مرزاق علواش ..”عدسةٌ” تصور تجاعيد المجتمع

محمد علال

مرزاق علواش،مخرج، و سيناريست جزائري، ولد عام 1944، بالجزائر العاصمة،تخرج عام 1964 من المعهد الوطني للسينما بالجزائر، ثم سافر إلى فرنسا عام 1976 ، لدراسة السينما، كانت الرحلة عبارة عن منحة لمدة ثلاثة أشهر فقط، لدراسة السينما، لكن حب علواش للسينما دفعه نحو الإقامة لمدة خمس سنوات في فرنسا،تعلم خلالها فنون الإخراج السينمائي والتلفزيوني.

سينما مرزاق علواش.. التزام بهموم الانسان الجزائري

على مدار أربعين عاما، اشتغل علواش على تقديم أفلام جزائرية و فرنسية،فالمخرج الجزائري ظل متعلقا بالجزائر رغم إقامته في فرنسا، عاد علواش إلى الجزائر عام 1973،و كانت الجزائر حينها، تحت حكم نظام الرئيس الراحل هواري بومدين، تحمل الشعارات الاشتراكية، فلم يمض على استقلال الجزائر سوى عشر سنوات،وأطلق بومدين وقتها، الثورة الزراعية و تأميم الأراضي، في هذه الأجواء الوطنية، كان علواش موظفا في وزارة الثقافة، يشتغل على الترويج للسينما الجزائرية التي كانت حينها تحمل سياسية النظام، وتروج لمضمون الثورة الزراعية،حيث شارك علواش رفقة أعمدة السينما الجزائرية مثل أحمد راشدي و لخضر حامينا في تنظيم جولات سينمائية إلى القرى هدفها شرح مضامين الثورة الزراعية. 

 فكّر علواش في إخراج أول فيلم روائي طويل فانطلق من المجتمع وقصة “عمر قتلاتو الرجلة”، الذي كان بمثابة المفاجأة في مسار السينما الجزائرية، حيث قدم علواش هذا الفيلم،لتبتعد السينما الجزائرية لأول مرة، بفضل علواش عن مواضيع الثورة التحريرية الكبرى و أفلام “البروبغاندا” التي كانت تصنع من أجل الترويج للثورة الزراعية.

على هذا النهج، استمر علواش خلال سبعينيات و ثمانينات القرن الماضي في خدمة السينما الجزائرية، وأخرج عدة أفلام هامة، حتى عام 1988، حيث عرفت الجزائر،منعرجا أمنيا و سياسيا خطيرا، بداية بأحداث 5 أكتوبر 1988، التي كانت بوابة لعشر سنوات كاملة من الدم والخراب، في هذه الفترة بدأ المثقف الجزائري، يحمل حقائبه متجها نحو أوروبا، بعد أن أصبح مستهدفا حيث راح ضحية هذه الأحداث عدة مثقفين وإعلاميين ومسرحيين وممثلين منهم”الصحفي الجزائري طاهر جاووت، المغني الشاب حسني، المسرحي عز الدين مجوبي” والقائمة طويلة، وكان على مرزاق علواش حينها، أن يختار بين الهجرة أو البقاء في عالم السينما الذي لم يعد يستطيع المقاومة، فقد تم غلق قاعات السينما و إحراق بعضها بفعل موجة التطرف الديني التي عصفت بالبلاد، و أصبح علواش على مرمى حجر الإرهابيين وهو يسكن حي باب الواد الذي كان يعرف من أشد الأحياء تعرضا للعنف.

لقطة من فيلم "عمر قتلاتو الرجلة" حيث يظهر عمر يائسا من المستقبل، محطم نفسيا، يعيش على المخدرات وحلم حب مستحيل

طاهر جاووت و عز الدين مدور  في قلب “علواش”

في عام 1993،كانت سحابة الدم قد خيمت على الجزائر، ساد الرعب أرجاء بلد المليون و نصف المليون شهيد، وعمّ الخوف قلوب الجميع، فلم يعد هناك من يعرف “من يقتل من”، و رغم صعوبة الحياة في الجزائر في ذلك الوقت، لم يغادر علواش الجزائر وواصل عمله في خدمة السينما الجزائرية، كان علواش من بين القلائل الذين صمدوا وقاوموا تهديدات “الإرهاب.

غادر علواش الجزائر ثلاث مرات و لكنه يعود إليها دائما بكثير من الحنين، في كل مرة يرحل عن الجزائر لا يغادرها، بل يبقي لصيقاً بها يسعى كما يقول:”إلى إعادة ابتكار عالم المنفى و عالم الهجرة لأننا ننتهي إلى اكتساب عادات معينة، لا أعيد ابتكارها وحدي، بل مع زملاء و أصدقاء نتهاتف ويطيب لنا أن نلتقي، أن نتبادل بعض الأخبار عن الجزائر”، هكذا يعيش علواش اليوم، بين الجزائر وباريس، بين تلك المسافة تسكن سينما مرزاق علواش.

