يوسف حنا.. المسرحي سينمائياً

بشار إبراهيم

لا يمكن الحديث عن السينمائيين الفلسطينيين، وحضورهم في السينما العربية، دون أن نتوقّف عند رائد سينمائي فلسطيني، مميّز ومجتهد، هو الفنان يوسف حنا (1943 – 1993)، الذي لم يتوقف دوره على مجال التمثيل السينمائي، فقط، بل كان بمثابة الجندي في عدد من الأفلام السينمائية، خاصة تلك التي تدور موضوعاتها حول جانب ما من القضية الفلسطينية، وذلك على الرغم من أن يوسف حنا، بدأ مسرحياً، في مجموعة «فكر وفن»، مع رفيق الصبان، وبقي حتى رحيله المبكر، والمفاجئ، عام 1993، مسرحياً من الطراز الأول، وممن أسسوا، ودرَّبوا، جيلاً من المسرحيين، في سوريا!. .. وكان يشغل منصب مدير «المسرح القومي في سوريا».

يوسف حنا

ففي العام 1969، وعندما قام المخرج العراقي قيس الزبيدي لإنجاز فيلمه الشهير «بعيداً عن الوطن»، لصالح التلفزيون العربي السوري، بالتصوير في مخيم سبينه، جنوب دمشق، كان الفنان يوسف حنا مشاركاً في العمل، والتحضير له، وهو على الأقل من قام بإجراء الحوارات، مع مجموعة الأطفال في الفيلم، ويمكن للعارف أن يميّز صوت يوسف حنا، مخاطباً الأطفال المستهدفين في الفيلم.

وبمقدار ما كان فيلم «بعيداً عن الوطن» الوثائقي القصير (مدته 13 دقيقة) نقلة نوعية في سياق الفيلم الوثائقي السوري خصوصاً، والعربي عموماً، وبمقدار تقديرنا للمخرج قيس الزبيدي، وبراعته البادية في الفيلم، فإنه من الواجب أن نلفت النظر إلى يوسف حنا، وفاءً لهذا الفنان.

واعتباراً من العام 1970 بدأت مسيرة يوسف حنا السينمائية، على الرغم من كونه فناناً مسرحياً، كما قلنا، ففي ذاك العام شارك الفنانة منى واصف (الفنانة المسرحية أصلاً) في تمثيل الفيلم الروائي القصير (15 دقيقة) الذي كان بعنوان «الزيارة» وهو أيضاً من إخراج قيس الزبيدي، ليبدو وكأن قيس الزبيدي ويوسف حنا، شكَّلا ثنائياً سينمائياً، إذ عادا للتعاون في فيلم «شهادات الأطفال الفلسطينيين في زمن الحرب»، حيث شارك يوسف حنا في كتابة سيناريو هذا الفيلم الوثائقي المتوسط الطول (مدته 23 دقيقة)، وسيخرجه قيس الزبيدي.

أطفال بمخيم سبينة للاجئين الفلسطينيين بسوريا من فيلم "بعيدا عن الوطن"

كما ساهم يوسف حنا في فيلم «الرجل الأخير»، من إخراج أمين البني، وإنتاج التلفزيون العربي السوري، عام 1970، وهو فيلم روائي طويل، يدور حول حكاية الرجل الذي جاء من بلاد المغرب العربي، ومن ثم شارك في أعمال الثورة السورية ضد الانتداب الفرنسي، ويُذكر أن ممن شاركوا في التمثيل، في هذا الفيلم، الدكتور علي عقلة عرسان، رئيس اتحاد الكتاب العرب لشوط طويل من الزمن، والمعروف بمساهماته المسرحية، كاتباً ومخرجاً وممثلاً، أيضاً.

وفي النظرة إلى هذه الأفلام، وتلمّسنا لمدى الجدية، والجديد فيها، ونكهة التجريب، وظهور ملامح فهم أعمق لحقيقة السينما، يمكننا القول إن يوسف حنا فارق التقليدية الساذجة في الفعل السينمائي، تجاه الموضوع الفلسطيني، التي كانت سائدة على مستوى الكتابة أو التمثيل، وشارك في التأسيس للنظرة الأكثر عمقاً، ورقياً، ونضجاً، وتبلوراً، للقضية الفلسطينية، من خلال وعي وإدراك للكيفية التي ينبغي للسينما أن تقوم بها إزاء الموضوع الفلسطيني، أو تجاه مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية الفكرية، وتجاه التحولات والتغيرات الجارية في المجتمع العربي، أو الكامنة في أحشائه، وهي التي كان ينظر إليها باعتبارها على صلة عميقة، في الجوهر، مع القضية الفلسطينية، التي طالما اعتبرت القضية المركزية للعرب، وفي ظلال راياتها، والقول بسببها، جرت تلك التحولات والتغيرات.

وكان يوسف حنا، في هذا السياق، شارك في العام 1970، في التمثيل في فيلم «اليد» وهو فيلم روائي قصير (مدته 10 دقائق) أخرجه المخرج العراقي قاسم حَوَل، في محاولة لتناول الأحداث الدامية في الأردن، وفي فيلم «رجال تحت الشمس» وهو ثلاثية سينمائية، أنجزها كل من نبيل المالح ومروان المؤذن ومحمد شاهين، عام 1970، شارك يوسف حنا في الجزء الذي حمل عنوان «الميلاد»، وهو الفيلم الروائي القصير الذي أخرجه محمد شاهين.

