“لويس لوبرانس”.. لغز اختفاء المجهول الذي اخترع عالم الصورة المتحركة

حميد بن عمرة

لا تدور الحروب دوما حول استرجاع قطعة أرض أو آبار بترول منهوبة، بل إنها قد تقوم على جبهات سرية طاحنة أسبابها حول الاختراعات العلمية والفنية، فهل التاريخ يكتبه حقا المنتصرون أم أنه قابل للمراجعة؟

يستخدم مصطلح “براءة الاختراع” في تدوين كل ابتكار يراد الحفاظ على ملكيته الفكرية والمادية، لأن الابتكار فكرة جديدة يفقد صاحبها التحكم في صلاحيات استعمالها إذا لم يدون مضمونها في مكاتب مختصة تسجل تاريخ الأسبقية لمدة معينة تتفاوت حسب قانون كل بلد.

ولأن الأفكار تسرق كل يوم من منشورات التواصل الاجتماعي ومن الجرائد العلمية والثقافية ومن أطروحات الجامعيين وحتى من كلام يبدو عابرا بين العلماء والكتاب والفنانين أنفسهم.

وبراءة الاختراع (patent) هي شهادة اعتراف تمنح رسميا للمخترع، وتمنع المنافسين والمنتحلين من صناعة أو استخدام أو بيع أو عرض ذلك الاختراع دون الحصول على موافقة من صاحبه مقابل راتب أو مبلغ يتفق عليه، وفي العديد من الدول هناك أشياء لا يمكن حمايتها ببراءات الاختراع مثل العمليات العقلية أو طرق تنفيذ الأعمال.

في شهر سبتمبر لعام 1890 سرقت صفحة من التاريخ السينمائي باختفاء مبتكر آلة تصوير سينمائية الذي التقط الزمن والحركة الفرنسي “لويس أوغست إيمي لوبرانس”، وفي نفس الشهر من نفس العام سجل التاريخ في صفحاته الأدبية ولادة سيدة حولت القصة البوليسية إلى فن راقٍ لا مجرد أدب لروايات محطات القطار، وهي الكاتبة البريطانية “أغاثا كريستي”.

كان من الممكن أن يكون “لوبرانس” أحد أبطال رواية “لغز القطار الأزرق” (The Mystery of the Blue Train) للكاتبة “أغاثا كريستي”، لأنه اختفى يوم 16 سبتمبر/أيلول في القطار السريع القادم من مدينة ديجون الفرنسية متوجها إلى باريس.

 

تلميذ “لويس داجير”.. بداية الإبحار في عالم الصورة

نحتاج قبل التنقيب عن جثة المخترع الفرنسي المفقود أن نعود إلى بداياته وتعامله مع الصورة في مرحلته الأولى، فقد تتلمذ “لوبرانس” على يد رسام ومخترع آخر هو “لويس داجير” الذي كان صديقا حميما للعائلة، مما سهل للابن “لوبرانس” التقرب من شخص حاول مراوغة التاريخ بانتسابه اختراع الصورة.

تعاقد “داجير” عام 1829 مع مؤسس الفوتوغرافيا “جوزيف نيبس” بهدف تحسين وتطوير الاختراع، لكن الموت المباغت “لجوزيف نيبس” عام 1833 فسح المجال لشريكه للظهور كالمخترع الوحيد للصورة الفوتوغرافية رغم أنه حسّن فقط زمن التحميض الذي كان يدوم ساعات إلى بضع دقائق لكونه كيميائيا بالدرجة الأولى.

هل كان “نيبس” يعرف ابن الهيثم الذي اخترع النظارات وآلة التصوير والمجهر ودقق في حدقة العين وفسر آليتها قبله بقرون، وهل الابتكارات سيل متدفق تراكمي مستمر ينتقل مع الأجيال وعابر للثقافات واللغات والقارات أم أنه وحي نابع من صدفة محضة، أم أنه تقاطع معارف عبر الزمن؟

الحرس الجمهوري للدفاع عن باريس.. اتهامات بالتجسس للألمان

درس “لوبرانس” الفن التشكيلي بباريس والكيمياء بمدينة لايبزيغ الألمانية، وارتبط بالإنجليزي “جون وايتلي” رفيق الجامعة الذي دعاه إلى مدينة ليدز.

تزوج “لوبرانس” عام 1869 من الفنانة “إليزابيث وايتلي” أخت صديقه وأسس معها مدرسة The Leeds) Technical School of Art)، وصار لهما صيت في تثبيت الصور على الفخار، وقد استقطبت هذه التقنية الملكة “فيكتوريا” فطلبت منهما بورتريه.

التحق “لوبرانس” عام 1870 بالحرس الجمهوري الفرنسي للدفاع عن باريس ضد حملة بسمارك الجرمانية، وكاد أن يفقد حياته لشك الفرنسيين فيه كجاسوس لأنه اعتاد وضع قلم الحبر في جيب قميصه الذي اشتراه عندما كان طالبا في ليبتزغ، ولكونها عادة ألمانية منتشرة بين الطلاب هناك، ولأنه كان يتقن عدة لغات بطلاقة.

