المغرب والجزائر.. سد الوحدة الذي وقف في وجه الكوارث وجيوش الاحتلال

أصبحت الخلافات الطارئة على العلاقات المغربية الجزائرية، والتي تسببت في قطع شريان التواصل البري بين الشعبين منذ قرابة ثلاثة عقود؛ تحجب تاريخا طويلا من الأخوة والنضال المشترك في مواجهة الاحتلال الفرنسي للمنطقة.

فمنذ هجومها العسكري المباشر على السواحل المغاربية لاحتلال الجزائر بداية القرن الـ19، ثم بسط سيطرتها تدريجيا على المنطقة؛ قاوم المغاربة والجزائريون جنبا إلى جنب وتبادلا الدعم والمساندة بعد سقوطهما تحت الاحتلال، وقاوما معا إلى أن حصلا على استقلالهما منتصف القرن العشرين.

أخوة يختلط فيها الإنساني بالاجتماعي والديني بالسياسي، فقد خاض الشعبان المغربي والجزائري طيلة قرن ونصف معركة واحدة لجأ خلالها بعضهم إلى بعض، وكسرا مخططات الوقيعة وإحداث القطيعة، وعبرا نحو الاستقلال والحرية بتطلّع واضح نحو مستقبل وحدوي مشرق.

كما جرت محاولات متكررة من جانب النخبة والطلبة والعلماء لبناء مشروع تحرر موحد لشعوب المغرب العربي، وكانت هذه القوى القُطرية تتعاون وتنسق عملها في عواصم العالم، سواء العواصم الأوروبية أو العاصمة المصرية القاهرة أو الأستانة (تركيا)، كما كان مشروع الوحدة هذا حاضرا في أدبيات جل التنظيمات السياسية في أقطار المغرب العربي في النصف الأول من القرن العشرين.[1]

كوارث الطبيعة والغزو وطلب الرزق.. هجرات الجزائر

قبل أن تتخذ الصلات المغربية الجزائرية طابعا سياسيا ومقاوما للاحتلال الأجنبي، شهدت المنطقة حركة مكثفة للإنسان ربطت بين أراضي البلدين، فقد كانت الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والوبائية والكوارث الطبيعية، تحمل مجموعات من هذا الجانب أو الآخر على اللجوء إلى أراضي البلد الجار، طلبا للأمن والاستقرار.

ولا تخفى على الدارسين لتاريخ وجغرافية المنطقة الآثار الواضحة للهجرات البشرية، خاصة بين الغرب الجزائري ومنطقة الريف المغربية وبعض العواصم التاريخية مثل تلمسان وفاس. وغالبا ما كانت هذه الهجرات ترتبط بحالات الأزمات، من تعرض للهجوم الخارجي، أو حدوث كوارث طبيعية مثل الجفاف والأوبئة.

وتوثق الدراسات التاريخية حركة هجرة مكثفة حدثت بين منطقة الريف[2] شمال المغرب وبين الغرب الجزائري، خاصة في النصف الثاني من القرن الـ19 وبداية القرن العشرين. ويعتبر الدارسون الهجرة المغربية نحو الغرب الجزائري واحدة من الحركات السكانية الجديرة بالاهتمام في تاريخ الهجرات المتوسطية المعاصرة.

قوارب الريفيين المغاربة تزود السوق الجزائري بالحبوب واللوز والعسل والصوف والخشب

كانت هجرة مغاربة الريف إلى الغرب الجزائري من النوع الموسمي، إذ كان المهاجر يقضي نصف السنة في المهجر (مشتغلا بالفلاحة)، ثم يعود ليقضي النصف الثاني في موطنه الأصلي، وحين يتمكن المهاجر من ضمان عمل دائم وشروط الاستقرار، يدعو أسرته للالتحاق به في الجزائر، مما أدى إلى تيار هجرة نشيطة، خاصة بعد سقوط الشمال المغربي تحت السيطرة الإسبانية وتعرض السكان لصنوف من الاعتداءات.

