“زواج ديجيتال”.. تجارب تطبيقات التعارف ذات الصبغة الإسلامية

مع ثورة الاتصالات، وانفجار تقنيات الرقمنة، وخوارزميات الذكاء الصناعي، لم تبق بقعة من مساحات النشاط البشري إلا تأثرت بهذا السيل الجارف من التطبيقات الرقمية، فقد انتشرت بانتشار الأجهزة الذكية، التي لا يكاد يخلو منها بيت، ولا يعيش بدونها إنسان.

وفي هذا السياق، جاء الفيلم الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية، وعرضته على شاشتها بعنوان “زواج ديجيتال”، وقد سلّط الضوء على تطبيقات التعارف والزواج الموجهة للمسلمين، ومقارنتها مع تطبيقات المواعدة التي يستخدمها غير المسلمين.

“لديّ قناعة راسخة بحرمة العلاقات خارج الزواج”

تتحدث شخصيات الفيلم عن تجاربها مع هذه التطبيقات، ومدى توافقها مع ضوابط الدين وأُطر الثقافة والتقاليد، وتلبيتها لرغبات المستخدمين ومواصفاتهم التي يرجونها في شريك المستقبل.

تحدثنا حنين أحمد من العاصمة البريطانية لندن، وهي هندية الأصل تبلغ 23 عاما، وتعمل مبتدئة في تجارة الأزياء بالتجزئة، وكانت درست القانون في جامعة أدنبرا.

بدأت تتشكل أفكارها عن الزواج بعد تجربتها في عالم تطبيقات التعارف، وهي تقول: بدأت أفكر في الزواج عندما بلغت 21-22 سنة، وقلت في نفسي: سأطلع والديّ على الموضوع، كما سأحدد مواصفات الشريك الذي أريده، ودوري في هذا الموضوع، ونوع الزواج الذي أريده لنفسي في المستقبل.

حنين أحمد مسلمة بريطانية من أصول هندية

تحجبتُ عندما بلغت 14 عاما، وتشكلت لديّ قناعة راسخة بحرمة العلاقات خارج إطار الزواج، بما في ذلك إبداء الاهتمام والإعجاب لغرض التسلية فقط، وحتى لو بلغت 18، فإن الإعجاب والتودد الذي لا يؤدي بجدّية إلى علاقة شرعية فلا داعي له، لذلك لم أفكر في هذه الأمور، وبدل ذلك وضعت لنفسي أولويات يجب إنجازها، منها إكمال دراستي والحصول على عمل.

“العزاب المسلمون”

في برمنغهام، أسست البريطانية المسلمة “فرين مِدي” خدمة “العزاب المسلمون” (Islamic Singles) في 2020، لمساعدة المسلمين على الزواج، محاوِلة تلافي عيوب المنصات الأخرى. وهي تقول: بعد مدة، يتسلل الملل إلى كثير من مستخدمي تطبيقات المواعدة، فيقررون وقف استخدامها.

“فرين مِدي” أسست خدمة “العزاب المسلمون” على الإنترنت

وقد جاءتني الفكرة أثناء زمن كورونا، حين تعذّر لقاء الناس ببعضهم، فأوحت لي هذه المشكلة بفكرة مشروع، يتمثل في نقل مفهوم الزواج إلى الإنترنت، عن طريق إنشاء منصة مكالمات فيديو، والسماح للناس بتسجيل الدخول من منازلهم.

هذا المشروع لا يشبه تطبيقات المواعدة، فآلية عمله تسمح للناس برؤية بعضهم في غرف محادثة منفصلة، ولاحقا إذا شعروا بالارتياح لبعضهم يمكنهم التواصل مباشرة.

تطبيق “مُز”.. أشهر منصة للزواج الإسلامي

أطلق شاهزاد يونس في بريطانيا تطبيق “مُز” (Muzz) في 2015، وبدأ الدعاية له على أبواب المساجد وفي تجمعات المسلمين، ثم أصبح أشهر منصة لزواج المسلمين.

وكان يونس قد خسر معركة قضائية مع “ماتش جروب”، فأعاد تسمية تطبيقه “مُز”، وتجاوز عدد مستخدميه 500 ألف، وفيه خاصية “إذابة الجليد” لتسهيل التعارف بين المستخدمين.

يقول يونس: صممتُ التطبيق قبل 8 سنوات، وتركت عملي في المصرف. اليوم لدينا فريق عمل من 60 موظفا حول العالم، و6 ملايين مستخدم، وأظن ربع مليون إنسان قد تزوجوا من خلال تطبيقنا.