 

آلة التقاط الحركة السريعة.. دخول معترك عالم الصورة

سافر “لوبرانس” وعائلته إلى أمريكا حيث مكث بها فترة بعد أن كان ممثلا رسميا بمدينة نيويورك لمصالح الشركة التابعة لصديقه وصهره (Whitley Partners)، وقد صمم هنالك آلة ب16، وهي عدسة تلتقط الحركة السريعة وتفككها في صور متتالية وسجل اختراعه هذا في مكتب “براءة الاختراع” بأمريكا عام 1881.

بعدها عاد غير مقتنع بإنجازه إلى ليدز، وصمم جهازا آخر لالتقاط الصور المتحركة بعدسة واحدة، وفي يوم 14 أكتوبر/ تشرين عام 1888 صور لقطة بجهاز سماه (Mk2) لأفراد عائلته بحديقة المنزل دون محاولة عرضها على الشاشة، وهو المشهد المعروف باسم (Roundhay Garden Scene) نسبة إلى بيت عائلة زوجته.

وقد صور هذه اللقطة بسرعة 12 صورة في الثانية على 20 شريحة زجاجية ومدة هذه اللقطة دقيقة واحدة و66 ثانية، وفي محاولة ثانية صور “لوبرانس” جسر ليدز بسرعة 20 صورة في الثانية، ثم تلتها لقطة لابنه يعزف على الأكورديون.

آلة بـ16 التي تلتقط الحركة السريعة وتفككها في صور متتالية والتي اخترعها لويس لوبرانس

 

لقطات من الحياة اليومية.. أول عرض سينمائي على الشاشة

لم تكن فكرة الشاشة بالبال لا عند “لوبرانس” ولا عند منافسيه خاصة “توماس إديسون” وشريكه في هذا الميدان “لوري ديكسو”، أما الإخوة “لوميير” فكانا بعيدين عن كل هذا النشاط ولم يدخلاه إلا بعد سبع سنوات من تصميم آلة “لوبرانس”، لكنهما كانا في طليعة الاكتشافات حول الصورة والشريط الفوتوغرافي.

وعلى غرار ما هو مزعوم فليسا هما من اخترع السينما لكنهما أول من عرض على الشاشة أمام جمهور بباريس يوم 22 مارس/ آذار عام 1895 لقطات من الحياة اليومية، فهل مفهوم السينما هو الفرجة الجماعية أم اقتناص الزمن والمكان، وكيف يسجل التاريخ البعض في أول صفحاته ويتجاهل البعض الآخر حتى في مسوداته، من يؤثر على أدوات التاريخ ويوجه أقلام رصاصه نحو سرد معين يخدم جهة على حساب نظيرتها ويعلي المتطفل على حساب من يستحق الاعتراف؟

إن كلمة سينماتوغراف سجلها عام 1892 الفرنسي “ليون بولاي” الذي ابتكر جهازا لتسجيل الصور المتتالية دون التوصل إلى عرضها، وباع الاسم إلى الأخوين “لوميير” اللذين كانا ينويان استعمال تسمية (Domitor) لجهازهما.

كيف تمكن الأخوين “لوميير” رغم تورطهما المؤكد في مساندة الفاشية الإيطالية في عهد موسوليني والحكومة الفرنسية العميلة للنازية بقيادة المارشال “بيتان” من بلوغ مكانة يحتفى بها حتى الآن؟

ماذا كان يدور في ذهنية “لوبرانس” عندما وضع قدميه في أول عربة قطار بمحطة ديجون متوجها إلى باريس، هل كان فيلم حياته يتحرك بعشرين صورة في الثانية أو باثنتي عشرة أم أنه كان مشغولا بقضايا عائلية بعيدة عن الإبداع؟

محطة قطار ديجون الفرنسية التي اختفى فيها لوبرانس حين كان متوجها منها إلى باريس

 

قطار محطة ديجون.. لغز اختفاء “لوبرانس”

وصل ‘لوبرانس” إلى محطة ديجون برفقة أخيه “ألبرت” حسب رواية الأخ نفسه بعد أن قضى وقتا تناول فيه معه قضية الميراث الذي كان متوقفا بعد وفاة أمهما بسبب سفر “لوبرانس” المستمر، لكن هل ركب فعلا هذا القطار، وماذا دار بينه وبين أخيه بعد أن نزل عنده ضيفا لثلاثة أيام، هل كان “ألبرت” آخر من شاهده قبل اختفائه؟

هل لو ركبت “أغاثا كريستي” القطار معه كانت ستحل هذا اللغز، وهل نحن أمام جريمة عائلية أم أمر دبر في ورشات الاختراعات لمنافسيه، أم أنه ضحية مطب لا علاقة له بشأن مرتب ومقرر، لماذا تسارع الكثيرون لفتح شكوك تبعد المحقق عن التنقيب في الاتجاه السليم كفكرة الانتحار بسبب ديون أخفاها عن عائلته؟

