الكاهن والفرعون.. البابا شنودة في حقبتي السادات ومبارك

ألهب حماسَ الناس بشعره وخطاباته، وعندما اصطدم بجمود الكنيسة اختلى بنفسه يصلي لربه، ثم عاد للمواجهة من جديد فهز الشارع وأربك القصر لسنوات، ولكنه أذعن للقوة فتخلى عن دور “الراهب الثائر” وقبِل أن يكون وسيطا بين الدولة والطائفة.

في أواخر القرن التاسع عشر كان السائد في مصر أن يصل رجل الدين لمناصبهم عبر الوراثة و”أن تكون مستوياتهم العملية متواضعة ويعيشون على ما يقدمه لهم الشعب” من هبات وتبرعات. لكن المجتمع القبطي ضاق بهذا الوضع، فقرر دفع الكنيسة لإصلاح ذاتها من الداخل وتثويرها على الدولة حتى تنتزع حقوق الطائفة وتفرض منطق المواطنة الكاملة في بلاد النيل.

 

بطل التغيير الذي ينشده الأقباط

في الثالث من أغسطس/آب عام 1923 ولد بطل التغيير الذي يبحث عنه الأقباط، فقد أنجب جيد رفائيل من زوجته بلسم جاد طفلا سمياه نظير. ونظير هذا هو البابا شنودة، الذي أنتجت الجزيرة الوثائقية فيلما من جزأين يروي مسيرته الثورية وعلاقاته الصدامية والتصالحية مع الدولة المصرية في حقبتي أنور السادات ومحمد حسني مبارك.

تيتّم نظير في مرحلة مبكرة من طفولته فعاش في كنف أخيه وتجول معه في مصر إلى أن استقر به المقام في القاهرة.

انخرط في التعليم النظامي “وكان جديا وهادئا ومتفوقا، اتسع أفقه، وحفظ 10 آلاف بيت من الشعر العربي وانحاز للذاكرة على حساب الموهبة”.

التحق نظير بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليا) واختار دراسة التاريخ، بينما خصص فراغه للخدمة في حركة “مدارس الأحد” التي أخذت على عاتقها تثقيف المجتمع القبطي وإصلاح الكنيسة.

يروي صديقه وزميله في الجامعة يسري سدارك أنه التحق بمدارس الأحد “متعلما فخادما”، فيما يُلاحظ الكاتب ميلاد أن الحركة بنت جيلا قبطيا جديدا.

ويقول الدكتور رفيق حبيب إن المجتمع القبطي كان حينها يرى أن على المؤسسة الكنسية أن تتغير من داخلها حتى تتعامل مع الخارج.

 

الأفغاني والبنا.. استلهام التجربتين

مدارس الأحد حركة أسسها حبيب جرجس وتأثرت بأفكار جمال الدين الأفغاني الذي يعد أحد أبرز رواد جيل التجديد في مصر والعالم الإسلامي.

وخرّجت الحركة العديد من المتعلمين العارفين بمبادئ المسيحية القبطية المصرية، وكان الجيل الثاني من روادها يضم نظير جيد رفائيل؛ شنودة لاحقا.

لعب نظير في أكثر من اتجاه، فقد كان طالبا جامعيا وخادما كنسيا وناشطا سياسيا حيث انضم لحزب الكتلة بزعامة مكرم أمين وألهب حماس الناس ضد رئيس الوزراء مصطفى النحاس.

نظير الذي اعتلى لاحقا عرش الكنيسة المصرية دبج قصائد كثيرة قضّت مضجع النحاس. ومما قال فيه:

الشعب منك تبرم … وللإله تظلّم
وأنت في الحكم تلهو … وفي الملا تتحكم
تلهو وتُظهر نُبلا … حتى انبرى لك مكرم

وانتسب نظير كذلك للجيش، لكنه لم يقاتل في حرب 1948. وانشغل لفترة بالصحافة فترأس تحرير مجلة مدارس الأحد وكان أول عدد منها يحمل رسما للمسيح وبيده سوط، مما يعني أن وقت المواجهة قد حان.

