تقي الدين الهلالي.. مدرس الحرمين وحليف هتلر ومؤسس السلفية بالمغرب

يونس مسكين

“إن التدين لا يعني التأخر أو الرجعية أو ما إلى ذلك من هذه الألفاظ التي نسمعها تلقى في مجازفة وغير مبالاة، وإذا كان شبابنا يريد أن يزعم أن ألمانيا -مثلا- رجعية أو متأخرة، فإنه حر في ذلك، لكن الواقع يكذبه، إن أحد أبناء الدكتور أديناور راهب معروف، وإن قسم اللاهوت في كل جامعة ألمانية هو أقوى الأقسام نفوذا، وأكثرها تمتعا بالاحترام والتقدير، والأساتذة جميعا يحضرون الصلوات، وكذلك رجال الحكومة، وعلى رأسهم الدكتور أديناور نفسه”.[1]

الحديث هنا لرجل يعتبر المؤسس الفعلي للتيار السلفي في المغرب، والمرجع الأول لكبار الشيوخ والمنتسبين إلى هذا التيار الديني في المملكة، إنه الشيخ محمد تقي الدين الهلالي. رجل تنطبق عليه مقولة “جمع العلم من أطرافه”، لسببين اثنين على الأقل:

الأول أنه بدأ حياته الفكرية والدينية متصوفا ومنتسبا لإحدى أكثر الطرق الصوفية انتشارا وتأثيرا في المغرب العربي، ثم انتهى مؤسسا وأبا روحيا للتيار السلفي فيه، والثاني أنه توجّه بداية حياته شطر المشرق العربي، وذهب فيه أبعد حين انتقل إلى الهند وشرق آسيا مزاوجا بين التدريس وطلب العلم، وانتهى به المطاف مقيما في ألمانيا وداعيا إلى الاستلهام من الغرب أيضا.

يقول الشيخ محمد تقي الدين الهلالي في أحد أحاديثه: أنصح كل طالب مغربي يفكر في السفر إلى الخارج لإتمام دراسته أن لا يتوجه إلى الشرق العربي، إذا كان يرغب في دراسة العلوم التطبيقية التجريبية، من طب وهندسة وصيدلة وما إلى ذلك، بل يتوجه إلى إحدى العواصم العلمية الأوروبية، كما أوجه النظر إلى أنه ينبغي أن يكون لنا في كل عاصمة علمية -لنا فيها طلبة- مشرف عليهم معين من طرف وزارة المعارف، وذلك كما هو الشأن مع كل البعثات العلمية.[2]

 

من بلاد الحرمين إلى أكناف “هتلر”.. رحلة إلى الشرق والغرب

تقي الدين الهلالي هو شخصية دينية وعلمية لم تنل نصيبها من الشهرة والتعريف، نظرا لموقف عموم العلماء المغاربة منه ومن اختياره النهج الوهابي بعدما كان متصوفا بالطريقة التيجانية المغربية.

حمله طلبه للعلم في بدايات القرن العشرين للانتقال إلى الديار السعودية، حيث تعرّف على أبرز شخصياتها وعلمائها، يتقدمهم الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية، وهو ما مكنه من تولي مهمة التدريس في المسجد النبوي، ثم المعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة.

وباقتراح من شكيب أرسلان، انتقل إلى ألمانيا لتقديم رسالة دكتوراه سنة 1940، وهناك تقرب من “هتلر” وأشرف على إذاعته الناطقة بالعربية، في سياق دعم ألمانيا للشعوب العربية ضد مستعمريهم الأوروبيين الذين كانت ألمانيا تخوض الحرب ضدهم.

وفي نهاية حياته، عاد تقي الدين إلى المغرب، بعدما كان قد شارك في مقاومة الاستعمار، ليصبح رمزا للسلفية الوهابية في المغرب الأقصى إلى أن فارق الحياة.

وهو أيضا واحد من أبرز الشخصيات التي بصمت التاريخ الأدبي والفكري للمغرب في العصر الحديث، لما كان لمّ من إسهام كبير وربط عملي بين بلاد المغرب الأقصى والمشرق العربي.