هل من كان مستعدا لتقديم آلة عرض الصور على الشاشة في مكان حُجز مسبقا ودعوات مرسلة تأكد حضور أصحابها من الصحافة ورجال الأعمال؛ يمكن أن يقدم على الانتحار حتى وإن كانت عليه ديون كبيرة، ولماذا اختفت حقائبه وكل ملفاته معه؟

لم ينزل “لوبرانس” من القطار عند دخوله المحطة الشمالية بباريس، لأنه كان منتظرا من طرف أصدقاء أكدوا عدم وصوله إليه بعد أن قاموا بتفتيش كل عربة منه، هل كلما تأخر شخص عن الوصول تفتش حتما كل العربات، ولماذا لم يحتمل الأصدقاء أنه لم يلحق بالقطار فقط، هل شاهد الذهاب وشهود الوصول على صلة؟

يفتح “لوبرانس” فضول نظرية المؤامرة لانعدام أي تفسير ثابت ومؤكد إلى حد الآن، وليست هناك مصداقية لأي مؤامرة إلا بجثة مفقودة أو ابتكار منسي أو راكب وهمي في قطار نزل كل ركابه.

كان “لوبرانس” وسيما وأنيقا وله حضور لافت للانتباه وله قامة متر و90سم، وقليل من يحجب عنه الشمس، فكيف لم ينتبه إلى وجوده أي شخص من المسافرين الذين وصلوا إلى باريس، هل يقتل الأخ أخاه من أجل الميراث أو لمنعه من إفلاس العائلة من أجل صيت وشهرة الاختراع الذي لا يراهن على فوائده إلا المخترع نفسه؟

لم يذهب “لوبرانس” إلى أخيه يتسول نصيبا بل كان له نصيب في الميراث يقدر بمئة وخمسين ألف يورو حاليا، فهل امتنع الأخ من تسليم هذا المبلغ إلى أخيه، وهل شب بينهما شجار حدث إثر خلاف في تسليم الميراث، أم أن “لوبرانس” كان يحمل هذه القيمة معه لكنها سُرقت منه بالقطار ورميت جثته وأغراضه معه، ولماذا سارع ابن وابنة ألبرت في الكتابة إلى زوجة “لوبرانس” لدعم تصريحات الأب، أم أن الرسائل كانت مخطوطة بإملاء من الأب؟

جهاز (Mk2) الذي صممه لويس لوبرانس لالتقاط الصور المتحركة بعدسة واحدة

 

لا ظل ولا حقيبة.. تعليق قضائي للقضية

تحركت الشرطة البريطانية موازاة مع الشرطة الفرنسية ولم يعثر على “لوبرانس”، فلا ظل ولا حقيبة ولا منديل ولا قبعة ولا مخطوط أو بصمة أو قطرة دم كأنه ساحر لم يتمكن من الرجوع إلى خشبة المسرح بعد استعراض نسي فيه مفاتيح الخدعة.

تحركت العائلة من جهتها تفتش عن أثر أو شاهد أو برقية تدل أو توصل إلى شيء يقرب من فهم ما حدث دون جدوى، وإذا أخفقت الشرطة في مهمتها فهل للعائلة حظ في التوصل إلى شيء ملموس؟

علق الملف ولم يجزم القانون البريطاني لا بموته ولا بحياته وبقي الأمر على هذا النحو سبع سنوات بمقتضى مادة قانونية تمنع التصرف في أموال المفقود وممتلكاته وكل ما له صلة به، فبقي الاختراع ممنوعا من العرض وممنوعا من التسجيل في “براءة الاختراع”.

ازدواجية الجنسية.. التيه الذي شتت التحقيق

يبقى السؤال المطروح هو: لماذا يخضع مواطن فرنسي لقانون بريطاني، هل غيّر جنسيته؟ لكن لا وجود لأي وثيقة تشير إلى ذلك، فهل إقامة “لوبرانس” ببريطانيا تكفي لخضوعه لقانون البلاد، أم أن أعماله واكتشافاته مرتبطة رسميا وإداريا ببلد الإقامة وليس ببلده الأصلي وبلد الاختفاء فرنسا؟

تؤكد مصادر أخرى أنه أضاف الجنسية الأمريكية إلى جنسيته الفرنسية عام 1889 لكن هذه المعلومة ليست مذكورة في باقي المصادر الفرنسية.

كان “لوبرانس” مجهري التفكير لا يرضى ولا يقبل العمل غير المكتمل بدقة وعناية، فلم يكن راضيا بجهاز العرض الذي أنجزه مما أخر سفره إلى أمريكا. كان يعرف جيدا أهمية عرض الصور على الشاشة ويتكهن البعد العلمي والفني لهذا الاكتشاف، لكن كل هذه الجهود مكلفة وتبين أن “لوبرانس” كان مطاردا من طرف مساعد قضائي لتسديد دين تضاعف مع الزمن لعدم تمكنه من الحصول على المبلغ المطلوب.

