أحمد زكي.. الشخصية الشعبية حينما تتفوق على اشتراطات النجومية

 

عدنان حسين أحمد

لم ينبثق نجاح الفنان أحمد زكي من فراغ، وإنما جاء نتيجة شغفٍ مبكِّر بفن التمثيل الذي عوّضه عن بعض الخسارات النفسية والاجتماعية التي تعرّض لها في طفولته وصباه لكنه ما إن تلمّس خطواته الفنية الأولى حتى أيقن أن العلاج يكمن في الفنون المرئيّة التي تحقّق له الشهرة والذيوع، وتنتشله من عوالم التوحّد والكآبة والقنوط التي أطبقت عليه في العقود الثلاثة الأولى من حياته.

مَنْ يعرف أحمد زكي عن كثب يُدرك إصراره على التميّز في حياته الدراسيّة والإبداعية، فقد تخرّج في قسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية بتقدير امتياز، كما بدأ بانتقاء الأدوار الفنية المتنوعة التي لا تُسقطه في فخ التشابه والتكرار.

وعلى الرغم من بشرته السمراء وشعره المجعّد وملامحه الحادة، استطاع أحمد زكي أن يخترق مواصفات النجم السينمائي التي كانت سائدة آنذاك ويختطف قلوب المشاهدين في أدوار فنية متنوعة يُحاكي بعضُها هموم الفقراء، ويستنطق بعضها الآخر مشاكل الطبقة المتوسطة من دون أن يحرم نفسه من الأدوار الكبيرة التي نقشت اسمه في ذاكرة المشاهدين المصريين والعرب على حدٍ سواء كما هو الحال في الأفلام الثلاثة المتفردة “ناصر 56″ و”أيام السادات” و”حليم” التي تقمص فيها شخصياتهم ببراعة تامة يندر أن يجسّدها ممثل آخر بهذه الدقة والأناة والمصداقية التي يُغبط عليها، فكان بحق “مشخّصاتياً” فريداً لن يغادر ذاكرة المتلقين بسهولة.

ومثلما نجح أحمد زكي في تجسيد الأدوار التاريخية وسِير الأدباء والفنانين، نجح كذلك في تأدية الشخصيات الشعبية التي تبدأ بالعامل والفلاّح والفتوة، وتمرّ باللصّ والصعلوك وتاجر المخدرات، وتنتهي بضابط المباحث والوزير ورئيس الدولة. ونظرًا لأهمية هذه الشخصية الشعبية التي تقمصها الفنان على مدى أربعة عقود تقريبًا وتألق فيها إلى حد الإبهار، سنكرّس هذا المقال النقدي لتتبّع خمس شخصيات شعبية لا تزال حيّة نابضة في ذاكرة المشاهدين العرب الذين أحبّوا “نمرهم الأسود”.

مثلما نجح أحمد زكي في تجسيد الأدوار التاريخية وسِير الأدباء والفنانين، نجح كذلك في تأدية الشخصيات الشعبية

 

الشخصية الشعبية عند أحمد زكي

وبما أنّ المساحة الإبداعية للفنان أحمد زكي شاسعة جدًا، فإنّ هذه الدراسة النقدية ستقتصر على “الشخصية الشعبية” التي جسّدها الفنان في خمسة أفلام هي: شخصية الخرّاط في “النمر الأسود” (1984) لعاطف سالم، والبوّاب في “البيه البوّاب” (1987) لحسن إبراهيم، والدجّال في “البيضة والحجر” (1990) لعلي عبد الخالق، وعامل الكراج في “مستر كاراتيه” (1993) لمحمد خان، والسائق في “سوّاق الهانم” (1995) لحسن إبراهيم أيضًا.

مع الأخذ بنظر الاعتبار أن بعض هذه الشخصيات قد تتطور، حيث يصبح الخرّاط ملاكمًا أول الأمر ثم مديرًا لشركة استيراد وتصدير، كما يترقى البوّاب ليصبح سمسارًا يتاجر بالشقق السكنية، بينما يتخلّى المدرّس عن مهنة التدريس ليتحول إلى دجّال يمارس السحر والشعوذة. أما الشاب الريفي الذي يعمل في كراج فيتحول إلى منادٍ في موقف آخر للسيارات، قبل أن يعود في خاتمة المطاف إلى قريته

لينهمك في زراعة أرضه، بينما يبقى السائق متشبثًا بمهنته بعد أن يترك بنت الهانم ويعود إلى حبيبته في الحيّ الشعبي الذي يسكنه.