ولد العلامة تقي الدين الهلالي في قرية يقال لها الفرخ بجهة تافيلالت (سجلماسة) شرق المغرب

 

تافيلالت.. اقتطاف مبادئ العلم في ظل المعلم الأول

أبصر أبو شكيب النور أول مرة سنة 1893 في قرية يقال لها الفرخ بجهة تافيلالت (سجلماسة) شرق المغرب، وذلك بعدما كان أسلافه قد استقروا بها قادمين من القيروان في القرن التاسع للهجرة، وكانوا أسرة علم وفقه على غرار كثير من الأسر التونسية التي هاجرت إلى المغرب.

تلقى مبادئ العلم الأولى على يد والده في البداية، وأكمل حفظ القرآن وهو ابن 12، ثم انتقل إلى بلاد الجزائر طلبا للرزق، وواصل تعليمه هناك على يد الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي لنحو سبع سنين.[3]

يلقّب تقي الدين بالهلالي نسبة إلى جده الحادي عشر الذي كان اسمه هلال، وأما كنيته أبو شكيب فهي بسبب أنه سمى أول ولد له على اسم صديقه الأمير شكيب أرسلان.[4]

توفي والده ومعلّمه الأول وهو ابن 13 عاما، مما أوقف المسار الذي كان قد رسمه له والده قيد حياته، حيث كان ينوي الانتقال به إلى جامعة القرويين بمدينة فاس لإتمام تعليمه. وبعد بلوغه سن الرشد انتقل إلى زاوية “آیت إسحاق” بقبيلة “آيت أخلف” بمنطقة سوس وسط المغرب، وبقي هناك سنتين، ثم عاد إلى تافيلالت.[5]

في جامعة القرويين بمدينة فاس، جلس الهلالي لتلقي العلم من كبار علمائها

 

شد الرحال في الأقطار لطلب العلم.. الرؤيا النبوية

شدّ محمد تقي الدين الرحال من مسقط رأسه لأول مرة خارج الديار المغربية، وتحديدا نحو الجزائر، حيث استقر به المقام في ضيافة قبيلة أحميان، حيث كان يعتزم التحول من طلب العلم إلى التجارة، لكن رؤيته للرسول محمد ﷺ في المنام وهو يأمره بطلب العلم، جعلته يستأنف مساره الدراسي.[6]

وقبل بلوغه سن الثلاثين عاد إلى المغرب، وراح ينهل من علم جامعة القرويين بمدينة فاس، حيث حضر جلسات كبار علمائها، قبل أن يشد رحاله نحو المشرق العربي، ويحط الرحال بأرض مصر، ليلتقي بكبار مشايخ القاهرة ويشهد دروس الأزهر الشريف، ومن أرض الكنانة سوف يشد الرحال نحو الديار المقدسة لأداء مناسك الحج، ثم الهند حيث أخذ العلم عن كبار علمائها، خاصة علم الحديث.

حين أخبر تقي الدين الهلالي أول مرة أصحابه بنيته السفر إلى الهند لاستكمال طلب العلم، ردّ عليه الشيخ محمد حمزة، أحد تلامذة الشيخ رشيد رضا بمصر: هذه همة تصحبها حماقة. وتعني كلمة الحماقة هنا جرأة طالب فقير على طموح كمثل السفر إلى الهند في الوقت الذي يعجز فيه علماء ميسورون عن ذلك.[7]

مكث الشيخ تقي الدين في الهند خمسة عشر شهرا، تتلمذ خلالها لأعلام رجال الحديث كالشيخ عبد الرحمن المباركفوري شارح الترمذي.[8]

بتوصية من محمد رشيد رضا إلى الملك عبد العزيز آل سعود، عُين الهلالي مراقبا للتدريس في المسجد النبوي

 

“أفضل من جاءكم من علماء الآفاق”.. توصية إلى الملك

ككل من أراد أن يجمع العلم من أطرافه، انتقل تقي الدين من الهند إلى العراق، حيث التقى بمؤسس مدرسة النجاة الأهلية بمدينة الزبير (قرب البصرة)، العالم الموريتاني محمد الأمين الشنقيطي، وتوثقت علاقته به فتزوج من ابنته، قبل أن يواصل ترحاله عائدا إلى أرض الكنانة، ومنها حصل على رسالة توصية من محمد رشيد رضا موجهة إلى الملك عبد العزيز آل سعود، قال فيها إن “محمد تقي الدين الهلالي المغربي أفضل من جاءكم من علماء الآفاق، فأرجوا أن تستفيدوا من علمه”.[9]