مخرج يحب الواقع و يصور تفاصيل الحياة 

 الواقع و ذكريات حي باب الواد، التي كبر معها، مرزاق علواش، هي المحطة التي تلتقى فيها أفلامه، دائما، ما يكون هذا المخرج “مهووسا” بتفاصيل الشوارع الضيقة،بما يعرف في الجزائر”الحومة” أو”الحارة”، هو مخرج يتوغل بعدسته بين جدران العمارات الآيلة للسقوط،”عمر قتلاتو”1976، و يصعد سطوح الأحياء العشوائية، فيلم”السطوح”2013، و يسافر مع أحلام الشباب المنهك بقصص البطالة و الظلم” حراقة” 2009، و يقدم صكا على بياض للشعوب العربية في أن تثور ضد الأنظمة، فيلم”نورمال” 2011، كما أنه المخرج الذي لا يستسلم للعادات و التقاليد و لا ينهزم أمام دعاة “السينما النظيفة”.

يظل الواقع، أكثر الأشياء تقديسا في مسار سينما علواش، الذي أنجز عبر أعماله السينمائية، فسيفساء اجتماعية حقيقية، تجعله المخرج الآكثر تمردا، إنجاز أفلام ذات قيمة جمالية واجتماعية تعكس التحولات الجديدة في المجتمع الجزائري، كما تعكس الطبيعة الأسئلة الجديدة المطروحة في المجتمع وعلى صعيد الموضوع والتقنية والجمالية في هذا الحقل المتفتح على التغيرات.

في فيلم”عمر قتلاتو الرجلة”،اختار علواش عنوانا قريبا من الجزائريين و عبّر عن الواقع اليومي الجزائري، مع قصة شاب جزائري يعاني الوحدة، ظروفه المادية ليست جيدة، فهو موظف بسيط، غير قادر على التواصل مع الفتاة التي أحبها و غير قادر على تحقيق أحلامه.

فيلم " السطوح" 2013 حيث صور مرزاق علواش الجزائر كما تراها عينه

على هذا النحو سافر مرزاق علواش في عام 1978 ،إلى الصحراء الجزائرية، ليصور فيلم”مغامرات بطل”، تحديدا إلى إحدى القبائل الصحراوية، متوغلا في قصص الفانتازيا و البطولات الخارقة، و كيف ينتظر الفقراء “سوبرمان”،ليقدم علواش الفيلم في قالب ساخر، ملاحقا بذلك قصص المغامرات وحكايات الفانتازية لدى المجتمع الجزائري. 

قصص البطولات التي تميل، إليها المجتمعات العربية، تحديدا، تشد علواش في كل مرة ، وهو يبحث عن بطله من عمق المجتمع، كما فيلم “رجل ونوافذ”عام 1982 ،الذي يتناول فيه شخصية الرجل المثالي، و هو الفيلم الذي قاد علواش إلى الهجرة مجددا نحو باريس ليقدم قصة “حب في باريس” عام 1987.

مرزاق علواش يحاور “العشرية السوداء” ..

تحضر فترة الإرهاب في الجزائر،أو ما يعرف بـ”العشرية السوداء” تقريبا في معظم أفلام مرزاق علواش، في تصريحاته في إحساسه تجاه الماضي،لم ينس علواش ذلك المنعرج الخطير الذي مرت به الجزائر،منذ فيلمه الوثائقي” ما بعد أكتوبر” 1989، و فيلم “باب الواد سيتي” عام 1994 الذي تناول فيه تفاصيل هذه الفترة العصيبة في تاريخ الجزائر الحديث. 

قابل علواش موضوع الإرهاب مجددا، في فيلم”العالم الآخر” عام 2001، الذي سرد حكاية “ياسمينة” و حبيبها الذي تسوقه الأقدار إلى الالتحاق بصفوف جيش الشعب الوطني، في فترة التسعينيات،و ينضم إلى حملات مكافحة الإرهاب،و بين العاطفة و الحقيقة و المهمة المستحيلة التي تقف أمام الحبيب ،يرسم علواش بذكاء كبير خط التطرف الديني و الأصولية و يعترض طريق العشرات من القصص الدامية التي عرفتها الجزائر في تلك الفترة قبل أن يلاقي الحبيب رشيد بحبيبته ياسمنة.

في فترة حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي قاد للجزائر مشروعي” الوئام و المصالحة الوطنية”، لوقف أعمال العنف، و منح “الإرهابيين” صك الغفران، مقابل إلقاء السلاح، لم تغب عدسة علواش عن التطورات السياسية في الجزائر،ليقدم عام 2012 عام 2012 فيلم” التائب” بطولة الممثل نبيل عسلي، و خالد بن عيسى و عديلة بن ديمراد، و كما يبدو أن علواش أخذ وقته و أخرج خمسة أفلام بين إعلان الجزائر مشروع “الوئام و المصالحة” قبل أن يغوص في مفهوم “توبة الجماعات الإسلامية المتطرفة”،و كان فيلم”التائب” مفاجأة على جميع المقاييس الدولية و الجزائرية، حيث وصل إلى مهرجان كان في مسابقة”لاكنزان” و حاز عدة جوائز منها في القاهرة و دبي وقرطاج.

