“المدارس الاستثنائية المبهجة”.. نماذج دراسية مبهرة على أطراف الكوكب

نعلم جميعا كيف تكون المدرسة، فقد تعودنا على الذهاب إليها كل يوم، لكن المدارس التي نتحدث عنها مختلفة، لأنها ليست مملة أو عادية، هنا الأطفال يستمتعون ويلعبون أدورا مهمة، ويحققون أحلامهم، وينجزون كل ما في وسعهم، ويتفوقون على توقعاتهم الخاصة، وهو ما يعني -بعبارة أخرى- ارتياد مدرسة مميزة.

وفي سلسلة “المدارس الاستثنائية المبهجة” التي عرضتها الجزيرة الوثائقية، يخبرنا 6 طلاب عن أكثر السمات الخاصة لمدارسهم، وتغطي كل حلقة من الحلقات الثلاث يوما دراسيا كاملا، وتجعل من الممكن تجربة الدروس ومفهوم التدريس، إضافة إلى مشاعر وأفكار الطلاب، والإجابة عن أسئلة: ماذا يحب الأطفال في مدارسهم؟ ماذا يكرهون؟ كيف يقضون العطلة؟ وكيف يكوّنون صداقات؟ كيف يتعاملون مع الامتحانات والتحديات؟

“تشيبيولاي”.. مدرسة عائمة على ظهر قارب

في بنغلاديش، لا يذهب كوثر إلى المدرسة، فالمدرسة هي التي تأتي إليه، إنه التعلم في الفصول الدراسية العائمة. ففي مقاطعة بامنا الواقعة في شمال غربي بنغلاديش غير بعيد عن خط الاستواء، فإن اليوم -بالنسبة للعديد من القرويين- يبدأ اليوم مع شروق الشمس، وكوثر حسين هو واحد منهم، وهو في الصف الثالث، ومدرسته مميزة للغاية، إذ لا يتعين عليه السير بعيدا للوصول إلى المدرسة، فمدرسته تمر لاصطحابه من قريته.

ويعيش كوثر وعائلته في الريف بأكواخ بسيطة كثلثي سكان بنغلاديش، يحصلون على الماء من البئر ولا وجود للكهرباء، ويتشارك البيت الصغير مع والديه وشقيقتيه. ويشارك كوثر في مسابقة للسباحة، ولا يخفي توتره من خوض المسابقة لأنها “المرة الأولى التي يشارك فيها، بالمسابقة”. وتقول عنه شقيقته إنه “سباح ماهر ولهذا سيفوز”.

سباق السباحة تقليد نصف سنوي يتنافس فيه طلاب المدرسة في منطقة “تشيبيولاي” ببنغلاديش

 

هناك 6 مواسم في بنغلاديش هي الصيف والربيع والخريف وأواخر الخريف والرياح الموسمية والشتاء، ورغم أن الوقت الآن يصادف موسم الرياح الموسمية والأمطار، إلا أنه لم تهطل عليهم قطرة ماء، والموسم أكثر جفافا من المعتاد، لكن عادة ما تغمر الكثير من الطرق بالمياه في موسم الأمطار، ويصبح مستحيلا على كوثر وأقرانه الذهاب إلى مدرسة عادية، لذا بنيت مدرسة “تشيبيولاي” على متن قارب.

عند الساعة 8:30 من كل صباح، تمر المدرسة العائمة لاصطحاب كوثر وزملائه. يقول كوثر: المدرسة تأتي إلى منزلنا مباشرة، وتنتقل من قرية إلى أخرى لتأخذ الطلاب، ولا تبدأ الدروس إلا عندما يصبح جميع الطلاب على متن القارب.

موسم الأمطار.. تعطل الدراسة في بنغلاديش الغارقة تحت الماء

تكمن ميزة المدرسة العائمة في أنه مهما بلغ مستوى مياه الأمطار، فهي قادرة على الوصول إلى الطلاب، وحين تُغمر كل الطرق بالماء يصيح القارب هو السبيل الوحيد للتنقل في بنغلاديش.

وتضطر معظم المدارس الأخرى لإغلاق أبوابها خلال موسم الرياح الموسمية، وحينها يترك كثير من الأطفال المدرسة بشكل نهائي، ففي مقاطعة بامنا يبلغ التسرب نحو 50%، ولكن ليس في المدرسة العائمة، فأبوابها تبقى مفتوحة طوال العام. وإذا استثنينا عددا منهم، فإن طلاب هذه المدرسة يواصلون التعلم فيها حتى التخرج.

الخلايا الشمسية على ظهر المدرسة العائمة تزود أجهزة الحاسب بالكهرباء

يستمر هطول الأمطار في مقاطعة بامنا من منتصف مايو/أيار إلى بداية أكتوبر/تشرين الأول، ويتسبب هطول الأمطار الغزيرة بفيضان عدد لا يحصى من الأنهار، وتصبح الطرق والشوارع غير سالكة، وفي هذه الفترة تغمر 80% من مساحة بنغلاديش بالماء، بالنسبة لهؤلاء الناس، فالقدرة على السباحة جوهرية للبقاء على قيد الحياة، وهذا ما دفع مدرسة “تشيبيولاي” لإقامة مسابقات منتظمة للسباحة.

وتقول “أنجو” معلمة البنغالية والإنجليزية والرياضيات في المدرسة لطلابها: هذا اليوم مميز، فمسابقة السباحة مساء، والفائز فيها سيفوز بمصباح يعمل على الطاقة الشمسية.

يقول كوثر: جميع الطلاب يريدون الفوز بالمصباح، وأنا بينهم أريد الظفر به وأن أكون مصدر فخر لعائلتي، ليس لدينا كهرباء في المنزل، وبوجود هذا المصباح يمكنني أن أدرس في الليل.

