ميشيل باللهاوس.. عين الطائر الساحرة

قيس الزبيدي

ميشيل باللهاوس

يعد ميشَيل باللهاوس واحدا من أعظم المصورين السينمائيين في ألمانيا وفي العالم. حصل على شهرته ألعالمية نتيجة لأعماله المبدعة. جعل أولا لنفسه اسما في ألمانيا قبل ان يذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية منذ 25 عاما ليحقق  نجاحه الأسطوري.

بدأ حياته الفنية كمصور فوتوغرافي ومن ثم كمصور في التلفزيون وكان المصور الدائم مع راينر فاسبندر حيث صور له 15 فيلماً، إضافة لعمله مع مخرجين ألمان امثال بيتر ليلينتال وولفغانغ بيترسين وفولكر شليندورف ولعب دورا متميزا في ارساء سينما المؤلف في السينما الالمانية الشابة.

بدأ عمل باللهاوس منذ نهاية 1960 مع فاسبندر في أول فيلم له “ويتي/ Whity ـ 1970” وتركه بعد تصوير فيلم “زواج ماريا براون ـ 1979”. وعلى الرغم من فوضوية أسلوب فاسبندر غير المألوف في الإخراج إلا أن باللهاوس استطاع أن يكتسب حرفيته العالية. ومنذُ فيلم “مارتا” الذي طلب منه فاسبندر أن يصور له لقطة متصلة في دائرة كاملة من 360 درجة. أصبحت اللقطة الدائرية الكاملة بصمة باللهاوس الخاصة و سمي “الدوّار ـ باللهاوس”: وهي اللقطة التي فتحت له أبواب هوليوود!

في هوليوود استمر طموحه الفني وقاده لان يطور لكل فيلم يصوره لغة بصرية مبتكرة إلى جانب كل مخرج. ففي فيلم مارتين سكورسيزه” لون المال”  مثلا الذي عرض خارج  مسابقة البرلينالة عام  1986 عن مواجهة حاسمة بين لاعبي بيليارد جعل باللهاوس الكاميرا  تتحرك ككرة على الطاولة. وفي فيلم “فتاة عاملة” عام 1988 لمايك نيكولس انجز حركة كاميرا ترافلنغ مثيرة للغاية في المشهد الرئيسي .وفي فيلم “اولاد بكر الرائعون 1989 لستيف كلوفيس انجز حركة كاميرا دائرية حول المغنية سوزي دياموند وعازف البيانو جاك بيكر كتعبير عن حالة الغزل بينهما، وهو واحد من أفلام ثلاثة رشح فيها البرليني بالهاوس لجائزة الاوسكار.

تركت صوره السينمائية بصمتها على أفلام هولوود  وأصبح الأكثر طلبا كمصور من قبل مخرجين بارزين: صور 7 افلام مع مارتين سكورسيزه من بينها الفيلم الملحمي الكلاسيكي عن المافيا  “اولاد طيبون” كما صور مع جون سايليس وفرانسيس فورد كوبولا وروبرت ريدفورد وولفغانغ بيترسين. وشملت مسيرته الفنية كمدير للتصوير حوالي 130 فيلما للسينما والتلفزيون.

في العام 2003 صدر كتاب باللهاوس “العين الطائرة” على شكل مقابلة طويلة مُفصلّة عن تجاربه ومفهومه الجمالي، وقد أدار الحوار معه توم تكوير: مخرج فيلم “اركضي لولا اركضي”.
حينما سُئل عن الفرق بين تسمية “رجل الكاميرا” المتداولة في ألمانيا وبين تسمية “مدير التصوير” في أميركا أجاب “ليس المهم اسم المخرج العظيم الذي أعمل معه، المهم أن أنجح في مساعدته على صنع فيلم جيد”. وأضاف “يتطلب عملي، كمصور،أن أكون أول وآخر من يوجد في موقع التصوير، فأنا أشرف على ماكياج الممثلين وعليّ أن أجد حلاً لكل المشكلات التقنية، أثناء ما يرتاح المخرج في مقصورته”.

