“عروس في الانتظار”.. فتيات يرهنّ أنفسهن لأسرى مؤبدات الاحتلال
حين قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”، أجابه شباب فلسطين “على هذه الأرض ما يستحق التضحية بالحياة”، ولو ذابت سني العمر.. بل الأعمار خلف قضبان السجون. ولأن عشاق هذه الأرض يأبون أن يكونوا كغيرهم، فهم يتنافسون بتسجيل أطول الأحكام بالأسر في سجون الاحتلال، ليس بمئات السنين بل بالآلاف.
أما صبايا وماجدات فلسطين، فلم يقبلن أن يبقين خارج مضمار التنافس للتضحية لعيون “هذه الأرض”، فمنهن من زاحمت الشباب في تسجيل الأرقام القياسية بسنوات الأسر، ومن غابت عن هذا السباق لم يفتها أن تشارك الأبطال الأسرى على طريقتها.. وطريقتها أن تعيش مع الأسير المؤبد معاناته وأحلامه ومشاعره عن بعد؛ أن تربط نفسها به دون أمل بأن تجتمع به كزوجة، إلا أن يشاء الله.
هذا العالم، ما وراء حياتنا التي اعتدنا، والذي قد يقارب الفانتازيا والخيال، نتشارك تفاصيله مع فيلم “عروس في الانتظار” الذي أنتجته قناة الجزيرة الوثائقية، لنعيش قصص حب تختلف عن أي قصة، قصص حب الحبيب والوطن، قصص ثلاث فتيات فلسطينيات قررن الارتباط بالمناضلين الأسرى في سجون الاحتلال المحكومين مؤبدات بمئات وآلاف السنين، فهل تكون الزنازين حاجزا أبديا لهذا الحلم؟
غفران الزامل.. فكرة مجنونة تولدت من ابتسامة ساخرة
تروي غفران الزامل قصة أغرب خطوبة بالأسير حسن سلامة القيادي في كتائب عز الدين القسام، والذي قاد عمليات الثأر للشهيد يحيى عياش، فتقول “ولدت فكرة الارتباط بحسن سلامة في ذهني مبكرا، حين رأيت صورته الشهيرة في محكمة الاحتلال، حين ابتسم ابتسامته الساخرة من الاحتلال عندما نطق القاضي بالحكم عليه بالسجن 4782 عاما، حينها كنت طالبة على مقاعد الدراسة في جامعة النجاح الوطنية. فبدأت أتابع أخباره وكل ما يكتب عنه، وعن الحركة الأسيرة”.
بقي اهتمامها بحسن سلامة حتى تم اعتقالها عام 2009، وخلال فترة الاعتقال التقت بالأسيرة أحلام التميمي التي ستتحدث عن قصة ارتباطها بابن عمها الأسير نزار التميمي. فتقول غفران “وهو ما شجعني على فتح الموضوع مع أحلام برغبتي بالارتباط بحسن سلامة” الذي كان مر على اعتقاله حينها 7 سنوات، وكان تحلم بالحديث معه.
ولا تنكر غفران أن الخطوة الأولى كانت صعبة.. أن تبادر هي بطلب الارتباط بحسن، لأن ذلك يخالف كل العادات والتقاليد. وكانت أحلام قادرة على التواصل مع حسن، لأنها كانت حينها عضوا في هيئة متابعة قضايا أسرى حركة حماس، خصوصا في زنازين العزل الانفرادي حيث كان حسن معتقلا. وبالتالي كانت أحلام على تواصل مع حسن عن طريق المحامين.. فأرسلت إلى حسن رسالة من غفران عبرت فيها عن رغبتها في مشاركته التضحية التي يقدمها، ورجته ألا يحرمها السعادة التي تتمناها.
تقول أحلام “جاءني الرد الأولي من حسن برفض الفكرة من حيث المبدأ، لأنه لا يريد أن يربط مصير إنسانة حرة بمصيره وهو لا يعلم متى سيخرج من الأسر”.
ولاحقا كان رد حسن عبر المحامي بداية القصة لغفران، فحين استهل رسالته لها بـ”عزيزتي غفران”، تقول “لم أكمل القراءة وعدت إلى زنزانتي مسرعة”، ورأتها أحلام وهي عائدة من عند المحامية وهي تبكي بحرقة، وقالت وهي تضحك “حسن قال لي عزيزتي”.
