“البحث عن السجان”.. سجين في غوانتانامو يدعو معذبيه لاحتساء الشاي

أن تُسجن وأنت موقن ببراءتك، فذلك كثيرا ما يحدث. أما أن يكون سجنك في أشهَر سجن سمع به العالم في القرن الـ21؛ سجن غوانتانامو، وأن تُتهم بتهم وقف لها العالم أجمع، وأن يطول سجنك نحو 14 عاما، فهذا يُضفي أبعادا أخرى على القصة. لكن أن تخرج من السجن وتسعى جاهدا لأن تدعو سجانيك لاحتساء الشاي معك، فهذا شيء عجاب وربما لم يحدث من قبل.
يتتبع فيلمُ “غوانتانامو.. البحث عن السجان” -الذي أنتجته قناة الجزيرة وبثته على شاشتها وشاشة الوثائقية- السجينَ السابق في معتقل غوانتانامو محمدو ولد صلاحي، حيث احتُجز دون توجيه تهمة واضحة له أو حتى محاكمته، بعد أن سلمته الحكومة الموريتانية للأمريكيين، وقد أُطلق سراحه في 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، بعد تبرئته من الحكومة الأمريكية رسميا، ليعود إلى نواكشوط في موريتانيا.
“جون غتز”.. صداقة مفترضة بين الصحفي والسجين
كانت هذه هي المرة الأولى التي يروي فيها أحد السجناء القصة من وجهة نظره، ويطرح روايته عن الأحداث الغريبة والمعقدة التي نقلته من ابن راع للإبل إلى حاصل على منحة دراسية مميزة في ألمانيا، ثم إلى زنزانات سجن غوانتانامو.

يقابل الصحفي “جون غتز” محمدو ولد صلاحي، ومع أنهما لم يلتقيا من قبل، فإن صداقة مفترضة جمعتهما، فقد بدأ الصحفي تحقيقه في قضية صلاحي قبل عدة سنوات من الإفراج عنه، ونقل عنه محاموه أنه تأثر إلى حد البكاء عندما قرأ مقال “غتز” في سجنه، ولذلك كان حريصا على مقابلته بعد أن أُفرج عنه.
وسريعا عرف “غتز” لماذا أراد صلاحي مقابلته، فهو لم ينتهِ بعد مما حدث له في غوانتانامو، ولديه خطة؛ ففي الصفحة الأخيرة من كتابه الذي خطه في غوانتانامو وحقق مبيعات عالية، دعا الرجال والنساء الذي أساؤوا معاملته إلى تناول الشاي في بيته.

هؤلاء الأشخاص كانوا ضمن وحدة خاصة تُسمى “فريق المشاريع الخاصة”، ويُسميّها الناقدون “فريق التعذيب”. وهو لا يعرف أسماءهم أو وجوه بعضهم، فلديهم أسماء مُشفّرة، وفي معظم الأحيان كانوا يضعون أقنعة.
لكن العثور عليهم لن يكون سهلا؛ فهوياتهم محمية من قِبل الحكومة الأمريكية. وقد حاول “غتز” الوصول إليهم بالبحث في الأوراق والوثائق المنشورة حول القضية، وكتب لكثير منهم، لكن لم يرد أحد منهم. ثم جاءت النجدة من هوليود، عندما أعلنوا عن فيلم مستوحى من كتاب صلاحي، وتبيّن أن الفيلم قد أغضب فريق “المشاريع الخاصة”.
“هذا الرجل يتميز بشخصية قوية”
بعد الإعلان عن الفيلم جاء أول تواصل من فريق “المشاريع الخاصة”، وهو رسالة نصية من شخص لعب دورا مهما في التعامل مع صلاحي، إنها امرأة تقيم في ولاية تكساس، وتركت الجيش منذ وقت طويل. اسمها “سِدني”، وكانت كبيرة المحللين في قضيته.