ففي مقابل فقر منطقة الريف من ناحية الثروات والأنشطة الاقتصادية، كانت السواعد البشرية أهم ثروة توفرت للمنطقة،[3] في الوقت الذي غيّرت فيه السيطرة الفرنسية على الجزائر واقع التوازن الاقتصادي بالمنطقة، فأصبح المجال الجزائري مركزا، بينما أضحى المغرب وتونس هامشا، مما سبّب تيارا مهما للهجرة نحو الجزائر من أجل العمل، خاصة أثناء موسم الحصاد أو فترة جني العنب.[4]

كانت قوارب الريفيين المغاربة تزود السوق الجزائري بالحبوب واللوز والعسل والصوف والخشب وغيرها من المنتوجات عبر ميناء وهران، فقد كان الميناء الوحيد الذي يسمح برسو القوارب الريفية دون وثائق ولا رسوم، مستفيدين من تساهل الفرنسيين الذين كانوا هم أيضا بحاجة إلى تلك السلع، مثلما كانوا بحاجة إلى اليد العاملة المغربية.

توطدت العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين الشمال المغربي والغرب الجزائري، رغم وقوع المغرب تحت السيطرة الاستعمارية، ورغم احتلال الإسبان للثغور المتوسطية للمغرب (قبل فرض الحماية على المغرب رسميا)، فقد ظل الريفيون يتحركون بحرية على طول الساحل المتوسطي من وهران إلى جبل طارق، فكانت قواربهم تؤمّن احتياجاتهم الاقتصادية، وتحمل المهاجرين إلى الجزائر، وهو ما لم تستسغه إسبانيا، إذ لم تتردد في مهاجمة القوارب الريفية.[5]

مدائن المغرب.. ملاذ الهاربين من نار الاستعمار

في مقابل الهجرات المغربية نحو الجزائر، ترصد الدراسات التاريخية هجرات جزائرية مبكرة نحو المغرب، أي قبل الهجوم الفرنسي، وذلك في إطار الثورات التي كان الجزائريون يقومون بها ضد ممثلي الحكم العثماني في البلاد. وهمّت هذه الهجرات بالخصوص جزائريي منطقة الغرب ومنطقة توات.[6]

لكن حركة الهجرة تكثفت من الجزائر نحو الأراضي المغربية بعد دخول الاحتلال الفرنسي إلى المنطقة، وهمّت بشكل خاص أنصار الزعيم والمقاوم عبد القادر الجزائري أثناء لجوئه إلى المغرب، ويتحدر جل هؤلاء من مناطق معسكر وتلمسان والجزائر العاصمة ووهران والبليدة ومليانة. وكان القصد في البداية الهجرة المؤقتة في انتظار دحر الاستعمار، لكن جل هؤلاء استقروا بشكل دائم في المغرب، بعدما طال مكوث الاحتلال الفرنسي في بلادهم.[7]

ومن أسباب الهجرات الجزائرية نحو المغرب ما كان يقدم عليه الاحتلال الفرنسي من قتل وإبادة وتعذيب ونهب في صفوف الجزائريين، فقد كان الجيش الفرنسي يقدم على مذابح بشعة كلما زحف أكثر داخل الأراضي الجزائرية،[8] إلى جانب السياسة الاستيطانية التي نهجتها فرنسا، فهي قائمة على طرد الجزائريين وتثبيت الفرنسيين الباحثين عن فرص للشغل والإثراء بدلا منهم.[9]

ولم تقتصر الهجرة الجزائرية نحو المغرب على المهددين بالطرد والقتل والإبادة، بل شملت أيضا بعض الأسر الغنية والعلماء، ممن يبحثون عن الاستقرار والظروف الملائمة لممارسة الأنشطة التجارية والثقافية المعتادة.[10]

