“إلى أبي”.. تقلبات الصورة من الزمن الجميل إلى حقبة الاحتلال

يستكشف المخرج عبد السلام شحادة في فيلمه “إلى أبي” (2008) التاريخ الفلسطيني خاصة، والعربي إلى حدٍ ما، بواسطة الصورة الفوتوغرافية وقدرتها على إحداث التغيير الجذري في ذهنية الإنسان وطريقة تفكيره، ورؤيته للحياة بمختلف تقلباتها السياسية والاجتماعية والثقافية.
ومع أن فكرة الفيلم الأساسية تتمحور حول التصوير الفوتوغرافي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي وما تلاها من عقود، فإن الحكاية تتشظى إلى أبعد من مهنة التصوير سواء بالأسود والأبيض أو الملوّن.
فالمخرج يقسّم فيلمه إلى خمسة أقسام رئيسية، تمرّ جميعها عبر تقنية التصوير الفوتوغرافي، وهي حرب حزيران سنة 1967، والانتفاضة الأولى، ودخول السلطة الفلسطينية إلى غزة، والانتفاضة الثانية، وفيلم “الأيدي الصغيرة” الذي أنجزه المخرج شحادة سنة 1996.
“إلى أبي”.. تقنية سردية تمنح الفيلم دفئا حميميا
قبل الخوض في محاور الفيلم الخمسة، لا بد من الإشارة إلى المقدمة المكثفة التي يقول فيها المخرج أشياء كثيرة بكلمات قليلة، ترِد بصيغة ضمير المتكلم: أنا اسمي عبد السلام، وُلدت في مخيّم رفح، ولكن بعد الهجرة بـ13 سنة. كان أهلي يسردون لي حكايات سكنتْ كلها في أعماقي؛ كيف تهجّروا في الـ48، وكيف أصبحت تلك القصص والحكايات ذكريات وصورا راسخة في الذاكرة، لكنني -أنا أيضا- أصبحت حكاية، فدعوني أحكِها لكم.
هذا التحوّل إلى تقنية السارد العليم، يمنح الفيلم حميمية ومصداقية أكثر مما لو تبنى السرد راوٍ مُحايد أو غير عليم تمامًا. يمكن اعتبار هذا الفيلم برمته تحية من المخرج عبد السلام شحادة لمصوري الزمن القديم والجميل في آنٍ معًا، ممن وثّقوا جانبًا من التاريخ الفلسطيني والعربي بما له وما عليه.
ولعل دفء الشخصيات وحبها الغامر لمهنة التصوير والزبائن الذين يقفون أمام العين الثالثة، هي التي منحت الفيلم برمته نكهة مُضافة، يصعب أن ينساها الإنسان، مهما تقادمت الأعوام.
الصورة القديمة.. خزانة واسعة تحتضن المكان بأركانه
يشعر الراوي بأنّ الصورة قديما كانت كبيرة وواسعة، تحتضن الأشخاص والبحر والشجر والمكان كله، وكان التقاط الصورة ذا نكهة فريدة في مرحلة الطفولة، فكانوا يتسابقون على الأدوار، ويتوجسون خشية أن تخرج الصورة جميلة أو بشعة أو محروقة، فهذه الاحتمالات كلها واردة في فن التصوير، وكانوا ينتظرونها على أحرّ من الجمر وكأنهم ينتظرون قدوم مولود جديد ولكنهم كانوا واثقين بخبرة المصور إبراهيم حرب، ويصفون يديه بالأيدي “الشاطرة”، ويعزون السبب لتعلّمه فن التصوير على مهل، ولا غرابة في أن يُتقنه ويُنجز صورا لا تفارق ذاكرة الناس بسهولة.
يحيلنا المخرج إلى شارع البحر الذي كان فيه إبراهيم حرب والحاج سلامة وآخرون، وقد كان هذا الشارع ممتلئا بصور الزعيمين جمال عبد الناصر وعبد السلام محمد عارف، وصور الفنانين عبد الحليم وفريد شوقي وأم كلثوم، ونماذج مصورة لأناس يقلّدون هذا الفنان أو ذاك.
