي كانت في انتظارنا للتوجه إلى قاعة الحفل، لحضر حامينا انزعج كثيرا من ذلك، و شدد على ضرورة أن يكون هناك علم جزائري في السيارة كباقي السيارات ولكن لم يكن هناك متسع من الوقت لوضح العلم الجزائري، وصلنا إلى القاعة و لم يكن هناك أي عربي في القاعة إلا المخرج الكبير الراحل مصطفى العقاد الذي زارنا في الفندق للتعرف علينا، وتعرفنا عليه ودخل معنا إلى قاعة الحفل بصفته ضمن الوفد الجزائري، كان جد سعيد بتواجد الجزائر، و اهتم بنا كثيرا  وقدم لنا مشروع فيلم “الرسالة” حينها- هناك حكاية أخرى وراء فيلم “الرسالة” لا يتسع المجال لذكرها هنا-.

المخرج الجزائري المخضرم محمد لخضر حمينة

 في القاعة كان رئيس أكاديمية الأوسكار، إلى جانبي وجانب لخضر حامينا، وكان معنا المنتج الفرنسي، وأنا بصفتي منتج الفيلم، لهذا كان من الطبيعي أن أصعد إلى المنصة لاستلام الأوسكار، كان الممثل الأمريكي الكوميدي الشهير بوب هوب ينشط الحفل، وكان يتحدث بطريقته الساخرة وقال:” الفائز التالي من دولة لا أعرفها، أين تتواجد لا أعرف أنا آسف” وأضاف مخاطبا الممثل الشهير ريتشارد بيرتون الذي كان يجلس في المقدمة رفقة زوجته الممثلة العالمية إليزابيث تايلور: “سيد بيرتون أنا وأنت نعمل في السينما منذ ثلاثين عاما ونحلم بالحصول على الأوسكار ،لم نفز بها يوما وها هي دولة صغيرة لا أعرف أين توجد فازت بالأوسكار” طبعا أنا انزعجت قليلا من طريقة تقديم بوب هوب، رغم أنه كان يمزح، وعندما صعدت إلى المنصة قلت لبوب هوب: “أريد أن أسأل نفسي من هو الرجل المنشط الذي كان يقول إنه لا يعرف أين توجد الجزائر”. وذلك بعد أن قرأت كلمة مدتها 45 ثانية كتبها لي المخرج الراحل مصطفى العقاد، لا أزال أحتفظ بالورقة الأصلية التي كتبها مصطفى العقاد بيديه، وتحدثت عن أهمية الجائزة وفخر الجزائر بها.

 

كيف تناولت الصحافة الفرنسية خبر فوز الجزائر؟

طبعا لم يكن الأمر سهلا بالنسبة لهم، والإعلام الفرنسي حاول تجاهل الجزائر، وظل يروج للفيلم على أنه فرنسي وأن الأوسكار لفرنسا، ولكن الحقيقة أن الأوسكار جزائرية و نقش عليها اسم الجزائر فقط، لا يوجد أي إشارة لفرنسا في الأوسكار، لم يتم ذكرها إطلاقا، كما أن فرنسا لا تملك أوسكار “زاد” عن أحسن فيلم أجنبي بل حازت على الأوسكار الثانية الخاصة بالمونتاج، حيث أن الفيلم فاز بـجائزتي أوسكار في عام 1970، المخرج كوستا غافراس نفسه لا يملك أوسكار عن فيلم “زاد”، لا يمكن  إهداء الجائزة ولا يمكن بيعها ولا يمكن تقديمها لشخص آخر، فهي ممنوحة للجزائر وهذا وفق عقد اتفاق بين الفائز والأكاديمية التي تشترط ذلك وتقول :” في حالة ما أراد الفائز التخلص من الأوسكار عليه إرجاعها إلى الأكاديمية مقابل 10 آلاف دولار، ومن حق الأكاديمية فقط التصرف به كما تشاء فيما بعد”.

