ديوانيات الكويت.. 300 عام من التراث الاجتماعي
تلك المنظومة الاجتماعية التي استدعتها الحاجة العمرانية، حين كانت البيوت صغيرة ومتلاصقة، لتفسح أمام الرجال مساحة للقاء والسمر والتواصل، وبمرور الوقت ترسَّخ وجودها في الحياة العامة، حتى باتت مؤسسة لها تقاليدها وأدوارها الخاصة، واليوم تشكل “الديوانية” أو “الديوان” أحد معالم الحياة الكويتية، وتوسعت بناء ودورا لتصبح واحدة من أدوات التأثير السياسي والاجتماعي في المجتمع الكويتي.
ورغم أن الديوان أو المجلس ظاهرة معروفة في المجتمعات الخليجية، فإن للديوانية في الكويت خصوصية وتأثيرا أكبر من أي مجتمع خليجي آخر، وقد تزامن ظهورها كظاهرة اجتماعية مع تشكل البلد قبل 300 عام، حينها كان عددها في الكويت لا يزيد عن عشر ديوانيات، لكن تعدادها اليوم يفوق عدد العائلات الكويتية نفسها.
يتناول فيلم “الدواوين في الكويت” الذي أنتجته قناة الجزيرة الوثائقية، ظاهرة الديوانية منذ نشأتها المبكرة وتطورها من حيث البنية والرسالة، ومحوريتها في الحياة الاجتماعية والسياسية في المجتمع.
نشأة الديوانية ومبناها
يقول عبد العزيز العويّد، الباحث في التاريخ الإسلامي: إن طبيعة الحياة العمرانية في الكويت أنتجت ما يسمى بالديوانية، لأن البيوت كانت متلاصقة، بينها ما يسمى بالسكيك، وهي طرقات ضيقة بين البيوت، ويندر أن تجد بينها بيتا من طابقين، فكلها طابق واحد بنظام البيت العربي، مما أوجد الحاجة إلى الديوانية التي يجتمع فيها الرجال أصحاب هذه البيوت المتلاصقة.
أما المؤرخ الكويتي فؤاد المقهوي فيقول: كان البسطاء من الناس يقصدون الديوانية طلبا للرزق ومقابلة كبار الشخصيات مثل النوخذة أو الشيخ، وكانت الديوانية بالعادة معزولة عن البيت، ومدخلها على الطريق بحيث يسهل دخول الضيوف إليها.
ويضيف: قديما كانت الديوانية عبارة عن غرفة ملحقة بالبيت، لكنها معزولة في مدخلها عن باقي البيت، ويتبع لها أحيانا غرف للضيوف القادمين من خارج المدينة كالبادية أو من أي مكان آخر ليقيموا فيها، إلى أن تنقضي حاجاتهم ويسافروا.
ويصف عدد من المتحدثين في الفيلم بناء الديوانية بأنها تتسع إلى ما معدله 20 إلى 25 شخصا، وإذا كانت كبيرة يمكن أن يصل العدد إلى 30 شخصا. وفي الغالب تكون الجلسة على الأرض، ويكون فيها للديكور ما يسمى “الرواشن” وهي أرفف داخل الجدار توضع عليها بعض التحف أو الزينة. كما يوجد في إحدى زواياها “اللوجار” الذي توقد فيه النار وتعد فيه القهوة والشاي.
الديوانية.. هندسة معمارية عتيقة
حسب فلاح عبد الرحمن العسعوسي مالك ديوان العسعوسي، فإن ارتفاع الديوان كان في القديم حوالي 6 أمتار، يُبنى سقفها من جذوع الأشجار، ما يسمى التشندل، ويعلوها طبقة من الحصير المصنوع من السعف، ثم طبقة من الطين بهدف العزل الحراري.
وعن خصائص مبنى الديوانية يقول الباحث في التراث المعماري الكويتي صالح المذن: كانت سماكة جدران الديوان تساعد على العزل الحراري، فالسقف يبنى من الخشب ثم التشندل، وتعلو ذلك طبقة من الحصير المصنوع من السعف أو “الباستشيل” ثم طبقة البواري، ثم طبقة 10 سم من الطين ثم الرماد، ثم طبقة أخرى من الطين مخلوط بالتبن وهو القش، وهذه الطبقات جميعها تعمل على العزل الحراري الجيد، كما أن مبنى الديوان يتميز عن البيت السكني بكثرة النوافذ المطلة على الطريق.