شاهزاد يونس مؤسس تطبيق “مُز” للزواج الإسلامي

وقد راعيتُ أن يكون التطبيق سهلا، به رسوميات وملصقات جذابة. إنه أمر مذهل أن يكون للتطبيق هذا التأثير حول العالم.

كانت الفكرة قد خطرت لي عندما رأيت تطبيقات المواعدة على الهواتف الذكية، فتساءلت: لماذا لا يتاح للمسلمين تطبيق كهذا؟

“جاءني بريد من رجل يخبرني بأول قصة نجاح”

يقول شاهزاد يونس منشئ تطبيق “مز”: بدأ التطبيق يتقدم ببطء، وأذكر يوم جاءني بريد إلكتروني من رجل يخبرني بأول قصة نجاح، لقد وجد شريكة حياته عبر التطبيق “مُز” وتزوجا، فطرتُ فرحا بهذا الخبر، وأدركت ساعتها أن هذا التطبيق له أثر حقيقي بين الناس.

يلبي تطبيقنا احتياجات السوق الإسلامية، فهنالك متطلبات دينية معينة عندما يتعلق الأمر بالبحث عن شريك، لهذا كنا أول من يتبنى وجود وليّ أو وصيّ داخل التطبيق نفسه، وكل مستخدم للتطبيق -ولا سيما النساء- يمكنه تضمين أحد أفراد الأسرة، كالأب والأخ وغيرهما.

أنا فخور بقصص النجاح التي حققها التطبيق، ولا أحب أن أسميه “مواعدة”، بل زواجا شرعيا حقيقيا.

تطبيق “مُز” للزواج الإسلامي

يتعلق أهم الفوارق بشروط الخصوصية وتحديدا للنساء، فلا ضرورة للاسم الحقيقي في التطبيق، ويمكن التحكم بمن يُسمح له برؤية الصور. ونحن من أوائل من استخدموا تقنية التحقق من الشخصية بواسطة الصورة. وحتى لو لم يجد المستخدم شريكته، فإنه يكون قد تعلم الكثير عن كيفية الاختيار وترتيب أولوياته.

“كوني مسلمة يجعل إيجاد الشريك أمرا صعبا”

تقول نعيمة فرح، وهي مستشارة نفسية في العلاقات الزوجية: توفر المنصات خيارات كثيرة، وهذا سلبي من الناحية النفسية، ويخلق توترا وعدم ثقة في اتخاذ القرار، أما عندما يكون الأهل أو الأصدقاء منخرطين في العملية، فإنهم يعطونها بُعدا جدّيا، ويمنحونها ثقة وإيجابية.

نعيمة فرح أخصائية نفسية

وعن تجربتها مع التطبيقات، تقول حنين أحمد: في زمن كورونا، بدأت أتعرف على تطبيقات المواعدة على الإنترنت وأحاول تجربتها، ورأيت تطبيق “موزماتش” على إنستغرام، فوجدته سهل الاستخدام وفيه قصص نجاح، لذا قررت استخدامه إذا لجأت للتطبيقات، وجربت تطبيق “هينغ” لأنه يمكنني من وضع خيار “الديانة”، أما “تندر” فلم أستخدمه، لانطباعي أنه لا يتوافق مع تطلعاتي بصفتي مسلمة.

نزلتُ تطبيق “مزماتش” على هاتفي، وتساءلت: ماذا سأكتب في ملفي التعريفي؟ الأمر سهل في الحياة الواقعية، ولكن في العالم الافتراضي فالمطلوب أن أصف نفسي بكلمات محدودة: أنا طالبة هندية، أدرس الحقوق في بريطانيا، طولي 158 سم، أتقن عدة لغات، أحب الموسيقى والتصوير والرياضة والخبيز، مستقلة وأريد رفقة وشراكة لا اعتمادية.

التطبيقات الرقمية من ضروريات الحياة المعاصرة

وتضيف: كوني مسلمة يجعل إيجاد الشريك أمرا صعبا، فالزواج نصف الدين، ومن المهم أن تجد من يعينك على إكمال دينك، يفهمك وتستطيع الاعتماد عليه، فهنالك اعتبارات كثيرة ورؤية عميقة لمشروع إسلامي كبير، في مقابل المواعدات العابرة، التي تنتهي بلا نتائج مصيرية.

ألعاب الفيديو.. دراسات تكشف واقع تطبيقات المواعدة

تقول دراسة أجرتها الجامعة الإسلامية في ماليزيا، إن 75.6% ممن أجريت عليهم الدراسة ليست لديهم خبرة بتطبيقات المواعدة، وإن 7.8% يستخدمونها بحثا عن علاقة طويلة الأمد، في حين يستخدمها 8.3% بغرض الزواج، وهنالك 8.3% آخرون يبتغون من ورائها علاقات عابرة.