تقول “سِدني”: عندما سمعت أنه سينتج فيلم عنه، ثم رأيت وجهه المتعجرف، قلت في نفسي ما الذي يحدث؟ ثم عندما سمعت أنه قد يظهر في الفيلم، شعرت بحرارة في جسمي، وبضغط دمي يرتفع، وقلت في نفسي كيف نسمح لإرهابي معروف من تنظيم القاعدة بالظهور في فيلم يريدون الفوز من خلاله بجائزة الأوسكار؟
وتتحدث عن ذكاء صلاحي قائلة: هذا الرجل يتميز بشخصية قوية، صديق للجميع، ويسهل التعامل معه والتحدث إليه، وهو مراوغ جدا وعبقري للغاية، وهذا هو الشخص الذي أراده أسامة بن لادن تماما، وقد فعل ما أراده منه بن لادن حين وظّف ثلاثة من الخاطفين الأربعة، وهم زياد جراح ومحمد عطا ومروان الشيحي، لصالح القاعدة من أجل هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.
“رأيتُ أن قضيتهم عادلة”.. رحلة إلى أفغانستان
توجه صلاحي في بداية التسعينيات من ألمانيا إلى أفغانستان للانضمام إلى بن لادن، كما فعل شبان كثيرون في ذلك الوقت، منهم ابن عمه، لكن هل يجعله ذلك إرهابيا؟ ألم تكن الولايات المتحدة حينها تدعم هذه المجموعات ضد الحكومة الأفغانية المدعومة من السوفيات؟
عن هذه الفترة، يقول صلاحي: في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات لم تكن تشاهد على التلفاز سوى أخبار منحازة، مثل أن المجاهدين الأفغان كانوا أناسا طيبين أساء لهم السوفيات، فرأيت أن قضيتهم عادلة، لكنني عندما ذهبت إلى أفغانستان وجدت أن ذلك لم يكن صحيحا، فقد كانت هناك حرب أهلية، ولم يكن لي مكان فيها، لذا قطعت كل علاقاتي مع ذلك الفصل من حياتي وأغلقته، ولم أعد أقرأ المجلات ولا أتابع أي شيء، ولم يعد لي أي أصدقاء، لقد قطعت اتصالاتي مع كل معارفي هناك تماما.

بعدها بست سنوات كان صلاحي في بيته بألمانيا عندما رن جرس الهاتف، إنه ابن عمه يتصل من هاتف أسامة بن لادن، وبطبيعة الحال تنبهت كافة حواس وكالة الاستخبارات الأمريكية، وبدأت سلطات الأمن الألمانية تراقب صلاحي بطلب من الأمريكيين، وتستجوب أصدقاءه الألمان الذين ابتعدوا عنه لاحقا، وتغيّرت حياته وانهارت أحلامه.
عاد صلاحي إلى موريتانيا، وأثناء وجوده هناك تغير العالم، ففي 11 سبتمبر/ أيلول 2001 أصبح فجأة كل من ربطتهم علاقة سابقة بالقاعدة مشتبها بهم رئيسيين في عملية تحرٍّ عالمية.
“مستر إكس”.. رمز التعذيب الجسدي والذهني
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2001، أُلقي القبض على صلاحي، وسُلّم للأمريكيين، وانتهى به المطاف في غوانتانامو. وهناك كُلف المدعي العام “ستيوارت كاوتش” -الجمهوري المسيحي المتدين- بالتحقيق في القضية.
يقول “كاوتش”: صلاحي هو الشخص الذي اعتقدنا أن يديه هما الأكثر تلطخا بالدماء. كنا نرى أنه كان على صلة بالإعداد لهجوم 11 سبتمبر، وكنا نرى أنه مرشح ليحكم عليه بالإعدام. وإذا وجدوا دليلا كافيا لإدانته بمساعدة هؤلاء الخاطفين، وبكونه طرفا في مؤامرة 11 سبتمبر التي ذهب ضحيتها ثلاثة آلاف أمريكي -منهم أحد أصدقائي-، فلم أكن لأتردد في وضع حقنة الإعدام في ذراعه بنفسي.

ومن دون علم “كاوتش”، وضع فريق الاستجواب صلاحي في الحبس الانفرادي بزنزانة صغيرة لا نوافذ لها، وخضع للاستجواب دون انقطاع ليل نهار. يقول في كتابه: كانت الفترة الأسوأ هي المناوبة الليلية، إذ كانت من نصيب شخص ضخم يضع قناعا ونظارات شمسية.. “مستر إكس”.
وعن “مستر إكس” يقول صلاحي: كان يتجاهلني تماما، كل ليلة يُركّعني ويقيدني على أرضية جرداء، وكان يستخدم كشافات متحركة، كانت عيناي بسببها تؤلمانني جدا، كما كان يُشغّل موسيقى صاخبة جدا طوال الليل، ذات مرة جردني من ملابسي، وأراني صورا للقوة الهائلة للولايات المتحدة، كان ينثرها في أرجاء المكان وعلى الأرض، كما كان يفعل أشياء سخيفة؛ كان يسمعني النشيد الوطني الأمريكي طوال الليل، لا أدري لماذا، لدرجة أني حفظته.