لقد اقترض من شخص اسمه “جورج نيلسون” مبلغا كبيرا وبعد موت المقرض طالب أهله “لوبرانس” بتسديد المبلغ. إن ثبات هذه المعلومة يجعل منه شخصا بحاجة إلى المال وأيضا عرضة للانتقام، فهل رحلته إلى أخيه بخصوص الميراث تؤكد وضعه المادي المتدحرج وتضع الأصبع على حاجته الماسة في استرجاع أي مبلغ ممكن يضيفه إلى مشروع سفره أو يرمم به الدين الذي يلاحقه؟

كان صندوق إرسال الابتكار إلى أمريكا جاهزا وكانت قاعة العرض محجوزة، لكن قلب زوجته بقي معلقا في الأفق يترقب أي باخرة قادمة من فرنسا.

 

باكورة اختراعات “لوبرانس”.. تمييز الاقتباس من التحايل

عندما سجل “لوبرانس” أول اختراع له بالعنوان الطويل التالي “طريقة وآلة نسخ صور متحركة من مشاهد طبيعية للحياة” بمدينة واشنطن عام 1886 قال بعض المتابعين إن التسمية مشابهة بل وقريبة جدا من أطروحة البريطاني “وردزورث دونيسثورب” الذي قدم نموذجا مماثلا قبل عشر سنوات من اختراع لوبرانس.

كيف نحدد النسخ والانتحال من الاقتباس والتأثر بعمل الآخرين؟ يحدث هذا كل يوم بالسينما والأدب والعلوم، هل فعلا لوبرانس هو من اخترع السينما، وأين كانت البحوث في هذا المجال قد وصلت؟

شكوك زوجة “لوبرانس”.. مكيدة مدبرة تلاحق المبدعين

توجهت الشكوك من طرف زوجة “لوبرانس” نحو “إديسون” الذي كان دوما في خلاف مع منافسيه، فاعتمد الأمريكي على القضاء واستعمل مكانته كملياردير وصاحب نفوذ للتخلص من العديد من العاملين على اختراعات قد تشبه اختراعاته أو تعطلها.

لقد تسبب في إفلاس الفرنسي “جورج مالييس” بعد أن منع شركته من استثمار أفلامه بأمريكا وحُجز فيلم “السفر إلى القمر”، مما أدى إلى انهيار كل مشاريع الفرنسي وانتهى به الأمر بائعا متسولا بمحطة قطار مونبرناس الباريسية.

أصبح هذان المبدعان ما بين مختفٍ في محطة ومتسول في محطة مقابلة، فهل القدر يلاحق المبدعين الفرنسيين أم أن أشخاصا تمكنوا من عزل كل منافس بشكل إجرامي محترف، وكيف نجا الأخوين “لوميير” من كل مطب ومؤامرة، وهل كل مخترع حتما يتبعه نصيب من سوء الحظ، كيف فكر الإخوة “لوميير” في مشروعهما؟

 

الكينيتوغراف.. من المشاهدة الفردية إلى السينما الجماعية

لم تسقط فكرة تصوير الواقع من الأفق، وعرضه لم يكن وحيا من السماء، لكن “أنتوان” والد الإخوة “لوميير” هو من اقترح عليهما البحث في فكرة “إديسون”، فقد اكتشف الأب خلال رحلة إلى باريس اختراعا للأمريكي “توماس إديسون” يسمى “منظار الحركة”، وهي آلة تسمح بالنظر إلى الصور المتحركة المسجلة بواسطة ثقب توضع به العين، وتسمى “الكينيتوغراف”.

وآلة الأمريكي شخصية الاستعمال لا تسمح إلا بمشاهد واحد على حدة، أما الفرنسيان فقد سمحا لهذا الاختراع أن يصير جماعيا تشاهد صوره من طرف جمهور في قاعة كالمسرح بفضل الشاشة، فكيف اعتبر ما قاما به كاختراع، وكيف يعتبرهما التاريخ لحد الآن كمكتشفين للسينما، لماذا لم يرفع “إديسون” قضية ضدهما، أم أن هناك مصالح سرية بينهما منعت ذلك، هل تورط الأمريكي والفرنسيان في إزاحة “لوبرانس” الذي كان سيجعل باكتشافه بريطانيا كبلد لنشأة السينما؟

هل كان هذا الاختراع محاطا باعتبارات سياسية بالغة الأهمية والسرية، لماذا في تاريخ الاختراعات السينمائية “لوبرانس” هو الوحيد الذي تعرض إلى هذا الحدث النادر؟ لكن من فكر في شفافية الشريط الذي نعرفه؟ إنه الأمريكي “جون كاربوت” الذي يستعمل أول مرة شريطا مرنا شفافا بعيار 70مم، لكنه سريع الالتهاب لكونه مصنوعا من مادة النيطرات، وقد قام بهذا العمل لصالح “جورج إيستمان” صاحب شركة كوداك الذي سوق شريطه المساهم في تقدم الأبحاث عند “إديسون” وعند الأخوين “لوميير”.

جعل “جورج إيستمان” من الصورة شيئا في متناول أي شخص وليست حكرا على محلات تابعة لمختصين في هذا الفن، فسوق سريعا مصورات صغيرة الحجم وبأسعار معقولة مما ساهم في انتشار الصورة عالميا، وفي عام 1888 عرض علبته المربعة التي تحمل في جوفها شريطا يسمح بالتقاط 100 صورة بسعر 25 دولارا وكان شعاره الدعائي “اضغط على الزر، ونحن نتكفل بالباقي”.

الأمريكي ثوماس أديسون الذي تعود إليه كلمة “فيلم”، حيث قسم شريط 70مم إلى نصفين ليصبح بعيار 35مم ذا الثقوب الجانبية لتثبيت مساره عبر العدسة

 

محاكمة “إديسون”.. رفض لتسجيل براءة اختراع

إن كلمة “فيلم” فكرة تعود إلى “إديسون” الذي قسم شريط 70مم إلى نصفين ليصبح بعيار 35مم ذا الثقوب الجانبية لتثبيت مساره عبر العدسة، وكلمة “فيلم” تعني “غشاء” يسمح بإرسال النور من خلاله وعرض الصور المثبتة به.

لكن لماذا رفض المكتب الأمريكي تسجيل براءة الاختراع لصالح “لوبرانس” عندما تقدم باختراعه الأخير وبعد أن سجله ببريطانيا دون أي معارضة، من تدخل في هذا الأمر لتعطيل التسجيل؟

دخل “إديسون” الذي كان يعمل على هذا المشروع مع “لولري ديكسون “في خلاف مع شريكه الذي رفع قضية ضده، وأثناء المحاكمة استشهد “لولري” بابن “لوبرانس” الذي قدم رسوما وأدلة ملموسة تثبت أن عمل أبيه منسوخ من طرف “إديسون” لكن المحكمة لم تعر للبراهين أي قيمة وانحازت إلى “إديسون”.

بعد هذه المحاكمة بفترة قصيرة وجد الابن “أدولف” مقتولا برصاصة في رأسه في بحيرة قريبة من منزله الأمريكي، فإذن بعد اختفاء دون بصمات واغتيال مجهول لا يمكن أن يكون في هذا الأمر صدفة.

 

“توماس إديسون”.. امتهان ممارسة الضغوط على الخصم

ليست هذه أول مرة يمارس فيها “إديسون” ضغوطا على منافسيه لأنه لجأ إلى البروباغندا والعنف ضد “تيسلا” الذي صرح بأنه يريد منح الكهرباء للشعب مجانا، فلجأ “إديسون” إلى تدخل “جون بيربونت مورغان” عملاق البنوك الشهير لمنع المستثمرين من دعم “تيسلا”، و”مورغان” كان هو المالك لباخرة تيتانيك التي غرقت، أي أن نفوذه لم يكن له حدود.

لم يكتف “إديسون” بهذا التدخل بل لجأ إلى قتل فيل على كرسي كهربائي ليثبت للناس خطر هذا الاختراع وصوره كي يبقى لمن فاته المشهد، ومن تلك التجربة تستعمل لحد الآن بأمريكا الإعدامات بالكرسي الكهربائي.

كيف تمكن “إديسون” من إيذاء العديد من المخترعين قانونيا باستعماله اللوبي المالي الذي كان ينتمي إليه لإيقاف أي منافس، وكيف تمكن من تسجيل 1093 براءة اختراع باسمه، ما هو منهجه العملي وهل كان الوحي ينزل عليه كل يوم؟ المعروف أنه أسس شركة تضم المئات من المخترعين الذين يعملون بفرق تفوق العشرين شخصا حول فكرة معينة يشرف عليها هو كمسؤول عمل، وليس هناك اختراع واحد لا نجد فيه شريكا لـ”إديسون”.

هل نحن أمام رجل أعمال يفقه في المال أكثر من أي اختراع ويستعمل ذكاء غيره وينسبه إليه؟ بلغ عدد العاملين لصالحه 30  ألف باحث وفيزيائي ومخترع في كافة مجالات العلم الحديث، لماذا لم تحقق معه لا الشرطة الفرنسية ولا الإنجليزية ولا الأمريكية في قضية “لوبرانس” رغم اتهامات الزوجة العلنية، ماذا حدث بقطار الساعة 2:47 بعد الزوال بمدينة ديجون؟ أي في وضح النهار دون ملابسات الليل المبالغ في تضخيم قصصها وحقنها بطيف من الرعب.

 

تاريخ الصورة المتحركة.. سر التهافت لتسجيل براءة اختراع في أمريكا

يعود بنا البحث المجهري عن بدايات الصورة المتحركة إلى عام 1878 عندما تمكن الأمريكي “إدوارد جيمس مويبريدج” من التقاط ركض حصان مستعملا 12 ثم 24 جهاز تصوير لتقسيم الحركة إلى أجزاء متكاملة، لكنه لم يتمكن هو الآخر من عرض هذه الصور على الشاشة.

في مقال كتبه “كيلبورن سكوت “في أغسطس/آب عام 1923 في جريدة (The Photographic Journal) مفاده أن” لوبرانس” هو أول من عرض على الشاشة صورا متحركة في مدينة “ليدز” مستعملا إنارة ساهم في تحضيرها له، وأنه أول من استعمل الشريط المرن كما ينص عليه ملف “براءة الاختراع” وأنه أول من استعمل الثقوب الجانبية لتسجيل الصور.

لكن لماذا يتهافت المخترعون على تسجيل أعمالهم بأمريكا ولا يكتفون بتسجيلها في بلدانهم؟ لأن أمريكا لا تعترف بالاختراعات التي لا تسجل عندها وبالتالي أي مواطن له الحق في نسخ أي ابتكار واستغلاله تجاريا دون المبالاة برأي صاحب العمل والعكس صحيح.

أي أن الابتكارات الأمريكية في ذلك الوقت التي لم تسجل بأوروبا فإنها كانت تفقد بدورها كل صلاحيات الملكية الفكرية المتعامل بها، لذا “إديسون” نسي تسجيل “الكينيتوغراف” في المكتب الفرنسي لبراءة الاختراع الذي طوره الإخوة “لوميير” ودخلا التاريخ من بوابة الصدفة والانتهازية، فهل نسي فعلا علما بأنه كان حريصا على مراقبة كل كبيرة وصغيرة وأن له جيوشا من المرافقين والمستشارين الذي يديرون كل أعماله؟

إنّ عقد “براءة الاختراع” يختلف في قوانينه من بلد الى آخر ويستحق لوحده أكثر من مقال لتشعب وتداخل البنود والتفاصيل المتضاربة في تحرير نصه بمنطق لا يقبل أي احتمال أو تأويل مخالف لما هو مسجل فيه، لذا فإن “إديسون” كان نادرا ما يخسر قضية، لأنه سخر لهذا الجانب القانوني مكتبا يضم عشرات المحامين المختصين فقط في هذا النوع من الخلافات.

في هذا السياق ماهي اكتشافات علماء العرب عام 1890؟ أي صراع قانوني كان العرب يخوضونه عندما كان “إديسون” والأخوين “لوميير” يفكرون في غزو العالم بكاميراتهم؟

 

“إتيان جول ماري”.. مبدأ تقسيم الحركة

نجد فرنسيا آخر في سباق الصورة المتحركة حيث كان مولعا بحياة الحيوانات وهو “إتيان جول ماري” الذي كرس حياته لفهم حركتهم فأنجز عام 1882 آلة تلتقط 12 صورة في الثانية على شكل بندقية تسمح باتباع الحركة بدقة وتصطاد كل لحظة بخفة، وكانت تعبأ البندقية بشرائح زجاجية تتوالى خلف العدسة مثل الرصاص عندما يقف وراء الزناد.

يبدو أن “لوبرانس” تعرف على هذا الطبيب والفيزيولوجي، وربما تعرف على مشروعه، أو ربما حاول إقناعه بتمثيل اكتشافه في أمريكا لكونه قد قام بهذه المهام ولأنه فصيح ويستقطب المخاطب فكان ممكنا إغراؤه بشيء حتى يطلع كليا على مبدأ وتصميم الآلة، فهل سرق “لوبرانس” مبدأ تقسيم الحركة من “إتيان ماري”، وهل يضاف هذا الباحث إلى قائمة المشتبه بهم أم أنه بعيد عن اللهفة والحمى التي كانت تحرك “لوبرانس” و”إديسون” والأخوين “لوميير”؟

كان “إتيان ماري” عالما وليس حالما بالشهرة، وكانت أعماله حول الحركة الفيزيولوجية لا حول الفن أو ما يمكن أن يجنيه من اكتشافه أن الحركة يمكن أن تجزأ.

الأخوان لوميير كانا في طليعة الاكتشافات حول الصورة والشريط الفوتوغرافي

 

صراع التفوق في عالم الصورة المتحركة.. من المستفيد من اختفاء “لوبرانس”؟

بعد خوضه معركة باريس ضد الإمبراطورية الجرمانية هل كان يمكن اعتبار” لوبرانس” خجولا أو جبانا خاصة وأنه تطوع في هذا الأمر؟ إن احتمال مطب سارق صدفة في القطار ضعيف المصداقية لأن “لوبرانس” لم يكن نحيفا ولا خجولا إلى حد يمكن التخلص منه دون آثار حتمية تجعل من الركاب شهود أعيان، فإذا لم يره أحد من الركاب ولا من مرافقي القطار ولا من مفتشي وأعوان السفر فهل ركب فعلا كما يزعم الأخ “ألبرت”؟

تبعد مدينة ديجون عن العاصمة باريس بثلاثة مئة كلم فلماذا اختار القطار، هل لكونه الأسرع في ذلك الوقت، ولماذا كان “لوبرانس” مستعجلا؟

في ذلك العام استقبلت الدراجة بحفاوة كبيرة، وصارت وسيلة تنقل في متناول العالم، لكن “لوبرانس” كان يريد تسجيل اسمه في تاريخ الصورة المتحركة وليس في سجل الأرقام القياسية للدراجات، وإلى أي درجة يمكن اعتبار أن “إديسون” كان خطرا فعليا على حياة منافسه الفرنسي، ولماذا لم يحاول المخترع الأمريكي التصدي لأعمال الأخوين “لوميير”؟