بعد مكوثه في ضيافة آل سعود، وذلك لفترة تقدر ببضعة أشهر، عيّن تقي الدين الهلالي مراقبا للتدريس في المسجد النبوي، ثم انتقل بعد انقضاء عامين إلى المسجد الحرام والمعهد السعودي بمكة المكرمة، حيث اشتغل هناك سنة كاملة، قبل أن يستجيب لنداءات كانت تصله عبر رسائل من علماء الهند وإندونيسيا، تدعوه للقدوم إليهم وإفادتهم من علمه.

استقر تقي الدين مجددا في الهند، حيث عيّن أستاذا للأدب العربي في كلية ندوة العلماء في مدينة “لكنهاو” الهندية. واستغل تقي الدين مقامه هذا ليجمع بين التدريس وبين تعلّم اللغة الإنجليزية، كما أصدر مجلة علمية متخصصة باسم “الضياء”، قبل أن يعود إلى مدينة الزبير العراقية ليعمل مدرسا في مدرسة “النجاة” التي أسسها صهره.

في رحلته إلى سويسرا سنة 1936، نزل الهلالي ضيفا على أمير البيان شكيب أرسلان

 

ضيافة الأمير شكيب أرسلان.. جسر إلى الدكتوراه في ألمانيا

بعد ترحاله المكثف بين الأقطار العربية والإسلامية، انتقل تقي الدين الهلالي من العراق مباشرة إلى جنيف السويسرية سنة 1936، حيث نزل ضيفا على أمير البيان شكيب أرسلان الذي كان يقود المقاومة الفكرية والسياسية العربية ضد الأطماع الاستعمارية الغربية في البلاد العربية.

كان الشيخ الهلالي ينوي السفر إلى بريطانيا لإتمام دراسته هناك، وكان الذي يشجعه على ذلك أنه تعلم اللغة الإنجليزية أثناء مقامه بالهند، لكن الإقامة والدراسة في بريطانيا كانت تتطلب نفقات باهظة لم يكن تقي الدين يستطيع تحمل شيء منها.

في حمأة هذا الوضع المأزوم، كتب إلى الأمير عادل أرسلان الذي كان مقيما إذ ذاك ببريطانيا، يسأله: “كم يكلف في بريطانيا القوت الذي يدفع الموت؟” فأجابه الأمير: “إن القوت الذي يدفع الموت معناه في هذه البلاد هو الموت”.

في تلك الأثناء كان أحد كبار الأساتذة الألمان، وهو الدكتور “بريفر”، يزور الأمير شكيب أرسلان في جنيف، ويعلن له أن في جامعة بون بألمانيا منصبا شاغرا لتدريس اللغة العربية، فيرشح الأمير شكيب لهذا المنصب صديقه تقي الدين.[10]

حصل تقي الدين على توصية من أرسلان موجهة إلى وزارة الخارجية الألمانية، يدعوه فيها إلى تعيينه مدرسا للغة العربية، وتمكينه من راتب يعينه على مصاريف دراسته، وهو ما تحقق بالفعل، حيث انتقل تقي الدين إلى جامعة بون ليدرّس فيها اللغة العربية، وسجّل نفسه طالبا في الجامعة نفسها، حيث راح يمارس الترجمة بين اللغتين العربية والألمانية، قبل أن يشد الرحال نحو جامعة برلين أستاذا وطالبا في الوقت نفسه كعادته، ثم مشرفا على الإذاعة العربية بدءا من سنة 1939.

وقد توّج أبو شكيب رحلته العلمية في ألمانيا بتقديمه أطروحة دكتوراة عام 1940، خصصها ليدحض مزاعم المستشرقين الكبار في تلك الحقبة، ويجادل ما كانوا ينشرونه حول العالمين العربي والإسلامي.