اللقاء المستحيل.. خطوبة تتحدى قيود السجان
تقول غفران “تمت خطبتنا عام 2010، وخرج حسن من زنازين العزل الانفرادي عام 2012، وخلال هذين العامين كنت أسمع رسائل صوتية من حسن، لكنه لا يسمع رسائلي بسبب قيود الاحتلال الذي منعه طوال 10 سنوات من إرسال صوره، إلى أن سمح له بذلك لاحقا”.
بالطبع لم تكن مهمة غفران سهلة في إقناع أهلها بهذه الخطبة غير المسبوقة، فقد قالت لها والدتها “أنت تحكمين على حياتك بعدم الاستقرار”، لأن حسن من غزة وهي من الضفة، وانتقالها إلى غزة يعني انقطاعها عن أهلها.
حتى اليوم، لم تلتق غفران خطيبها حسن سلامة ولا مرة واحدة، فالاحتلال يمنع عنه الزيارات، لكنها رغم ذلك تقول “أنا أعيش سعادة لا توصف، وربما تزيد عن سعادة خاطبَين يلتقيان كل يوم. لأننا صنعنا عالمنا بأنفسنا وتحدينا به الاحتلال”.
قصة التحدي تجاوزت الصبر على عدم اللقاء، إلى تجاوز الواقع، والتخطيط للحياة كيف سيعيشونها بعد اللقاء “المستحيل”، حتى أصبحت ككتاب مفتوح أمام حسن، وهو كذلك بالنسبة لها، طباعه وشخصيته، ماذا يحب وماذا يكره، كما تقول. وتزيد: حتى من نبرة صوته أعرف ما الذي يسعده أو يزعجه.
وتضيف غفران “في كل المناسبات الشخصية أو الاجتماعية كان حسن أول من يكون حاضرا معي، وصنع لي عالمي الخاص من السعادة التي تتمنى أي فتاة أن يصنعه خطيبها لها، وكنت أبلغه على الإذاعة أني أرسلت له رسالة بتاريخ محدد وعدد صفحات الرسالة حتى يتابع مع إدارة السجن”.
على جناح الطير.. رسالة من 68 صفحة
ومن نوادر قصصها معه تقول “في مرة أبلغته عبر برنامج “على جناح الطير” على إذاعة صوت الأسرى، أني أرسلت له رسالة من 68 صفحة، فقال لي: كل الأسرى كانوا ينتظرون رؤية الرسالة من 68 صفحة، ماذا كتبت فيها. فأنا كنت أعيش مع حسن ويعيش معي بتفاصيل يومي”.
السجن المؤبد عشرات المرات لا يعني عند الأسرى توقف الحياة أو نهايتها، فحسن شجع غفران على إكمال دراستها، وعند تصوير الفيلم كانت على وشك الانتهاء من رسالة الماجستير، وتخطط لإكمال شهادة الدكتوراه، بفضل تشجيع حسن لها.
أما هو فعندما اعتُقل لم يكن قد أكمل دراسته الجامعية، ولم يتمكن من إكمالها في السجن لأنه وضع في الحبس الانفرادي 14 عاما كاملة، حرمه الاحتلال خلالها من إكمال دراسته. وعندما خرج من العزل الانفرادي عام 2012 عاد لإكمال دراسته الجامعية في جامعة الأقصى التي كان بعض مدرسيها ومعيديها معه في داخل السجن وهم معتمَدون من إدارة الجامعة، وتخرج في كلية التاريخ.
أحلام التميمي.. خطبة غاب عنها العروسان
أما أحلام التميمي الأسيرة المحررة، والتي كانت تقضي حكما بالسجن 1584 عاما، فقد بدأت قصتها عندما اعتُقل ابن عمها نزار التميمي، وحكم عليه بالمؤبد مدى الحياة، فقد قرب السجن بينهما كثيرا رغم كل المعوقات، وكانت المراسلة بينهما تتم عبر الصليب الأحمر. واستغرق الأمر 5 سنوات حتى قررا الارتباط.
تقول أحلام “كانت خطبتنا ضربا من الخيال، فقد كان الكل يقولون إن هذا الزواج لا أمل له أن يتم، فأنا محكومة بـ16 مؤبدا مدى الحياة، ونزار محكوم بمؤبد مدى الحياة”. حتى عندما تمت كتابة عقد الزواج كانا هما الوحيدين الغائبين عن حفل الزواج.