وهنا يقول المدعي العام “ستيوارت كاوتش” إن صلاحي أصبح مختلا بعد تعرضه لتلك المعاملة طوال تلك المدة، فقد انفصل عن الواقع، وهذا “تعذيب ذهني” وهو مذكور في معاهدة الأمم المتحدة ضد التعذيب، مشيرا إلى أن ما حدث لسجناء غوانتانامو أيقظه، “فما تفعله وحدة المشاريع الخاصة لن يكون في صالح قضايانا”.
“عشتُ مع تلك الحقيقة البشعة”.. أرق السجان
بمزيد من البحث، يصل الصحفي “جون غتز” إلى صور “مستر إكس” في الملفات الألمانية، ويريها لـصلاحي فيتفاجأ به، فعلى طول مكثه في غوانتانامو لم ير وجهه من قبل، بل يقول: لم يكن يحتاج أن يقيّدني، فقد كان يستطيع ضربي دون قيود، ثم إنني كنت محروما من الطعام، وكنت ضعيفا جدا، ولم يكن بوسعي فعل شيء، فقد ظل يضربني على ضلوعي حتى كسرها، وكاد يقتلني مرتين.
ومع كل هذه الذكريات والآلام المريرة، يؤكد صلاحي أنه سيدعو “مستر إكس” إلى بيته، وسيعتني به كما يعتني بأي ضيف.

وعلى الجانب الآخر، تفتح “سِدني” صندوق ذكرياتها للصحفي “غتز” بما فيه من صور، وبعضها للجنرال “ميلر”؛ رئيسها المباشر ومدير غوانتانامو، ولاحقا مسؤول سجن “أبو غريب” في العراق.
رأت “سِدني” أن صلاحي راوغ فريق الاستجواب بسهولة، لذا عملت مع قيادة السجن على وضع إستراتيجية جديدة، وتؤكد أن إستراتيجياتها في استجواب المعتقلين كانت تحظى بموافقة مباشرة من وزير الدفاع الأمريكي آنذاك “دونالد رامسفيلد”. تقول “سِدني”: أخبرتُهم بأن عليكم أن تعزلوه وأن تحرموه من هواياته، من رغبته في التواصل وفي الكلام عن أي شيء.
لكن، من الذي نفذ خطة الاستجواب الخاص؟ إنه المحقق الذي كان صلاحي يخشاه أكثر من غيره؛ “مستر إكس”. وبعد محاولات عدة للاتصال به، استطاع الصحفي الوصول إليه، بعد أن ترك القوات المسلحة.

وبسؤاله عن صلاحي، قال: كان يرتعب تماما، لقد فعلتُ هذا كثيرا في العراق وفي أفغانستان عدة مرات، وكان صلاحي أكثر شخص يبدو عليه الرعب طيلة مسيرتي المهنية، وعلامات ذلك تبدو في التنفس السريع والارتجاف، لكنه لم يكن يبكي، مع أنه كان يحس أنه على وشك أن يُقتل.
ويعرض “مستر إكس” صورة رسمها لصلاحي ولا تغادر مخيلته، ويقول: كان أنفه يدمي، وشفته مشققة وارمة يسيل منها الدم، وكانت إحدى عينيه وارمة، ويضع نظارات واقية، وقد عشت مع تلك الحقيقة البشعة، وأرقتني 17 عاما.
إذن هل كنت تقوم بالتعذيب؟ بعد لحظات صمت، يجيب “مستر إكس”: نعم إنه تعذيب.
“كان يتلاعب بمن يحققون معه”
على الناحية الأخرى، يقول صلاحي: عندما عرفت أن العدالة ليست قريبة وضعت أمرها جانبا، وقلت لا وجود للعدالة، فما الذي يبقى؟ أهو الانتقام؟ لكن ما هو الانتقام؟ هل أقتله؟ هل أذيقه الألم نفسه؟ ذلك أمر تافه، إذن فأفضل انتقام بالنسبة لي هو أن أعرف كيف أستعيد السيطرة، وقلت في نفسي: هذا رائع.. شعور رائع.
يشير “مستر إكس” إلى قائد مجموعة “المشاريع الخاصة” الذي تولى المهمة، ووضع نصب عينيه تحطيم صلاحي؛ إنه “ريتشارد زولي”، وهو محقق جرائم قتْل بشيكاغو.

