تامر حبيب.. السيناريست النجم

فاطمة نبيل

في عام 2003 قدم تامر حبيب أول أفلامه كسيناريست وهو "سهر الليالي" بعدها توالت أفلامه "حب البنات" 2004، "عن العشق والهوى" 2006، "تيمور وشفيقة" 2007، "واحد صحيح" 2011.

قليل من كُتّاب السيناريو المصريين من اعتبرهم الجمهور نجوما بالمعنى الشائع للنجم، وهو أن يذهب المشاهد لفيلم بعينه بضمان اسم مؤلفه.

أسماء قليلة تُعد على أصابع اليد الواحدة تضم مؤلفين مثل مصطفى محرم، ووحيد حامد، وتامر حبيب.

تخرج تامر حبيب في المعهد العالي للسينما قسم السيناريو عام 1998.

كانت بدايته المهنية بأن شارك بالتمثيل في أدوار صغيرة في أفلام “قشر البندق” عام 1995، و”جنة الشياطين” عام 1999.

وفي عام 2003 قدم أول أفلامه كسيناريست وهو “سهر الليالي” بعدها توالت أفلامه “حب البنات” 2004، “عن العشق والهوى” 2006، “تيمور وشفيقة” 2007، “واحد صحيح” 2011.

في عام 2009 اتجه حبيب إلى الكتابة التليفزيونية فقدم مسلسلات “خاص جدا”، ثم “شربات لوز” 2012، “نكدب لو قلنا ما بنحبش” 2013، “طريقي” 2015، “جراند أوتيل” 2016، و”لا تطفيء الشمس” 2017 والأخير مأخوذ عن رواية لإحسان عبد القدوس بنفس الاسم.

وفي كل هذه الأعمال (السينمائية منها أو التليفزيونية) لم يعد حبيب المتلقي بأكثر مما يستطيع، ولم يُلزم نفسه أبدا بالتعريف كصاحب هم سياسي أو اجتماعي.

هو صاحب هوس بالعلاقات العاطفية في المجتمعات البرجوازية، لكنه لا يخرج عن حيز فكرتين أو ثلاث هي: الحب من طرف واحد، والرجل صاحب العلاقات النسائية المتعددة، وأزمات تجاوز الحب.

وفي كل هذا يبدو الحب عند شخصياته دائما كلعنة أبدية غامضة تحل بصاحبها دون أسباب، ويبدو أن لا سبيل آمنا للخروج منها غير التسليم.

قد يعالج هذه الأفكار بنضج فيخرج عملا مثل فيلمه الأول “سهر الليالي”، وقد يتعامل معها بخفة وكوميديا فيكون فيلمه الثاني “حب البنات”، أو يعالجها بشكل ميلودرامي فج فيصبح “عن العشق والهوى”.

من فيلم "عن العشق والهوى" (2006) بطولة أحمد السقا، منى زكي، ومنة شلبي، وإخراج كاملة أبو ذكري

تامر حبيب حبيس الطبقة البرجوازية التي لا تمثل إلا شريحة ضئيلة من المجتمع المصري، وأزمات الحب والعلاقات العاطفية التي يتناولها في أفلامه، والتي يمكن أن تمتد لمساحة أكبر من الجمهور لو أنه هبط قليلا بالطبقة الاجتماعية التي يتناولها في أعماله.

ففي مجتمع كالمجتمع المصري يعاني فيه أفراده من الكبت العاطفي والجنسي والتحرش والعنوسة يصبح الحديث عن الحب غير الموصول وأزمة التجاوز محض ترف، وربما يكون هذا مناسبا أكثر للمسلسلات التليفزيونية التي وجد حبيب نفسه فيها مؤخرا.

وفي هذا تبدو السمة الغالبة بين كل أعماله هي وجود عدد كبير من الشخصيات دائما، والبناء الدرامي لديه دائما دائري، تسير الشخصيات فيه في دوائر متحركة لا خطوط صاعدة، أما النهايات فمفتوحة، ولا مانع من تفاصيل ضخمة عن العلاقات والأشياء والمشاعر، أما المرأة فهي حاضرة بقوة وهي المحور والمحرك والباعث الأول للدراما.