وبينما استلهمت مدارس الأحد أفكارها من الأفغاني، استنار إبراهيم فهمي بالشيخ حسن البنا وأسس جماعة “الأمة القبطية” فكانت شبيهة بحركة الإخوان المسلمين. وحينها انتمى للجماعة القبطية أكثر من 92 ألفا مما جعل فهمي يتحدث قائلا “الشعب لا يأتي باطلا، ونحن على حق والإخوان على حق”.

ويوضح الكاتب كمال زاخر أن الأمة القبطية كانت حركة ثورية ولديها رؤية إصلاح تختلف عن “مدارس الأحد” التي تركز على المجال الفكري، وكانت النتيجة حصول صِدام بين رؤى الشباب القبطي في الجانبين.

وفي حديثه بوثائقي الجزيرة يقول الأنبا بسنتي “إن حال الكنيسة المصرية في تلك الفترة لم يكن يرضي المسيحيين”.

نظير “البابا شنودة” كان جديا وهادئا ومتفوقا، حيث حفظ 10 آلاف بيت من الشعر العربي

 

الكنيسة.. الانقلاب الفاشل

بلغ السخط ذروته في يوليو/تموز 1952 عندما أَجبر شباب الأمة القبطية البابا يوساب على التنحي، ولكنه أعيد لمنصبه وقَبض عليهم، واستعصت الكنيسة على التغيير.

كان ذلك في أيام اندلاع ثورة يوليو/تموز 1952 ضد الملك فؤاد والتي قادها تنظيم الضباط الأحرار وانتهت بإعلان مصر جمهورية عربية عام 1953. وفي العام الموالي أصبح جمال عبد الناصر الرئيس الرسمي للبلاد بعد أن كان الرئيس الفعلي بحكم نفوذه داخل الضباط الأحرار وتهميشه للرئيس محمد نجيب.

إذن، نجحت الثورة في الدولة وفشلت داخل الكنيسة. يقول كمال زاخر “عجزت مجلة الأحد عن إجبار الكنيسة على الإصلاح، وعجزت “الأمة القبطية” عن تغييرها بالقوة”.

وقد أدرك نظير أن الرهبنة هي بوابة الإصلاح فسار على درب متّى المسكين ولحقه في دير السرياني في 1954 وتسمى بـ”أنطونيوس السرياني”.

سلّم نظير بعجزه عن التغيير على الأرض فطلق الحياة ولجأ إلى السماء رفقة جماعة من جيل الرهبان المتعلمين، وهناك أنشد:

أنا في البيداء وحدي … ليس لي شأن بغيري
لي جحر في شوق التل … قد أخفيت جحري
وسأمضي منه يوما … ساكنا ما لست أدري
تائها اجتاز في البيدا … ء من قفر إلى قفر

لقد دفن نفسه في الدير وانقطع لصلواته وتأملاته، وفي ذات الوقت حافظ على نشاطه الوعظي والتعليمي. لكن الراهب الشاب اصطدم فكريا بقدوته متّى المسكين وصار لكل منهما منهجه.

البابا شنودة ترأس تحرير مجلة مدارس الأحد، وكان أول عدد منها يحمل رسما للمسيح وبيده سوط

 

نصف راهب ونصف سياسي

يقول الكاتب فهمي هويدي إن “رهبانية شنودة لم تكتمل، فكان نصف راهب ونصف سياسي”. أما المفكر جمال البنا فيلاحظ أن “المسيحية لها علاقة بالسياسة وهذه المعاني بلورها المسكين في كتابه الصلاة الأرثوذكسية”.

وفي عام 1956 تنحى البابا يوساب، وحينها عاد الرهبان الجدد من دير السرياني طمعا في قيادة الكنيسة وإحداث التغيير المنشود.

أصابت هذه الخطوة رجال الكهنوت بالدهشة، لأن هؤلاء الشباب لم تكتمل رهبانيتهم أصلا ولم يمض على اعتكافهم أكثر من ثلاث سنوات، ثم إن طبيعة الكنيسة لا يمكن أن تتحمل التغيير الكاسح.