وقد تركزت الهجرات الجزائرية نحو المغرب خلال فترة الاحتلال الفرنسي في عدد من المدن، أبرزها مدينة وجدة الواقعة على الحدود المغربية-الجزائرية، ثم مدينة تطوان شمال المغرب ومدينة فاس. وقد أولت السلطات المغربية عناية خاصة بهؤلاء المهاجرين، فكان العلماء والقضاة منهم يحصلون على مناصب ومرتبات، بينما كان عموم المهاجرين يحصلون على مساعدات وفرص للاندماج الاجتماعي، ولم يكن هؤلاء المهاجرون يشعرون بأي تمييز أو غربة في ضيافة المغاربة، بل إن بعضهم اندمج في صفوف الجيش المغربي.[11]

الأمير عبد القادر.. حماية قائد تفتح على المغرب النار

كان احتلال الجزائر العاصمة من طرف الجيش الفرنسي في صيف 1830، وقد خلّف وقعا أليما في نفوس المغاربة، فقد نظروا إليه من زاوية كونه احتلال غير المسلمين لأرض إسلامية. كما كان موقف السلطان المغربي وقتها مولاي عبد الرحمن مؤيدا للموقف الشعبي، لما ينطوي عليه الوجود الفرنسي في الحدود الشرقية للمغرب من خطر، وهو ما دفعه إلى دعوة رعاياه إلى التعبئة الشاملة وتقديم كل أنواع الدعم والمساندة للجزائريين.[12]

الأمير عبد القادر الجزائري يلجأ إلى مراكش وفيها يستأنف المقاومة

بل إن سكان المنطقة الغربية من الجزائر قبل أن يشملهم الاحتلال العسكري الفرنسي المباشر، بادروا إلى إرسال بيعتهم للسلطان المغربي، كي تشملهم حمايته ويدخلوا تحت سيادته. وبعد اعتراض غالبية علماء فاس على هذه البيعة لاعتبارهم أن من بادروا إليه يرتبطون أصلا ببيعة تجاه السلطان العثماني، أعلن سكان الغرب الجزائري خروجهم من البيعة العثمانية السابقة والتحاقهم بالسلطان المغربي، وهو ما دفع مولاي عبد الرحمن إلى قبول البيعة وتعيين خليفة له في تلمسان، وهو ما جرّ على المغرب تهديدات فرنسية صريحة.[13]

وبعد تطورات ميدانية تتمثل أساسا في تزايد الضغوط الفرنسية على المغرب وبروز مقاومة شعبية بقيادة الأمير عبد القادر في الغرب الجزائري، انعقدت البيعة للأمير بينما أصبح دور المغرب هو تقديم الدعم والمساندة، مما مكّن السلطان المغربي من القيام بواجبه الديني تجاه “المجاهدين”، وفي الوقت نفسه تخفيف التبعات السياسية لانخراطه في المواجهة المباشرة ضد فرنسا.

ورغم هزيمة الأمير عبد القادر في معركة الزمالة في مايو/ أيار 1842، وما عرضته عليه فرنسا من مرتب مالي مغر ولجوء آمن في الأستانة، فإن الأمير فضل اللجوء إلى مراكش، حيث أعاد الاستعداد مجددا لاستئناف المقاومة.[14]

السلطان المغربي المنفي محمد الخامس يعود إلى عرشه في أكتوبر/تشرين أول 1955

استضاف المغرب الأمير عبد القادر رغم ملاحقة فرنسا له، ورفض السلطان المغربي طلبات فرنسا المتكررة بإخراجه، مما دفع الجيش الفرنسي لشن هجوم مباشر على المغرب أدى إلى هزيمة وادي إيسلي الشهيرة عام 1844، وقد كبّدت المغرب خسارة باهظة تتمثل في احتلال مدينة وجدة وتوجيه الأسطول الفرنسي ضربات عدوانية على موانئ حيوية للمغرب بطنجة والصويرة، فقبل المغرب الإذعان لإملاءات فرنسا في اتفاقية طنجة (12 سبتمبر/ أيلول 1844) التي ألزمت المغرب بعدم تقديم أي دعم للجزائريين، ثم اتفاقية للا مغنية لاحقا (18 مارس/آذار 1845)، مما كبّل أيدي السلطان المغربي وعرّض علاقاته بالأمير عبد القادر للتوتر.

