الإضراب عن الطعام.. وسيلة كفاح عريقة لإيقاف العدوان على فلسطين

هذه المرة هو جوع اختياري من أجل فلسطين، وليس تجويعا إجباريا كالذي يفرضه الاحتلال خلال هذه الحرب على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، عبر منع دخول الكميات المناسبة من المساعدات الغذائية، وفرض حصار مشدد على كل المعابر، وقد بدأ هذا التجويع منذ انطلاق العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الفائت.

وقد زادت الأوضاع شدةً مع جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال، مع التجويع والمنع من تلقي العلاج والتعطيش أيضا، بعد أن حبست السلطات الإسرائيلية المياه عن السكان الغزيين، مما دفع مجموعة من الشباب والشابات للإعلان الاختياري عن الإضراب عن الطعام، للوقوف مع أهالي القطاع في محنتهم، إلى أن يعلن وقف إطلاق النار.

وهذه المجموعة يتكون أغلبها من ناشطين وناشطات وأدباء، يعيشون في أماكن مختلفة حول العالم، منها لندن وإسطنبول وفرنسا وبلجيكا ولبنان ومصر والسعودية والجزائر، منهم عرب وفلسطينيون، في حين هناك مضربة أجنبية طاعنة في السن، ومثلها مضرب أجنبي آخر عن الطعام، أعلنا عن تجويع نفسيهما تضامنا مع غزة منذ بداية الحرب، في حين أعلنت المجموعة الشبابية بدء الإضراب عن الطعام في الأسبوع الثالث للحرب.

إضراب غزة.. خيار قاس للفت الانتباه إلى العدوان

الإضراب عن الطعام هو قرار شخصي يُعبر عن إرادة قوية مستمرة وسط تحديات كثيرة، أهمها مواجهة الجوع من أجل الخلاص سواء الشخصي أو الشعبي، أو لأجل قضية، فالبعض يضرب عن الطعام من أجل تحسين شروط سجنه، والبعض من أجل حرية أمته، وآخرون من أجل العودة إلى بلادهم.

الحملة التي أطلقها ناشطون حول العالم معلنين إضرابهم عن الطعام حتى وقف إطلاق النار

صبا إسماعيل صحفية ومترجمة، وهي من الشابات التي أعلنت إضرابها عن الطعام منذ بداية الحرب، تقول للجزيرة الوثائقية: بدأت بالإضراب منذ بداية الحرب، وحين وجدت مجموعة ناشطين يعلنون الإضراب عن الطعام انضممت لهم، وإضافة إلى الإضراب ترجمنا مقالات وقصصا عن الشهداء، وأنشأنا صفحة على فيسبوك.

وقالت إن هناك مضربين ومضربات تعرضوا إلى أزمة صحية، بسبب طول مدة الحرب واستمرار العدوان، بموازاة عدم تناول الطعام الصلب، ومع ذلك فإن “المجموعة صامدة حتى اللحظة، ويساند بعضها بعضا”.

أما حسام شادي فهو ناشط من مصر، ويقول إن هذا أقل شيء ممكن أن يفعله لأهل غزة، وأنهم حرصوا في المجموعة على إصدار البيانات، وترجمتها بأكثر من لغة، لجذب مزيد من الناشطين في العالم، إما للتضامن أو المساندة أو الانضمام للإضراب، والأهم من كل ذلك إلقاء الضوء على الحرب في غزة والإبادة الجماعية.

وأما الشاعرة سحر موسى المقيمة في السويد، فقد قالت للجزيرة الوثائقية إن هناك من يرى الإضراب عن الطعام خيارا قاسيا ومتطرفا، لكن الحرب بشعة وقاسية، وتحتاج تحركا مغايرا لجذب الانتباه لنتائجها على غزة.

“يأتي هذا الفعل استثمارا في هشاشتنا كقوة للمقاومة السلمي”

خرج بيان المجموعة المُضربة بثلاث لغات هي الإنجليزية والعربية والفرنسية، ويؤكد كون النشاط احتجاجيا سلميا قائما على الإضراب المفتوح عن الطعام، وسيستمر إلى حين تحقيق هدف الحملة الأساسي، وهو إيقاف الحرب على غزة.

كما أوضح البيان أن المقصود بالإضراب الامتناع عن تناول الطعام والتجويع الذاتي، بوصفه شكلا من أشكال الاحتجاج السلمي والضغط باتجاه التأثير على الرأي العام العالمي، ولا يتضمن الامتناع عن شرب السوائل.

وقد جاء في نص البيان: يأتي هذا الفعل تعبيرا عن الشعور بالظلم، واستثمارا في هشاشتنا كقوة للمقاومة السلمية، والاحتجاج على الانتهاكات الإنسانية التي تطال سكان قطاع غزة. وهذا الأسلوب الذي تتبناه الحملة يتميز بأنه يكثف الشعور بإنسانيتنا ووعينا بمسؤوليتنا الإنسانية، ويتجاوز انقساماتنا واختلافاتنا الثقافية والفكرية، ويوحدها في حراك جمعي واحد.