الحاج عبد النبي.. أقدم ديوانية في الكويت
تُعد الديوانية جزءا من التراث الكويتي، فقد ارتبطت بالحياة الاجتماعية والسياسية في البلاد، فكانت بمثابة المنتدى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وذلك منذ نشأة المجتمع وقبل استقلال الدولة، وبالتالي فهي جزء لا يتجزأ من تاريخ الكويت. وينقل العويّد عن الشيخ عبد الرحمن السويدي وهو من علماء العراق أنه وصف الكويت وصفا دقيقا، وتكلم عن مساجدها وأهلها، وقال: وجدت أن أكثر أهل الكويت كانوا يجتمعون في هذه الدواوين.
ويذكر الكاتب في التاريخ الكويتي د. باسم اللوغاني، أن أقدم ديوانية استطاع التاريخ الكويتي أن يوثقها هي ديوانية “الحاج عبد النبي معرفي”، التي بدأت في عهد الشيخ جابر الصباح الحاكم الثالث للكويت، وكان يلقب بـ”جابر العيش” لكرمه وسخائه واهتمامه بالفقراء.
ويضيف اللوغاني أن من الديوانيات الشهيرة تاريخيا ديوانية أسرة بورسلي، وكان عندهم باب خاص بالإبل للدخول إلى ساحة الديوانية. وديوان آخر مشهور باسم عبد الرحمن خلف النقيب، وكان رجلا كريما من أهل الأدب والشعر، ويجتمع عنده الكثير من الناس.
من جانبه يقول فلاح عبد الرحمن العسعوسي: إن ديوان العسعوسي تأسس عام 1742، ويُعد واحدا من أقدم الديوانيات في الكويت، ولله الحمد فقد حافظنا على روح الديوان وبنائه والأبنية القريبة منه على الساحل، وتشتهر عائلتي بوجود 26 نوخذة، وهو البحار الذي يعرف خطوط الطول والعرض ويقود سفن الصيد والغوص.
ديوان الملا.. مطبخ الكويت السياسي
يقول مالك ديوان بورسلي محمد خالد حمود بورسلي: بدأت تتشكل ملامح الدور السياسي للديوانيات مبكرا في الكويت، وبعد حرب الجهرة سنة 1921 توفي الشيخ سالم الصباح فوقع خلاف على من يحكم بعده، فتجمع حوالي 250 من وجهاء الكويت في ديوان البدر، واختاروا عبد الله السالم وأحمد الجابر وحمد المبارك حتى يختار آل الصباح من بينهم حاكما للكويت، وتمت كتابة وثيقة تجديد البيعة لآل الصباح في ديوانيتنا، والذي كتب الوثيقة هو جدي مبارك بن محمد بورسلي، وهذه تعتبر بداية الديمقراطية في الكويت.
وقد بقيت منظومة الديوانية في الحياة العامة بالكويت واحدة من أدوات تواصل الحاكم مع الشعب في المناسبات السياسية والاجتماعية وحتى الدينية كالأعياد. وعن ذلك يقول صالح المُلّا وهو مالك ديوان المُلا: ربما يكون ديوان المُلا أكثر الديوانيات تسييسا، ربما بحكم أن جدّنا مُلا صالح مؤسس الديوان كان سكرتير الحكومة منذ عام 1906 في عهد الشيخ مبارك الكبير مؤسس الدولة ولمدة 45 عاما حتى أواخر أيام أحمد الجابر، فمر عليه أربعة حكام. وقد كان غالبية رواد الديوان من القريبين من الشأن السياسي، وعلى رأسهم الشيخ أحمد الجابر.
ويضيف الملا: كان جدي ملا صالح يتقن عدة لغات منها الإنجليزية، فكان يجتمع عنده السياسيون ووجهاء المجتمع لمتابعة الأخبار، خصوصا في فترة الحرب العالمية الثانية، ويتولى ترجمة الأخبار من إذاعة بي بي سي، ومن الديوان كانت الأخبار تنتقل للمجتمع الكويتي، فكان ديوان الملا بمثابة مركز إعلامي.