يتحدث المحقق “زولي” عن صلاحي قائلا: كان بارعا، قد تحتوي الكلمة على شيء من المبالغة، لكنه شاب حاد الذكاء ومحبوب، وكان يتلاعب بمن يحققون معه، فقد كان يتكلم لكن لا يقول شيئا مهما.
وهنا يقول المدعي العام المكلف بالقضية “ستيوارت كاوتش”، إن صلاحي لم يكشف عن أي معلومة حتى منتصف عام 2003، فما الذي جعله يبدأ بالبوح بمعلومات؟ كما أن أهمية المعلومات التي كشف عنها وكثافتها قد اختلفت اختلافا كبيرا.
“قررنا القبض على والدتك”.. بلطجة تقلب الأمور
يقول “مستر إكس” إن فريقه كتب رسالة على ورق لوزارة الخارجية، ذكروا فيها أنهم حصلوا على ترخيص، بتحديد مواقع أفراد عائلة صلاحي واعتقالهم، وقد سمحوا له بقراءتها، وتقول: “نظرا لعدم تعاونك، قررنا القبض على والدتك، وأن نضعها في سجن الرجال”.
ويحكي المحقق “ريتشارد زولي” أن الرسالة كانت واضحة بالنسبة لصلاحي؛ فهي توحي بأن والدته ستتعرض للاعتداء.

يقول “زولي” إنه كان سعيدا باستجابة صلاحي وتقديم ما يريدونه منه، ويصف حالة صلاحي آنذاك قائلا: بينما كان يقرأ الرسالة، رأيت الدموع تنهمر من عينيه حتى أغرقت وجهه. لقد اختار أن يؤولها بالطريقة التي أرادها، فمن سيمتنع عن الكلام ستتعرض والدته للاغتصاب، ولو كنت مكانه لقلت لك ما تريد.
وفيما يبدو محاولة تأنيب ضمير متأخرة، يقول المدعي العام “ستيوارت كاوتش”: نحن أمريكيون، ومع ذلك نُهدد عائلة أحدهم، إذا لم يعطنا معلومة نريدها. أي بلطجة هذه؟
وبعد كسر مقاومته، أقر صلاحي بالرواية التي يرغب “زولي” وفريقه بسماعها، لكن بعد استخدامهم أساليب استنطاق خاصة، فهل ستقبل المحكمة بالاعتراف فعلا؟
جهاز كشف الكذب.. آخر وسائل الدفاع أمام المحكمة
يقول المدعي العام “ستيوارت كاوتش” إن هناك انتهاكات للقانون الدولي وللقانون الموحد للقضاء العسكري، وللقانون الأمريكي المحلي. وعندما احتاج فريق الاستجواب إثبات صدق الاعترافات، قرروا استخدام جهاز كشف الكذب، وكانت تلك نقطة تحول.
يقول صلاحي: من المفارقات في القضية أنه عندما كان يعذبني قلت سأعترف بكل شيء، فقال عليك أن تكتب اعترافك، فهو إذن يريد قضية حاسمة ضدي، وهو ما منحته إياه. فقال هذا هو اعترافه المكتوب والموقع، فقالوا لا، نريد أن نتأكد مما إذا كانت هذه هي الحقيقة، لأن ما تقوله لا يتفق مع ما لدى أجهزة الاستخبارات، ثم اتفقوا على إجراء اختبار لكشف الكذب.

كان اختبار كشف الكذب فرصته الوحيدة لشن هجوم مضاد، ولسرد الحقيقة التي يعرفها، والرواية المضادة لكل ما أُكره على الاعتراف به، وترك القرار لجهاز كشف الكذب، وكانت النتيجة أن ما قاله متوافق مع التقارير الاستخباراتية.
لكن قائد فريق التحقيق “ريتشارد زولي”، يرى أن جهاز كشف الكذب ليس سوى أداة، وليس حكما قطعيا. ويبرر ما فعلوه مع صلاحي بالقول: مهمتنا هي الحصول على معلومات استخباراتية، من شأنها أن توقف هجوما آخر.
وأخيرا نظر قاض فيدرالي في أدلة تجنيد صلاحي لمنفذي هجوم 11 سبتمبر، فلم يجد إثباتا، فأمر بإطلاق سراحه.
“كان يجب أن يعاقب بالإعدام”
بقدر ما أسعد صلاحي وعائلته إطلاق سراحه، فإنه أزعج “سِدني”، إذ تقول: عندما علمت بما يحدث كان عليّ أن أتنحى، فقد كان هذا أكثر مما يمكن أن يتحمله عقلي، لقد كان هذا صعبا علي، وما زال، لكنني أعزي نفسي بأنه -على الأقل- قضى في السجن 14 عاما، لكن أكان كافيا؟ أبدا، مطلقا، ففي رأيي الشخصي كان يجب أن يعاقب بالإعدام.
لكن الله أراد لصلاحي شيئا آخر، فلم يُعدم، بل أُطلق سراحه، وعاد للاستمتاع بحريته، والتفكير في المستقبل، وبناء حياة جديدة. إنه يحاول الحصول على تأشيرة لألمانيا، فهو متزوج من محامية أمريكية تقيم وتعمل في برلين في مجال حقوق الإنسان، لكن وزارة الداخلية الألمانية ترى أنه ما يزال يشكل تهديدا لأمن ألمانيا، ومع ذلك فإنه لا يستسلم.