ورغم أن الرسائل المكتوبة كانت تستغرق أحيانا 6 أشهر في الطريق بينها وبين نزار، فإنها كانت في نظرها كافية لتبقى على اتصال به، لكن “كل كلمة نتحدث بها مدروسة، حتى لا يتربص بنا السجان ويقطع هذا التواصل” كما تقول، ولا يترك السجان مثل هذه الحالة دون تهكم وحرب نفسية وضغط عاطفي، فيحرمون الأسير من وصول الرسالة أو يؤخرون وصولها، وأحيانا يوصلون للخطيبة أخبارا كاذبة عن ضرب الأسير أو دخوله في إغماء كي تعيش في حالة توتر دائم.
آمنة الحصري.. حجزت زوجها في الجنة
كانت آمنة الحصري تعمل مع أحمد الجيوسي في مشغل للخياطة في طولكم، وفي تلك الأثناء تعرفت التعرفت عليه عن قرب وخطبت له.. وقبل الزفاف بأسبوع اعتقل أحمد أثناء اجتياح مدينة طولكرم عام 2002، وكانت الصاعقة الأولى التي وقعت على آمنة أن أحمد من كتائب القسام، والثانية أنه اعتُقل.
وبقي أحمد معتقلا أكثر من 100 يوم، وخلال هذه الفترة لم تتمكن إطلاقا من التواصل معه، إلى أن حُكم بالسجن 25 مؤبدا مضافا إليها 15 سنة، بما مجموعه 3475 عاما. وهو ما يعني استحالة اللقاء به، مما أثار حولها الكثير من حديث الناس عن جدوى ارتباطها به ما دامت لن تجتمع به، خصوصا أنها مخطوبة وليست متزوجة.
لكن آمنة، أكدت لنفسها أولا ولعائلتها والناس ثانيا، أنه لم ولن يخطر ببالها للحظة أن تترك أحمد مهما طالت فترة اعتقاله.
ومنطقها في ذلك قولها “صحيح أن الزواج نصف الدين ومهم في الحياة، لكن يمكن أن نعيش بدونه، وهناك أناس كثر لا يتزوجون، لذلك تقبلتُ أمر ارتباطي بأحمد حتى لو لم يقدر لنا العيش معا، وعلى الأقل أكون حجزت زوجي في الآخرة”.
وجدت آمنة الدعم والتشجيع من والديها، تقول “كان والدي رحمة الله عليه دوما يؤازرني ويؤيدني في الصبر على خطوبة أحمد”، وأرادت اختبار موقف والدتها مرة فقالت لها “أني أفكر بترك أحمد، فبكت، وقالت إذا تركتيه أنت فنحن لن نتركه”.
حكم محكمة الاحتلال بحق أحمد الجيوسي استغرق عامين، وطوال هذه الفترة -كما تقول آمنة- “كانت تحترق أعصابنا، فكنا كل شهرين أو ثلاثة نحضر إلى المحكمة لمتابعة القضية، وكانت الانتفاضة حينها مشتعلة، فكنا نذهب عبر طرق التفافية تستغرق منا وقتا طويلا”.
وها هي آمنة تزور خطيبها أحمد منذ 16 عاما بانتظام، لكن الأمر لم يصبح عندها روتينا، تقول “عند كل زيارة لا أستطيع النوم قبلها، وأجهز له احتياجاته، ويذهب كل هذا التعب عندما أراه”.
وتبقى المراسلات بينهما، فهي الصلة الحقيقية التي تربطهما، فهو يرسل لها كل شهر رسالة أو رسالتين، يحكي لها فيها عن حياته اليومية في السجن ورفاقه في الأسر ومشاعره وأحلامه، وتجد في هذه الرسالة الكثير من السلوى.
ورغم الحكم الخيالي الذي يقضيه أحمد في الأسر، فإن ذلك لم يعنِ له توقف الحياة، فرغم صعوبة إكمال الدراسة في سجون الاحتلال، فإنه سجل في جامعة القدس في غزة، وانتهى من تخصص التاريخ، ويدرس الآن الإدارة، فضلا عن أكثر من 20 دورة تدريبية تلقاها في السجن.
من خلف جدران السجن.. هدايا تُصنع من الحب
لا تقتصر الصلة بين الخاطبين داخل السجون وخارجها على الرسائل والزيارات إن أتيحت، فالأسرى يُهدون خطيباتهم ما أمكنهم إيصاله لهن، ولهداياهم قصص ورمزية تُعلي قيمتها لدى الخطيبات.