“رأيت أبا يجتمع بأبنائه”.. ديمقراطية الكويت
من الأدوار المبكرة التي لعبها ديوان الملا الذي تأسس مطلع القرن العشرين، مفاوضات التنقيب عن النفط في بداية ثلاثينيات القرن الماضي، حيث تولى الملا صالح المفاضلة بين الشركات المتقدمة للتنقيب عن النفط، والغرفة التي جرت فيها المفاوضات لا تزال قائمة على حالها كما كانت.
وقد عكست الديوانيات في الكويت عمق العلاقة بين الحاكم والمحكوم؛ فمن القدم اعتاد الحكام على زيارة معظم الديوانيات الكبيرة، حتى أنه كبار الشيوخ في الكويت دائما ما يرددون مقولة إننا جئنا للحكم بالاختيار.. اختيار الشعب.
وعادةُ زيارة الأمراء للديوانيات قديمة، فقد كان الشيخ جابر الأحمد يزور معظم الديوانيات، وكان يشارك كبار السن مجالسهم وألعابهم مثل “الدامة”، خصوصا في ديوان الرعيل الأول. ولا يزال الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح محافظا على هذه العادة خصوصا في رمضان، فيزور ما لا يقل عن خمسين ديوانية في الشهر الفضيل.
وقد عبر الرحالة الأجنبي “غراند جونز” عندما وفد على الكويت ورأى اجتماع أهلها في الديوانيات بقوله: لم أر عندهم حاكما، إنما رأيت أبا يجتمع بأبنائه.
الديوانيات.. مبادرات أدبية
بحكم عادة التقاء وجهاء المجتمع الكويتي القديمة في الديوانيات، فقد مثلت الديوانية منتدى للتفكير الجماعي وطرح المبادرات والأفكار، من أجل تطوير المجتمع والحياة فيه.
وعن ذلك يقول الأمين العام لرابطة أدباء الكويت طلال الرميضي الكثير من المشاريع الثقافية جاءت من رحم الديوانيات، فأول مدرسة تأسست في الكويت هي المدرسة المباركية عام 1911، وقد طرح فكرتها ياسين الطبطبائي في ديوان الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، وتم الاتفاق على تأسيس المدرسة في هذا الديوان.
ويقول المؤرخ الكويتي عادل الجريد: مدرسة الأحمدية التي تأسست عام 1921 نوقش أمرها في ديوانية خلف باشا النقيب بحضور مجموعة من رجال العلم، وكذلك كان أول نادي أدبي في تاريخ الكويت، فقد طرحت فكرة تأسيسه في ديوانية الشيخ عبد الله الجابر عام 1924.
ويضيف الجريد: كانت أسرة آل خالد أول من أدخل الصحف العربية؛ مثل الهلال والمقتطف والمنار، وكانت تُقرأ في الديوانية، وكذلك “ديوانية الشيخ عبد الله خلف الدحيان التي تتلمذ فيها أبرز الشخصيات الإصلاحية في تاريخ الكويت مثل عبد العزيز الرشيد ويوسف بن عيسى الجنائي، فقد تتلمذا فيها على يد الشيخ الدحيان.
وكان للعمل الخيري نصيب في الديوانيات ومبادراتها مثل دار العثمان، وهي أحد مشاريع الراحل عبد الله عبد اللطيف العثمان، وتولت بناء ستة مساجد في الكويت وعدة مشاريع متكاملة خارج البلاد، وفي ديوان الأنصاري تم تأسيس جمعية الأنصاري الخيرية، وكان باكورة عمل الجمعية تأسيس مركز الأنصاري الإسلامي في بنغلاديش.
ظلال الثروة.. تطور شكل الدواوين والفخامة
عندما ظهر النفط وتغيرت أوضاع الناس تغيرت معها الديوانية ودورها ومفهومها، فأصبحت للأصدقاء وللترفيه، وأصبحت هناك ديوانيات متخصصة، فهناك ديوانيات سياسية، وأخرى اجتماعية وثقافية، وثالثة تراثية.