“ماريون دونلوب”.. أول ناشطة بدأت الإضراب عن الطعام

في التاريخ العالمي للإضراب عن الطعام، كان من أشهر الإضرابات الأولى التي خاضها الإنسان للمطالبة بحقوقه، إضراب لنساء طالبن بحق اقتراع المرأة في مطلع القرن العشرين، عبر الإضراب عن الطعام في السجون البريطانية.

ماريون دنلوب من أقصى اليمين مع زميلاتها من أعضاء حركة التصويت للنساء

وتقول صحيفة العربي الجديد في تقرير لها إن الناشطة “ماريون دونلوب” أول من بدأ الإضراب عن الطعام في العام 1909. وقد أُطلق سراحها حينها، إذ إن السلطات البريطانية لم ترغب في إظهارها بمظهر الشهيدة، وحذت حذوها باقي المُطالبات بحق اقتراع المرأة في السجن، وبدأن الإضراب عن الطعام، مما دفع سلطات السجن إلى إخضاعهن للإطعام بالقوة، الأمر الذي صنفته المُضربات نوعا من أنواع التعذيب.

وقد توفيت “ماري كلارك” و”جين هيوارت” و”كاثرين فراي” وغيرهن، نتيجةً لما تعرضن له من إطعام قسري بالقوة. وفي العام 1913 تغير قانون الإفراج المؤقت بسبب اعتلال الصحة، وقد عُرف باسم “قانون القط والفأر”، إذ أبدى السجّانون تسامحا أكبر تجاه المضربين، بحيث يطلق سراحهم عند مرضهم، ويعادون للسجن عند تماثلهم للشفاء لإنهاء محكوميتهم.

سجون أيرلندا.. وسيلة سياسية للكفاح ضد بريطانيا

يتفق كثير من الدراسات أن الإيرلنديين من أشهر الشعوب استخداما للإضراب عن الطعام، واتخاذه وسيلةً سياسية، سواء في الاحتجاج الفردي أو السياسي الجماعي، اعتراضا على الوجود البريطاني الذي منع لوقت طويل قيام الجمهورية الأيرلندية، وسجن عددا من أعضاء المقاومة في السجون البريطانية، على أنهم من المخربين، وقد أعلنوا عدة إضرابات عن الطعام خلال سنوات نضالهم.

ويقول موقع إندبندنت عربية إن إيرلندا تُعد صاحبة التاريخ الأطول والأوسع في مجال الإضراب عن الطعام، وقد استخدم الجمهوريون الإيرلنديون هذه الطريقة منذ عام 1917، حين نفّذوا أول إضراب لهم، وقابله البريطانيون بالإطعام القسري، ووصل إلى ذروته بوفاة السجين السياسي “توماس آش”.

ويقول الموقع إنه في نهاية الحرب الأهلية الإيرلندية عام 1923 دخل نحو 8 آلاف سجين من الجيش الجمهوري الإيرلندي في إضراب عن الطعام، احتجاجا على استمرار اعتقالهم لدى دولة إيرلندا الحرة التي تأسست ضمن المعاهدة الإنجليزية الإيرلندية، وقد توفي شخصان أثناء الإضراب، مما أدى إلى إنهائه بشكل فوري قبل وقوع مزيد من الوفيات، ووافقت دولة إيرلندا الحرة على إطلاق سراح السجينات الإيرلنديات، واحتفظت بمعظم السجناء الذكور حتى العام التالي.

ولم يزل الإضراب عن الطعام وسيلة شعبية للمطالبة بالحقوق في إيرلندا، ولقي خلال هذه الإضرابات عدد منهم حتفهم في السجون، بسبب التعذيب، فضلا عن الجوع.

كوبا وتركيا.. امتناع عن الطعام حتى الموت في السجن

في حديثه حول تاريخ الإضراب عن الطعام في كوبا، يقول موقع إضاءات إن كوبا ظهرت على خريطة الإضرابات عام 1972، حين أعلن السياسي الشاعر “بيدرو لويس بوايتي” إضرابه، واستمر مدة 53 يوما على المياه فحسب، إلى أن توفي في نهاية المطاف.

ودخل “جوليرمو فاريناس” إضرابا عن الطعام لسبعة أشهر عام 2006 بسبب الرقابة المشددة على الإنترنت، وانتهى الإضراب بحصوله على جائزة الحرية الإلكترونية من منظمة “مراسلون بلا حدود”، لكن ترك الإضراب له إرثا ضخما من المشاكل الصحية.

hلمحامية “إيبرو تيمتك” التي توفيت في السجون التركية بعد إضراب عن الطعام استمر 238 يوما

كما دخل “خورخي لويس غارسيا” أيضا إضرابا عن الطعام عام 2009، برفقة زوجته “أيريس”، لدعم السجناء السياسيين، وفي عام 2010 أعلن “أورلاندو تامايو” إضرابه عن الطعام لمدة استمرت 83 يوما، ثم توفي بعدها. وكان قد بدأ إضرابه بسبب الأوضاع المتردية في السجون الكوبية، وسُجن بتهم ازدراء الدولة وعدم احترامها.