عمل الهلالي في راديو ألمانيا محرّضا العرب ضد الاستعمار الفرنسي والإنجليزي، وممجدا للنازية

 

“شخصية استثنائية عبرت القرن العشرين بالطول والعرض”

لطالما كان المسار الحافل لتقي الدين الهلالي يجعل الكثير من المثقفين والباحثين يفاجؤون بشخصيته حين يقرأون عنها لأول مرة. يقول الصحافي المغربي المقيم في فرنسا جمال بدومة في أحد مقالاته: تعرفت بالصدفة على شخصية محمد تقي الدين الهلالي، بينما كنت أقرأ عن إذاعة برلين التي أسسها مدافعون عن القضية العربية في نهاية الثلاثينيات، بتمويل من “هتلر”، وازدهرت مع الحرب العالمية الثانية.

ويقول إن ما استوقفه هو وجود مغربي ضمن طاقم الراديو الذي كان يحرّض العرب ضد الاستعمار الفرنسي والإنجليزي، ويمجد النازية، “اقتفيت أثره بين الكتب والمقالات، واكتشفت شخصية استثنائية عبرت القرن العشرين بالطول والعرض، وخلفت تركة تثير الدهشة والإعجاب وكثيرا من الجدل.[11]

إلى جانب مهامه في الإذاعة العربية للحكومة الألمانية، تولى تقي الدين الهلالي مهمة مراسلة الصحيفة التي كان يشرف على إصدارها الشيخ حسن البنا، وذلك بعد اضطراره إلى مغادرة ألمانيا إثر اندلاع الحرب العالمية الثانية، ومكث نحوا من خمس سنوات في مدينة تطوان.

حين اكتشف الإسبان أمره اعتقدوا أنه مبعوث من طرف الألمان لتأليب الوطنيين المغاربة ضدهم، فتواطأوا مع السفارة العراقية في روما كي لا تجدد له جواز سفره، ويمنع بالتالي من العودة إلى أوروبا، كما روى بنفسه في كتاب “الدعوة إلى الله في أقطار مُختلفة”.[12]

كان الهلالي على تواصل مع مجلة الدعوة التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في أربعينيات القرن العشرين

 

“أعادي فرنسا ما حييتُ”.. قلم المقاومة

اشتهر تقي الدين الهلالي في تلك الفترة بمقاومته الفكرية والأدبية للأطماع الاستعمارية الغربية، ولا سيما الاحتلالان الفرنسي والإسباني للمغرب، حيث بقيت أشعاره وكتاباته شاهدة على مواقفه، على رأسها قصيدته التي يقول فيها:

أُعادي فرنسا ما حييتُ، وإن أمُت
فأوصي أحبائي يعادونها بعدي

كان الهلالي يبعث مراسلاته الموجهة إلى المجلة التابعة للإخوان المسلمين عبر البريد الإنجليزي، إلا أن الإسبان الذين كانوا يحتلون شمال المغرب وقتها، كانوا يتجسسون على مراسلاته، ليقدموا -بعد اكتشافهم أنه يهاجمهم في كتاباته- على اعتقاله وسجنه لمدة ثلاثة أيام، مما أثار احتجاجات شعبية دعمتها إذاعة لندن العربية، حتى أطلق سراحه.[13]

وقد أكسبته تنقلاته المتعددة لغات ولهجات عديدة، حيث أتقن إلى جانب اللغة العربية لغات البلدان التي زارها واستقر فيها، مثل الألمانية والهندية والإنجليزية. ففي ألمانيا مثلا كان تقي الدين في بداياته يشرح لطلبته النصوص العربية باللغة الإنجليزية، وبما أن الطالب الألماني في الجامعة مطلوب منه أن يكون قادرا على تلقي العلم بلغتين على الأقل إلى جانب اللغة الألمانية، فإن هاتين اللغتين هما غالبا الفرنسية والإنجليزية.[14]

يعد تقي الدين الهلالي مؤسس السلفية وناقل الفكر الوهابي في المغرب العربي

 

تأسيس السلفية العلمية بالمغرب.. خطة التقاعد

إدمان الشيخ الهلالي لهواية الترحال بين الأقطار، جعله يسافر من جديد إلى العراق سنة 1947، حيث عمل مدرسا في جامعة الملكة عالية ببغداد، قبل أن يضطر للمغادرة مجددا إثر الانقلاب العسكري سنة 1959، فقفل عائدا إلى المغرب، وعمل أستاذا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط إلى غاية 1968، حين سافر من جديد إلى المدينة المنورة، وعمل أستاذا زائرا بالجامعة الإسلامية إلى غاية 1974، سنة عودته للاستقرار في المغرب والتفرغ للدعوة.[15]