تعليم الحاسوب.. فقرة ترفيهية برعاية التبرعات العالمية

الاستراحة بين الحصص التعليمية لكوثر وزملائه لها طعم آخر، إذ يشاهدون فيها الرسوم المتحركة عبر حاسوب محمول، فمعظم هؤلاء الطلاب لا يملك الكهرباء أو تلفازا في المنزل. ويحمل كل قارب معلما ينقل الفرح إلى الطلاب عبر تعليمهم استخدام الحاسوب، فالأمر الاعتيادي لدى كثيرين هو استثنائي بالنسبة لهؤلاء الذين لا يملكون حاسوبا في المنزل، لذا فالقارب المدرسي بمثابة نافذة هؤلاء الأطفال على العالم.

وبالتالي فإن أسطول مدرسة “تشيبيولاي” يُعد حديثا وتقدميا، ويأتي تمويل نحو 45 قاربا من تبرعات من مختلف أنحاء العالم، فهذه المدرسة مجانية، والطلاب لا يدفعون ثمن القرطاسية والكتب.

على متن المدرسة العائمة، يتقلى طلاب من بنغلاديش دروسهم حيث المياه تغمر القرى

يأخذ كوثر المنافسة على محمل الجد ويتدرب كل يوم مع أصدقائه، إذ يقول: نتعلم السباحة منذ طفولتنا، هذا أمر مفروض علينا، فنحن نعيش على طريق المياه، فالمسابقة تقام مرتين في السنة، وتشارك فيها القرى المحيطة أيضا، وهذا يجعلني أرغب في التحسن، ليست لدينا كهرباء في المنزل، وينتهي يومنا عندما تغيب الشمس، ويسمح لنا المصباح بفعل كثير من الأعمال في الليل.

اختطاف المصباح الشمسي.. تمديد ساعات النهار في كوخ العائلة

إنها المرة الأولى التي يشارك فيها كوثر في المسابقة، ومع ذلك فإنه يريد الفوز وجلب المصباح الشمسي إلى المنزل.

حان الوقت مسابقة السباحة، كل شيء جاهز، ومسارات المنافسة حاضرة، وهناك 4 مراحل يتنافس في كل مرحلة منها 5 متسابقين، ثم يتنافس الفائزون من كل مرحلة في السباق النهائي، وبعد فوزه في السباق الأول وتأهله للنهائي، قال كوثر: إن السباق كان أصعب مما تصورت، لأنني لا أحسن السباحة ورأسي تحت الماء، ولكن عليّ هزيمة الآخرين لتفخر بي عائلتي.

كوثر يفوز في مسابقة السباحة ويربح المصباح السحري الذي سيضيء كوخ عائلته ليلا

وفي السباق النهائي، استطاع كوثر التفوق على الجميع، والأهم من الفوز بالسباق هو الظفر بالمصباح الشمسي الذي يجعل يومه ويوم عائلته أطول بعدة ساعات.

فمن الآن وصاعدا، عندما تغرب الشمس في بنغلاديش، سينير المصباح كوخ كوثر.

“أوستركوف إفترسكولي”.. رحلة مشوقة إلى مدرسة فريدة

تذهب الطالبة “ستيلا صوفيا” إلى مدرستها “أوستركوف إفترسكولي” الداخلية، وهي إحدى أكثر مدارس العالم غرابة، فكل شيء في هذه المدرسة يتمحور حول لعب الأدوار وتبديل الملابس.

تقضي “ستيلا” عطلة نهاية الأسبوع مع عائلتها، وبحلول مساء الأحد يحملها والدها إلى المدرسة التي تبعد عن منزلها ساعة بالسيارة، وبخلاف الطلاب الآخرين، تتشوق “ستيلا” للعودة إلى مدرستها الفريدة التي تصفها قائلة: كل أسبوع هناك شعار جديد، فمثلا إذا كان الشعار عن القراصنة، فعلينا أن نرتدي ملابس مشابهة لهم طوال الأسبوع، وحتى الدروس تكون متعلقة بالشعار أيضا.

“ستيلا صوفيا” طالبة في مدرسة “أوستركوف إفترسكولي” الداخلية

ولا يعرف أي طالب شعار الأسبوع إلا صباح يوم الاثنين، ولكن “ستيلا” تأمل أن يكون متعلقا بالتاريخ أو الخيال العلمي، فلعب الأدوار يعني أكثر من مجرد الاستمتاع بارتداء الأزياء، فهو وسيلة لتعلم أشياء جديدة، إنه يصنع حالة من الاتحاد تماما كالسكن في مدرسة داخلية، تقول ستيلا: جمعينا نعيش هنا معا، وهذا يجعل الصداقة أعمق بكثير.

“تايتانيك”.. عودة الأسبوع مئة سنة إلى الوراء

في الدانمارك، يذهب جميع الطلاب إلى المدرسة لمدة 9 سنوات، بعد ذلك يمكنهم البقاء للحصول على دبلوم عادي، أو التوجه -مثل “ستيلا”- إلى ما يسمى “إفتر سكولي”، وهي مدارس تركز على مواضيع معينة كالإبحار أو اللغات أو التمثيل، فيحصل طلاب “إفتر سكولي” على دبلوم أيضا.

ورغم أنه لم يُكشف رسميا عن شعار الأسبوع، فإن بعض المؤشرات والملصقات تذهب باتجاه تايتانيك، الأمر الذي جعل “ستيلا” تطير من الفرح.

معظم الطلاب لديهم ما يكفي من الأزياء، يطلبونها من الإنترنت أو يشترونها من متاجر الملابس المستعملة، ولكن حرصا على مشاركة الجميع، تحتوي المدرسة على غرفة ملابس خاصة بها، ولا يجبر أحد على ارتداء هذه الأزياء، لكن الطلاب يفعلون ذلك من تلقاء أنفسهم.

تتوفر في المدرسة غرفة ملابس وأزياء تناسب الطلاب حيث يسمح لهم أن يرتدوا الزي الذي يرغبون

وتقول “ستيلا”: أحرص على أن تناسب الأزياء التي أختارها الفترة الزمنية التي يتحدث عنها الشعار، وشعار هذا الأسبوع يدور في فترة زمنية بين أعوام 1910-1915، وفعلا لديّ قميص يناسب هذه الفترة، وأبحث عن تنورة مناسبة.