توحيد الجهود.. سواعد تتحدى الحدود وتواجه المحتل

لم يكن سقوطُ المغرب تحت الوصاية الفرنسية -بناء على معاهدة الحماية لسنة 1912- نهايةً للمقاومة المشتركة للغزو الأجنبي. بل إنه بعدما تبين للمهاجرين الجزائريين المقيمين في المغرب أن الاحتلال الفرنسي لبلادهم سيطول، وأن الدور آت على باقي الأقطار المغاربية تونس والمغرب؛ تزايد نشاطهم السياسي وتوالت تحركاتهم الرامية إلى المساهمة في جهود استرجاع الأرض وطرد المستعمر. وتأثر الجزائريون المقيمون في المغرب حينها بأفكار التحرر والدفاع عن الهوية العربية الإسلامية، من قبيل ما كان ينشره شكيب أرسلان وجمعية طلبة شمال أفريقيا وجريدة “الأمة” التي كانت تدعو إلى التضامن بين الشعوب المغاربية.[15][16]

كما ظهر عدد من الجمعيات والتنظيمات الخاصة بالمهاجرين الجزائريين، ولم يقتصر نشاط هذه الهيئات على الدفاع عن مصالح وحقوق هذه الفئة من المقيمين في المغرب، بل كان نشاطها يمتد ليشمل المشاركة في أنشطة وتحركات التنظيمات السياسية المغربية للاحتفال بالمناسبات الوطنية والتصدي للسياسات الاستعمارية لفرنسا. وقد توطد التنسيق السياسي بين الشعبين، خاصة بين حزبي “الشعب” الجزائري و”الاستقلال” المغربي، وتزايد هذا النشاط بشكل خاص مع موجة الهجرة الجديدة التي حدثت بين الحربين العالميتين، بسبب قساوة الظروف الاجتماعية التي عاشتها الجزائر.

ارتفعت وتيرة التنسيق المغاربية بعد الحرب العالمية الثانية، وتشكل حلف ثلاثي ضم حزب الاستقلال المغربي وحزب الشعب الجزائري وحزب الدستور الجديد التونسي. واتفقت الأطراف الثلاثة على توحيد المعركة ضد فرنسا، ورفض أي تفاوض منفرد لأي قطر مع الاحتلال، وشكل مكتب المغرب العربي الذي تأسس في القاهرة تجسيدا لهذه الوحدة.[17]

وفي الجانب الآخر، برزت منابر وأقلام جزائرية مساندة للنضال المغربي، كما كان الحال مع جريدة “المنار” التي كانت تنشط في بداية الخمسينيات، فكانت تنشر خطب ومواقف السلطان محمد الخامس، مما عرضها للحظر والمنع من النشر في المغرب من طرف السلطات الفرنسية. كما برزت صحيفة “البصائر” كواحد من المنابر الجزائرية الداعمة للنضال المغربي.[18]

عبد الكريم الخطابي.. قائد وحّد الأقطار في معسكرات القاهرة

دخل العمل المغاربي الموحد مرحلة جديدة سنة 1947 مع تأسيس مكتب المغرب العربي بالعاصمة المصرية القاهرة في مؤتمر المغرب العربي الذي عقد في فبراير/شباط من تلك السنة، وكان من بين أهم قرارات المؤتمر التنسيق بين الأقطار المغاربية الثلاثة (تونس والجزائر والمغرب) في نضالها ضد الاحتلالين الفرنسي والإسباني، ومساندة بعضها في المستويات الإقليمية والدولية.[19]

وأسهم وصول الخطابي إلى القاهرة في منح العمل المغاربي الموحد زخما جديدا، فقد كان صيته العالمي والاحترام الكبير الذي يتمتع به فعالا في تذويب الخلافات وتوحيد العمل، وكانت الإضافة الكبرى للخطابي هي الانعطافة المتمثلة في استحضار المقاومة المسلحة بدل الاقتصار على الطرق السلمية.[20]

عبد الكريم الخطابي يتوسط أعضاء مكتب المغرب العربي بعد تأسيسه في القاهرة سنة 1947

أشرف الخطابي بنفسه على تدريبات عسكرية في معسكر وضعته السلطات المصرية رهن إشارته، وكان المستفيدون من التدريب يعودون إلى مناطقهم الأصلية في المغرب العربي لتحضير العمليات والتخطيط، وكان من بينهم هواري بومدين الذي سيصبح رئيسا للجزائر في وقت لاحق.