فأحلام تستعرض صندوق هداياها، وتستخرج عقدا وخاتما، وتقول “نحن هدايانا تصنع باليد، تصنع بالمحبة، وأجمل ما وصلني من نزار قلادة على شكل قلب حب، نحته بيديه من حجر لعبة الدومينوز، وكتب عليه اسمي واسمه، وأرسله لي مع رسالة، وقد اعتبرته مهري داخل السجن”.
وكذلك فعلت آمنة، حيث استعرضت ما أرسله لها أحمد “هدايا صنعها أحمد بنفسه، من قلادات ورسم لقلوب حب باسمه واسمي، وأنا أحتفظ بها جميعا في خزانة خاصة لأغراض أحمد ورسائله وهداياه”.
أما غفران فتقول “أجمل هدية وصلتني من حسن هي دمية “دبدوب” احتفظ به حسن 16 سنة في زنزانته، فكان رفيقه في العزل الانفرادي، لذلك كان له قيمة خاصة عنده، وكان أجمل هدية يمكن أن يقدمها لي في ظروف اعتقاله، وكانت رسالته أن الدبدوب تحرر من السجن بعد 16 عاما، وإن شاء الله يتحرر حسن”.
إضراب عن الطعام.. احتجاجا على قوانين الزيارة
عندما غير الاحتلال طريقة الزيارة واستبدل الشبك الحديدي بحاجز زجاجي يتحدثون عبره بالهاتف، دخل الأسرى في إضراب عن الطعام 18 يوما، وكان أحمد يومها من ضمنهم، وكانت تجربة صعبة على آمنة، بسبب قلقها على حياته، رغم محاولتها التجلد والتصبر على تجربة الإضراب.
أما غفران فكانت ترجع لرسائل حسن في فترات الإضرابات أو العزل، حيث كان ينقطع تواصلها مع حسن، فتقرؤها كأنها تصلها للمرة الأولى.
لكن في حالة أحلام كانت هي من دخلت في إضراب عن الطعام، وكان نزار هو الذي يقلق عليها. وفي إحدى رسائله فقرة تحبها أحلام كثيرا، قال فيها “أحلام، لا تُنهي الإضراب على أي طعام، انهيه على شوربة ومربى”، فقالت له “عندما قرأت هذه العبارة أحسست أنني طفلتك ولست خطيبتك”.
لعبة الاحتلال.. تحطيم الروح المعنوية
يمارس الاحتلال لعبة اليأس والأمل لتحطيم روح المقاوم في الأسر، وتحطيم روح من ينتظرونه في الخارج. لكن الذين هم داخل السجن وخارجه يفهمون حدود اللعبة، ويعرفون أن جرعة الأمل والوعي هي التي تتجاوز بهم ألاعيب الاحتلال.
ورغم الوعي بألاعيب الاحتلال النفسية التي يمارسها مع الأسرى وذويهم، فإن “الشوق والحنين يسيطران على الإنسان أحيانا لدرجة الضعف” كما تقول غفران.، لكن لا يلبث أن يعود لمقاومة هذه المشاعر.
وتذكر أن “الضعف الحقيقي الذي انتابني في وقت صفقة شاليط، حيث كنا نأمل في الإفراج عن حسن في هذه الصفقة، لكن عدم الإفراج عنه شكل صدمة وضعفا لي، لأن الانتظار سيطول أكثر”.
وما شكل مزيدا من الضغط على غفران عندما طلب منها حسن الانفصال لأن الأمل بخروجه بات مجهولا إن لم يكن تلاشى. وعن ذلك تقول “كنت أتوقع أن تراود هذه الفكرة حسن، فأخبرته مباشرة أني معك في هذا الطريق حتى نهايته، وإذا أغلق باب ستفتح أبواب”.
وكجزء من مقاومة ضغوط الاحتلال وألاعيبه، تقول غفران “بدأنا بالتفكير في حياتنا بعد اللقاء. كيف سنبني بيتنا، وماذا سنسمي أبناءنا وبناتنا، لأن هذا الفراق مؤقت وسينتهي يوما”.
وتضيف “في المناسبات والأعياد فإن حسن أول من يكون معي، وأنا على ثقة أني سألتقيه يوما، إن لم يكن في هذا العيد ففي العيد القادم، وإن لم يكن في رمضان هذا العام ففي العام القادم، وعلى هذا الأمل نعيش طوال هذه السنوات”.