واكتشف الطلاب، الأدوار التي سيلعبونها، ومن بين هؤلاء، “ستيلا” التي تؤدي دور “ميريام كارفاكس” راكبة متعجرفة في الدرجة الأولى. وعن هذا الدور، تقول “ستيلا”: هذا الدور سيكون تحديا، لأنني سألعب دور سيدة مغرورة للغاية.

لعب الأدوار.. وسيلة مسلية لترسيخ المعلومات الدراسية

بعد 12 يوما من الإبحار، تصطدم “تايتانيك” بجبل جليدي وتغرق السفينة، ففي تبديل الأدوار على “ستيلا” إنقاذ الطلاب الآخرين، ولكن المعلمة لم تخبرها بكيفية حدوث ذلك، الآن حان وقت مرحلة لعب الأدوار، وهذا يتكرر 3 مرات يوميا وفي كل مرة تتحول المدرسة كلها إلى سفينة “تايتانيك”، والمعلمون يشاركون الطلاب في لعب الأدوار.

تكرس الحصص التدريسية في كل أسبوع لخدمة شعار الأسبوع، فمثلا في حصة الفيزياء، يتحدث المعلم عن قوارب النجاة التي كانت مهمة عندما غرقت “تايتانيك”، ولا يتوقف الأمر عند الدراسة النظرية، إذ يقوم الطلاب بتصميم قوارب نجاة تلبي معايير معينة، إذ يجب أن يكون القارب متينا كي لا يغرق، ويجب أن لا تقل قدرة مساحته عن 8 أشخاص، ويمثل العمل الجماعي والتعلم المستقل جزءا رئيسا من تعليم “ستيلا” وأقرانها.

من المفترض أن متعة لعب الأدوار تذكّر الطلاب بما تعلموه بشكل أفضل، وهذا ما تؤكده “ستيلا” بالقول: إن النظريات في الكتب والحديث عن سنوات طويلة ماضية، قد لا يكون مسليا، وقد ينسى مع الوقت، ولكن هذا لا يحصل حينما تلعب الدور، ولهذا السبب تحسنت درجاتي في المدرسة، كما يحصل باقي الطلاب على درجات أفضل، لأنهم يرغبون في المشاركة أكثر، ويستمتعون بالفصول أكثر.

مشهد تمثيلي لركاب سفينة تايتانيك البرجوازيين

وتظهر الدراسات أن التعلم من خلال لعب الأدوار يعود بفائدة كبيرة، ويسهل عملية تذكر المعلومات.

تأسست مدرسة لعب الأدوار عام 2006، وتتراوح أعمار الطلاب الثمانين بين 13-17 عاما، وكل هذه الفئات العمرية تتعلم معا، ويمكن للطلاب الالتحاق بـ”إفتر سكولي” بعد نهاية المرحلة الابتدائية، فهي مدرسة إعدادية، وتنتهي الدراسة فيها بشهادة التعليم الأساسي.

ومن المفترض أن تحصل “ستيلا” وزملاؤها على أفكار خاصة، وأن يبنوا شخصياتهم، ويحددوا لأنفسهم أهدافا، وبحسب القدرة والرغبة يمكنهم الذهاب إلى مدرسة نخبوية بعد ذلك.

لا يبدو أن “ستيلا” على ما يرام، فهي متوترة بسبب المهمة التي كلفتها بها المعلمة، وهي إنقاذ الكثير من الطلاب، وتقول: لا أعرف ما يجب فعله، لذا آمل أن يسير كل شيء على ما يرام.

“اصطدمت سفينتنا بجبل جليدي”.. ليلة الغرق المأساوي

يجلس الطلاب في الصف على راحتهم، فالمهم أن ينتبهوا لشرح المعلمة، وفي نهاية كل عام يخضعون لامتحانات لينالوا على أساسها الدرجات، كما هو الحال في أي مدرسة أخرى. لتأتي الليلة المنتظرة بالنسبة لـ”ستيلا”، ولهذا فهي قلقة جدا بشأن ما سيحدث.

بدأ أحد المدرسين المناداة عبر مكبر للصوت “لا داعي للذعر، اصطدمت سفينتنا بجبل جليدي، فليتجه الجميع إلى قاعة الطعام، لا تخافوا”. لقد غرق جزء كبير من السفينة التاريخية، والهدف من المحاكاة هو إنقاذ أكبر عدد من الركاب عبر قوارب النجاة، لكن لا توجد قوارب كافية للجميع.

فرض على الجميع وضع عصابات على أعينهم، عدا شخص واحد في كل مجموعة، وحتى الآن تجهل “ستيلا”، متى ستبدأ مهمتها؟ وقد تبدأ في أي لحظة، لكن في الوقت الحالي عملية إخلاء السفينة مستمرة.

مشهد تمثيلي للخروج من تايتانيك يعبر عن انقطاع الكهرباء

يحاكي الظلام والأثاث المتناثر بالنسبة لـ”ستيلا” والبقية حالة الركاب الحقيقيين في التايتانيك، وسؤالهم وقتها: أين المخرج؟

عليهم العمل كفريق واحد، وإصدار الأوامر وتنفيذها، لكن هذه لن تكون مهامهم الوحيدة. وتقول “ستيلا”: هناك محطات نعثر فيها على أجزاء منفردة من قوارب النجاة، في النهاية علينا جمع أجزاء القارب لإنقاذ أنفسنا، وهنا علينا جمع أجزاء الأحجية، وإن فعلنا ذلك في الوقت المحدد، فسنحصل على جزء من قاربنا.

ستغرق السفينة خلال ثوان، والآن حان لحظة “ستيلا” الموعودة، فالسيدة “كارفكس” لديها قارب نجاة وعليها اختيار عدد من الأشخاص الذين لم يبنوا قارب نجاة خاصا بهم، لإنقاذهم من الغرق.

تسير عملية الإنقاذ بشكل فوضوي إلى حد ما ولكن الفوضى جزء من الفكرة هنا.