كما وفد على الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي قادة ميدانيون مغاربيون ابتداء من 1952، من بينهم أحمد بن بلة من الجزائر، بينما برز العزم على حمل السلاح ضد الاستعمار بدل التعويل على المفاوضات في العام 1953، حين أقدمت فرنسا على نفي السلطان محمد الخامس (المتحالف مع الوطنيين)، وتعويضه بسلطان صوري من بني قرابته. وكانت العقبة الكبرى أمام هذا الطموح هي كيفية الحصول على السلاح.[21]

كما تعيد بعض المصادر أولى محاولات توحيد الكفاح المغاربي المسلح أواسط الخمسينيات إلى الأيام الأولى لاندلاع الثورة الجزائرية، حين بحث الزعيم الجزائري أحمد بن بلة ونظيره المغربي علال الفاسي في العاصمة المصرية القاهرة سبل تنسيق مقاومة الشعبين وتفجير انتفاضة مشتركة في الذكرى الأولى لنفي السلطان محمد الخامس، أي أغسطس/ آب 1954، ثم طرح تاريخ الفاتح من نوفمبر/تشرين الثاني، لكن الافتقاد إلى السلاح وغياب الجاهزية حال دون ذلك.[22]

وفي ذكرى مرور سنتين على عزل ونفي السلطان الشرعي للمغرب، محمد الخامس، (20 أغسطس/ آب 1955)، كانت ضواحي مدينة سكيكدة الجزائرية مسرحا لثورة شعبية عارمة، تعبيرا عن التضامن بين الشعبين.

جيش تحرير المغرب العربي.. ضربات توجع الغازي وتعيد السلطان

نُفذت عمليات بداية أكتوبر/تشرين أول 1955 المسلحة ضد القوات الفرنسية شمال المغرب بتنسيق مغاربي مشترك، فكانت فاتحة خير على النضال المغاربي ضد الاستعمار الفرنسي، فلم تمر إلا 45 يوما على تلك الأحداث حتى كان السلطان المغربي المنفي محمد الخامس قد عاد إلى عرشه، حاملا بشائر التخلص من قيود معاهدة الحماية الفرنسية، ومعلنا الانتقال من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، أي من المقاومة والنضال ضد الاستعمار إلى السعي للنهوض والترقي.[23]

فمباشرة بعد اشتعال شرارة المقاومة المسلحة، بادر الزعيم الوطني المغربي علال الفاسي إلى نشر بلاغ عبر إذاعة “صوت العرب” التي تبث من القاهرة، أعلن فيه تكوين قيادة موحدة للحركتين المقاومتين في المغرب والجزائر، “تتولى الإشراف على حركة التحرير في كلا القطرين، وسينضوي جميع أفرادها في جيش يسمى جيش تحرير المغرب العربي”.[24]

الزعيم الوطني المغربي علال الفاسي

وتوصف عملية 2 أكتوبر/تشرين الأول 1955 بالملحمة المنسية ولحظة الولادة الميدانية لجيش التحرير المغربي. فبشكل منسق ومفاجئ ومتزامن هاجم ما يناهز ألف مقاوم مسلح مراكز تابعة لسلطات الاحتلال الفرنسية في المنطقة الحدودية مع منطقة النفوذ الإسباني شمال المغرب الواقعة بين مدن تازة والحسيمة وبركان، مما تطلب إرسال قوات عسكرية فرنسية مكونة من جنود سنغاليين ومظليين، وتحركت القوات الجوية لقصف المناطق الثائرة.[25]

