رمضان في جزر القمر.. روحانية تنشر عبق القرآن والترابط الاجتماعي

جمهورية جزر القمر الفدرالية هي دولة عربية أفريقية، تقع في المحيط الهندي على المدخل الشمالي لمضيق موزمبيق، وأقرب الدول إليها من جهة الغرب تنزانيا ومن الشرق مدغشقر، ومن الجنوب موزمبيق، وتقع إلى الشمال منها جزر سيشل. وتتكون من أربع جزر؛ الكبرى إنجازيجا، والوسطى إنزوان، والصغرى موهيري، وهنالك جزيرة مايوت التي ما زالت تحتلها فرنسا.
ضمن سلسلة “رمضان ومدينة” التي أنتجتها الجزيرة الوثائقية، وتعرضها على شاشتها خلال شهر رمضان، خصصت القناة حلقة شائقة تحت عنوان “رمضان في جزر القمر الكبرى”، سلّطت فيها الأضواء على عادات شعب الجزيرة في استقبال رمضان، ونشاطاتهم وفعالياتهم خلال الشهر الكريم، وأساليبهم في استقبال ووداع شهر الصوم، ثم استقبال عيد الفطر السعيد.
تخفيض الأسعار.. احتفاء بالشهر الكريم بأمر حكومي
تعتبر الجزيرة الكبرى إنجازيجا مركز الدولة، وتقع فيها العاصمة موروني التي هي مركز الحكم والإدارة، وفيها القصر الرئاسي ومقرات الوزارات، وقد وصل إليها الإسلام في عهد الأمويين على يد قبائل الأزد العُمانية، بين عامي 80-95 من الهجرة.

وشهر رمضان له هيبة خاصة وحضور كبير خصوصا في العاصمة، وتحديدا في سوق فولوفولو الشعبي أكبر أسواقها، فهنالك خليط متنوع من التجار، بعضهم متخصص في بيع العطور، وآخرون في الملابس والأطعمة المختلفة والخضراوات والفواكه.

وتنخفض الأسعار في رمضان بمرسوم من الحكومة، فيأتي إلى هذه السوق جميع المواطنين، حتى القاطنون في الجزر الأخرى. وتبيع النساء الخضراوات والفواكه والأطعمة والمستلزمات الخفيفة، بينما يختص الرجال ببيع اللحوم والبضائع الثقيلة.
اجتماع العائلة والأصدقاء.. دفء اجتماعي من بركات رمضان
يلتزم المسلمون في جزر القمر بأداء الشعائر على مدار السنة بشكل عام، ورمضان له خصوصية فريدة، فبمجرد ثبوت هلاله يهرعون إلى المساجد للصلاة وتلاوة القرآن وحضور حلقات التعليم، وهي عادة يحرص عليها أهل الجزيرة منذ قديم الزمان، فيجتمعون بعد العصر في أيام رمضان يستمعون إلى دروس العلماء والمشايخ.

ويحرص القُمُريّون على اجتماع العائلة، فيتركون العاصمة والمدن الكبرى يوميا قبل الإفطار ليلتحقوا بعائلاتهم في الأرياف. يقول عبد الله محمود: أدرس الدكتوراه منذ 7 سنوات خارج البلاد، وأحرص على حضور شهر رمضان مع عائلتي في القُمُر، فله طعم آخر في مدينتي وبين أهلي، أحب الأكل من يد والدتي، فهي تعدّ لنا طعام السحور، ويكون عادة من لحم أو دجاج أو سمك، مع الأرز.

فور عودة عبد الله اشتاق إلى مرابع الصبا، فذهب في رحلة صيد مع صديق الطفولة عثمان الذي يقول: يزداد الطلب على الأسماك خلال شهر رمضان، ولا نضطر لنقل الأسماك إلى السوق، بل تأتي النساء لشرائها من الميناء مباشرة، ويتسوق الناس من هنا قبل العودة إلى منازلهم، وإذا حضرتنا الصلاة بالبحر نوجّه قواربنا نحو القبلة ونصلي، والله سبحانه اختص هذه البلاد بخيرات كثيرة، أهمها البحر الزاخر بالنعم الوافرة من أسماك ومجوهرات.
جمعية الكشافة.. تربية الأجيال على خدمة ضيوف المساجد
تأسست جمعية الكشّافة في مدينة إمبيني في 1986، وهي تربي الأجيال منذ ذلك الوقت على الخدمة الاجتماعية والعمل التطوعي، وتأخذ على عاتقها مسؤولية إعداد وجبات الإفطار الجماعي وتوزيعها على المصلين في المساجد، ويكلّف كل عضو بإعداد الطعام في البيت وإحضاره إلى المسجد، وكذلك ترتيب الاعتكافات في أواخر شهر رمضان.