تتجه الشبهات تارة إلى شخصية الأخ وبعدها يرجع صداها نحو “إديسون”، وهل كان ممكنا أن يتواطأ الأمريكي والأخوان “لوميير” في التخلص من منافس كاد أن يحرمهما من كل هذا الصيت؟

من المستفيد من الجريمة؟ ثلاثة لا رابع لهم؛ الأخ الذي لا يريد دفع نصيب الميراث ويحتفظ به لعائلته، و”إديسون” المتعود على رفع القضايا ضد منافسيه، وهو الذي بإمكانه استعمال مختص لم يقم بتعطيل “لوبرانس” كما كان مفترضا من جهات عدة بل حدث شيء لم يكن في الحسبان دفع بالمنفذ للتخلص جسديا من الفرنسي، ثم الأخوان “لوميير” اللذان كانا قريبين من النازية والفاشية أي أنهما أخلاقيا ليسا في منصب يسمح باستبعاد الشك عنهما.

 

فرنسا الوطن الأم.. تجاهل متعمد في بلد المنشأ والاختفاء

لا يوجد بفرنسا شارع أو حديقة أو ملعب أو قاعة سينما أو مسرح أو أي تمثال يذكر بالمواطن “لوبرانس”، فلماذا تتعمد بلاده بكل إطاراتها ونقادها ومثقفيها وطلبتها تناسي هذا الرجل، لماذا تتعمد نفس الفئات المذكورة تكريم الإخوة “لوميير” رغم الماضي الذي يتنافى مع موقف فرنسا من ماضيها ضد النازية والفاشية؟

لماذا صور الأخوان القطار القادم إلى محطة “لاسيوتا” إن كانا على علم أو لهما علاقة باختفاء “لوبرانس”، هل تعتبر لقطة القطار اعترافا سريا، أم أن هذا تنويه وترحم لذاكرته؟

فراق الأطفال الخمسة على غير ميعاد

ولد “لوبرانس” من أب ضابط في المدفعية وهو “لويس إبراهام امبرواز”، مما يفسر تطوعه في الجيش، وأم من أثرياء مدينة مونبولييه، وهي “إليزابيث ماري أنتوانيت بولابير”.

وقد درس “لوبرانس” في مدينة بورج، ثم انتقل إلى باريس ثم إلى مدينة بون ومنها إلى ليبزغ الألمانيتين، وكانت أهم دراسته في الفيزياء والكيمياء، ولم يكن في باله أي بحث أو اختراع في الحسبان.

أنجب إثر زواجه مع أخت صديقه ورجل الأعمال خمسة أولاد؛ البكر “مارييلا” المولودة عام 1871، وبعدها “أدولف” ثم “إيمي” عام 1875 وتلاه “جوزيف”، وأخيرا ” فرنون” عام 188٦، فلماذا رب عائلة في وضع مادي حسن يضع كل طاقته في مشروع أدى به إلى الاختفاء؟

شركة للديكور في نيويورك.. انبهار بالحلم الأمريكي

تنص بعض نظريات المؤامرة على أن “لوبرانس” باع اختراعه إلى “إديسون” مقابل سكوته وتغيير اسمه والتبخر في الطبيعة، لكن لماذا يتبخر ويتخلى عن عائلته؟ هذا غير معقول ولا مبرر له إلا إذا كانت لديه حياة موازية مع امرأة نجهلها.

انبهر “لوبرانس” بالحياة في نيويورك فأقنع زوجته بالذهاب هناك دون علمه أن المدينة ستبتلع أحلامه وتبتلع ابنه “أدولف” بعد سنوات من اختفائه، فمن يريد إخفاء حياة موازية عن زوجته لا يقنعها بالالتحاق به، أم أن “لوبرانس” كان في علاقة مثلية لا يمكن البوح بها لا للعامة ولا لعائلته كما تدعيه نظريات ضعيفة المصدر والاحتمال؟

لكن الحلم الأمريكي سرعان ما اندثر في العامين الأولين لأن مشروع صهره لم ينجح فأسس “لوبرانس” شركة مختصة في الديكور هي شركة  (Leprince and Pepper) في حي غرب هارليم، ولأن مشروعه لم يكن مربحا كان استعداد “لوبرانس” كبيرا لأي اقتراح مغرٍ، فالتقى بالفرنسي “تيودور بولبوت” الذي حل بالمدينة حاملا تحت إبطه ملف “البانوراما العريضة”، وهي نوع من اللوحات بتقنية إيهام العين التي تجعل المشاهد لا يرى سوى اللوحة بشكل يغوص به في عمق المضمون.