استمرت المعارك ما لا يقل عن 45 يوما، أي من 2 أكتوبر/ تشرين الأول إلى غاية منتصف شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، تاريخ الإعلان عن عودة السلطان محمد الخامس من المنفى، بل إن بعض العمليات تواصل إلى غاية مستهل شهر ديسمبر/ كانون الأول، لتكون الحصيلة النهائية لتلك العمليات حوالي 101 قتيل و173 جريحا في صفوف القوات الفرنسية.[26]

وبشكل متزامن مع هجمات “مثلث الموت” شمال المغرب، نفّذت المقاومة الجزائرية عمليات مماثلة في منطقة وهران غرب البلاد، وخاصة منطقة تلمسان المحاذية للحدود مع المغرب، تعبيرا عن وحدة المعركة وارتباط الشعوب المغاربية بعضها ببعض، تماما مثلما كانت الذكرى الأولى لنفي السلطان المغربي محمد الخامس، في 20 أغسطس/ آب 1954، مناسبة لعمليات دامية للثوار الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي.[27]

“أن تكون لنا في الحدود المغربية ممرات صديقة”

مع حصول المغرب على استقلاله، انتقلت قيادة المنطقة الخامسة لجيش التحرير الوطني الجزائري من الأراضي الجزائرية إلى شرق المغرب، حيث استقرت هناك بموافقة ودعم من السلطات المغربية.[28]

وكان أول لقاء بين قادة جبهة التحرير الجزائرية والسلطان المغربي محمد الخامس، مباشرة بعد استقلال المغرب، وتحديدا في شهر أبريل/ نيسان 1956 (حصل المغرب على استقلاله عن فرنسا رسميا في 2 مارس/ آذار 1956).

جرى اللقاء في مدينة إشبيلية الإسبانية على هامش توقيع اتفاقية إنهاء الحماية الإسبانية على الأجزاء الشمالية من المغرب، حين توسط أحد قادة جيش التحرير المغربي، وهو عبد الكريم الخطيب، لتنسيق اللقاء بين الزعيم الجزائري أحمد بن بلة ومحمد الخامس، لكي يحصل الثوار الجزائريون على تأكيد الدعم الكامل للمغرب، وقد قال بن بلة عن هذا اللقاء: لقد أعطانا -فيما أعطانا- تأكيدا صريحا بأن تكون لنا في الحدود المغربية في كل لحظة ممرات صديقة وممكنة للعبور، دخولا وخروجا للأسلحة والرجال.[29]

وتحت مسؤولية الزعيم الجزائري محمد بوضياف -الذي أصبح رئيسا للجمهورية وتعرض للاغتيال- فتحت عدة مكاتب خاصة بجبهة التحرير الجزائرية في المدن المغربية، وراح المغرب يزود الثوار الجزائريين بشحنات الأسلحة وقواعد التدريب. وفي الوقت الذي كان قادة الثورة الجزائرية يغادرون المغرب إثر اتصالات سياسية مع الملك المغربي محمد الخامس كانت تمهد لتسوية سلمية للمواجهة مع فرنسا، تعرضت طائرتهم للقرصنة عبر مقاتلة فرنسية أجبرتها على النزول في مطار جزائري، فدخلت العلاقات المغربية الفرنسية في أزمة تحولت إلى قطيعة دامت عدة شهور وتصاعد خلالها الدعم المغربي للثورة الجزائرية.[30]

وفي خضم الثورة الجزائرية الدامية ضد الاحتلال الفرنسي، عقد مؤتمر طنجة الوحدوي بين أحزاب الاستقلال المغربي وجبهة التحرير الوطني الجزائري والحزب الدستوري الجديد التونسي، في أواخر شهر أبريل/نيسان 1958. وكانت فكرة المؤتمر الجوهرية هي منع المستعمر الفرنسي من الاستفراد بالجزائر، والنضال المغاربي الوحدوي ودعم تونس والمغرب للمقاومة الجزائرية.[31]