لكن تظل مشكلته الأكبر في كتابة الحوار، وأن كل شخصياته تتكلم بلسانه، ويفيض حديثها بالحكمة المُقطّرة، وكلها بلا استثناء مُحمّلة بوعيه هو الذاتي، وفي ذلك فهي واعية دوما بدوافعها وتصرفاتها.

والمشكلة الأكبر في الأفلام الحوارية أنه مهما كانت مهارة الكاتب فإنها تظل أقرب في إيقاعها إلى المسلسلات التليفزيونية، حيث تطغى كمية المعلومات المنقولة بالحوار على نظريتها المفترض استنتاجها من الصورة.

في سهر الليالي أول أفلام تامر حبيب وأكثرها نجاحا وربما نضجا، والذي قُدم وقت سيطرة الأفلام الكوميدية وموجة السينما النظيفة، فحقق نجاحا لافتا وأعاد عبارة للكبار فقط، ومعها طبقة اجتماعية مخملية كانت السينما قد نسيتها لفترة.

من فيلم "سهر الليالي" أول أفلام تامر حبيب وأكثرها نجاحا وربما نضجا.

يروي الفيلم عن مجموعة أصدقاء وعلاقاتهم بزوجاتهم، لكل منهم حكاية مختلفة ومتصلة بشكل ما بالآخرين، بينهم صديق واحد لم يتزوج وغير راغب في ذلك رغم إصرار حبيبته على إتمام زواجهما.

أما الآخرون فتتراوح مشاكلهم بين المستوى المادي غير المتكافيء بين الزوجين، والخيانة، وعدم الإشباع الجنسي.

وفي سهر الليالي وعبر حوارات طويلة ينتقد حبيب مؤسسة الزواج ذاتها، والتي يراها عقدا مشتركا يستمر أحيانا تحت ستار الخداع والغش في سبيل مباركة المجتمع.

ينتهي الفيلم بأن يرقص الجميع على أغنية “سهر الليالي”، بينما كُلّ يواصل ما كان عليه، لأن لا أحد يتغير، حتى الصديق الوحيد الذي أصر طويلا على الحفاظ على عزوبيته، وعدم الانخراط في منظومة الزواج الفاسدة بشكلها الحالي، لا يستطيع الاستمرار فيما أراد وسرعان ما يصبح جزءا من المنظومة التي طالما أعلن رفضه لها.

عن فكرة تبدو للوهلة الأولى جذابة، تدور أحداث الفيلم الثاني لتامر حبيب “حب البنات”، وهي عن ثلاث شقيقات يجبرن على الإقامة في منزل واحد لمدة عام كامل حتى يستطعن الحصول على ميراثهن، بعد أن فرقتهن أمهاتهن طويلا.

في "حب البنات" سادت لمسة كوميدية، واعتمد كلية على الحوار، وإن لم يظهر به التناغم بين رؤية المخرج خالد الحجر، وبين ما أراده حبيب له.

الأولى تخاف الزواج من حبيبها السابق بعد زواجه وإنجابه طفلة، خشية أن تسبب للطفلة عقدة مماثلة، والثانية أقرب للذكور في خشونتهم وملابسهم، أما الثالثة فتعاني فقدان الهوية بين نشأتها في لندن ومعيشتها الحالية في مصر.

ومعهن جارهن الطبيب النفسي الذي يقع في حبهن واحدة تلو الآخرى، حتى يستقر في النهاية على الشقيقة الصغرى.

ساد الفيلم لمسة كوميدية، واعتمد كلية على الحوار، وإن لم يظهر به التناغم بين رؤية المخرج خالد الحجر، وبين ما أراده حبيب له.

في “عن العشق والهوى” ثالث أفلام تامر حبيب، وبالطبع يتناول فيه موضوعه المفضل .. العلاقات العاطفية، والحب من طرف واحد، وأزمة التجاوز.

“عمر” رجل الأعمال وصاحب إحدى شركات السياحة يقع في حب فتاة تدرس الموسيقى لكن شقيقه يكشف له أن شقيقتها الكبرى تعمل بالدعارة، فيتركها حزينا دون وداع ويتزوج من الفتاة المناسبة بمقاييس طبقته ومجتمعه دون حب، حتى يشفى من الحب القديم، وعندها يقع في حب سكرتيرته ويتزوجها سرا، ليكتشف لاحقا أن شقيقه غارق لأذنيه في حب زوجته الأولى.

ميلودراما فجة تليق بأفلام حسن الإمام دون بهجتها، ومشاهد طويلة من البكاء والكثير من الحوار، حتى يبدو الفيلم وكأنه عمل أدبي لا فيلما سينمائيا، وكل الشخصيات تقول فيضانا من الحكمة حول الحب والزواج وأمور العلاقات العاطفية، كلها بلا استثناء، مهما تفاوتت طبقتها ومستواها التعليمي.

في "تيمور وشفيقة" قدم تامر حبيب ما يبدو أنه – مع اختلاف الظرف الزمني – نسخة حديثة من فيلم "مراتي مدير عام" الذي قدمه فطين عبد الوهاب عام 1966.

في فيلمه الرابع “تيمور وشفيقة” يقدم تامر حبيب ما يبدو أنه – مع اختلاف الظرف الزمني –  نسخة حديثة من فيلم “مراتي مدير عام” الذي قدمه فطين عبد الوهاب عام 1966.

تربط الجيرة وصداقة الوالدتين بين “تيمور”، و”شفيقة” في علاقة حب مُسلّم بها منذ الطفولة، حتى تصطدم إرادتهما، فتيمور الذي أصبح ضابطا للشرطة لا يرضى إلا أن يكون “سي السيّد”، بينما تحاول الصغيرة شفيقة التي أصبحت معالي وزيرة البيئة الخروج من شرنقته في حدود عدم التمرد عليها، ولا تلبث أن تترك كل نجاح مهني وصلت إليه مكتفية بدور زوجة حضرة الضابط.

رؤية ذكورية رجعية تغلفها الكوميديا عن ما يجب أن تكون عليه العلاقات العاطفية، تنحاز فيها المرأة للزوج حتى لو كان على حساب طموحها المهني والشخصي.

وككل أفلامه السابقة واللاحقة لا تتطور الشخصيات نتيجة الحدث، وإنما بعد حوار أدبي طويل عن فلسفة الحب والعلاقات العاطفية.

أما في “واحد صحيح” فنحن هنا أمام “عبد الله يونس” مهندس الديكور الثري الناجح والذي يعيش حياة لاهية مُقسّمَة على أكثر من امرأة.

في "واحد صحيح" نفس العالم المخملي المفضل لتامر حبيب، حيث يتفرغ الناس للحب، وعلاقات معقدة ومتشابكة، وشخصيات عديدة، حاول أن يقدمها حبيب باستخدام أسلوب الحوار الداخلي.

الأولى أميرة التي تركته لاختلاف ديانتهما، والثانية فريدة الطبيبة الشابة المتزوجة من مثلي لثرائه، والثالثة مريم التي تحبه من طرف واحد وإن رأى هو فيها مشروع زوجة ناجحة، أما الأخيرة فنادين صديقته الأقرب والتي انفصلت عن زوجها لأنها تحب عبد الله الذي لا يرى فيها إلا صديقة مقربة.

نفس العالم المخملي المفضل لتامر حبيب، حيث يتفرغ الناس للحب، وعلاقات معقدة ومتشابكة، وشخصيات عديدة، حاول أن يقدمها حبيب باستخدام أسلوب الحوار الداخلي في مشاهد منفصلة للشخصيات كُلّ في عالمه الخاص، الأمر الذي كانت نتيجته زيادة كمية الحوار بالفيلم.

كل هذه العناصر التي ربما تعتبر خطايا ضخمة، لم تمنع الجمهور من انتظار مسلسله السنوي في كل رمضان.

ربما لأنه يبدو أنه وجد – أخيرا- المكان المناسب لأفكاره بين مشاهدي الحلقات الثلاثين.

 


إعلان