محمد حسن المصري يسند دور الخرّاط إلى أحمد زكي الذي أتقنه وأجاد فيه في فيلم “النمر الأسود”

 

النمر الأسود.. فقير يحصد الثراء بألمانيا

أنجز مخرج “الأسرة المصرية” عاطف سالم فيلم “النمر الأسود” عام 1984، وقد أسند دور الخرّاط محمد حسن المصري إلى أحمد زكي الذي أتقنه وأجاد فيه، فقد تدرّب على هذه الشخصية وقدّمها لنا بشكل مقنع مثلما قدم شخصية الملاكم، وذلك بعد أن تدرّب عليها لعدة شهور أيضًا وقدّمها بطريقة مقنعة وخالية من الافتعال.

تتناول القصة السينمائية للفيلم ثيمات وأفكار متعددة تتعلق بالفقر والغنى والفوارق الطبقية والهجرة والاندماج بالمجتمع والحُب والعنصرية والحنين إلى الوطن وما إلى ذلك، لكن شخصية محمد المصري منبثقة عن فقر مُدقع لعائلة مشتتة، فبعد انفصال أبويه اضطر لأن يعيش مع أمه بقرار من المحكمة، لكنه ظلّ يعمل مع والده الندّاف مدة من الزمن، إلى أن حذّرته إحدى الزبائن من غُبار القطن ونصحتهُ بإرسال الصبي إلى ورشة الخواجة باولو كي يتعلم مهنة الخراطة.

لم يمض وقت طويل حتى اكتشف الخواجة أن هذا الصبي موهوب وعلى درجة عالية من الذكاء، فعلّمه أسرار المهنة برمتها، وأكثر من ذلك عرض عليه أن يُؤمّن له عقدًا مع أحد المصانع الألمانية، لينطلق في رحلة الغربة والعمل الدؤوب ومحاولة الاندماج في المجتمع الألماني الجديد. لكن العنصرية تقف عائقًا أمامه فيُطرد من المعمل ويُحرَم من شهادة الخبرة، فيلتجئ إلى الملاكمة التي تعرّف إلى بعض أصولها وقوانينها، لكن المدرّب كوستا (أحمد مظهر) ينصحه بنسيان كل ما تعلّمه في مصر، واشترط عليه أن يبدأ من جديد فيخسر مرة ويفوز مرة حتى انتزع لقب “النمر الأسود”.

وفي خضم الأحداث المتلاطمة واحتمال نشوب الحرب مع إسرائيل يقرر محمد المصري العودة إلى بلاده، لكن حبيبته هيلغا (وفاء سالم) تثنيه عن العودة عندما تخبره بأنها حامل، وأن والدها العنصري سوف يرضخ للأمر الواقع ويبارك هذه الزيجة على مضض.

ينهمك محمد في عمله ويحقق الاختراع الذي كان يشغله ليل نهار، فتنقلب حياته رأسًا على عقب، ليصبح مديرًا للشركة ويتحدث بلغات عالمية عدّة، وتنهمر عليه النقود مثل المطر المدرار فيخلع رداءه الشعبي ليلبس حُلّة المديرين الأثرياء من دون أن ينسى جذوره الاجتماعية، أو يتخلى عن أهله وذويه وأصدقائه الذين عرفهم خلال حياته الاجتماعية المتقلبة.

 

البيه البوّاب.. ترقية إلى سمسار

يعتبر فيلم “البيه البواب” (1987) علامة فارقة في رصيد المخرج حسن إبراهيم صاحب “حكاية في كلمتين” و”القط أصله أسد”، وغيرها من الأفلام الاجتماعية المهمة التي تعتمد على الشخصية الشعبية، إذ قَدِم عبد السميع من إحدى قرى منفلوط إلى القاهرة وأصبح بوابًا لإحدى العمارات، ورغم كونه أميًّا فإنه ينجح في التعامل مع جميع سكّان العمارة ويتمكن من استغلالهم في بعض الأحيان. وقد تحوّل من بواب بسيط إلى سمسار يتاجر بالشقق المفروشة، ويقترن بالسيدة إلهام التي جسّدت دورها الفنانة صفية العمري وتألقت فيه.