وعن التغيير الذي طرأ على الديوانية من حيث مبناها يقول سليمان سعود العون، وهو من رواد ديوان العون: شهدت الديوانية بعد ظهور النفط تغييرا في سعتها وفرشها، وهذا طبيعي مع تطور المجتمع، فبدلا من الغرفة أصبحت الديوانية قاعة ملكية مساحتها 500 أو 1000 متر، وبدلا من الإلحاق بالبيت أصبحت الديوانية مبنى منفصلا، وبدلا من الجلوس على الأرض أصبحت هنالك أرائك، ودخلت على الديوانيات أدوات ترفيه مثل طاولات للعب الورق، فباتت الديوانية تعكس الحالة الاجتماعية لأصحابها، فمن يملك ثروة يبنى ديوانا فخما يعكس ثراءه.
وعن دورها الاجتماعي والسياسي يقول العويّد الأصل في الديوانية أنها تجمّع اجتماعي لأهداف اجتماعية، قد يلحق بها دوافع أخرى مثل الجانب السياسي، فأغلب من حكموا الكويت كانوا يجتمعون بالناس في الديوانيات، إما ديوانية الحاكم أو ديوانيات وجهاء المجتمع، وهي فرصة لمقابلة الشخصيات المهمة والنواب والوزراء، إذ تصعب مقابلتهم أحيانا في مكان العمل، فتكون فرصة مقابلتهم في الديوانية التي يترددون عليها.
يقول العسعوسي: في معظم الديوانيات الخاصة بالعائلات مثل ديوانيات العسعوسي والشملان والنصف والروضان والخالد والبدر، يلتقي الناس في الديوانية يوم السبت في وقت الضحى ويوم الأحد مساء، وهي مواعيد تعارف الناس عليها للقاء في الديوانيات.
وعن الديوانية الحديثة يقول عبد المحسن الخرافي، الأمين العام لوزارة الأوقاف سابقا: أصبحت الديوانية اليوم أكثر تخصصا في جمع الناس، فهناك ديوان يجمع الخريجين الجامعيين من دولة معينة، أو أصدقاء درسوا في ثانوية معينة، وتُعرف كل ديوانية بأعراف خاصة بها، فإذا كان صاحب الديوان لا يحب التدخين فيلتزم رواد الديوان بذلك، وبالطبع يتولى صاحب الديوان الإنفاق عليه وتوفير الضيافة للضيوف، وقد يوظف شخصا مهمته خدمة الضيوف وتقديم المشروبات لهم.
وعن تقاليد الديوان يقول الخرافي: يُقدم الكبير سنا وقدرا، فيجلس في صدر المجلس، ويفسح له صاحب الديوان مكانا بجانبه، ولا يمكن أن يتصدر المجلس شاب صغير في حضور الكبير، بغض النظر عن المكانة الاجتماعية.
ديوانية المذن.. عصر الشباب
ولأنها جزء من المجتمع، وظاهرة تراثية واجتماعية فإن الديوانية تخضع للعادات والتقاليد بدءا من اللباس، فمن احترام الديوانية عند الكبار وعند الشباب، أن يحضر الشخص إلى الديوانية باللباس الرسمي كما يقول عبد العزيز العويّد، الباحث في التاريخ الإسلامي، فحتى الصغار الذين يحضرون إلى الديوانية فإنهم يفضلون اللباس التقليدي؛ الغترة والعقال.
أما ديوانيات الشباب فيتحرر روادها من بعض التقاليد كما يقول عبد العزيز عادل عبادين وهو من رواد ديوان المذن، إذ ليست هناك طقوس ولا التزامات بشي ولا حتى بالحضور ومدته، فأحيانا نمر على الديوان نصف ساعة للاطمئنان على أخبار الأصدقاء، وأحيانا من الديوان يتم تنظيم نشاطات خارجية مثل لعب كرة القدم أو الترتيب لسفر.
ويعرض الفيلم جانبا من ديوانية المذن، حيث يرتدي الشباب فيها اللباس الإفرنجي وليس التقليدي الكويتي، ويقومون بإعداد البرغر ولعب الورق ومشاهدة مباريات كرة القدم أو تدخين النرجيلة المعروفة بالشيشة، فالكل يمارس هوايته ويقضي وقته كما يريد بكل أريحية، فاهتمامات الجيل الجديد تغيرت، ولم يعودوا يرتادون ديوانيات الكبار إلا في المناسبات أو بإلحاح من الوالد.