ويقول إبراهيم ممادي، وهو يعمل مزارعا: أعمال الزراعة شاقة في رمضان، لكن تقاليدنا تأبى علينا الركون للراحة والنوم بعد الفجر، ولذا نتوجه إلى حقولنا ونباشر أعمال الزراعة المختلفة، وننتهي منها قبل الظهر، ثم نعود بعدها للصلاة وقراءة القرآن وسائر العبادات، ثم نستريح قليلا حتى يأتي العصر.
وعادة ما تجتمع العائلة والأصدقاء على مائدة واحدة، فيقدم صاحب البيت ألوان الطعام؛ من اللحم المطهو بسائل ثمرة جوز الهند، مضافا إليه شرائح الموز والبطاطس، ويقدمون السمبوسة كذلك وأنواع الخبز وإيدامات الخضار، وهو اجتماع تغمره المودة والدفء والسعادة.
تحفيظ القرآن للأطفال.. استعدادات الليلة الرمضانية الكبرى
يحرص الشباب على لعب كرة القدم والرياضات الأخرى، وذلك بعد درس صلاة العصر وحتى موعد الإفطار، ويلعبون أيضا بعض الألعاب التقليدية، مثل المراها، شرط أن لا تلهيهم عن أوقات الصلاة، بينما تذهب النساء إلى السوق لجلب حاجيات الإفطار.

ويحرص الأهالي على تحفيظ أطفالهم القرآن، ويعقدون المسابقات خلال الشهر الكريم للأعمار المختلفة، وتترواح كمية الحفظ بين جزء واحد وعشرة أجزاء للأطفال، أما بالنسبة للشباب والكبار فيتراوح الحفظ بين 15 جزءا إلى حفظ المصحف كاملا.
أما ليلة السابع والعشرين من رمضان (ليلة القدر) فليست ليلة عادية أو نمطية عند القمريين، ولذا ينشط العلماء والدعاة على نشر التوعية والعلم النافع بين سكان الجزيرة، ويرغِّبونهم في الأعمال الصالحة من قراءة القرآن وقيام الليل في هذه الليلة المباركة التي تتضاعف فيها الأجور، كما يحرص العلماء والمربون على تعليم اللغة العربية التي هي لغة القرآن، حتى يسهل على الناس فهم القرآن وحفظه.
فرحة العيد.. بهجة وسرور في استقبال جائزة الصوم
تكون أجواء ما قبل العيد في جزر القمر أجواء فرح وبهجة وسرور، ويترقب الناس بشوق لاستقبال العيد السعيد الذي يعتبرونه جائزة الصيام، فالجميع في حركة، إذ تذهب النساء إلى السوق لشراء الملابس الجديدة لهنّ ولأطفالهنّ، ويفضل الرجال الذهاب إلى الخياط لتفصيل الثياب والطواقي للرأس.

ويبدأ يوم العيد بصلاة العيد، فيتوجه الرجال والنساء والأطفال إلى المساجد، ثم يتفرغ الناس للزيارات، فيزورون أولي الأرحام والأقارب، ثم الجيران والأصدقاء، وقد تتسع الدائرة لزيارة الأحياء وجميع أهل القرية أو المدينة، كما تقدم المأكولات وأنواع الحلويات والعصائر في صباح العيد.

ثم يقوم الشباب والأطفال، من الكشافة ومنظمات أخرى، بجولة في أنحاء المدينة أو القرية، يغنّون الأهازيج والأناشيد الدينية، ويضربون بالدفوف تعبيرا عن فرحتهم بقدوم العيد، ويطوفون بالشوارع والساحات، ويحطون رحالهم آخر النهار في ساحة مسجد الجمعة الكبير، حيث يجتمع الناس من حولهم، يشاهدون الاستعراضات ويشاركون في يوم الفرح الكبير.