“متأكدة من أنني سأنجح”.. مسابقة غنائية بأكبر مدرسة في العالم

في مدينة “لكناو” التي يقطنها 3 ملايين نسمة في شمال الهند، هناك طالبة تدعى “سوميا شوكلا” ترتاد مدرسة “سيتي مونتيسوري” التي دخلت موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية كأكبر مدرسة في العالم، واليوم مميز جدا لطلاب الفصل السابع، لأنه يشهد مسابقة الغناء السنوية. وعن المسابقة، تقول “سوميا”: تسير الاستعدادات بشكل ممتاز، المنافسة شديدة، وقد تمرنت بشكل جيد، متأكدة من أنني سأنجح.

يدفع والد “سوميا” نحو 60 يورو شهريا كرسوم مدرسية لتحصل ابنته على تعليم جيد، وهذا المبلغ يعد كبيرا في الهند، ويساوي نحو خُمس متوسط دخل أسرة في مدينة “لكناو”، ولهذا فإن على “سونيا” تحقيق نتائج جيدة في المدرسة.

افتتحت المدرسة عام 1959، وكان تضم وقتها 5 طلاب، كل الطلاب يرتدون زيا موحدا، وبالتالي ليس هناك تنافس على ارتداء الملابس والأحذية. وتمنح المدرسة نوعية ممتازة من التعليم، ويتحدث الطلاب فيما بينهم ومع معلميهم ومعلماتهم باللغة الإنجليزية.

قبل بدء الفصول الدراسية، تستجمع “سوميا” ثقتها لمسابقة الغناء المقبلة، وتقف أمام صور جدارية كبيرة تخلد أسماء الذين فازوا بمسابقات رياضية وثقافية وفنية إضافة إلى المتفوقين في الدرجات التعليمية. وتقول: هناك 4 مجموعات لكل مستوى في المنافسة، وهي منافسة داخلية، فكل صف يأمل الفوز، لأن الفائز سيكون المغني في التجمع الرئيسي لعلماء الرياضيات، وهذا أمر مهم للغاية والجميع متحمس.

“إنهم أصدقائي، ولكن في هذه اللحظة هم منافسون”

يحتوي كل فصل بين 50-70 طالبا، ويتولى معلم أو اثنان تعليم كل فصل، ويوجد نحو 250 معلما في مبنى “سوميا” وحده. “سوميا” طالبة طموحة، وتأمل في ارتياد الكلية وإيجاد وظيفة جيدة، والرياضيات والحاسوب هما المادتان المفضلتان لديها، وتحلم في أن تصبح مهندسة برمجيات.

دخلت “سوميا” صف التحضير الموسيقي، للاستعداد لمسابقة الغناء، وتقول: أنا متحمسة للغاية، ومتوترة بعض الشيء، وأعتقد أن التحضير للأغنية باستخدام الآلة الموسيقية التي يعزف عليها أستاذ الموسيقى هام للغاية، بحيث يتسنى لي في حال ارتكبت أخطاء خلال أدائي للأغنية أن أسأله، وهو يساعدني على تصحيح الأخطاء.

تضم مدرسة “سيتي مونتيسوري” في لكناو بالهند 8000 طالب يتنافس ذووهم للحصول على مقاعد دراسة لهم كل سنة

أعجب أستاذ الموسيقى بأدائها للأغنية التي يجب أن تكون باللغة الهندية، ونصحها بأن تتذكر دائما السلم الموسيقي، وتمنى لها ولزملائها التوفيق بالمسابقة.

تستعد “سوميا” وزملاؤها للمشاركة في مسابقة الغناء منذ أسابيع، وتقول: إنهم أصدقائي، ولكن في هذه اللحظة هم منافسون لي في المسابقة.

صعود المسرح.. منافسات اللحظة الحاسمة

ينقسم كل مستوى إلى 4 صفوف، أسماؤها هي: الحب والأمل والسلام والصداقة، وفي كل صف يتولى الطفل الذي يغني بشكل أفضل تقديم العرض.

بدأ الطلاب بتقديم أغنياتهم الواحد تلو الآخر، أمام لجنة ستختار الطلاب الفائزين وعشرات من زملائهم، فمن بين الطلاب من نسي كلمات الأغنية -بسبب رهبة المسرح- وآخرون قدموا أداء نالوا على إثره ثناء اللجنة وتصفيق معلميهم وزملائهم.

“سوميا” والأداء المميز للأغنية

حانت لحظة ظهور “سوميا” على المسرح، فأدت بطريقة مميزة وتفاعلت معها اللجنة وزملاؤها بشكل لم تتوقعه وبعد انتهائها نالت تصفيقا حارا من الحضور. وبعد انتهاء الجميع من تقديم أغنياتهم، تعلن اللجنة المختصة أسماء الطلاب الفائزين.

ورغم فوزها بالمركز الثاني، لم تغضب “سوميا” ولم تشعر بالاستياء، بل أكدت أن زميلها يستحق الجائزة وأنها تحتاج لمزيد من التدريبات للتحسن والفوز في المسابقات القادمة بالمركز الأول.

“لأنني طالب في أكثر المدارس متعة”.. ألوان التفرد الدراسي

بينما يقترب يوم “سوميا” الدراسي من نهايته، ينتظر “كينين آندروز” (12 عاما) بفارغ الصبر شروق صباح كل يوم للذهاب إلى المدرسة الأكثر متعة بالعالم، في مدينة “أتالانتا” الأمريكية. ويقول “كينين” عن مدرسته: قد لا يرغب المرء أحيانا بالذهاب إلى المدرسة، وقد يتعب أحيانا من الاستيقاظ يوميا في الصباح الباكر، وخاصة عندما يكون لديه اختبار، ولكن بالنسبة لي، أنا دائما متحمس لأنني طالب في أكثر المدارس متعة.

“كينين” أحد الطلاب المتفوقين في مدرسة المرح

ينحدر 80% من طلاب هذه المدرسة من أسر فقيرة، ومعظم الآباء لا يستطيعون إرسال أبنائهم إلى مدارس خاصة، ولكن يبقى “كينين” وزملاؤه قادرين على الالتحاق بهذه المدرسة، بسبب المانحين الذين يدعمون مقاربتها التعليمية الفريدة، فالطلاب متحمسون جدا لبدء النشاط المدرسي، لأن كل شيء هنا يجعلهم في مزاج جيد، مثل هتاف الأطفال والفصول الدراسية الملونة والمعلمين المرحين والكثير من الألعاب والنشاطات. كل شيء في هذه المدرسة يدور حول المتعة والحركة.