وبقرار إجرائي استُبعد رهبان “مدارس الأحد” من السباق لمنصب رأس الكنيسة وجرى البحث عن التغيير الهادئ، فوجدت الكنيسة ضالتها في مينا المتوحد وهو الأنبا كيرلس الثالث فصعد إلى عرش البابوية.

ومع بدء حقبة كيرلس دخل الكنيسة جيل جديد من الآباء المتعلمين، وعُيّن نظير جيد أسقا للتعليم وحينها تسمى بـ”الأنبا شنودة”، فكان حديثه بالجمعة أكبر اجتماع مسيحي بالشرق الأوسط.

وكان شنودة يُحدث الناس في همومهم “ويبسط الكتاب المقدس بلغة فصيحة” فصعد نجمه وأثر على المجتمع القبطي.

عام 1954 اتجه البابا شنودة إلى الرهبنة، وأدرك أنها بوابة الإصلاح

إلى الدير مجددا

ولكن البابا كيرلس لم يستطع تحمل هذه التغييرات. ويعلق هويدي “شنودة لم يكن معتدلا بل يجنح للتطرف”، وحينها قرر كيرلس إعادة شنودة للدير، ونشر الأخير مقالا عن حيثيات قرار إبعاده.

وبعد هزيمة 5 يونيو/حزيران 1967 كانت هناك حاجة للدين ليمثل طوق نجاة للمجتمع المنكسر، فعاد الناس للسماء وغابت الحكومة وحضر رجال الدين.

وكما خرجت الجماهير دعما لناصر ورفضا لتنحيه، خرجت أيضا ضد إبعاد شنودة إلى الدير “فكانت هذه بداية عهد ونهاية آخر”.

في 28 سبتمبر/أيلول 1970 توفي الرئيس جمال عبد الناصر إثر نوبة قلبية، فتولى أنور السادات مقاليد الحكم في مصر.

ويعلق أستاذ اللاهوت عبد المسيح بسيط على حقبة عبد الناصر بالقول “لا يمكن تعويضها. لم يواجه الأقباط أي مشاكل بسبب هويتهم الدينية”.

الكاتب فهمي هويدي قال إن شنودة لم يكن معتدلا، بل يجنح للتطرف

 

تتويج شنودة والصدام مع القصر

بعد ذلك بأشهر تنحى البابا كيرلس فجاءت انتخابات المجمع الكنسي بالشاعر الثائر والراهب المتسيّس شنودة فاعتلى سدة الكنيسة في يوم مشهود، وبدأ الصدام بين المعبد والقصر والكاهن والفرعون.

توافد المهنئون من كل ناحية وتُلي البيان الأول: “نحن المطارنة والأساقفة والكهنة والشمامسة اتفقنا جميعا بطيب قلب، فانتخبنا الأنبا شنودة بابا وبطريرك ورئيس أساقفة للكرسي الرسولي”.

وقد كان المجتمع القبطي يتوقع التغيير من الجيل الجديد من قادة الكنيسة ويدفعهم لمواجهة الدولة.

في البداية كانت العلاقة ودية جدا بين الجانبين، إذ التقى السادات بشنودة وحدثه عن اعتزازه بالكنيسة وحثه على أن يعيد لها أمجادها.

لكن الأقباط غضبوا من الدولة عام 1972 عندما أحرق مسلمون كنيسة تحت الإنشاء في حي الخنكة بمدينة القليوبية شمال القاهرة.

قرر شنودة المواجهة على طريقته فدخل في صوم مفتوح ونُقل عنه قوله “الوحدة الوطنية تهمني ولن يراني الرب آكلا قبل تحقق الوحدة”.

وكذلك، بعث بـ400 مسيحي وقال لهم “صلوا ولو ضربوكم.. لا تتحركوا”. وقد رافق الحادثة استقطاب وحشد أيدولوجي “وكانت أول محاولة للي ذراع الدولة”.

شكل مجلس الشعب لجنة لتقصي الحقائق فشخّصت وضع الكنيسة وسجلت تجاوزات الجانبين، ولكن الأقباط يقولون إن الحكومة لم تطبق تقرير اللجنة وإنما وضعته في الأدراج.