ويجمع المختصون على أن الشيخ الهلالي هو أصل انتشار المذهب السلفي العلمي في المغرب، حيث كان بعد عودته الأخيرة إلى المغرب متفرغا بشكل كامل لأمر الدعوة السلفية. وبعدما كان هذا التيار يتوحد في شخصه، فقد أدت وفاته إلى ظهور عدد من التيارات السلفية المختلفة.[16]

وقد اتسم ظهور السلفية في المغرب بسياق خاص، حيث ارتبط هذا التيار بظهور الحركة الوطنية ضد الاستعمار، وهو ما يفسر استعمال عبارة “السلفية الوطنية”، قبل أن يظهر التيار المعروف باسم “السلفية العلمية”، ويعتبر تقي الدين مؤسسه الفعلي في المغرب، وهو نوع من السلفية المتأثرة بالمشرق العربي، ومن هنا جاء وصف “العلمية” للإشارة إلى المراجع الفكرية المصرية والسعودية كوثائق علمية خالية من الخطاب الفكري الوطني الذي خالط السلفية الأولى في المغرب.[17]

“الهدية الهادية إلى الطائفة التيجانية”.. انقلاب على رفقاء البدايات

بالنظر إلى البيئة الفكرية والدينية المغربية، استهل تقي الدين الهلالي حياته متصوفا في الطريقة التيجانية، لكنه سرعان ما ثار على الفكر الصوفي وراح يناظر أحد كبار علماء المغرب وقتها شيخ الإسلام محمد بلعربي العلوي. وأصدر الهلالي كتابا خاصا بنقد الطريقة التيجانية بعنوان “الهدية الهادية إلى الطائفة التيجانية”.[18]

وتحتفظ الآثار المكتوبة حول أرشيف هذه الطريقة الصوفية، ببصماته خلال انتمائه إليها، حيث تتلمذ على يد شيخ الزاوية التيجانية وكبير علمائها في بداية القرن العشرين أحمد سكيرج، وذلك بمدينة وجدة الحدودية مع الجزائر. وتحتفظ المراجع الموثقة بدلائل الانتماء الصوفي للهلالي في بداياته، ومنه قصيدة مدح فيها عبد الحي الكتاني، وهو أحد رموز التصوف في المغرب وقتها، ويقول فيها[19]:

طلع البدر علينا فَشَجا
من ثنيات الوداع المُهَجا
وكسَت أنوارُه كلَّ رجا
من نَواحِينا ففاحت أَرَجا
ذاك عبدُ الحي شمس العلما
من غدا في الناس فردا علما

ألف الهلالي عشرات الكتب التي حملت الفكر السلفي الوهابي

 

أرشيف الترجمة والتأليف.. مكتبة الهلالي

إثر عودته للاستقرار الدائم في المغرب، بعثت مجلة “دعوة الحق” التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مراسلها لإجراء حديث مع تقي الدين الهلالي، حيث تستهل مقالها الذي يحتفظ به أرشيفها الموثق، بالقول إن مبعوثها ذهل بما رأى منه في “الفندق الملكي”، مما يشير إلى طبيعة الاستقبال الخاص الذي حظي به الهلالي.[20]

لم يوجّه تقي الدين الهلالي نقده إلى السلفية الوطنية بقدر ما تخصص في مجابهة الفكر الصوفي إلى آخر أيام حياته التي انقضت عام 1987، حيث ارتكزت الدعوة السلفية العلمية على مبادئ أساسية تتمثل في محاربة شرك القبور وشيوع الخرافات والممارسات الجاهلية، وما اعتبروه مظاهر العبودية لغير الله، والتمسك بحرفية النصوص الدينية من قرآن وسنة، والاقتداء بسنن السلف الصالح في أقوالهم وأفعالهم والابتعاد عما ابتعدوا عنه.[21]

وقد أصدر الهلالي ترجمة إنجليزية للقرآن الكريم، وترجم صحيح البخاري أيضا، كما سمحت له حظوته العلمية بمجالسة الأمراء والملوك، سواء في المشرق العربي أو في المغرب نفسه، بينما يعتبر أبرز شيوخ السلفية الذين عرفهم المغرب في العقود الحديثة من تلامذته.