ارتباط غفران بحسن في هذا الظرف، بدأ بقصة وانتهى إلى حالة مغايرة. تقول “في البداية كنت أعتقد أني أنا من يصنع السعادة لحسن، فتفاجأت أن حسن هو من يصنع لي الحياة والأمل والسعادة”.
وتواصل “أنا الآن أقرأ رواية “نطفة” لأدهم الشرقاوي، أهداني إياها حسن حتى نقرأها معا، وكأن كلمات الرواية مهداة من حسن لي، وكأن الرواية تحكي قصتنا. لذلك حددنا الساعة 10 أو 11 كي نقرأ فيها الرواية معا”.
أحلام ونزار.. معانقة الحرية في صفقة وفاء الأحرار
وبخلاف الإحباط الذي انتاب غفران بعدم خروج حسن في “صفقة الأحرار”، فإن أحلام ونزار عانقا الحرية وحققت لهما الصفقة الحلم بالحرية واللقاء. تقول أحلام “اقترب الأمل منا عندما بدأت صفقة وفاء الأحرار، فكانت لحظة أمل حقيقية بإفراج قريب ولقاء قريب. فبدأنا بالتفكير فيما بعد الإفراج واللقاء، كيف سنقيم حفل الزفاف؟ وكيف سيكون بيتنا؟ وكيف سنؤثثه؟ وماذا سيكون لون الستائر؟”.
الارتباط بأسير محكوم بالمؤبد مدى الحياة يشكل فلسفة لدى أحلام التي تقول “أنا أقاوم المحتل عبر ارتباطي بهذا الأسير، لأن الأسير يقول للمحتل إن حياتي مستمرة رغم السجن. لذلك كنا نعيش حالة عشق في الزنازين، ونتخيل لحظة الارتباط وكأنها حقيقة، فأن تعيش الأمل هو الدافع الأساسي الذي يقربك من تحقيق هذا الأمل”.
في حين لم تكن فترة الخطوبة الطويلة (17 عاما) سهلة على آمنة ولا أحمد، لكنها تقول “ما يقويني ثقتي بربي أنه سيستجيب لدعواتي الكثيرة أن يفرج عن أحمد ويجمعني به.. ولست حزينة على أننا كبرنا في العمر ولم ننجب أطفالا، لكن يؤلمني أني كنت طوال هذه الفترة بعيدة عن أحمد، لكنه دائما يحاول أن يعوضني عن البعد، ويشعرني بقربه مني، وأننا روح واحدة في جسدين”.
رسائل تحدٍ.. العروس الفلسطينية لن تنتظر إلى الأبد
بقدر ما يشكل ارتباط فتاة فلسطينية بأسير تنعدم فرص حريته، رسالة تثبيت لهذا الأسير ومنحه لونا من الحياة الطبيعية خلف أسوار المعتقل، فإنها أيضا ترسل رسائل مهمة للاحتلال وسجانه.
تقول غفران “رسالتي كخطيبة أسير محكوم بـ48 مؤبدا، ومعتقل منذ عام 1996، أن الاحتلال أراد أن ينهي حياة الأسرى ويقطعهم عن امتدادهم خارج السجن، وبالتأكيد، لن يعيش الأسير مؤبدا واحدا حتى يعيش 48 مؤبدا، لكنه حكم نفسي بقطع الأمل بالحياة عن هذا الأسير، فرسالتي أنا وحسن موجهة بالدرجة الأولى للمحتل، أن نواجه موت المحتل بالحياة، وأن يمارس حسن حياته الطبيعية بأن يحب ويخطب ويتزوج”.
أما أحلام فتقول “أنا أعتبر نفسي ما زلت في معركة مع الاحتلال؛ بأن اليأس الذي راهن عليه تحول إلى فرح، وأن الحزن الذي راهن أنه سيطبع حياتي أنا ونزار تحول إلى سعادة وحياة”.
هي إذا رسالة تحد بعدم اليأس تحت ضغط الواقع، لأن الرهان كان دائما على أن عمر المقاومة أطول من عمر المحتل.
وعندما نرى اليوم أحلام التميمي المحكومة بأكثر من 1500 سنة في بيتها مع حبيبها الذي كان محكوما بالسجن حتى الموت، نعرف ساعتها أنه مهما طال عمر الاحتلال، فلن تنتظر العروس الفلسطينية إلى الأبد، وأن المقاومة هي الجواب، وأن الحب سينتصر.