السادات قام بسنّ تشريع حد الردة، وأعلن تطبيق الشريعة الإسلامية، لكن الكنيسة لوّحت بالرفض

 

السادات.. تطبيق الشريعة

وحسب البعض فإن الكاتب محمد حسنين هيكل أوحى للسادات بأن البابا “يحاول لي ذراعه” وأشار عليه بأن يتخذ إجراء يبدو طبيعيا حتى لا يفهم أنه انحنى لغضب الكنيسة.

هذا الإجراء هو أن يزور الرئيسُ الأزهر ولاحقا الكنيسة. وعندما التقى بالبابا استمع منه لمشاكل الأقباط وقال له: كم كنيسة تحتاج في العام؟

رد البابا بأن الأقباط بحاجة لترخيص 25 كنيسة كل عام، فكان السادات متحمسا وقال: أنا أمنحكم خمسين كنيسة في العام.

بعد حرب أكتوبر (العاشر من رمضان) عام 1973 التأمت جراح مصر وتوحدت خلف الجيش عندما عبر قناة السويس بنجاح وحطم حصون خط بارليف.

لكن مصر سرعان ما شهدت انفجارا دينيا واستقطابا أيدولوجيا، فألف الشيخ الغزالي كتاب “قذائف الحق”، ونادى الشيخ كشك بأعلى صوته “مصر للمصريين المسلمين يعيش في ظلها غير المسلمين”.

ووسط الفوران الديني، خطب أنور السادات ود التيار الإسلامي لمواجهة التيارات السياسية الأخرى و”بهذا كان يُخيف الأقباط من حيث لا يدري”.

وعندما تصاعد المد الديني بدا الجانبان في سباق محموم، وكلٌّ يعزز هويته، فحصل الاحتقان ثم الصدام من جديد.

وعندما سن السادات تشريع حد الردة وأعلن تطبيق الشريعة الإسلامية؛ لوّحت الكنيسة بالرفض ورأت في التوجه استهدافا مباشرا للأقباط.

يقول فهمي هويدي إن “هوية المجتمع العربي الإسلامي في مصر لم تكن محل خلاف ولم تشكل تهديدا للآخرين، لكن قاعدة الاحترام المتبادل تراجعت”.

الفجوة بين السادات والبابا شنودة اتسعت،  إذ شعر السادات بأن الكنيسة تحاول فعلا فرض مطالب الأقباط

 

الكنيسة تتحدى

ردت الكنيسة على القصر بتنظيم مؤتمر ديني مسيحي عام 1971 تناول حرية المعتقد والزواج المسيحي ورفْض تطبيق الشريعة على غير المسلمين، كما طالب الأقباط بالصوم ثلاثة أيام للفت الانتباه لقضيتهم.

استدعى الرئيس السادات مشيخة الأزهر ورجال الكنيسة، وتحدث البابا أمام الرئيس وطلب منه وضع حد للشغب ومحاسبة الفوضويين، وفي المقابل تعهد بالوقوف معه وتأليف كتب في الفضيلة والسعي لنزع فتيل التوتر.

وعلى الفور أشاد السادات بالبابا وقال إن مقترحاته قيّمة وإنها كانت تجول في خاطره، مما يعني اتفاقهما جملة وتفصيلا.

لكن ذلك لم يضع حدا للتصعيد، فقد نظم الأزهر مؤتمرا ردا على الكنيسة وقال إن تطبيق الشريعة لا يحتاج إذنا من أحد. فردت الكنيسة بالصوم. ويقول كمال زاخر “اتسعت الفجوة بين الرئيس والبابا”، إذ شعر السادات بأن الكنيسة تحاول فعلا فرض مطالب الأقباط.

ولاحقا، التقى السادات بالمجمع المقدس وحصل حوار صريح وتفهم الأمور. ولتنفيس الاحتقان اقترح وزير الإسكان حسن الكفراوي تأسيس جامع وكنيسة في مكان واحد بحضور شيخ الأزهر والبابا شنودة، فكان حفلا وطنيا.