تتميز الصور القديمة بظلال وأبعاد، تُشعر الناظر بجمالية المكان، لدرجة أنها تدفعهم للولوج في أعماقها، لكي يصبحوا جزءا من الصورة، وعنصرا من عناصر تكوينها الداخلي.
تصوير الأطفال.. لحظة من الشغب الهادئ تخلده العدسة
يركّز المخرج على شخصية الحاج سلامة الذي يأتي على دراجته الهوائية إلى المدرسة، ويسندها إلى شجرة الكينا، في حين يعلّق على رقبته كاميرا ثبّت عليها مصباحا أكبر منها، وحينما يتهيأ لالتقاط صورة جماعية لصف من الصفوف المدرسية، يرتّب الأطفال بحسب أطوالهم.

يقف القصار في الأمام، والطوال في الخلف، وثمة أطفال يعملون حركات طريفة في أثناء التصوير، كأن يجلسوا أمام المجموع ويضربوا أصدقاءهم بالأكواع، في حين يطلب الحاج سلامة من الجميع أن يقطعوا النَفَس، كي يقتنص اللقطة التي يريدها ويطمع في اصطيادها.
وبعدها مباشرة يصيح الجميع بصوت عالٍ “هيه”، ويرفعون أيديهم إلى الأعلى، وهي اللقطة الوحيدة التي كان عبد السلام يطمح لتصويرها واقتطاعها من شريط الزمن المتحرّك، لكنّ الأطفال الصغار لم يكن بوسعهم أن يتكلموا حول الكبار آنذاك، فثمة حد فاصل بين الفريقين لا يمكن اختراقه أو تجاوزه أو التطاول عليه، وظلّت هذه الرغبة كامنة في أعماقه، فليس بمقدوره أن يعيد أقرانه الكبار إلى طفولتهم من جديد.
يصوّر المخرج فرحة الأطفال التي لا توصف حين يتسلمون صورهم، ويلتفت إلى موضوعات ملموسة في الزمن الماضي، فالفتيات ذوات العيون الخضراء والزرقاء يتزوجنَ بسرعة، أمّا الآن فقد تغيّرت الأمور كثيرًا، ولا يدري هل كان السبب في الكاميرا، أم في لون العيون اللافتة للانتباه؟
“أجمل ما في الصورة أنها لا تكبر”
يعتني المصوّرون بصور الفتيات والنساء كثيرا، وكانوا يقضون وقتا طويلا في وضع اللمسات الأخيرة، ويزيدون هذه الرتوش إذا كان صاحب الصورة أستاذا أو شخصية مهمة.
وكان الحاج سلامة طويل البال، حتى أنّ الصورة الواحدة قد تستغرق لديه يوما كاملا، وكان بعض المصورين يضيفون للصورة أشياء جديدة، مثل التأمل في فنجان قهوة، أو النظر إلى شمعة متقدة، وما إلى ذلك من موضوعات رومانسية شائعة آنذاك.

تعلّم الراوي التصوير على يد الحاج سلامة في الأستوديو، ثم أخذ يراه على حافة البحر مع المصور إبراهيم حرب، وهما يلتقطان الصور للناس من مختلف الأعمار والأجناس، ولعله انتبه إلى ملحوظة مهمة جدا، مفادها أنّ الناس لم يكن ينتابهم الخوف على المكان سابقا، لكنهم الآن بدأوا يتخوفون على أشياء كثيرة، مثل البيوت والطرق والأشجار التي يمكن أن تُقصف أو تتهدم أو تحترق.
ويرى الراوي أنّ أجمل ما في الصورة أنها لا تكبر، في حين يكبر أصحابها ويذهبون إلى نهاياتهم المُرتقبة.
أستوديو الحاج سلامة.. أرشيف ضخم يعج بصور العابرين
ثمة تركيز ملحوظ على أستوديو الحاج سلامة الذي كان واسعا وكبيرا ومكتظا بصور ضباط فلسطينيين ومصريين وأساتذة وشباب وصبايا يتباهون بجمالهم، ويحتفظ الحاج سلامة بالوصولات التي تحمل أسماء أصحاب الصور وأرقامهم، ومن دونها لا يمكنهم الحصول على الصور التي التقطوها.