المخرج الجزائري مرزاق علواش في مهرجان "كان" 2012

مخرج يحب كتابة أعماله و يرفض النمطية 

في رصيد مرزاق علواش 22 فيلما روائيا طويلا،ما يجعل منه أكثر المخرجين الجزائريين عطاء، فعلى مدار أربعين عاما من حب السينما، قدم علواش أفلاما قريبة من المجتمع الجزائري،و نقل قصصا لا تستهوي السينما الرسمية، فما يميز أفلام مرزاق علواش، هو السيناريو الذي يصّر على كتابته بنفسه،و أيضا عدم اعتماده على ميزانيات كبيرة،كما أن مرزاق علواش يؤمن بالشباب، و يمنح الفرصة للمواهب الجديدة، ولا يركز على النجوم في أفلامه، حيث نجد علواش منذ أول فيلم روائي طويل”عمر قتلاتو” مؤلفا و مخرجا في نفس الوقت، مركزا علي الجانب الروائي في أفلامه وعلى الشخصيات أيضا،و غالبا ما يكون للشخصيات التي يختارها علواش بعد سياسي فالمواطن الذي يختار الحديث عنه يجب أن يكون غاضبا، ساخطا،قلقا على أوضاع بلاده و يعاني في ظروف اجتماعية صعبة.

 هذا الاختيار الذي يدفع بمنتقدي علواش إلى وصفه بأنه”مخرج سوادوي”،بينما يدافع عن نفسه في كل مرة قائلا:” أنا لست وزير السياحة أصور المناظر الخلابة للطبيعة الجزائرية”، و لكنه لا ينكر بأن أفلامه تحمل بعدا “سياسيا رغما عنه”،حيث تعلق علواش بالواقع السياسي و الاجتماعي و الأمني، و هو يحاكي مراحل ما بعد استقلال الجزائر، و لكن بطريقة مختلفة، ليست بالواقعية الخالصة و ليست بالوثائقية الخالصة و لا بالخيالية و لكنه تقف على مسار واحد بين ما يراه علواش و ما يحلم به.

يحب علواش أن يكتب نصوص أفلامه في أجوائها،كما يريد هو بالضبط أن يكون عدسة لواقع يعيشه،و يدفع بالمشاهد إلى متابعة تفاصيل القصة مرتين، مرة في شاشة علواش و مرة خلف الشباك و في الشارع و ازدحام المرور، كما يقدم لنا في فيلم” نورمال” عام 2011، الذي عرف انتقادات كبيرة لتزامنه مع موجة “الربيع العربي” و ما اعتبر حينها دعوة من مرزاق علواش إلى الثورة في الجزائر بأموال قطرية، حيث أنجز علواش الفيلم بدعم من مؤسسة الدوحة، و هو ما لا يحلو لكثير من الجزائريين،و حتى أن الجائزة الكبرى التي حاز عليها الفيلم عن مهرجان “تروبيكا” في 2012 لم تستسغها الصحافة حينها.

لا يختلف اثنان بأن مرزاق علواش، قامة سينمائية كبيرة، عمره اليوم 72 سنة، و لكنه لا يتوقف عن العطاء، هو يستعد لعرض فيلمه الجديد “روائي وثائقي” بعنوان”الجنة” و كالعادة فإن الواقع هو من يسحر علواش و يدفعه نحو الوقوف وراء الكاميرا، ففي هذا الفيلم الذي لم يعرض بعد- من المقرر أن يبرمج للعرض نهاية السنة الجارية- يعود به علواش إلى تنظيم داعش و يحاول إعادة قراءة الخلفية العقائدية التي تدفع بالشباب نحو الانضمام إلى هذا التنظيم الإرهابي، كما أن علواش يستعد هذه الأيام إلى إخراج فيلم روائي طويل.

كما يعتبره الكثير من الشباب المولع بالفن السابع في الجزائر، الأقدر على تقديم سينما حقيقية، تبتعد عن الابتذال و لا تغازل السلطة و تقترب من هموم المواطن و قضايا المجتمع، وهو كل ما تحتاجه السينما لتصل العالمية.

قائمة الأفلام التي أخرجها مرزاق علواش 

1976: فيلم “عمر قتلاتو” 

1982: فيلم” الرجل الذي يراقب النافذة”

1987: فيلم”إين ليب في باريس”

1989:فيلم “ما بعد أكتوبر”

1993: فيلم” باب الواد سيتي”

1995: فيلم”الضوء و الرفاق”

1996:” فيلم” مرحبا ابن العم”

1996: فيلم” الحب و الانتقام”

1996: فيلم”كان يا مكان دنيا زاد”

1998: فيلم “الجزائر بيروت للذاكرة”

2001: فيلم” العالم الآخر”

2001: فيلم”الدراجة”

2002: فيلم “شوشة”

2004: فيلم “باب الواب”

2009 : فيلم “تمنراست”

2009:فيلم “حراقة”

2011: فيلم “طالة بختة”

2011:فيلم “نورمال”

2011:فيلم” خليج الجزائر”

2012: فيلم “التائب”

2013: فيلم ” السطوح”

2015: فيلم “مدام كوراج”


إعلان