يوسف حنا

ولم تتوقف مساهمات يوسف حنا (وهو أصلاً من قرية الرامة قرب عكا)، على المشاركة في الأفلام المتعلقة بالقضية الفلسطينية، بل أصبح بمثابة النجم السينمائي في سوريا، عندما أُسندت إليه البطولة الأولى، في فيلم من إنتاج القطاع الخاص، بعنوان «راقصة على الجراح»، من إخراج محمد شاهين عام 1972، أمام الممثلة السورية إغراء، وإذا كان ليس من مهمتنا، هنا، تقييم الأمر، فإننا نكتفي بالإشارة، فقط، إلى حضور يوسف حنا السينمائي في هذا الفيلم، باعتباره بطل الفيلم!.

وفي العام 1973 يعود يوسف حنا ليلعب دور البطولة الأولى في فيلم «وجه آخر للحب»، من إنتاج «المؤسسة العامة للسينما في سوريا»، وإخراج محمد شاهين، أيضاً. ومن الملفت أن يوسف حنا تقدَّم إلى الصفوف الأولى، من الممثلين السينمائيين في سوريا، التي لم تكن تشكو أبداً من قلّة الممثلين. لكنه انكفأ عن ذلك، فيما بعد. ومن نافل القول في هذا المجال إن سوريا التي عُرفت بمناخها القومي العربي، لم تكن تميّز بين من يدرج على ترابها، وفق المسطرة الإقليمية، فلا فرق بين سوري وفلسطيني وعراقي ولبناني ومصري، أو من أي بلد عربي كان!.

منى واصف و يوسف حنا في الفيلم السوري "وجه آخر للحب" 1973

ونعتقد أن عشق يوسف حنا للسينما، وإدراكه حقيقة أن هناك ممثلاً كبيراً، وليس الأمر حكراً على الدور الكبير، فقد رأيناه يشارك في ثانوي في فيلم «المغامرة» المأخوذ عن مسرحية «رأس المملوك جابر»، للمسرحي السوري سعد الله ونوس، هذا الفيلم الذي أخرجه محمد شاهين، عام 1974، وشارك فيه كوكبة من الممثلين السوريين على رأسهم هاني الروماني وأسامة الروماني وسلوى سعيد وإغراء ومنى واصف وأحمد عداس ورضوان عقيلي.. ممن عُرفوا في غالبيتهم في المسرح السوري، قبل أن يساهموا في السينما.

كما شارك بدور ثانوي في فيلم «المطلوب رجل واحد» لجورج نصر عام 1974، من إنتاج نقابة الفنانين في سوريا، حيث أدى شخصية يعقوب، الذي أراد أن يتولى الأمر بعد أن قتل أهالي القرية الثائرين، الداهية والطاغية موسى (أداه الممثل هاني الروماني)، لكنه سيُقتل في الحال، وقبل أن يتولى مقاليد أي أمر، بل إن يوسف حنا اكتفى بالمشاركة في فيلم «القلعة الخامسة» لبلال الصابوني، عام 1977، بمشهد واحد وأخير، وربما إذا انتبهنا أن الفيلم عن قصة لفاضل عزاوي، والسيناريو لصنع الله إبراهيم، لأدركنا أن ما كان يشغل يوسف حنا هو البحث، والمشاركة في الأعمال الجادة، ذات المضامين الجديدة، برؤية تقدمية.

من فيلم شيء ما يحترق

وبعد انقطاع عن العمل السينمائي لسنوات، يمكننا أن نحيلها للعديد من الأسباب، ذات العلاقة بظروف السينما السورية، وليس ظروف يوسف حنا، نراه يعود للمشاركة في فيلم «الشمس في يوم غائم» لمحمد شاهين، عام 1985، عن رواية لحنا مينة بالعنوان ذاته، بالمشاركة مع أبرز الفنانين السوريين أمثال منى واصف وعدنان بركات وجهاد سعد.. ثم يقوم بدور أساسي في فيلم «شيء ما يحترق» للمخرج غسان شميط، عام 1993، حيث جسّد شخصية «أبو رمزي»؛ الرجل العربي السوري الذي يطرده الاحتلال الصهيوني من بيته في الجولان، عام 1967، فيبقى قلبه نابضاً بالحنين إلى بيته، وروحه معلّقة به، وعندما تتكاتف عليه ظروف القهر الداخلية والخارجية، ينزف آخر أنفاسه على طيف حلم العودة إلى جولانه، وبيته الحبيب.

وإذا كان الفنان يوسف حنا رحل سريعاً (1 ديسمبر 1993)، بعد الانتهاء من تصوير فيلم «شيء ما يحترق»، وقبل عرضه جماهيرياً، ومشاركته مهرجانياً، فإنه ترك، دون أدنى شك، فراغاً خاصاً، بعدما بنى تراثاً في السينما والمسرح والإذاعة والتلفزيون، ينبغي الكشف عنه وتبيانه، وتوثيقه، ووضعه بين أيدي المتلقين، لمشاهدته، وبين أيدي النقاد لدراسته وتقييمه، والكشف عن البعض من جوانبه، على الأقل.


إعلان