لا شك في أنّ الملامح المصرية للفنان أحمد زكي وبشرته السمراء ولهجته المطواعة هي التي أمدّته بهذا القدر الكبير من المصداقية، وجعلته يتكيّف مع نموّ الشخصية وتطوراتها التدريجية التي أذهلت أصدقاءه ومعارفه الذين يتعاملون معه، حتى إن فرحات (فؤاد المهندس) الموظف المُحال على التقاعد قد عمِل معه وصار يناديه بـ”البيه عبد السميع”.

حين درس النُقّاد شخصية البيه عبد السميع الشعبية اكتشفوا أن الفنان أحمد زكي كان يعايش الشخصية التي يتقمصها ويذوب فيها ويتماهى بها إلى درجة التوحّد، وهذا الأمر ليس غريبًا عليه، إذ سبق له قبل تجسيد شخصية عميد الأدب العربي طه حسين أن جلس مرات عدة مع أكثر من 40 شخصًا كفيفا، وذلك كي يتأمل حركاتهم وسكناتهم ويفهم ردود أفعالهم إذا ما استفسر منهم أحد أو سألهم عن شيء ما، لذلك جاء دوره في مسلسل “الأيام” مكتملاً لا ينقصه شيء، حتى إنّ المُشاهد كان يشعر بأنه يرى حقًا رجلاً كفيفا.

لابدّ أن نأخذ في الاعتبار أن أحمد زكي لم يرهن نفسه لشخصية محددة بعينها، لذلك لم يسقط كأي مغفّل في مصيدة التكرار، وإنما ظلّ يلهث وراء التنوّع والبحث عن شخصية جديدة طالما أنه يتمتع بمعطيين أساسيين هما الاحتراف والمصداقية، فهو خريج معهد الفنون المسرحية وحاصل على درجة الامتياز والأول على دفعته، والأهمّ من ذلك كله أنه كان “صادقًا” في التعبير عن كل الشخصيات التي تقمصها بعد أن بذل فيها جهدًا كبيرًا لا يبذله الممثل العابر الذي لا ينقش اسمه في ذاكرة المتلقين.

ونظرًا لجودة تقمصه وتشخيصه الدقيق للأدوار التي أدّاها؛ دفع بالفنان والشاعر صلاح جاهين لأن يقول عنه “الواد ده ملموس” أو يخاطب الفتى الأسمر “إنتَ تولدت في غير زمانك”.

أحمد زكي مثّل شخصيات منوعة كالملاكم والبواب والدجّال وعامل الكراج ومنادي السيارات

 

البيضة والحجر.. من مدرّس فلسفة إلى دجّال

ينحدر البطل مستطاع الطعزي من وظيفة مدرّس فلسفة واجتماع إلى ممارسة أعمال السحر والشعوذة ليصبح دجّالاً بامتياز، وذلك في فيلم “البيضة والحجر” (1990) للمخرج علي عبد الخالق الذي عرفناه في “أنشودة الوداع” و”جري الوحوش”، قبل أن ينقطع كليًا إلى إخراج المسلسلات التلفزيونية.

يتمتع هذا الفيلم بالعديد من الثيمات الحسّاسة، من بينها معرفة الطالع عبر قراءة الكفّ أو الفنجان، وفكّ الأدعية المسحورة، وقراءة الغيب والتنبؤ بالمستقبل، وغيرها من أعمال الدجل والشعوذة.

وبخلاف الشخصيات الأخرى التي تبدأ بسيطة ثم تتطور في منزلتها الوظيفية والاجتماعية، يهبط مستطاع الطعزي من منزلة المدرِّس إلى الدجال بعد أن حجبوا راتبه الشهري لأنهم اعتقدوا أنه شيوعي ويتحدث عن “القيمة والاستهلاك والكلام الأحمر”.