وأجرت جامعة أوسلو دراسة على مستخدمي تطبيق المواعدة “تندر” في العاصمة النرويجية، وخلصت فيها إلى أن بعض المستخدمين يعاملون التطبيق معاملة ألعاب الفيديو، تمنحهم الإحساس بالانتصار أو الإحباط.

تطبيق “تندر” الشهير للمواعدة

وبينت دراسة أخرى أن النساء يكنّ أشد حذرا عند مقابلة رجال تعرفن عليهم من خلال التطبيقات، مقارنة برجال عرفنهم في الحياة الواقعية. وهنالك قصص مخيفة عن رجال متزوجين يتحدثون لفتيات، أو فتيات يتحدثن لعدد من الرجال في آن واحد، وذلك للهو وتضييع الوقت فقط.

كما أظهرت دراسة نشرها موقع “بزنس آب” أن 300 مليون يستخدمون تطبيقات المواعدة، منهم 20 مليونا يدفعون مقابل استخدامهم، للحصول على خيارات أوسع.

شعور الأمان.. فخ يستغله ذوو النيات السيئة

من سلبيات تطبيقات “المواعدات الحلال”، بحسب نعيمة فرح؛ أنها تعطي المستخدم نوعا من الإحساس بالأمان، وأن كل ما يقوله أو يفعله هو في إطار المشروع.

والواقع أن هذه التطبيقات لا تختلف كثيرا عن تطبيقات المواعدة الاعتيادية، فالإحساس بالأمان يكون خطيرا إذا لم يأخذ الشخص بكل احتياطات الأمان الذاتية، وحماية خصوصيته الشخصية.

الزواج مشروع مصيري مبني على الثقة والحب والتعاون

وتقول “فرين مدي” مؤسسة خدمة “العزاب المسلمون”: لا فرق عندي بين المواعدة الحلال وغيرها، هنالك دائما ذوو النيات السيئة ممن يريدون اللهو فقط. نعم هي جيدة من ناحية أن هنالك أناسا جيدين يريدون علاقات جادة منضبطة تنتهي بالزواج، ولكن من الناحية الأخرى فهي تشبه تطبيقات المواعدة الغربية.

“خطبتها وتزوجنا في أقل من 6 أشهر”.. قصص نجاح

كانت من قصص النجاح التي حققها تطبيق “مُز” قصة الزوجين سناء وحكيم، وهما مسلمان بريطانيان التقيا عبر تطبيق “مز” منذ 4 سنوات وتزوجا.

تقول سناء: كنت أبحث عن شريك مدة عامين، سألت الأصدقاء، وذهبت إلى المساجد، وشاركت في حفلات الزواج، واشتركت في تطبيقات الزواج، ثم التقيت حكيم، كانت إحدى صور حسابه في مصر، وبما أنني درست علم المصريات فقد جذبتني تلك الصورة، وزاد اهتمامي به لكونه مختلط العرق.

سناء وحكيم، قصة نجاح

سألته أسئلة أساسية منها: أين تعيش، وماذا تعمل، وما مواصفات شريكك؟

وفور حصولي على إجابات مرضية، أحببت أن نلتقي فورا، فذهبت للقائه في محطة القطار وحدي، وقضينا بعض الوقت وأكلنا الطعام، ثم دعوته لمقابلة والدتي، وبعدها أشركت عائلتي بشكل موسع.

يقول حكيم: لم أكن أبحث عن شريك للارتباط، بل إن صديقي هو الذي سجّل اسمي في تطبيق “مز”، وهناك تعرفت على سناء مدة أسبوعين فقط وتزوجنا. لكنها كانت مهمة صعبة، فعلي أن أقنع عائلتها جمعاء، كأنما أخوض مصارعة لأكسبها. خطبتها وتزوجنا في أقل من 6 أشهر زواجا تقليديا رتبناه بأنفسنا.

قصص نجاح من أرشيف تطبيق “مُز”

تجارب فاشلة في عالم مليء بالاحتيال والتلاعب

من التجارب الفاشلة قصة نادية، وهي مسلمة بريطانية، جربت تطبيقات التعارف مدة عام، ولكنها أبدت عدم ارتياحها لخوض تلك التجربة، فتزوجت من خارج الإنترنت، وقد تعرفت على شريكها في الحياة الواقعية، وأحبّا بعضهما وقررا الزواج.