وحول تصوير فيلم «الراحل» في العام 2006 يُعقب “إن إدراك المخرج سكورسيزه لتكوينات الصور مُميّز، وعملي معه كان رائعاً باستمرار. على العكس من روبرت ريدفورد، الذي لم يكن يشغل نفسه كثيراً بتكوينات الصور، ويتذكر معاناته المشتركة مع كوبولا في فيلم “دراكولا” أثناء هوّس مراحل تنفيذه الجنونية.

وعن الممثلين في هوليوود يقول: “يتدخل روبرت دي نيرو، دائماً، في عمل مدير التصوير، وحينما كنت أتجاهل ملاحظاته بهدوء، لم يكن يغضب وينسحب من موقع التصوير، كما يفعل مع غيري! ومع جاك نيكلسون في فيلم “الراحل” حافظت، أيضاً، على هدوئي المعهود”. كان سكورسيزه يجلّ نيكلسون ويستقبلّه بحفاوة سائلاً إياه “ماذا تريد اليوم أن تفعل يا جاك”، ولم يكن جاك يُخيِّب أمله، بل كان يبدأ في تعديل نص السيناريو! أما جون تروفولتا فيختلف تماماً، لأنه لم يكن يستطيع حفظ ثلاثة جمل، والحل: “كان أن يكتب حواره على لوحة، توضع أمامه ليقوم بتلاوتها”!

أثناء مشاركته كمحاضر في ورشة الشباب في مهرجان البرليناله/2007 أعلن باللهاوس بعد ان صور اخر فيلم له مع سكوسيزه الراحل الذي حصل عليه مخرجه سكورسيزة على الاوسكار توقفه عن العمل في هوليوود وعبّر عن رغبته في العودة إلى ألمانيا نهائياً، ومن وقتها وهو ينقل خبرته إلى المصورين الشباب، ويؤسس ما سمي “مشروع ـ باللهاوس” للحفاظ على البيئة عن طريق إنتاج أفلام يصورّها مع طلبته. وحينما سُئل: لماذا؟ أجاب “عندي أربعة أحفاد”.

في العام  2014 صرح باللهاوس بأنه توقف عن العمل تماما لأنه  بدأ يعاني من مرض GLAUCOMA (ماء أزرق في العين) وأنه يكاد يفقد بصره تدريجيا، ولم يعد يحسن القراءة، يقول: اسمع الاذاعة والكتب الصوتية وأصبحت آذاني عيني. وفي العام نفسه نشر سيرة حياته في كتاب “صور في الرأس – قصة حياتي” وتم تأليفه بمعية الكاتب كلاوديوس زايدل.

رُشح باللهاوس ثلاث مرات لجائزة الأوسكار ونال عدداً لا يحصى من الجوائز آخرها جائزة السينما في ولاية بافاريا، وأكبر جائزة نالها عن مجموع أقلامه في العام، 2007 هي “جائزة الإنجاز العالمي” التي يمنحها اتحاد السينماتوغرافيين الأمريكان.

مع فخرية جائزة برليناله الدب الذهبي، التي تمنح لشخصيات سينمائية هامة تكريما لمسيرة كل منهم الفنية والسينمائية، تم اختيار باللهاوس ليستلم جائزة الدب الذهبي في حفل توزيع الجوائز في 18 فبراير 2016 إجلالا لعمله الفني الاستثنائي في ابتكار لغة صور متميزة وإضاءة درامية إلى جانب كبار مخرجي السينما الامريكية.

اليوم يعقب باللهاوس على طبيعة عمله: كل مكان يشكل بالنسبة لي كمصور مصدرا للإلهام. وبهذا الصدد صرح مدير المهرجان ديتر كوسليك: “نكرم ميشَيل باللهاوس كمصور وكشريك مبدع مع مخرجي أفلامه ولإعماله الكاملة الفريدة من نوعها”.

وبمناسبة بلوغه سن الثمانين وتكريمه في مدينة برلين التي ولد فيها  وبعد ان ترك بصمته البصرية مع كبار مخرجيها على افلام هوليوود الاكثر رواجا، عرضت البرليناله برنامجا خاصا يتألف من من عشرة افلام اختارها هو بنفسه.

يبقى ان هناك من يثمن الدور الفني الذي لعبه بالهاوس خلال نصف قرن من الزمن ليؤكد انه ساهم في كتابة تاريخ السينما.


إعلان