ورغم أنه يحمل درجة الماجستير وينهمك في إعداد رسالة الدكتوراه التي تتمحور حول “الإنسان الحائر بين العلم والخرافة”، يجد نفسه مضطرًا لمزاولة السحر رغم أنه لا يُدرك طرائقه ولا يعرف شيئًا عنه، ومع ذلك فإنه ينجح في فكّ سحر رجلٍ تدّعي أمه أنه كان مربوطًا، ويكتشف في موضع آخر الزوجة التي سَرقت من زوجها مبلغًا من المال، ثم يتدرج في مهنته الجديدة التي ذاع صيتها في كل مكان حتى يبلغ أعلى المستويات، حيث يطلب منه المسؤول الكبير أن يعرف إن كانت الجراحة العاجلة التي ستُجرى لابنته ناجحة أم فاشلة فيعترف له بأنه دجّال، ويعزز كلامه بالقول “كذب المنجّمون ولو صدقوا”، ويطالبهم بأن يحاكموه لكنهم لم يفعلوا، فهم الذي صنعوا الدجال وآمنوا به، ويبرّر ذلك بخوف الناس من المستقبل، وهذا الخوف هو الذي يعطّل التفكير ويشلّ القدرة على التصرّف ويسبب القلق ويخلق الاستعداد بتقبل الإيحاء.

مَنْ يتمعّن في شخصية مستطاع الطعزي سيجد مرة أخرى حالة التعايش مع شخصية الدجّال واشتراطاته المعروفة، فقد استطاع أحمد زكي أن يُقنعنا بدوره، ولعله اندمج فيه أكثر مما يستدعي التقمص نفسه، وصار يضفي على الشخصية من عندياته كما يقول الناقد أحمد سيف إذ “ترك أحمد زكي بعضًا من نفسه في كل شخصية قام بتجسيدها”، بينما نميل نحن إلى الاعتقاد بأنه تمثّل الدور جيدًا وأتقنه، وتلاشى فيه حتى بات مُقنعًا لزبائنه ومريديه أولاً وللمتلقين الذين يشاهدون هذا الفيلم الذكي الذي يعرّي قاع المجتمع المصري ثانيا، ويغوص في شرائحه الاجتماعية الفقيرة والغنية على حد سواء، كما فعل مع الضابط الكبير والمسؤول الأول في الدولة.

 

مستر كاراتيه.. انتصار القرية على المدينة

يُعتبر فيلم “مستر كاراتيه” (1993) لمحمد خان انتقالا إلى الواقعية الجديدة التي يمثلها خيري بشارة وعاطف الطيب وشريف عرفة، إضافة إلى مخرجين آخرين.

يبدأ الفيلم من قرية مصرية يعاني معظم شبابها من البطالة، وبعد وفاة الوالد يضطر صلاح خريج معهد التجارة للسفر إلى القاهرة، ويعمل في ذات الكراج الذي عمل فيه والده، وهناك يتعرّف على نادية (نهلة سلامة) وتنشأ بينهما علاقة بريئة، لكنه يعترف لها بحبه ويتمنى أن تكون زوجة له.

تتصاعد الأحداث حينما يصدمه شاب طائش بسيارة فارهة فيدخل على أثرها المستشفى، ويخرج منها بساق معطوبة، ثم يجد عملاً آخر في موقف للسيارات، وينتحل شخصية رائد في المباحث كي يساعد امرأة طاعنة في السن أرهقتها المراجعات المتكررة لمصلحة المعاشات، وينجح في ذلك رغم ارتياب المدير وشكوكه بشخصية هذا الضابط المتنكر بهيأة منادٍ للسيارات. ثم يصطدم بأبي الوفا المليونير الغامض الذي يتاجر رجاله بالهيروين ويقدمه للعدالة، أما حبيبته نادية فتكتشف أنها لا تستطيع العيش من دونه، فتوافق على الزواج والعودة معه إلى القرية التي نزح منها، حيث يشرعان بزراعة الأرض بعد أن أجهضت المدينة أحلامهما العريضة.

ومثلما تدرّب أحمد زكي على شخصية الخرّاط والملاكم والبواب والدجّال، فقد تدرّب أيضًا على شخصية عامل الكراج ولاعب الكراتيه ومنادي السيارات، وأقنعنا كمتلقين بأنه ليس بعيدًا عن هذه الاختصاصات الثلاثة على اختلافها وتنوعها، وأشعرنا بصدق هذا التقمّص والتشخيص.