يرتاد “كينين” مدرسة المرح منذ الصف الخامس، أي أنه يقضى سنته الثالثة في أكاديمية “رون كلارك”، ويبدو للوهلة الأولى أن برنامج “كينين” وزملائه عادي من الثامنة صباحا إلى 4 مساء، والدرس الأول هو اللغة الإنجليزية.

“هاري بوتر”.. نكهة الأفلام المفضلة في مدرسة المرح

يتعلم الطلاب عادة من خلال الاستماع وكتابة الأشياء، لكن هنا يتعلمون من خلال الإيقاع والقوافي، ففي المدارس الأخرى تُستخدم المشاركة الفعالة، أما في مدرسة المرح فيعتمدون على الأغاني لتنشيط الذاكرة، فبدل الجلوس صامتين يتعلم الطلاب هنا بالمتعة والحركة، وتشير الدراسات إلى أن الأطفال المتفاعلين يتعلمون بشكل أسرع وأكثر فاعلية من الأطفال الذين يجلسون دون حركة طوال اليوم. ونجاح هذه المقاربة مثبت علميا، إذ أن الطلاب متقدمون على المناهج الرسمية بسنتين.

في مدرسة المرح، لا تنمر ولا اعتداءات بين الطلاب

لا جرس يرن بين الدروس، فالطلاب ينتقلون بأنفسهم بين القاعات، لأنهم جميعا يملكون حواسيب لوحية، ويعرف الوقت بأنفسهم، وقد أصبح مفهوم أكاديمية “رون كلارك” نموذجا للمدارس الأخرى، إذ يقوم المعلمون في مختلف أنحاء العالم بدمج فكرة نقل المعرفة من خلال الحركة والمرح والقوافي.

يقول “كينين”: سميت المدرسة بهذا الاسم تيمنا بـ”هاري بوتر”، ونحن معجبون به بالفعل، هذا شيء يحلم به كثير من الناس، فأنا أستمتع بتجربة واحد من أفلامي المفضلة كل يوم، وهذا أكثر شيء يشدني إلى هذه المدرسة، هذا المكان نسخة من قاعة غذاء “هاري بوتر”.

“أريد أن أكون زعيم المجموعة”.. هتافات الانتخابات السنوية

ينقسم 120 طالبا إلى 4 مجموعات فقط. وتشارك المجموعات كل عام في منافسة كبرى بين بعضها. ويقول “كينين”: إن هذا اليوم مميز بالنسبة لي، لأنني أواجه تحدي كتابة هتاف جماعي لمجموعتي، ويتكون هذا الشعار من مزيج من الأغاني والرقصات، وبعض الأشياء الخاصة والمختلفة لجعله ممتعا، وتضم مجموعتي 25 طالبا.

ويتابع: في كل عام ينتخب رئيس جديد للمجموعة، وهم يبحثون عن الصفات القيادية لطلاب المختلفين، وأنا أريد أن أكون زعيم المجموعة.

مدرسة المرح.. حيث يرقص المعلمون مع الطلاب

للمرح جانب خطير أيضا، فهناك قواعد صارمة بشأن التعامل مع هذا الموضوع. ويعلق “كينين” على هذا الموضوع قائلا: ليست لدينا قاعدة للتنمر هنا، لا داعي للقلق من التعليقات الفظة، ولا داعي للقلق بشأن شخص يضمر كرها للشخص الآخر، فنحن أكثر من أصدقاء في المدرسة، فنحن عائلة.

ليس طلاب المدرسة فقط من يشكلون فريقا متماسكا، إذ تعد العلاقة الودية مع المعلمين جزءا من مفهوم أكاديمية “رون كلارك”، وتعد مدرسة إعدادية، ويمكن للأطفال ارتيادها لأربع سنوات، وبعد الصف الثامن يذهبون مباشرة إلى المدرسة الثانوية.

“بمجرد انتهاء ذلك علينا التركيز على الدراسة”.. قواعد صارمة

في المدارس الثانوية لا وجود للمرح، بل التعلم عن ظهر قلب، ولهذا ففي مدرسة المرح أيضا جانب جدي، إذ يتعين على الأطفال تقديم أداء عالي المستوى طول الوقت. ويقول “كينين”: لدينا انضباط شديد طوال الوقت وتوقعات كبيرة، إذ يمكنك الاستمتاع بالمرح والحماس، ولكن بمجرد انتهاء ذلك علينا التركيز على الدراسة.

هناك 55 قاعدة في المدرسة يجب اعتمادها دون استثناء، وكل من يخالف القواعد يتعرض للحجز، وتصل عقوبة كل من يكرر المخالفة إلى الطرد بشكل دائم.

المدرسة معروفة وذات شعبية في “أتالانتا” ويود كثيرون ارتيادها، لكن في كل عام يُقبل أقل من 10% من المتقدمين، ولهذا تعين على “كينين” اجتياز امتحان الدخول الذي يشبه تماما التقدم إلى وظيفة.

يريد “كينين” أن يصبح زعيم المجموعة، ولكن لتحقيق هذا الهدف يجب أن ينجح هتاف المجموعة الذي يعمل عليه، وعادة ما يكون مزيجا من الأغاني وكلمات مختلفة وتصميما للرقصات. ويتعين على “كينين” أن يثير حماسة باقي الطلاب في مجموعته.

“إن اليوم مثير للحماسة بشكل كبير”.. يوم تدريب المعلمين

منذ أن انضم “كينين” إلى مدرسة “المرح” ازداد انفتاحا، وأصبح أفضل مما مضى في أداء المهام الإبداعية، وبعد انتهاء الدروس، حان الوقت ليُري الجميع بدقة ما ستغنيه مجموعته التي تسمى “أميستاد”.