ومن مؤلفاته كتاب “الحسام الماحق لكل مشرك ومنافق” الذي يرد فيه على دعاة البدع مثل عبادة القبور والأضرحة والتوسُّل بها والتقرُّب إليها بشتى العبادات، وكتاب “سبيل الرشاد في هدي خير العباد”، ويتطرق فيه لمواضيع مثل توحيد الله بالعبادة وتوحيد الربوبية وتوحيد الاتباع، ثم كتاب “الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة”، ويتطرق فيه لتجربته الخاصة في الدعوة بين عامي 1340-1391 للهجرة، حيث يحكي بعض قصص معاناته، كمثل ما جرى له في الإسكندرية حين طرده مغاربة تيجانيون من بيت مخصص للمغاربة. كما يحكي الشيخ تقي الدين في هذا الكتاب قصص بعض مناظراته التي جرت في الأزهر الشريف، ومواجهاته الفكرية مع المتصوفين في مدينة تطوان.[22]

يروي أحد المقربين من الشيخ الهلالي، وهو عبد الله الشرقاوي المقيم بمدينة الرباط، كيف كان الشيخ محمد تقي الدين في أواخر أيام حياته مريضا طريح الفراش، وكان لا يستطيع أن يتوضأ فكان يتيمم، وكان رحمه الله لا يرى التيمم بالحجر، بل يتيمم بالتراب، إذ كان له بمنزله كيس يملؤه بالتراب لذلك الغرض، وإذا قيل له تيمم بالحجر، قال لا هذا فعل رسول الله ﷺ.[23]

 

المصادر

[1] http://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/50-أراء-وأحاديث-مع-الدكتور-تقي-الدين-الهلالي
[2] http://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/50-أراء-وأحاديث-مع-الدكتور-تقي-الدين-الهلالي

[3] http://pjd.ma/الاخبار/تقي-الدين-الهلالي-شيخ-الإسلام-والعلامة-المقاوم-الذي-ترك-آثاره-في-كل-مكان-وزمان
[4] http://www.alhilali.net/sira/754-سيرة-الدكتور-تقي-الدين-الهلالي/
[5] http://www.alhilali.net/sira/754-سيرة-الدكتور-تقي-الدين-الهلالي/
[6] http://www.alhilali.net/sira/754-سيرة-الدكتور-تقي-الدين-الهلالي/
[7] http://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/50-أراء-وأحاديث-مع-الدكتور-تقي-الدين-الهلالي
[8] http://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/50-أراء-وأحاديث-مع-الدكتور-تقي-الدين-الهلالي
[9] http://pjd.ma/الاخبار/تقي-الدين-الهلالي-شيخ-الإسلام-والعلامة-المقاوم-الذي-ترك-آثاره-في-كل-مكان-وزمان
[10] http://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/50-أراء-وأحاديث-مع-الدكتور-تقي-الدين-الهلالي
[11] https://alyaoum24.com/1091213.html
[12] https://ar.islamway.net/article/37919/الدعوة-إلى-الله-في-أقطار-مختلفة
[13] http://pjd.ma/الاخبار/تقي-الدين-الهلالي-شيخ-الإسلام-والعلامة-المقاوم-الذي-ترك-آثاره-في-كل-مكان-وزمان
[14] http://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/50-أراء-وأحاديث-مع-الدكتور-تقي-الدين-الهلالي
[15] http://pjd.ma/الاخبار/تقي-الدين-الهلالي-شيخ-الإسلام-والعلامة-المقاوم-الذي-ترك-آثاره-في-كل-مكان-وزمان
[16] https://www.hespress.com/الشيخ-تقي-الدين-الهلالي-بوابة-دخول-ال-432943.html
[17] https://studies.aljazeera.net/en/node/3610
[18] https://alyaoum24.com/1091213.html
[19] https://www.oujdacity.net/regional-article-136834-ar/ذاكرة-مدينة-وجدة-المعرفية-محمد-تقي-الد.html
[20] http://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/50-أراء-وأحاديث-مع-الدكتور-تقي-الدين-الهلالي
[21] https://studies.aljazeera.net/en/node/3610
[22] https://ar.islamway.net/scholar/2575/محمد-تقي-الدين-الهلالي
[23] http://howiyapress.com/هذه-هي-خاتمة-الشيخ-محمد-تقي-الدين-الهلا/