 

المصادر

[1] shorturl.at/klpL7

[2] أونيا محمد، “مفهوم الريف المغربي”، مجلة حوليات الريف العدد1، الحسيمة 1998، ع. 1، ص. 14-44

[3][3] محمد أحميان، الطريق البحري للهجرة الريفية نحو الجزائر خلال النصف الثاني من القرن 19 وبداية القرن 20م، المجلة الجزائرية في الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية إنسانيات، عدد 69-70 سنة 2015، ص61-104. الرابط:

http://journals.openedition.org/insaniyat/15293

[4] مزيان أحمد،”جوانب من مخلفات التوسع الفرنسي على سكان الحدود قبل المرحلة الاستعمارية”، المجالات الحدودية في تاريخ المغرب، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط 1999، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص 61.

[5] محمد أحميان، مرجع سابق.

[6] أبو القاسم سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية 1900-1930، الجزء الثاني، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر 1983، ص125.

[7] لوصيف موسى، الهجرة الجزائرية نحو المغرب الأقصى ودورها في الثورة التحريرية 1954-1962، رسالة لنيل شهادة الماستر، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية والعلوم الإسلامية، السنة الجامعية 2012-2013.

[8] سعد الله أبو القاسم، مرجع سابق.

[9] عبد الحميد زوزو، الهجرة ودورها في الحركة الوطنية الجزائرية بين الحربين (1919-1939)، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1985، ص39.

[10] محمد المنوني، صلات مغربية ثقافية وروحية مع الأمير عبد القادر ونخبة من المهاجرين، فكرة الحركة السلفية في المغرب الأقصى، مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، أصيلة مارس 1989، ص106.

[11] محمد أمطاط، الجزائريون في المغرب ما بين سنتي 1830 و1962، مساهمة في تاريخ المغرب الكبير المعاصر، دار أبي رقراق للطباعة والنشر 2008، ص50-51.

[12] معريش محمد العربي، المغرب الأقصى في عهد السلطان الحسن الأول، 1873-1894، الطبعة الأولى، بيروت 1989، دار الغرب الإسلامي.

[13] سيمو بهيجة، الإصلاحات العسكرية في المغرب 1844-1912، منشورات اللجنة المغربية للتاريخ العسكري، سلسلة رسائل وإطروحات 2012.

[14] بوعزيز يحيى، ثورات الجزائر في القرنين التاسع عشر والعشرون، الجزء الأول، الجزائر دار البصائر للنشر والتوزيع، 2008.

[15] بنيامين سطورا، مصالي الحاج رائد الحركة الوطنية الجزائرية 1898-1974، ترجمة الصادق عماري ومصطفى ماضي، القصبة الجزائر 1998، ص98.

[16] محمد أمطاط، مرجع سابق

[17] محمد بن عبود، مكتب المغرب العربي في القاهرة، منشورات عكاظ، المغرب، ص8-10.

[18] أبو القاسم سعد الله، مرجع سابق.

[19] https://rb.gy/beoabi

[20] https://rb.gy/beoabi

[21] https://rb.gy/beoabi

[22]  https://rb.gy/beoabi 

[23] https://rb.gy/beoabi

[24] https://rb.gy/beoabi

[25] https://rb.gy/beoabi

[26] https://rb.gy/beoabi

[27] https://rb.gy/beoabi

[28] لمقامي محمد، رجال الخفاء، مذكرات ضابط في وزارة التسليح والاتصالات العامة، ترجمة علي ربيب، الجزائر 2005، ص135.

[29] أحمد بن بلة، مذكرات أحمد بن بلة، ترجمة العفيف الأخضر، الطبعة الثانية، دار الأدب، بيروت-لبنان، ص120.

[30] Mohamed Harbi, le F.L.N murage des origines à la prise du pouvoir, Edition jeune Afrique, Paris 1980, p120.

[31] محمد أمطاط، مرجع سابق.