أمّا المسودات فتظل محفوظة في الأرشيف، ويمكن أن يعاد طبعها عند الحاجة، وهي تملأ المكان لدرجة تجعله يظن أنه صوّر جميع الناس في هذا الأستوديو، في حين لا يستطيع الحاج سلامة أن يقف على قدميه الآن.
يظل أي مصور قلقا وخائفا حين يأخذ الفيلم إلى التحميض، وعندما يتسلم الصور يشعر أنه قد حقق إنجازا كبيرا، وينتابه الإحساس بالفرح أكثر من أصحاب الصور أنفسهم.
“أصبحت الصور مصدر خوف لنا”.. أيام النكبة الثانية
ينتقل المخرج عبد السلام شحادة من أجواء التصوير الفوتوغرافي إلى حرب حزيران عام 1967، أو ما يسمّى بالنكبة الثانية، فيتذكر أشياء مهمة لها علاقة بالجانبين الذاتي والموضوعي.

ويقول: عندما احتلّنا الإسرائيليون شعرت أنّ زلزالاً ضرب البلد، الكل يركضون في الشوارع، ولا يعرفون ما حدث، لكنني ما زلت أحتفظ بصور عبد الناصر وعبد السلام في رأسي، وهي تُرمى في الخناق وتحترق. أصبحت الناس خائفة من الصور، وتغيرت أشياء كثيرة بسرعة، وقد بدأ جارنا أبو عزّوم يبحث عن أولاده، وجارنا الآخر أبو سمير اختفى، ولم أعد أرى الضابط المصري الذي كان يسكن أمامنا، ولم نودّع بعضنا أنا وابنه أشرف.
كما أنّ أختي غيّرت ملابسها وارتدت ثوب أمي، وأخي الكبير الذي كان يدرس في القاهرة لم يستطع العودة، وأخي الثاني اعتُقل، وغاب ابن جدتي الوحيد، وبقيت وحدها هناك حتى فارقت الحياة. وحتى أم أشرف التي كانت تلوّن لنا البيض في شمّ النسيم اختفت، وفرغت محطة القطار، ولم يعد أحد ينتظر أحدا.
صرنا نسمع بالغول والغوريلا وذي الرجل المسلوخة، ونغلق أبواب منازلنا في الليل، حتى تغيّر لون المخيم وصار مُخيفا، وعندما يدخل الجنود بيوتنا يُصادرون ألبومات الصور، ثم بدؤوا فيما بعد يستخدمونها، لكي يعتقلونا ويعتقلوا الناس الموجودين في الصور، حتى أصبحت الصور مصدر خوف لنا.
تغيير الهويات.. سياسة طمس المعالم ومحو الذاكرة
يتعمّق الانتقال من السرد الذاتي إلى السرد الموضوعي، حين يتحدث الراوي عن المدرسة ومكتب التموين، وعن سكّة الحديد التي رفعها الإسرائيليون بعد الاحتلال، وبدؤوا بمحاولة طمس المعالم ومحو الذاكرة، فغيّروا هوياتهم أكثر من مرة، فتارة يمنحونهم هوية خضراء، وتارة أخرى هوية حمراء، وتارة ثالثة هوية صفراء، وكانوا يطلبون من سكّان مخيّم رفح أن يذهبوا إلى غزة، ويضعونهم في مدرسة، ويظلوا فيها ينتظرون من الصباح إلى المساء حتى ينالوا الهويات الجديدة التي أصدروها لهم.
ينتبه الراوي على الكاميرا الفورية التي تلتقط أربع صور سريعة في اللقطة الواحدة، وكانت شيئا عجيبا عندهم، إذ كان بإمكانهم أن يصوّروا سكان مخيم رفح في يوم واحد لا غير، ثم تأكد بأنّ هذه الكاميرا المدهشة لا تستطيع أن تلتقط سوى صور الهويات وجوازات السفر.
يستذكر الراوي الصور المختلفة التي يبعثها بالبريد أو برفقة أحد المسافرين إلى الأردن أو مصر أو غيرها من الدول العربية والأجنبية، وكان يكتب على ظهرها كلاما جميلا منمّقا من قبيل: سلام سليم، أرقُّ من النسيم، يُهدى ويروح، إلى حبيب القلب والروح، أخوك الحبيب عبد السلام.