كما أن دور العاشق القروي البسيط كان متناغمًا مع ابن القرية الذي قال بالكاد إنه يحب نادية ويتمناها زوجة له. ورغم المدة الزمنية التي قضاها في العاصمة فإنه ظل محتفظًا بشخصيته الشعبية، ولعل عودته للقرية هي تأكيد لهذه الشخصية وتعزيز لها، بل إن القرية هي التي انتصرت على المدينة حينما استعادت الابن الذي جاء محتفيًا بزوجة جميلة يمحضها الكثير من الحُب.

فيلم “سوّاق الهانم” شكل تعزيزا لشخصية حمد زكي الشعبية الذي عمل سائق تاكسي عند لطيفة هانم

 

سوّاق الهانم.. أمٌّ متسلطة وعائلة مأزومة

يشكِّل فيلم “سوّاق الهانم” لحسن إبراهيم تعزيزًا للشخصية الشعبية في تجربة الفنان أحمد زكي الذي يعمل سائق تاكسي عند لطيفة هانم (سناء جميل) التي تنتمي إلى سلالة عائلة ملكية، وتعيش على ذكريات الماضي الذي بدأ يتلاشى من ذاكرة الجميع، لكنه يتجدد في ذاكرتها كل يوم.

وبما أن الأم متسلطة جدًا فإن زوجها حسني بيك حشمت باشا (عادل أدهم) يترك القصر ويفتح محلاً لبيع الزهور، كما يعتدي الابن فايق حسني على الخادمة فتحية، وتقع البنت المدللة أفكار حسني في حُب السائق الذي يحب جارته عواطف، فتتأزم أمور العائلة برمتها حينما تكتشف الأم حمل الخادمة، وتشاهد بأم عينيها تطور العلاقة العاطفية بين السائق وابنتها، فيتزوج الابن من الخادمة، ويعقد السائق قرانه على البنت “أفكار” التي تتراجع في اللحظات الأخيرة عندما ترى وجهًا لوجه أفراد عائلته الفقيرة التي تنتمي إلى قاع المجتمع، فيغادر هو الآخر الحفل ليتزوج من جارته عواطف، ويواصل حياته في الحي الشعبي الذي يسكنه.

إنّ مَنْ يتتبع شخصية “السوّاق” حمادة في هذا الفيلم يكتشف عفويته أولاً، وقدرته الفائقة على توصيل أحاسيسه ومشاعره المُرهفة في أوقات الحُب مع “أفكار حسني”، لكنه يتحول إلى وحش كاسر عندما يتعامل مع شقيقها فايق حسني الذي اعتدى على الخادمة، حيث أخذه إلى مشارف المدينة وأوسعه ضربًا على فعلته الشنعاء، وأجبره على الزواج منها بعد موافقة أبيه لدرء الفضيحة التي يمكن أن تتفجّر في أي لحظة.

مَنْ يعرف أحمد زكي عن كثب يُدرك إصراره على التميّز في حياته الدراسيّة والإبداعية

 

“المشخّصاتي”.. ظاهرة قلبت مواصفات النجم السينمائي

كثيرة هي الشخصيات الشعبية التي تقمصها الفنان أحمد زكي، فقد جسّد دور المصور الفوتوغرافي في “اضحك تطلع الصورة حلوة”، والشاب القروي الذي يتحول إلى سفّاح في “الهروب”، ومهرّب المخدرات في “حسن اللول”، والنصّاب في “أحلام هند وكاميليا”.. وغيرها من الشخصيات التي تنتمي إلى قاع المجتمع وشرائح واسعة من الطبقة الفقيرة. لكن هذا لم يمنعه من تناول شخصيات الضباط والمحامين والوزراء والرؤساء الذين تناوبوا على سدة السلطة.

نخلص إلى القول بأن “المشخصاتي” أحمد زكي هو ظاهرة فنية قلبت مواصفات النجم السينمائي الوسيم رأسًا على عقب، وصار بإمكان الشاب الأسمر ذي الشعر المجعّد أن يكون نجمًا، لأن البطولة لم تعد حكرًا على أصحاب البشرة البيضاء والعيون الخضر والقامات المثالية الممشوقة، فقد ألغى أحمد زكي كل اشتراطات الوسامة والجاذبية ومعطيات الجمال الخارجي ليحل محلها شرط الإبداع الذي يَعلق بذاكرة الناس، ويستقر في حدقات العيون.