 

أرشيف مراسلات العائلة.. نبش وراء الحقيقة الغامضة

أظهر “لوبرانس” بلاغة فنية فائقة في الرسم مستلهما بما تعلمه من تربصاته الأولى مع “داجير” حتى صار مدير الشركة لثقة شريكه به، وفي عام 1899 يعترف العامل المختص في فن الحديد الأبيض “وليام كون” في رسالة من أرشيف العائلة أنه كان تحت خدمة “لوبرانس” وأنه صمم عدة آليات وعلب كلها كانت تتمحور حول إنتاج الصور المتحركة، وتعرف هذه المهنة بالفرنسية باسم “مبيض الحديد”.

لماذا تأخرت التصريحات كل هذه السنوات؟ انتبه الابن “رودولف” عام 1898 أن أباه راسل محققي “براءة الاختراع” لمدة عام لتبرير وإقناع المكتب بصحة اختراعه دون جدوى، وقد تركت زوجته مذكرات وثقت فيها كل الرسائل الشخصية بينها وبين زوجها وتلك التي تداولها بين مكاتب “براءة الاختراع” وكيف كان واثقا في عمله ومتفائلا بمشروعه.

لا شيء يوحي -من خلال ما دونته الزوجة- بانهيار نفسي أو تعب أو إرهاق يمكن أن يؤدي للانتحار المزعوم من بعض الأطراف التي حاولت تضليل المحققين بعيدا عن سكته الأولى، ونستخلص من التنقيب في رسائله أن جهاز الالتقاط والعرض هما نفس الآلة وليس التصوير بآلة والعرض بآلة مختلفة، لكنه كان يشكو من عدم تمكنه من حل مشكلة العرض على الشاشة التي استعصت عليه واستحوذت على فكره.

كما يتبين من خطابه أنه يريد اختراعا تجاريا حيث يسميها بين أسطر عمله “الآلة التجارية الكبرى”، أي أن توجهه الأول كان تجاريا وليس علميا أو فنيا، فهل كان سهلا إغراؤه بمبلغ خيالي يقدم إليه من طرف ملياردير له هوس واحد هو ابتكار كل شيء؟

إذا كان لا يختلف عن “إديسون” في المسعى النفعي فلماذا لم يحتط مثله بفيلق من المحامين؟ تثبت وثائق أن ابنته البكر عندما طلبت منها أمها مناداة أبيها بالورشة لتناول العشاء فوجئت وهي تدخل خلسة بمشاهدة أشخاص يمشون على الجدار.

 

عودة إلى مدينة ليدز.. خطة تحقيق الحلم من الميراث

يقرر “لوبرانس” للإسراع في تنفيذ مشروعه بشكل جيد ونهائي العودة إلى ليدز لاستعمال ميراث أمه وتخصيصه كاملا في هذا الهدف، وقد بقي بجوار أمه ببارس التي تقيم بحي مون مارتر حتى توفيت يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1887.

قبل هذا الفقدان بثلاثة شهور كتب رسالة إلى زوجته يقول فيها إنه توصل إلى تصوير لقطة للميكانيكي الذي يساعده على شرائح من الجيلاتين، مؤكدا أن بمقدرته تصوير 32 صورة في الثانية، وتوثق الزوجة في باب آخر أن “لوبرانس” اشترى شريط “السيليلويد” من شركة “لوميير”، لكن معهد الأخوين “لوميير” يرفض التحقيق وفتح الأرشيف في هذا الموضوع لحد الآن.

لا يوجد حاليا أي أثر مادي لكل هذه المحاولات عدا بعض التصريحات من مساعديه وبعض الرسومات غير المكتملة، فكيف ولماذا اختفت كل هذه المواد؟

صورة غريق في أرشيف الشرطة.. إعلان موت “لوبرانس”

أعلن موت “لوبرانس” رسميا عام 1897 وفي عام 2003 عثر في أرشيف شرطة باريس على صورة غريق لعام 1890 يشبه كثيرا “لوبرانس” دون التأكد من مطابقة صورة الجثة المنحلة وبورتريه الضحية، وفي عام 1930 دشن رئيس بلدية ليدز لائحة تذكارية برونزية في مدخل ورشة “لوبرانس” القديمة.

هل فكر “سيرجيو ليون” في صبر “لوبرانس” عندما فتح فيلمه “كان ذات مرة في الغرب” (Once upon a time in the west) في محطة قطار كانت الشخصيات فيه متأنية تتوعد قتل القادم بالقطار؟

وهل كان يعرف “فراد زيمرمان” عندما صور عصابته في (High Noon) أن “لوبرانس” الذي كان مقاتلا ضد جنود “بسمارك” لا يعقل أن يخشى لصوص القطار؟

وهل خطر ببال يوسف شاهين” شبح الفرنسي الغائب الحاضر عندما صور “باب الحديد”، وهل كان يعرف “روني كليمون” أن معارك المخترعين ذخيرتها الحربية بنود القوانين وعنف المحاكم الإدارية عندما صور فيلمه “معركة السك “؟ لابد أن “هتشكوك” كان يعرف  الكثير عن “لوبرانس” عندما أنجز فيلمه “مجهول القطار السريع” لكن هذا السيناريو قد نكتبه في مقال آخر.