في البداية، يجب على “كينين”، إثبات جدارته لمجموعته، ويفترض أن يتمرنوا جميعا على الهتاف الذي اختاره، أما بالنسبة للأداء، فقد اختار أغنية “هيب هوب”، يستمع إليها هو وأصدقاؤه مرارا وتكرارا في أوقات فراغهم. ويظهر “كيني” تصرفات قيادية حقيقية ويعطي انطباعا جيدا عن أفراد مجموعته.

يقول “كينين”: إن اليوم مثير للحماسة بشكل كبير، إنه يوم تدريب المعلمين، وهذا يعني أن الكثير من المعلمين، من كل أنحاء العالم يأتون إلى مدرستنا، في هذا اليوم يوجد أكثر من 450 شخصا، وسنقوم بتقديم الأداء أمامهم.

يحضر الحفل السنوي 400 معلم من أنحاء العالم للاستفادة من تجارب المدرسة

كلفة تدريب المعلم تصل إلى 400 يورو، وهذا أحد مصادر التمويل الكثيرة لدعم الطلاب من أبناء الأسر الفقيرة، إذ يتعرف المعلمون على مقاربة استخدام المرح والحركة، ثم يمكنهم تطبيق ما تعلموه في مدارسهم في جميع أنحاء العالم.

“كل شيء كان جيدا”.. حماس جماهيري لحلم مؤجل

جاء وقت عرض “كينين”، إنها اللحظة الحاسمة التي ينتظرها، فهل يستطيع إثارة الجمهور؟ وهل يصبح الزعيم الجديد لمجموعة “أميستاد”؟

يقول أحد المعلمين: إن اختيار الأغنية كان موفقا، والكلمات رائعة، كل شيء كان جيدا.

ويقول “كينين”: كانت أغنية المجموعة جيدة، فقد تلقينا إشادة من السيد “كلارك”، وفي النهاية كانت الأغنية ناجحة، وأثارت حماس الجمهور.

على الطالب المتميز تقديم عرض بهتافات يلفت الانتباه ويقنع بها الطلاب كي يوافقوا له أن يصبح قائدا لهم

ولكن رغم الإشادة الكبيرة، التي حظي بها “كينين”، لم يعين قائدا للمجموعة بعد، وحلمه في أن يصبح القائد أصبح مؤجلا، ورغم أنه لم يحالفه الحظ ليصبح قائد مجموعة هذا العام، فإنه إذا استمر في هذه الطريقة ومراكمة الصفات القيادية، فقد يصبح العام المقبل قائد مجموعة “أمسيتاد” في أكثر المدارس مرحا في العالم.

عبور الحدود إلى المدرسة.. هجرة يومية إلى العلم بالأرجنتين

الطالبة “ميا” من باراغواي في أمريكا الجنوبية، لكن مدرستها في الأرجنتين، وتبدأ معاناتها قبل شروق الشمس، فطريقها إلى المدرسة ليس يسيرا، إذ تعيش في قرية “ناناوا” التي تبعد 10 كيلومترات فقط عن الحدود بين البلدين، وعليها ركوب قارب لمدة ساعة لإيصالها إلى الأرجنتين، ثم تسير على الأقدام لأكثر من ساعة أخرى لتصل إلى مدرستها.

و”ميا” هي الطالبة الوحيدة الآتية من باراغواي في فصلها، والباقي كلهم من الأرجنتين، فلديها نظام تعليمي أفضل من باراغواي، ولهذا يذهب الكثير من الأمهات من باراغواي إلى الأرجنتين لإنجاب أطفالهن هناك، من أجل السماح لهن بالتعلم هناك.

ورغم أنها تستيقظ فجرا فإن مدرستها لا تبدأ قبل الظهيرة، ولكن عليها مساعدة جدتها والذهاب إلى السوق والاعتناء بالحيوانات.

انفصل والدا “ميا” منذ سنوات، ولهذا فإنها وأخاها يعيشان مع جديهما، وتعتبر “ميا” جدتها كأم ثانية، ولهذا عليها أخذ نصيحتها، لأن لديها واجبا مدرسيا عبارة عن موضوع عن بلدها الأم، أي باراغواي.

وتقول جدة “ميا”: “أخبريهم عن الحيوانات والحليب واللحوم عندنا، فأغلبية سكان البلاد من المزارعين، فعلينا جميعا العمل بجد للبقاء على قيد الحياة”. كما علمتها بعض العبارات في لغة غوارينيا، وهي لغة السكان الأصليين، ووحدهم أبناء باراغواي يستطيعون التحدث بها وفهمها.

“متحمسة لإخبار زملائي بالمزيد عن بلدي الأم”

تقول “ميا”: ناناوا هي قرية صغيرة في باراغواي، لكنها كبيرة في الوقت نفسه، وتقع بين نهرين، ولهذا السبب ليس عدد سكانها كبيرا، وفيها مساحة كبيرة للحيوانات.

أمام “ميا” (11 عاما) طريق طويل عليها قطعه، أولا للسوق ثم إلى المدرسة، ويرافقها شقيقها “ألدو” أيضا، وفي السابعة صباحا يغادر أفراد الأسرة معا، فالطريق إلى الحدود ليست آمنة تماما، فأولا يجب أن يجدّف الثلاثة (“ميا” وشقيقها وجدتها) إلى الضفة الأخرى من النهر. وبعد ساعة من ركوب القارب المتهالك، ينتهي الجزء الأول من الرحلة الشائكة إلى المدرسة.

تستغرق رحلة الفتاة “ميا” ساعتين قبل أن تصل إلى مدرستها في الأرجنتين

تملك أسرة “ميا” كشكا صغيرا في السوق، وتقوم هي وشقيقها وجدتها بتجهيز البضاعة تمهيدا لعرضها للبيع، وتمضي “ميا” 3-4 ساعات في الكشك قبل بدء المدرسة، إذ تساعد جدتها وتدرس وتنهي واجباتها المنزلية.

ولكن اليوم لا تقوم بواجب منزلي عادي، بل تستعد لتقديم تقريرها عن بلدها الأم، وقد جعلت عنوان تقريرها “لا حدود لصداقة باراغواي والأرجنتين”، وتقول: متحمسة لإخبار زملائي بالمزيد عن بلدي الأم، وسأؤدي خلال العرض أغنية ورقصة من باراغواي.

“نحن نحب الحياة”.. تمزق المعيشة والدراسة بين وطنين

على “ميا” قطع الجزء الأخير من الطريق وحدها، وأيضا يجب أن لا تغفل عن الوقت، لأن التوقيت في الأرجنتين يتقدم بساعة عن باراغواي. وتقول “ميا” -التي تعبر كل يوم في طريقها للمدرسة الحدود بين باراغواي والأرجنتين-: أحمل جواز سفر أرجنتيني أيضا، وبسبب عدم وجود مستشفى للولادة في ناناوا، فقد ولدت في مدينة كلوريندا، لكن عائلتي تفضل العيش في باراغواي، فنحن نحب الحياة هناك.

وتفضيل الأمهات من بارغواي إنجاب أطفالهن في الأرجنتين، ليس بسبب عدم وجود مستشفى ولادة في قرية “ناناوا” فقط، بل لأنهم يأملون بتأمين مستقبل أفضل لأولادهن، لأن الاقتصاد الأرجنتيني أقوى بكثير من نظيره في باراغواي.

في الوقت الذي تفتقر فيه البارغواي إلى دعم الطلاب غذائيا، تقدم الأرجنتين وجبة فطور مجانية لكل طلاب المدارس

بعد نحو ساعة من السير على الأقدام، وصلت “ميا” إلى المدرسة رقم 21 في الأرجنتين، ويرتادها 420 طفلا تتراوح أعمارهم بين 6-13 عاما. و”ميا” هي من طلاب فترة ما بعد الظهر في مدرسة عامة ومجانية للجميع، ففي اليوم الأول من العام الدراسي، يحصل الطلاب الذين لا يتمكن آباؤهم من تحمل تكاليف اللوازم المدرسية، عليها مجانا، حتى أن “ميا” حصلت مجانا على حذاء.

وعلى عكس الأرجنتين، ففي باراغواي كان يجب على “ميا” دفع الرسوم الدراسية وإحضار طعامها الخاص، أما في المدرسة بالأرجنتين فجميع الطلاب يحصلون على الحليب والفطائر. هناك أمور موجودة في باراغواي تفتقدها “ميا” في الأرجنتين والعكس صحيح، كالحاسوب مثلا، فهي لم تستخدم أو تملك حاسوبا في السابق، وتوفر المدرسة في الأرجنتين لطلابها حواسيب ليتعلموا عليها.

فستان العرض.. رقصة تقليدية بألوان العلم الوطني

تتمرن “ميا” منذ أسبوعين، لتقدم أغنية بلغة الغوارنيا ورقصة تقليدية من بلدها الأم، ولهذا سترتدي البوشيرا، وهو فستان ملون بألوان علم بلادها باراغواي.

تبدأ “ميا” بتقديم عرضها، ثم تؤدي الأغنية والرقصة التي تفاعل زملاؤها معهما، وبعد انتهائهما تلقت تصفيقا حارا منهم.

“ميا” -من البارغواي- تؤدي أغنية ورقصة وطنية أمام زملائها في الأرجنتين

مدرس الموسيقى وزميلاتها وزملاؤها راضون وأعجبوا بما قدمته “ميا”، وبعد انتهاء العرض يشارف يوم “ميا” -التي تتمنى أن تصبح محامية عندما تكبر، لتصبح بلادها خالية من السرقة والجرائم الأخرى- الدراسي على النهاية لتنطلق بعدها رحلة العودة إلى منزلها والتي تستغرق أكثر من ساعتين.

مدرسة الغابة.. رحلة التعلم من الطبيعة رغم ظروف الطقس

على الجانب الآخر من العالم في مدينة أوكلاند عاصمة نيوزيلندا، يبدأ يوم “ميرو” (12 عاما) الدراسي، وهي تعيش مع والدها الذي يعمل مدير مسرح في المدينة ووالدتها الممثلة. تقول “ميرو”: في مدرسة الغابة، كل شيء في الهواء الطلق، وهذا جميل وأنا أحبه كثيرا، مدرسة الغابة بمثابة استراحة من الأجهزة وأقلام الحبر والرصاص والكتابة لثماني ساعات، إنها ممتعة جدا.

طقس “أوكلاند” متقلب جدا، وقد يتغير من المطر والبرد والعواصف إلى الصفاء والشمس خلال دقائق، وبغض النظر عن حالة الطقس، فإن مدرسة الغابة تقام في الخارج دائما. تقول “ميرو”: الفكرة الرئيسية في هذه المدرسة وجودها في الغابة وبين الأشجار، وهناك توجد دائرة كبيرة فيها بعض الجذوع وموقد نار صغير.

ليوم واحد في الأسبوع، يمكن لطلاب نيوزيلندا أن يلتحقوا بمدارس متميزة مثل مدرسة الغابة

لا تعرف “ميرو” وزملاؤها التحدي الذي ينتظرهم اليوم، فقد أسست “بينين مردوخ” وزوجها مدرسة “الغابة” عام 2016، وهذه المدرسة تقدم التجربة الطبيعية للأطفال واختبار قدراتهم الفردية، ويلتقي حوالي 20 طفلا تتراوح أعمارهم بين 6-12 عاما في الغابة باليوم نفسه من كل أسبوع، وفي بقية أيام الأسبوع يحضرون دروسا عادية في المدارس الأخرى.

في بداية اليوم يبدأ الأطفال بإشعال النار، ويتعلمون كيفية استخدام الأدوات البسيطة في هذه العملية، ولا يوجد منهج محدد في مدرسة الغابة، ولا يتعلم الأطفال من الكتب، بل من الطبيعة عبر الخبرة العملية، وتكمن الفكرة في القيام بالتجارب، وكيفية حل المشاكل، وفي كل نجاح يحققونه تزيد ثقتهم بأنفسهم.

“سانيفا”.. رسالة من المخلوق الأسطوري إلى الفريق

وفي كل صباح، يسمح لأحد الأطفال بفتح صندوق البريد الذي يحتوي على رسالة تقرأ بصوت عال في الغابة، وعادة ما تصف هذه الرسالة مهمة اليوم.