ويؤكد أستاذ التاريخ في كلية القانون الكويتية الدولية د. جمال الزنكي عزوف الشباب عن ديوانيات كبار السن بقوله: لا يستطيع الشاب الجلوس لفترة طويلة مع الكبار، وإذا جلسوا فإنهم يجلسون صامتين، لذلك اتجهوا لعمل ديوانيات خاصة بالشباب ذات خصوصية.
وفي المخيمات الشتوية يجد الشباب متنفسا آخر؛ يقول النائب في البرلمان الكويتي فيصل الكندري: في فصل الشتاء تنتقل الديوانيات من المنازل إلى المخيمات في البر أو البادية، حيث يشعر رواد المخيم بحرية أكبر من البيوت، خصوصا أن الطقس في الشتاء لطيف، والجميع يقضي وقتا ممتعا، حتى الأطفال يجدون متسعا من اللهو والاستمتاع.
دار سهيلة.. وللنساء نصيب كذلك
ولأن المجتمع الكويتي أحد أكثر المجتمعات الخليجية انفتاحا، وللمرأة فيه حضورها القوي ونشاطها الملحوظ في مختلف المجالات، لم تتأخر الكويتيات عن تشكيل ديوانياتهن الخاصة، فقد بادرت سهيلة شعبان بتأسيس دار سهيلة.
تقول سهيلة شعبان مؤسسة هذه الدار: كان حلمي تأسيس هذه الديوانية التي أسستها فعلا عام 2000، وهي مجتمع نسائي مصغر، نلتقي فيها مرة كل أسبوع من بعد صلاة المغرب، ولا نتجاوز الساعة العاشرة احتراما لرجالنا، وأظنها أول ديوانية نسائية في الخليج وليس فقط في الكويت.
من جانبها تقول نوال القلاف إحدى مرتادات دار سهيلة: الديوانية متنفس لنا من ضغوط الحياة ومسؤولياتها، نستفيد فيها من مناقشة قضايا كثيرة خاصة وعامة، ونتبادل الخبرات والآراء، سواء في شراء السلع أو السياحة في الدول المختلفة أو للتنسيق للقيام ببرامج أو مشاريع خيرية وإنسانية.
ديوان الشايع.. مقر الحكم أثناء الحرب
لعبت الديوانيات دورا مهما في اجتماع الناس وتدارس أوضاعهم، وقد تعاظم هذا الدور أثناء الغزو العراقي للكويت عام 1990، وهو ما يتذكره عدنان بوحمد مالك ديوان بوحمد بقوله: كان للديوانيات دور مهم في التشاور والتنسيق بين المواطنين في التعامل مع الجيش العراقي، وكنا نتابع أخبار أهل الحي، من اعتقل منهم ومن هو بحاجة للمساعدة، وعندما كنا نذهب إلى سوق الخضار المركزي كنا ننسق حاجة كل عائلة ونحضرها لهم، وكل من كان لديه سرداب في بيته، كان يستضيف أهالي الحي في فترة الحرب الجوية.
أما عن مرحلة ما بعد تحرير الكويت فيقول العويد: كان أول شخصية سياسية تعود إلى البلاد بعد تحرير الكويت هو الشيخ سعد العبد الله الصباح الذي كان وليا للعهد ورئيس مجلس الوزراء، لكنه لم يكن قادرا على إدارة البلاد من ديوان مجلس الوزراء ولا من القصر، فبدأ بإدارة الدولة من ديوان الشايع في منطقة الشامية، فتحول ديوان الشايع إلى خلية نحل لإدارة الدولة.
وعن تلك الفترة يقول عبد العزيز البابطين رئيس مجلس إدارة مؤسسة البابطين الثقافية: كثرت الديوانيات بعد الغزو العراقي وكثّف الكويتيون من لقاءاتهم في الديوانيات للتعرف على أوضاعهم وما حصل معهم، وقد شرفنا الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح حين اختار ديواننا ليكون مقرا له للسكن وللحكم مدة 73 يوما، ذلك لأن الجيش العراقي كان قد هدم قصور الأمير.
ويضيف البابطين: كان أول اجتماع لرئاسة الوزراء في هذه الديوانية، ويعرض فيلم الوثائقية صورا لهذا الاجتماع وأداء الوزراء القسم الدستوري أمام الأمير، وحتى السفراء الأجانب فكانوا يقدّمون أوراق اعتمادهم في هذا الديوان، كما كان الديوان مقرا للمقاومة قبل التحرير.