ثم يتعالق المخرج مع أغنية “جايبلي سلام” لفيروز التي يتعالق معها غير مرة، ويمنح الفيلم إيقاعا داخليا جميلا، يترك أثره الواضح لدى المتلقين.
حمل الكاميرا.. قوة خفية تمنح الشجاعة في معمعان الانتفاضة
يُحيلنا المخرج إلى وكالة الغوث التي صوّرتهم كثيرا، ولكن في أوضاع مرفهة وجميلة، وكانت تنشر صورهم في الصحف والمجلات وهم يرتدون الملابس النظيفة أو يشربون الحليب أو يتطعّمون، أو يتناولون حبوب زيت السمك. صحيح أنّ الوكالة توثّق، لكن التوثيق لا يسير بالاتجاه الصحيح، ويخون الحقيقة بقدر أو بآخر.
يركز المخرج في القسم الثاني من الفيلم على الانتفاضة الأولى التي اندلعت سنة 1987، وأهم ما يتذكره الراوي ومخرج الفيلم عبد السلام شحادة أنّ الانتفاضة قد شجّعتهُ وحفّزته على أن يحمل الكاميرا ويصوّر، حتى شعر في قرارة نفسه بأنّ الخوف الذي كان يسكنهُ قد ولّى إلى غير رجعة، وأنّ الحرية التي كان يبحث عنها قد لمسها حينما بدأ يركض وراء المنتفضين، ويصوّرهم من دون أن يشعر بالارتباك أو التردد، فالكاميرا تمدّ المصوّر بقوة خفيّة، وتشجِّعه لتوثيق مزيد من الحالات الخاصة والمتفردة.
وحين بدأ الاحتكاك بين ثوّار الحجارة وقوات الجيش الإسرائيلي، عرف حينها معنى الاحتلال وما يفعله المحتلون الطارئون على هذه البلاد، فلم يجدوا حرجًا في أن يُطلقوا النار على المنتفضين، وكأنهم في حفلة صيد برية.
رفع الأعلام وأغصان الزيتون.. خدعة السلام مع الثعلب
يرصد الراوي دخول السلطة الفلسطينية إلى غزة سنة 1993، وكان الأهالي ينتظرون عند معبر رفح مدة ثلاثة أيام، فقد كانوا مهوسين بتصوير الناس القادمين من بعيد.
يتذكر عبد السلام بأنّ أول سيارة عسكرية دخلت من المعبر كان يقودها رجل كبير السن، وكان يتطلع إلى كاميرات المصورين والصحفيين بدهشة واضحة على معالمه، فقد كان قلقا ومرتبكا وفرحا وفخورا في الوقت ذاته.
كانت المدينة مكتظة بالعساكر وأفراد الشرطة، وكان الناس يذهبون إلى بيوتهم ويعودون منها، بعضهم يسأل عن من هُجّروا في الـ48، وآخرون يسألون عن المهجرين في الـ67.
وكان المصورون يصورون الأعلام الفلسطينية الجديدة الزاهية الألوان، فقد كانت ممنوعة قبل ذلك، وصار بإمكان الجميع أن يرفعوها أو يلوحوا بها في المناسبات الوطنية، من دون أن يحاسبهم أحد، فلا غرابة أن يتفنن معظم المصورين في تصوير العلم الفلسطيني مرة مع الشمس ومرة أخرى مع القمر، أو مع أي صورة أو رمز وطني آخر، لتظهر في خاتمة المطاف صورة توضيحية فرِحة وجذلى، توحي بأنهم قد صدّقوا فكرة السلام، وأنّ المخرج نفسه قد صدّق هذه الفكرة.
وبات المنتفضون الذين كانوا يرمون الحجارة قبل يوم يرفعون أغصان الزيتون ويقدّمونها للجنود الإسرائيليين، غير أنّ آخر دورية إسرائيلية خرجت من غزة أطلقت النار على طفل عائد من المدرسة، وأردته قتيلا في الحال، مما أوحى للفلسطينيين جميعا أنها لا تجنح إلى السلم ولا تحب السلام.