اللقاءات السينمائية الأولى بحاسي مسعود التي احتفت بأول أوسكار عربية.. التمثال الأصلي يتوسط الصورة

 في رأيك لماذا لم تستطع أي دولة عربية الوصل إلى الأوسكار؟

المنافسة على الأوسكار لا تزال حلم الجميع، أعتقد أنها اليوم أشد صعوبة، مثلا أوسكار 2017 التي دخلت عدة دول عربية للمنافسة عليها، لم تصل أي دولة إلى القائمة القصيرة، حتى أن هناك عددا كبيرا من المخرجين العالميين البارزين منهم المخرج الإسباني الشهير بيدرو المودوبار كابايار، لم يدخل إلى القائمة القصيرة هذا العام، المنافسة قوية جدا والأفلام العربية التي رشحت للأوسكار مهمتها كانت جد صعبة، و هذا لا يعني أنها دون المستوى.

هل التزم الموزع الأمريكي باتفاقه وقدم مبلغ المليون دولار؟ وكيف تم استقبالكم في الجزائر؟ 

 طبعا، التزم الموزع الأمريكي بتعهده، وعندما وصلنا إلى الجزائر كان هناك استقبال رسمي من طرف وزير الثقافة والإعلام وسلمنا الأوسكار إلى الرئيس بومدين، لم أحضر إلى لقاء الرئيس حينها، والتقيته في مناسبة أخرى وتحدثنا عن التتويج، وطلبت منه إنجاز فيلم عن”الأمير عبد القادر” وقال لي:” إنجاز فيلم عن معركة عين الزانة،”التي شارك فيها بومدين، ولكننا لم ننجز حتى الآن أيا من الفيلمين.

إلى أي مدى خدمت الأوسكار السينما الجزائرية؟

أولا من ناحية المداخيل، مؤخرا تلقيت رسالة من مكتب في فرنسا يقول أن 350 ألف دولار وصلت، يتم توزيعها على كل من له حقوق، المنتج الفرنسي والجزائري الموسيقى والضرائب ، لا يزال الفيلم يحقق مداخيل حتى اليوم، فالإنتاج السينمائي لا يتوقف كالقافلة و الفيلم لا يموت، بعد الأوسكار جاءتنا عروض عدة من دول أوروبية خصوصا من فرنسا، و يوسف شاهين جاء إلى الجزائر بعد فوزنا بالأوسكار، وكان يوسف شاهين يحضر لفيلم”العصفور” مع مؤسسة السينما في مصر و لكن الرئاسة المصرية أوقفت الفيلم يومين فقط قبل بداية التصوير، وراسلنا يوسف شاهين يطلب المساعدة من الجزائر لتصوير الفيلم ورحبنا به لأنه أنجز فيلما عن “جميلة بوحيرد” ونحن في الجزائر لم ننس أبدا أي مخرج يقدم تجربته من أجل خدمة التاريخ الجزائري، وقررنا مساعدة يوسف شاهين بكل الطرق، و جاء إلى الجزائر خائفا من أن نرفض مساعدته، فقد كان يشعر بعزلة، ومن المهم أن يجد دعم الجزائر لإنقاذ مشروعه السينمائي، وقد طلب دعما قدره  60 أو 70 ألف دولار من أجل يصور فيلمه “العصفور” ولم نتردد في دعمه في النهاية، ولكن كان لدينا شروط بسيطة منها مشاركة ممثلين من الجزائر في الفيلم وأيضا بعض التقنيين الجزائريين، وقد وافق يوسف شاهين على ذلك.

أتذكر أيضا أنه بعد إعلان النتائج اتصل بنا سفير الجزائر بالولايات المتحدة، السيد شريف قلال، وطلب منا زيارة نيويورك من أجل لقاء أحد المنتجين الأمريكيين الكبار وهو صاحب شركة “يونايتد آرتيست” التي أسسها شارلي شابلن أراد لقاءنا، وقال لنا:”الحلم الأمريكي مبنى أساسا على الرهان على إنسان مثلكم من الذين يغامرون و ينجحون ومن الجميل أن نشارك نجاحكم”، و عرض علينا بعض المشاريع المشتركة”،لقد أراد عدد كبير من أصحاب الشركات الأمريكية إنجاز أعمال مشتركة معنا، وفقنا في بعضها ولم نوفق في أخرى.

تكريم الجزائر للمخرج كوستا غافراس عام 2015 في مهرجان عنابة

 السينما الجزائرية لم تستطع العودة، وفي رأيك لماذا فشلت الدول العربية في الوصول إلى الأوسكار؟

 لم نستطع لأننا لم نعد نلعب مع الكبار، لقد تراجع دورنا في كل السينما، في الماضي الجزائر كانت قبلة كبار المخرجين ، كان المخرج الإيطالي الشهير برناردو برتولوتشي الحائز على عدة جوائز منها الأوسكار، يأتي إلى الجزائر من أجل أن نساعده في تصوير أفلامه في الجزائر، وفعلا صور في الصحراء الجزائرية تحديدا في ولاية الأغواط، أفلاما هامة منها فيلم مع النجم الإيطالي  فيتوري كاسمان و معه مجموعة من الممثلين الكبار الذين كانوا يتوافدون للتصوير في الجزائر،  تهاطلت علينا الكثير من العروض بعد الفوز بالأوسكار لم نكن نستطع تلبية جميع طلبات العالم، و في نفس الوقت كنا مطالبين بإنجاز أفلام جزائرية ، فدخول الجزائر في الإنتاج المشترك أعطانا صورة عالمية، كان للجزائر فرصة لتكون رائدة في السينما العالمية حتى من بوابة أوروبا، أتذكر أن هناك أحد المنتجين الأمريكيين الكبار كانت لديه استوديوهات هامة في إسبانيا و لكنه تعرض لخسارة كبيرة في ثروته و أراد بيع استديوهاته في إسبانيا وجاء إلى الجزائر بعرض مغر حيث عرض علينا، شراء استديوهاته في إسبانيا مقابل  3 مليون دولار  و لكن وزير الثقافة حينها طالب الإبراهيمي رفض العرض، وقال:” لا يمكن بناء قصور للجزائر في إسبانيا”. لم نشتر الاستديوهات، لو وافقت وزارة الثقافة حينها على الصفة لوصلت الجزائر إلى ريادة السينما العالمية عبر استوديوهات إسبانيا.

 ماذا تقول للمخرجين العرب الذين يحلمون بالحصول على الأوسكار؟

 كي تصل إلى  الأوسكار أنت بحاجة إلى الإبداع، لا تحاول التقليد، السينما العالمية تعني المحلية، وهي بحاجة إلى أفلام تحكي الواقع المحلي الذي لا يعرفه الغرب، و غريب جدا في العالم العربي لدينا كتاب و روائيون في مستوى عال جدا، لم يصلوا ربما إلى العالمية ، السينما العربية بعيدة عن الراويات العربية الهامة ، هناك قليل جدا من الأفلام التي تستند إلى الرواية، الانطلاقة يجب أن تكون من المحلية عبر الروايات العربية لأن تقنيات العمل السينمائي متوفرة، ولكن المهم هو المضمون الذي يجب أن يكون عربيا  ويجب الاهتمام بالقضايا الجوهرية للأمة العربية، مثلا لا يوجد أفلام عن أمجاد الماضي و الحضارة العربية، لا يوجد أفلام كبيرة و مبهرة، لا يوجد الكثير من الأفلام عن فلسطين، لم نقدم الكثير لهذه القضية المحورية للأسف، حتى الجزائر لم تنتج إلا فيلم”سنعود ” للمخرج الجزائري الراحل سليم رياض، عن القضية الفلسطينية، ليس فقط الجزائر بل العرب كلهم مقصرون في حق القضية الفلسطينية.