يعتقد الأطفال أن الرسائل تأتي من مخلوق أسطوري يدعى “سانيفا”، وتقول “ميرو”: إن هذا المخلوق هو تنين من نوع الزواحف، ويعيش في الماء، يأتي إلى الغابة ويترك لنا الرسائل، وهذه المرة يطلب منا التعاون والعمل كفريق واحد لبناء قارب كبير. وتعرب “ميرو” قائدة الفريق عن مخاوفها من أن يركب القارب شخص ما، ويغرق ولا يتحمل وزنه.

ترتاد “ميرو” مدرسة رسمية عادية، وبحسب قانون التعليم في نيوزيلندا، يمكن لمدراء المدارس السماح للأطفال بارتياد مؤسسة ذات مفهوم تعليمي بديل

يبدأ الطلاب العمل في مشاريعهم، ويجتمع فريق “ميرو” في الخيمة للقيام بعصف ذهني، وتبادل الأفكار، وتقدم مدرسة الغابة للأطفال خبرة عملية في العلوم، ويعلمهم بناء القارب معلومات عن الطفو، كما أنهم يتعلمون التعامل مع الجاذبية أثناء تسلق الأشجار، فالعمل الجماعي والثقة يلعبان دورا مهما دائما.

وقد درّست “بينين مردوخ” في مدرسة عادية لمدة 15 عاما، ثم قررت افتتاح ما يسمى “مدرسة اليوم الواحد” مع زوجها “غافين” وسط غابات نيوزيلندا المطيرة. ومقابل كل يوم يمضيه الأطفال في هذه المدرسة، على آبائهم دفع 50 يورو، لكن هناك برنامجا للمنح الدراسية أيضا تموله التبرعات، حيث يرتاد 3 طلاب من أسر فقيرة المدرسة مجانا.

وضع فريق “ميرو” خطة تقضي ببناء القارب من أطراف الأشجار التي يجمعونها معا، وتحت أطراف الأشجار تؤمن البراميل مقدار الطفو اللازم، ولكن هناك مشكلة واجهت “ميرو”.

تقاليد شعب الماوري.. تمسك بحضارة السكان الأصليين

ينتهي اليوم الدراسي عند الساعة الثالثة بعد الظهر، ولكن قبل ذلك يتعين على فريق “ميرو” ترتيب وتوزيع البراميل وأطراف الأشجار ليتمكنوا من مواصلة العمل الأسبوع المقبل، إذ يفترض انتهاء العمل في القارب مع نهاية اليوم الدراسي المقبل.

وخلال الأيام الباقية من الأسبوع، ترتاد “ميرو” مدرسة رسمية عادية، وبحسب قانون التعليم في نيوزيلندا، يمكن لمدراء المدارس السماح للأطفال بارتياد مؤسسة ذات مفهوم تعليمي بديل، للتعلم فيها يوما واحدا في الأسبوع، ولكن عليهم تعويض الأعمال المدرسية التي تفوتهم.

ورغم التطور على كافة الصعد في نيوزيلندا فإنهم متمسكون بعادات شعب ماوري، وهم السكان الأصليون في البلاد، وتخصص المدرسة دروسا كثيرة عنهم. وتقول “ميرو” إنها تحب معرفة الكثير عن أساطير “الماوري”، لأنها حضارة البلاد ولا يجوز تجاهلها.

“البراميل هي التي تجعل القارب يطفو”.. دروس الرياضيات

خصصت معلمة الرياضيات درس اليوم لبناء زورق أو قارب في 30 دقيقة، ويبدو أنها نسقت مع “بينين” مديرة مدرسة الغابة في هذا الأمر، وبعد نصف ساعة اختبرت القوارب على الماء، فهناك قوارب طفت في البداية، لكنها لم تنجح في تحمل الأوزان، وبينها القارب الذي صنعه فريق “ميرو”.

وخلاصة درس اليوم أنه من دون فراغ في الحجم، لا يمكن للأجسام أن تطفو.

الاستفادة من درس الطفو في الفيزياء في صناعة القارب في المخيم

واستفادت “ميرو” من درس الرياضيات في التفكير بكيفية بناء قارب في مدرسة الغابة دون أن يغرق، إذ تقول: البراميل هي التي تجعل القارب يطفو، وإن دخل الماء إلى البرميل سنغرق.

عاد فريق “ميرو” مرة أخرى إلى مدرسة الغابة، وعليه إنجاز بناء القارب قبل نهاية اليوم الدراسي، ويستخدم الأطفال الحبال لجمع الأخشاب معا وربطها بشكل وثيق وتشكيل الهيكل، ووضع البراميل -التي يجب أن تُغلق بإحكام- في مكانها، وبمساعدة “غافين” باتت الأمور أسهل.

“أشعر أن مغادرتي لمدرسة الغابة تعني انتهاء طفولتي”

بعد الانتهاء من بناء القارب، حملت “ميرو” وفريقها و”غافين” وكل طلاب مدرسة الغابة القارب، لأنه ثقيل جدا، فالعمل الجماعي كفريق -بدلا من المنافسة- هدف تعليمي أساسي في مدرسة الغابة، إذ يركز بشكل رئيسي على اكتساب المهارات الناعمة والكفاءات الأساسية، مثل العمل الجماعي والتحفيز والتعاطف.

تنجح ميرو ورفقاؤها في صنع القارب الذي يبقى طافيا فوق الماء

وبهذا المقياس تكللت مهمة بناء القارب بالنجاح، وتأكد أن القارب يطفو، وتعلمت “ميرو” وفريقها وباقي أطفال المدرسة نظرية الطفو بطريقة عملية.

تشعر “ميرو” بالفخر بنفسها وبفريقها الذي استطاع بناء قارب متماسك، وتقول: عندما أبلغ 13 لن أتمكن من القدوم إلى مدرسة الغابة، وأشعر أن مغادرتي لمدرسة الغابة تعني انتهاء طفولتي، ولكن حينما أكبر سأعود إلى هنا للعمل.


إعلان