وبحسب موقع إضاءات، فإن أول إضراب في تركيا عن الطعام كان عام 1984، احتجاجا على الظروف القاسية لمعاملة المعتقلين، وكان أول ضحاياه أربعة هم عبد الله ميرا، وحيدر بسباق، وفاتح أوكتولموس، وحسن تيلسي.

ومنذ ذلك التاريخ والإضراب عن الطعام أمر معتاد في السجون التركية حتى وقت قريب عام 2020، حين توفيت المحامية “إيبرو تيمتك” (42 عاما) بعد إضراب عن الطعام استمر 238 يوما عن الطعام، وذلك في محاولة للمطالبة بمحاكمة عادلة بعد اتهامها بالانضمام لمنظمة إرهابية.

سجن نابلس.. شرارة الإضرابات الفلسطينية منذ عشرات السنين

يقول موقع وكالة “وفا” التابع للسلطة الوطنية الفلسطينية، إن أول تجربة فلسطينية لخوض الإضراب عن الطعام في السجون الإسرائيلية كانت بسجن نابلس في أوائل عام 1968، إذ خاض المعتقلون إضرابا عن الطعام استمر ثلاثة أيام، احتجاجا على سياسة الضرب والإذلال التي كانوا يتعرضون لها على أيدي الجنود الإسرائيليين، وللمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية والإنسانية.

الشيخ خضر عدنان الذي استشهد في سجون الاحتلال بعد إضرابه عن الطعام

ثم توالت بعد ذلك الإضرابات عن الطعام حتى وصلت في بعض الأحيان إلى استشهاد بعض المضربين، ففي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1970، استشهد عبد القادر أبو الفحم خلال إضراب سجن عسقلان، فكان بذلك أول شهداء هذا الأسلوب من المقاومة المدنية.

وفي 24 يوليو/تموز عام 1980 استشهد راسم حلاوة وعلي الجعفري خلال إضراب سجن نفحة، واستشهد محمود فريتخ في إضراب سجن جنيد عام 1984، كما استشهد حسين نمر عبيدات بتاريخ 14 أكتوبر/تشرين الأول عام 1992 في إضراب سجن عسقلان.

وتدريجيا تحول الإضراب من معارك جماعية إلى إضرابات فردية خاصة في العقدين الماضيين، وكان من أشهر المضربين خضر عدنان، ومحمد القيق، وأيمن اطبيش، وسامر العيساوي الذي وصل إضرابه عام 2013 إلى 265 يوما. وفي 2019 أضرب الأسير الفلسطيني ماهر الأخرس (49 عاما) عن الطعام لمدة 103 أيام، احتجاجا على اعتقاله، فأذعنت سلطات الاحتلال، وأفرجت عنه بعد أربعة شهور.

المهاتما غاندي.. الهندي الذي ألهم من بعده في الإضراب

يعد الهندي “المهاتما غاندي” من أشهر الشخصيات التي قضت حياتها في النضال السلمي، وكان أحد أشكاله الإضراب عن الطعام، وبحسب المعلومات المتاحة على المواقع الإلكترونية، فقد كان “غاندي” سجينا عدة مرات لدى الحكومة البريطانية، لكنها كرهت أن يموت وهو في رعايتها، كما رفض هو أن يستسلم قبل تحرير الهند، فشارك في عدد من أحداث الإضراب عن الطعام، وكان يرى أن الإضراب عن الطعام وسيلة غير عنيفة وفعالة، وتتماشى مع مبدأ “الساتياغراها” الذي تبناه، ويعني المقاومة غير العنيفة.

المهاتما غاندي من أشهر الشخصيات التي قضت حياتها في النضال السلمي

وقد تراوحت فترات الإضراب بين بضعة أيام وأسابيع عدة، احتجاجا على الحكم البريطاني في الهند وقانون الانتخاب، ومنع الطبقة الفقيرة من المشاركة في التصويت، وردع الناس عن القتال، وغيرها من الأسباب، وكان هذا السلم في توصيل رسالته -ولا سيما تشجيعه على التعايش بين الهندوس والمسلمين- سببا في قتله بالنهاية من قبل أحد المتطرفين.

ويبدو أن تجربة “غاندي” ونجاحه في تحقق مطالبه، وتحرير الهند وتحدي الاستعمار قد ألهمت المئات بعده، وكذلك بروز التجارب الإيرلندية والكوبية والفلسطينية كي يحذو الجيل الجديد حذوهم في المطالبة بالعدالة، وهو ما فعلته وحاكته مجموعة الشباب والشابات حول العالم حين أعلنت عن الإضراب عن الطعام حتى وقف العدوان على قطاع غزة.

 

المصادر:

إضاءات

وكالة وفا

اندبندت عربية

العربي الجديد


إعلان