وأثناء تصوير هذا الفيلم، رُزق صلاحي وزوجته ابنا، مما جعله أكثر إصرارا على الذهاب إلى برلين، ليبدأ العمل مدرب حياة. لكن هل يتمكن من تخطي ماضيه في سجن غوانتانامو؟
سؤال يجيب عنه “مستر إكس” بقوله: أرى أن السيد صلاحي قد أحسن صنعا في تقديم نفسه بصورة جديدة، تتلاءم مع هويته الفردية، وأشعر أن أي فرصة للتواصل معي ستكون في صالحه، من جانب إظهار نفسه شخصا شهما ومتسامحا.
المواجهة الأخيرة.. حديث مباشر مع السجانين
في نهاية المطاف، استطاع الصحفي “جون غتز” جمع صلاحي بكبيرة المحللين في قضيته “سِدني”، وبـ”مستر إكس”، في اتصالين مرئيين. ويُبدي صلاحي سعادته بالحديث معهما، أما “مستر إكس” فيقول له: أردت أن أوضح لك بعض الأمور، لقد صدمت حين علمت أنك تظن أنني واحد ممن ألحقوا بك ضررا جسديا، وهذا غير صحيح.

أما “سِدني”، فتتوجه بالسؤال إليه: “هل ترى أن الناس سيساندونك إذا علموا أنك من جَنّد الخاطفين؟
فينفي ذلك قائلا: لم أكن لأساند نفسي لو أنني جندت الخاطفين، فلم أكن أبدا عدوا لبلدك، ولم أؤذ أي شخص من بلدك، بل إنني لم أؤذ أحدا على الإطلاق، ولم أتآمر أبدا مع أحد، ولكِ الحق في تصديق ما شئتِ، لكنني اليوم سعيد جدا بلقائك ورؤيتك سعيدة، فلست مضطرا اليوم للإجابة على أي سؤال، وأستطيع أن أقول في أي دقيقة: وداعا.
ويعود “مستر إكس” ليبدي ندمه على ما وقع لصلاحي قائلا: لا أحد يستحق المعاملة التي تلقيتها، فلقد ضُلِّلنا، وما فعلناه كان بلا شك خطأ تماما، وسيكون عليّ أن أواجه هذا العار، ولست فخورا بما فعلته.
وفي المقابل، فإن “سِدني” تقول لصلاحي: في عام 2006، كنت كأنك ترأس سجن غوانتانامو، فلديك حديقة وتلعب الشطرنج.
يجيبها صلاحي: لا، فلم أكن أستطيع الاتصال بأسرتي ولا العودة إلى بلدي، فقد كنت خائفا، وأنت مخطئة تماما، فالخوف لم يفارقني يوما إلى أن وطئت قدماي أرض بلدي، إنه الخوف من المجهول، من العشوائية، من اعتقال غير محدود المدة.

وتعود “سِدني” لمخاطبة صلاحي: يظنون أنك بريء، لكن المعلومات التي كانت أمامهم -إذا أرادوا رؤيتها- تشير بوضوح إلى عكس ذلك.
أما “مستر إكس” فيصف كيف عاش 3 أسابيع في اضطراب ذهني، فيقول: شعرت بأنني منفصل عن جسدي، ولم أعد أشعر بجسدي حرفيا، وعاطفيا لم أكن قادرا على التماسك، وكنت في أوقات متفرقة أنهار نفسيا دون سبب ظاهر، وبدأت أبتعد عن عائلتي إلى أن شعرت الزوجة آنذاك بأن شيئا ما يحدث، ولا أريد أن أخوض في التفاصيل، لكن ذلك جعلني أرغب في إيذاء نفسي أو ربما في قتل نفسي.
ويختم “محمدو ولد صلاحي” بهذه الحكاية: كان صاحب رسول الله ﷺ في أحد أسفاره، فمر بأناس يُعذّبون. فقال فيمَ يعذب هؤلاء؟ فإني أشهد أني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا.