في اليوم العالمي للغة الأم.. 7 آلاف لغة قد تنقرض

تعتبر اليونسكو أن اللغات هي الأدوات الأقوى التي تحفظ وتطور تراث الشعوب
لم يتوقع طلاب جامعة دكا الذين تجمعوا للتظاهر يوم 21 فبراير/شباط 1952 احتجاجا على ترسيم “الأوردو” لغة وحيدة تمثل جميع أرجاء جمهورية باكستان ومنها ما كان يسمى “باكستان الشرقية” (بنغلاديش) الناطقة باللغة البنغالية.. لم يتوقعوا أن تكون مظاهرتهم تلك الشرارة الأولى لشطر باكستان إلى شطرين؛ باكستان الحالية، وما أصبح يعرف فيما بعد بـ”بنغلاديش”. فقد حاصرت الشرطة الجامعة وتدحرجت الأمور إلى أن فتحت النار على المتظاهرين فقتلت خمسة منهم.
مقتل الطلاب أطلق فتيل الاحتجاجات في كافة الأقاليم البنغالية في باكستان الشرقية فخرج الآلاف في احتجاجات عارمة عُرفت بـ”حركة اللغة البنغالية”، مما اضطر الحكومة إلى الاعتراف باللغة البنغالية لغة متداولة على قدم المساواة مع اللغة الأوردية، وتحولت حركة اللغة البنغالية إلى حدث خالد على مستوى بلاد العالم لتعزيز اللغات الأم، كما تواصلت داخل باكستان الشرقية وصولا إلى انفصالها كليا عن باكستان.
وفي المؤتمر العام لمنظمة الثقافة والتربية والعلوم (يونسكو) في نوفمبر/ تشرين الثاني 1999، وافقت 28 دولة في اليونسكو على اقتراح من بنغلاديش لتخليد اليوم الذي انطلقت فيه مظاهرات طلاب جامعة دكا -وهو 21 فبراير/شباط- تحت عنوان “اليوم العالمي للغة الأم، ومنذ عام 2000 أصبح هذا اليوم يوما للاحتفاء باللغات الأم.
وفي 16 مايو/أيار2007، أهابت الجمعية العامة للأمم المتحدة -في قرار لها- بالدول الأعضاء “التشجيع على المحافظة على جميع اللغات التي تستخدمها شعوب العالم وحمايتها”.
وأعلنت الجمعية العامة -في القرار نفسه- اعتبار عام 2008 سنة دولية للغات لتعزيز الوحدة في إطار التنوع وتعزيز التفاهم الدولي مع تعدد اللغات والتعدد الثقافي.
وخصصت اليونسكو جائزة توزع في هذا اليوم على اللغويين والباحثين ونشطاء المجتمع المدني مقابل عملهم في مجال التنوع اللغوي والتعليم المتعدد اللغات، وشرعت المنظمة في توزيع هذه الجوائز منذ عام 2002، وحازت عليها عدة شخصيات تهتم بميدان اللغات إضافة إلى عدة مؤسسات تعليمية من 11 بلدا.
وباقتراح من دولة بنغلاديش، وافقت اليونسكو على تخليد هذا اليوم تحت عنوان “اليوم العالمي للغة الأم”
اللغات الأم تقاوم العولمة
وتعتبر اليونسكو أن اللغات هي الأدوات الأقوى التي تحفظ وتطور تراث الشعوب، وذلك أن اللغة هي الوعاء الذي ينقل ميراث الشعوب وتقاليدها وعاداتها، وتعبر من خلالها عن هويتها.
وتسعى المنظمة من وراء تخصيص يوم عالمي للاحتفال باللغة الأم إلى تحقيق عدة أهداف منها:
- إبراز أهمية التنوع اللغوي في العالم، في عصر هيمنت فيه ظاهرة العولمة.
- حماية مقومات هوية شعوب الكرة الأرضية، ومن أبرزها اللغة.
- تعزيز التعدد اللغوي والثقافي.
واختارت اليونسكو لعام 2017 موضوع “نحو مستقبل مستدام من خلال التعليم المتعدد اللغات”، وتقول المنظمة التابعة للأمم المتحدة إنه من أجل تعزيز التنمية المستدامة يجب أن يحصل المتعلّمون على المعرفة بلغتهم الأم بالإضافة إلى اللغات الأخرى، كما أن إتقان اللغة الأم يساعد على اكتساب المهارات الأساسيّة في القراءة والكتابة والحساب.
وتساهم اللغات المحليّة -ولا سيما لغات الأقليّات والشعوب الأصيلة- في نقل الثقافات والقيم والمعارف التقليديّة، وبالتالي تساهم على نحو كبير في تعزيز مستقبل مستدام.
تعترف بلدان في المنطقة العربية ببعض اللغات الأم كاللغة الأمازيغية التي يتم تدريسها كما هو الحال في المغرب والجزائر
لغات مهددة بالانقراض
وتؤكد أرقام اليونسكو أن هناك أكثر من 50% من اللغات المحكية في العالم -والبالغة سبعة آلاف لغة حية- معرضة للاندثار في غضون بضعة أجيال، وأن 96% من هذه اللغات لا يتحدث بها سوى 4% من سكان العالم.
أما اللغات التي يُعطى لها بالفعل اهتمام في نظام التعليم فإنه لا يزيد عددها على بضع مئات، ويقل المستخدَم منها في العالم الرقمي عن 100 لغة.
وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من البلدان في القارة الأوروبية حصلت على حق التعليم باللغة الأم، مثل اللغة الإيرلندية في جمهورية إيرلندا، والكتالونية والباسكية في الإقليمين المستقلين وكانتا مرتبطتين باللغة الإسبانية، واللغة الكورسيكية وكانت مرتبطة باللغة الفرنسية.
وبالإضافة إلى اللغة العربية، تعترف بلدان في المنطقة العربية ببعض اللغات الأم كاللغة الأمازيغية التي يتم تدريسها وأنشئت لها معاهد تعليمية كما هو الحال في المغرب والجزائر.