فرحان نافيد.. رحلة مرهقة مع التطبيقات

ومن التجارب السيئة ما حدث لفرحان نافيد، وهو مسلم بريطاني ذو أصل باكستاني، فقد بحث عن شريكة في تطبيقات الزواج 5 سنوات ولم يفلح، مع أنه تحدث مع كثير من الفتيات.

فالخيارات كثيرة على التطبيقات، ولكن أكثرهم متلاعبون ومخادعون، إما لجني المال، أو لتضييع الوقت أو الفوز بمتعة جسدية عابرة، وهذا ينطبق على الفتيات كما الشباب.

أحمد رضوان.. رحلة طويلة من البحث عن الشريكة

خاض أحمد رضوان -ذو الأصول المصرية السودانية- غمار رحلة طويلة للبحث عن شريكة، منها 7 سنوات بالطرق التقليدية، و5 سنوات بتطبيقات التعارف، فلم تكن تعجبه الطريقة التقليدية، وهو يدرك حرص والديه، لكنهما تقليديان ليسا مستعدين لتفهم اختلاف الثقافات.

أحمد رضوان.. قصة زواج ناجحة عبر التطبيقات

يقول أحمد: دلني أصدقائي على بعض تطبيقات الزواج، لم أعرف مدى توافقها مع الشريعة الإسلامية، ولكنني دخلتها بنيّة إكمال ديني، كنت أبحث عن فتاة هادئة مستقلة تعرف دينها، وتحسنت فرصي بعد أن كتبت في ملفي التعريفي ما أريده تحديدا.

وجدتُ فتاة قد كتبت بالتفصيل عن شخصيتها وهويتها وما ترغبه في شريك حياتها، فتحدثنا على التطبيق ثم على الهاتف، ثم التقينا في مكان عام، وتحدثنا عن المستقبل وخططنا للخطبة والزواج بعد سنة، ولكن الأمور تسارعت أكثر مما توقعنا، وتم الأمر بحمد الله في 3 شهور، وها نحن أولاء ننتظر مولودنا الأول.

تطبيق الخَطّابة.. تطوير رقمي لأسلوب تقليدي عريق

شارك اللبناني سيدرك معلوف في تأسيس موقع الخطّابة في 2012، وهو يقول: بدأ في السعودية، وانتشر في باقي الدول العربية، وتجاوز عدد مرات تحميله المليون، وهو تطبيق زواج للمسلمين. لدينا 5 ملايين مستخدم، منهم 600 ألف مستخدم نشط، ورصدنا 200 ألف حالة زواج، ولدينا الزواج الشرعي التقليدي، وزواج المسيار، والزواج التعددي.

تطبيق الخطّابة تطوير رقمي لأسلوب تقليدي قديم، يعرفه المجتمع العربي عموما، ولرأي الأهل من الطرفين وزن في تطبيقنا، وراعينا في خوارزمياته أن نعتني بكل الأسباب التي تجعل هذا الارتباط ناجحا، ومحاولة جَسْر التباينات بين الطرفين. لدينا انتشار واسع في السعودية، ثم بقية دول الخليج ومصر.

تطبيق “الخطّابة”

ولكل بلد خصوصيته، ولذلك نراعي في الأسئلة البيئة الثقافية لذلك البلد، ففي السعودية نسأل عن القبيلة واللون، فهذه محددات لها اعتباراتها هناك، وفي مصر نسأل عن “القائمة” مثلا، وهي مجموعة المنقولات التي ينبغي للزوج توريدها لبيت الزوجية.

تساوي البحث عن الفرص بين الجنسين

أعطت هذه التطبيقات المرأة نوعا من الاستقلالية والقدرة على اتخاذ القرار، فالتقاليد السائدة قبل التطبيقات هي أن يبادر الرجل بطلب البنت والتقدم لخطبتها لا العكس، أما التطبيقات اليوم فهي تتيح الفرصة للطرفين بالتساوي.

سدريك معلوف، مشارك في تأسيس تطبيق “الخطّابة”

لكن بعض التجارب الناجحة كانت فيها تحديات لأحد الطرفين أو كليهما، من قبيل رفض الأهل للفكرة، فأصبحت حياتهما بعد الارتباط مبنية على الضغط والرفض، وعدم الإحساس بتوفير الحماية الكاملة لأحد الطرفين من شريكه في مواجهة الأهل.

وكما الحياة دائما، فلكل لوحة وجهان، أحدهما باسم والآخر عابس، وهي على الوجهين مستمرة حتى تنقضي.

أما حنين أحمد فقد أنهت علاقتها بالتطبيقات، ولن ترتبط عن طريقها، ولكن إذا قدّر الله لها غير ذلك “فستكون راضية”.


إعلان