الصور الملونة.. تكنولوجيا حديثة تقتلع ذكريات الزمن الجميل
لم يتنفس الفلسطينيون الصعداء، ولم يطمئنوا للوعود الإسرائيلية الكاذبة، مما دفع الشباب للقيام بالانتفاضة الثانية التي انطلقت شرارتها في 30 أيلول/ سبتمبر عام 2000، لا سيما وأنّ القصف صار يقوّض المنازل، ويطمس معالم المدن الفلسطينية.
وقد أصبحت الصورة ملونة، وفقدت هيبتها وجمالها بالأسود والأبيض، والصور الملونة لا تحتاج لمن يرتّشها أو يحمّضها، مما دفعهم للحزن والبكاء على الزمن الجميل. لم يفهم الراوي -وهو المصوّر المحترف- الصور الملونة الجديدة التائهة التي لا تخلّف وراءها أرشيفا يمكن أن يعود إليه الأولاد والأحفاد.
يتناول المخرج في القسم الخامس الأخير جانبًا من فيلمه الموسوم بـ”الأيدي الصغيرة” الذي أنجزه سنة 1996، وحين صوّر هذا الفيلم رأى أطفالا كثيرين، منهم علاء الذي كان يطمح أن يكون بحارا كبيرا.
كانت عيناه قويتين وذكيتين تتطلعان إلى البعيد، وكان يراه دائما على سطح البحر، أو بجوار مركب جديد، فعرف أنه مقاوم وخاف عليه من الموت الذي يتربص بكثير من الشباب الفلسطينيين. ونصحه بأن يتزوج، ووعده بأن يفعل ذلك في الصيف القادم، وكان يطلب منه أن يدعوه لكي يصوّره ويتعرّف على أخباره الجديدة، لكن هذا الشاب المقاوم استشهد فنقصت الصورة شخصا واحدا.
“إنني أسعد إنسان حينما أقف وراء الكاميرا”
يركز الفيلم على حصار غزة، فقد أغلق الاحتلال معابر القطاع حتى أصبح سجنا كبيرا، ثم نصبوا الكاميرات وبدؤوا يصورون من الأعلى ماذا يرتدي الفلسطيني؟ وإلى أين يسافر؟ ومتى يعود؟ فتحولت الصورة إلى وسيلة تجسس على المواطن الفلسطيني المغلوب على أمره.
ولكي تكتمل الحكاية التي بدأها المخرج عبد السلام شحادة، يعود بنا إلى أستوديو الحاج سلامة الذي تقادم ولم يبقَ في أرشيفه أي صورة قديمة، وما زال الحاج سلامة حيا، لكن بُترت رِجله، وقد ذكّره المخرج بالسنين الماضية، وسأله عن طبيعة مشاعره، فقال: إنني أسعد إنسان حينما أقف وراء الكاميرا.
تختصر الكاميرا حياة الحاج سلامة كلها، فقد انهمك في التصوير منذ سنة 1956 وحتى سنة 2002. يسأله البعض عن أهمية الصورة بالأسود والأبيض فيجيب: أتمنى أن ألتقط صورة بالأسود والأبيض، وأرتِّشها، وأضع فيها معالم بلادنا، وأرسم فيها مطارا وميناء، وحدودا مفتوحة، وأنوّرها في الليل.
ترى هل يتحقق مثل هذا الحلم في ظِل كيان إسرائيلي غاصب لا همّ له سوى تدمير المدن الفلسطينية، وقتل أطفالها ونسائها وشيوخها بدم بارد من دون أن ترتعد له فريصة أو يهتز له جفن؟
وفي الختام لا بد من الإشارة إلى أنّ عبد السلام شحادة هو مخرج سينمائي وصحفي ومصور، يعمل في إنتاج الأفلام والبرامج منذ أكثر من 30 عاما، وقد أنتج وأخرج أكثر من 20 فيلما وثائقيا، وحصل فيلمه “إلى والدي” على جائزة النسر الذهبي لأفضل فيلم وثائقي في مهرجان روتردام للسينما العربية عام 2009. ومن أبرز أفلامه “الظل” و “قرب الموت” و “قوس قزح” و “البقجة”.