وفي حديثه بوثائقي الجزيرة يروي كفراوي أن الحدث “نوّم الفتنة وخلصت الحدوتة”، ويضيف أن الرئيس اتصل به شاكرا وخاطبه “لقد قمت بعمل عظيم”.

بعد حرب أكتوبر شهدت مصر انفجارا دينيا، حيث بدا الجانبان الإسلامي والمسيحي في سباق محموم لتعزيز الهوية

 

فتنة طائفية.. الزاوية الحمراء

لكن الفتنة استيقظت في نهاية السبعينيات وكانت الجامعات ساحات للاستقطاب الطائفي، وفي هذه الفترة “خرجت الجماعات الإسلامية عن التوازن الساداتي”.

وقد رفض السادات مقابلة شنودة “فعز عليه الأمر” انطلاقا من كون الرئيس يقابل كل أصحاب القضايا والمشاكل فكيف يرفض الاجتماع برأس الكنيسة القبطية.

وفي الخامس من يونيو/حزيران وقعت حادثة الزاوية الحمراء التي تعد واحدة من أعظم الفتن الطائفية في مصر إذ قُتل عدد من الأقباط في اقتتال مع المسلمين، واختلف الجانبان في أسبابه. وحينها قرر البابا المواجهة بطريقته، فألغى عيد القيامة ورفض استقبال المهنئين واعتكف في الدير.

وصل الجانبان إلى طريق مسدود فأراد السادات الانقلاب على شنودة ووضع متّى المسكين بدلا منه على رأس الكنيسة بحجة أن البابا “يلعب بالسياسة ويريد إقامة دولة قبطية في مصر”.

وحسب الوزير السابق يحيى الجمل، فإن الشرارة أطلقها أناس متخلّفون من الجانبين، ليضيف “عاد السادات عصبيا من أمريكا وأصدر قرارات انفعالية جدا”.

ومن أهم هذه القرارات عزل شنودة من منصب بابا الكنيسة. وقد تلا السادات القرار على وقع تصفيق الحضور وبينهم نواب من الأقباط.

وتضمن القرار تشكيل لجنة من خمسة أساقفة للقيام بالمهام البابوية، لكنها رفضت التكليف لأن “الإجراء غير عاقل والبابا لا يُعزل”.

الرئيس المصري حسني مبارك يُسلّم على البابا شنودة، ويُعيده إلى منصب بابا الكنيسة، بعد أن تم عزله في عهد السادات

 

اغتيال السادات.. عقوبة الرب

عاد البابا إلى الدير مرة أخرى. وفي السادس من أكتوبر/تشرين الأول من ذات العام اغتيل محمد أنور السادات في حفل عسكري.

اعتبر الأقباط أن اغتيال السادات عمل إلهي وأنه كان العقوبة المناسبة لتسلطه على البابا، وكان لدى المسلمين شعور مماثل بأن السادات أيضا لقي جزاء “تطبيعه مع إسرائيل”.

جاء حسني مبارك للسلطة، وواصل شنودة إقامته في الدير “فألف كتبا واهتم بالرهبان والعمل الزراعي”.

عاد الكفراوي للمساعي التوفيقية ورجا مبارك السماح لشنودة بالعودة لمنصبه. بدا مبارك خائفا من رد فعل الإخوان وشيوخ الدين الإسلامي بمصر.

وقد دخلت الكنيسة والقصر في مفاوضات انتهت عام 1985 بالسماح لشنودة بالعودة لمنصبه ولكن بشروط، فقد قبل بأشياء لم يكن يقبلها وتحول لشخص هادئ ولم يعد ينتفض لأي خبر لا يسره.

تكرّس ولاء الأقباط للبابا شنودة وواصل بناء الكنيسة، فكانت دولة داخل الدولة وصار محور القضية القبطية ورمزها.

ولفترة دخل الهلال والصليب في هدنة. وعندما عاد التوتر وسال الدم من جديد في الإسكندرية تجنب شنودة الصدام مع الدولة واكتفى بلعب دور الوسيط بين الطائفة والقصر.