“إليزابيث تايلور”.. من طفلة هوليوود إلى أيقونة سينمائية
كانت الممثلة “إليزابيث تايلور” التي رحلت عن 79 سنة (27 فبراير/شباط 1932 – 23 مارس/آذار 2011) و65 فيلما نجمة كبيرة في الخمسينات والستينات وبعض السبعينات. وحين قلّت أفلامها وتباعدت في مطلع الثمانينات بقيت محط اهتمام الإعلام لتاريخها على الشاشة كما للقضايا التي حملتها على عاتقها والتي بدأت دينية (وُلدت مسيحية واعتنقت اليهودية) وأصبحت بالتالي سياسية (وقوفها في الستينات لجانب إسرائيل) ثم اجتماعية (تبنيها المبكر لقضية المصابين بالإيدز).

في كل الأحوال هي محطّة أخيرة في العلاقة بيننا اليوم وبين العصر البديع للسينما تم إغلاقها. قليلون جدّا من أترابها والعاملين في الفترة الغابرة ذاتها ما زالوا أحياء، وإذا ما كانوا، فهم قلّما يعملون، أو هم، في غالبهم منعزلون.
في كتابه القاموسي القيم ” قاموس السيرة الذاتية الجديد للفيلم” (The New Biographical Dictionary of Film) يكتب الناقد “ديفيد تومسون” قائلا: “في العام 1958 حين مثّلت شخصية “قطّة على سطح صفيحي ساخن” بدت صريحة جنسيا، لكنها في العام 1970 تم نقلها إلى تلك الباروكات”.
الموسّعة والملابس المزخرفة والشحنات العاطفية المبذولة. إنها لم تنضج، لكنها تقدّمت إلى شخصية احتفالية مؤهلة”. كلام الناقد المذكور في محلّه تماما ولو أن ذلك لا يعني الحكم على موهبتها خصوصا في تلك السنوات المفصلية ما بين منتصف الأربعينات وحتى مطلع الستينات.
ولدت “إليزابيث تايلور” في 27 من شباط/ فبراير 1927 في لندن. انتقلت أسرتها في أواخر الثلاثينات إلى هوليوود، وحين كانت في الخامسة عشر من العمر وقفت أمام الكاميرا لأول مرّة في فيلم بعنوان “هناك واحد يولد كل دقيقة” (There’s One Born Every Minute).

وفي غضون ثلاث سنوات ظهرت في ثلاثة أفلام قبل أن تستقبل بطولتها الأولى وهي في السابعة عشر. الفيلم كان عملا جيّدا من المخرج الذي حقق أعمالا بديعة لم يذكر التاريخ منها سوى قلّة وهو “كليرنس براون” الذي أسند إليها دورا آخر في فيلمه.
الثاني في العام نفسه وهو “صخور دوفر”، وحتى العام 1947 بقي هذا الفيلم وحيدها الجيّد بين سلسلة أعمال متوسّطة او أقل. الفيلم الثاني الذي أثبتت فيه حضورا كان “الحياة مع أبي” لمايكل كورتيز، هذا قبل أن تقف بين الممثلات “جون أليسون”، “مرغريت أوبريان”، “جانيت لي”، “ماري أستور” و”روزانو براتزي” في فيلم “نساء صغيرات”.
هذا ورد في العام 1949 وهو العام ذاته الذي ظهرت فيه في دور رومانسي لأول مرّة حين وقفت أمام “روبرت تايلور” في “المتآمر”، فيلم متوسط القيمة من إخراج “فكتور سافيل”. لكنها في العام 1950 وجدت نفسها بين يدي خبير الميلودراما والرومانسيات الخفيفة “فنسنت مانيللي” في “والد العروس” حيث يحاول والداها “سبنسر ترايسي” و”جوان بانِت” فهم عواطفها الشابة. وهي بعد ذلك في “مكان في الشمس” لـ”جورج ستيفنس”، وهذا الفيلم، بالنسبة لمؤرخين، هو الفيلم الحقيقي الكاشف عن أستئهالها المكانة التي حققتها فيما بعد.

هذا لا يعني تقييما لأفلامها، بل هو تقييم لحضورها وحده، ذلك أن النصف الأول من الخمسينات حفلت بأعمال عادية من بطولتها. آنذاك، كما يعرف كثيرون، كان نظام النجوم لا يفرّق كثيرا بين ما يريد الممثل أداءه وبين ما لدى الأستديو من مشاريع يفرضها عليه، ومن هذا الباب وحده وجدناها في سلسلة من الأفلام العادية مثل “الحب أفضل من أي وقت مضى” (ستانلي دونن- 1952)، “مشية الفيل” (وليام دتريل- 1954) و”آخر مرّة شاهدت فيها باريس” (رتشارد بروكس- 1954) من بين أخرى.
وأفضل سنواتها السينمائية كانت لا تزال على الأبواب وهي بدأت بفيلم “جورج ستيفنز” الجيّد “عملاق” الذي لعبته أمام الراحل شابّا “جيمس دين” والراحل لاحقا “روك هدسون”. أداء جيّد من الثلاثة في دراما عائلية حول أسرة من مالكي الأراضي والماشية في تكساس الخمسينات.
كان حضورها في هذا الفيلم -حيث لعبت دور الزوجة المتمرّدة رغم امتلاكها كل أسباب السعادة- مدهما بحيث بات الكثير مما عُرض عليها أفضل قيمة مما كانت لعبته سابقا.
بعد ذلك في فيلم “رتشارد بروكس” “قطّة فوق سطح صفيحي ساخن” (1958) عن مسرحية “تنيسي وليامز” أمام “بول نيومن”، وفي فيلم “جوزف مانكوفيتز” “فجأة، الصيف الأخير” الذي شاركت بطولته أمام “كاثرين هيبورن” والممثل “مونتغمري كليفت” الذي كان من أولئك الممثلين المعذّبين نفسيا كونه من المثليين المحمّلين بتبعات الشعور بالذنب. همومه كلّها حملها إلى “إليزابيث تايلور” الذي ربطته بها صداقة عميقة خالية من التجاذب الجنسي، لكنها مشحونة بالمشاعر العاطفية الخالصة.
تايلور في دور كليوباترا
ثم كان هناك الفيلم الذي منحها أول أوسكار في حياتها وهو “الفراشة رقم 8” (دانيال مان- 1960). هذا فيلم لم تتح لي مشاهدته لكن إذا افترضنا أن أعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية كانوا على حق في اختيارها عنوة عن “ميلينا مركوري” عن دورها في “ليس في يوم أحد” (جول داسين- 1960) أو عن “شيرلي مكلين” عن دورها في “الشقّة” (بيلي وايلدر- 1960) فإن ذلك يعني أنها كانت بالفعل متألّقة ومبرهنة عن جدارتها في فيلم يُجمع المؤرخون إنه لم يكن جيّدا (لم يُرشح لا هو ولا مخرجه للأوسكار).
“كليوباترا” (مانكوفيتز- 1963) كان فيلما معني بتضخيمه أكثر مما كان معنيا بواقعية او صدق أحداثه. كل شيء فيه كان أكبر حجما مما خطط له. ميزانيّته ارتفعت أضعافا، صعوبة التصوير احتلّت عناوين الصحف ثم العلاقة العاطفية التي ربطتها ببطله “ريتشارد بيرتون” والتي أدّت فيما بعد إلى الزواج منه ثم الطلاق ثم إلى الزواج منه ثانية وإلى عشرة أفلام أخرى من بطولتهما.

أحد أفلامهما اللاحقة معا كان “من يخاف فرجينيا وولف” الذي عُرض قبل يومين من كتابة هذه المادّة فانتعشت ذكرياتي به وارتفع تقديري لإخراج “مايك نيكولز” المبني عن مسرحية “إدوارد ألبي”. إنه نوع من الأفلام الذي تقع أحداثه في ليلة واحدة من حفلة داخل منزل حيث تنقلب المسرّة الى أوجاع بعد أن تجد الشخصيات مناسبات مفتوحة للكشف عن خباياها.
فيلم آخر بينها وبين “ريتشارد بيرتون” ميّز الفترة هو نسخة المخرج الإيطالي “فرانكو زيفريللي” من مسرحية وليام شكسبير “ترويض المرأة السليطة” (The Taming of the Shrew) الذي سُمّي خطأ في بلادنا غير المدققة بـ”ترويض نمرة” وهو فيلم من إنتاج العام 1967 شأنه في ذلك شأن فيلم لافت لها جمعها و”مارلون براندو” لأول وآخر مرّة عنوانه “انعكاسات في عين ذهبية” (جون هيوستون).
سنجد هذا الخط من الأدوار المهمّة مستمرّا حتى العام 1974 حين لعبت “آش ونزداي” لـ”لاري بيرس” وأمام “هنري فوندا”. بعد ذلك هي في موزاييك زخرفي من الأفلام ذات الوهج من دون كثير من القيمة الضمنية أو الفنية. خذها مثلا في فيلم “المرآة مشروخة” عن رواية “أغاثا كريستي” (غاي هاملتون- 1980) ستشاهد بقايا نجمة. طبعا ستحاول أن تؤدي جيّدا، هذا ليس خيارا، لكن الخامة الاستعراضية والإنتاجية لذلك الفيلم، ولأفلام أخرى قبله ستغطي على كل شيء.

يستطيع المرء أن يتناول علاقاتها العاطفية في تحقيقات طويلة (وهناك كتب عنها) لكن ما يعنينا هنا هو أن العلاقة العاطفية الوحيدة التي أنجبت أفلاما تذكر هي مع “ريتشارد بيرتون”. الباقي انتهى الى زيجات موقوتة لأسباب بدت كبيرة ثم تمخّضت.
في الستينات تخلّت عن دينها كمسيحية واعتنقت اليهودية لتصبح من كبار مؤيدي إسرائيل. وضعها مكتب المقاطعة العربية، الذي كان فاعلا آنذاك، على القائمة السوداء لجانب “بول نيومان”، “زيرو موستل”، “جف شاندلر” وآخرين. لكن هذا لم يكن ليرشدها إلى لب الحقيقة على أي حال واللوبي الصهيوني استخدم تلك الميول العاطفية والسياسية حتى النخاع.