حلا شيحة.. “صمت الحملان” في أوان الذبح
أسامة صفار

فجأة تحولت الفنانة المصرية العائدة من الاعتزال حلا شيحة إلى “ساحة” لمعركة افتراضية بين معسكرين أحدهما مع الحجاب والآخر ضده وأحدهما مع الفن والآخر يعتبره رجسا من عمل الشيطان.
لم يؤد ارتداء حلا شيحة للحجاب منذ نحو 12 عاما إلى إغلاق دور العرض أو توقف الإنتاج الدرامي أو انهيار ثقافي شامل، ولم يؤد خلعها للحجاب إلى تحول الصحوة الإسلامية التي انطلقت في السبعينيات إلى كابوس.
ما حدث ببساطة خلال الفترة التالية على خلع حلا للنقاب هو معركة بين طرفين مفلسين مهزومين تماما خسر كل منهما الحرب وبقي ليقاتل ويحصل على الراية.
حلا التائهة بين معسكرين
لماذا يريد “معسكر الحجاب” لامرأة فقدت قناعتها بالحجاب أن ترتديه؟ وهل كل ما يعني الإسلاميين من حجاب “حلا” هو ألا يشمت “العلمانيون”؟ ولماذا يشمت العلمانيون وقد خلعته من قبل آلاف الفتيات فضلا عن الفنانات بدءا من فريدة سيف النصر إلى عبير صبري وغيرهن؟!
ولماذا يفرح “المعسكر المضاد للحجاب”.. هل انتهت ظاهرة الحجاب بخلع “حلا” له أم تحول الفن المصري والعربي إلى عظمة الإنتاج الهوليودي في السينما ورقي الإنتاج الباريسي في الرسم والموسيقي؟!
لا شيء من هذا.. كل ما حدث هو الإمساك بتلابيب امرأة حائرة بين اختيارات مختلفة في الحياة يسوقها قلبها المتقلب وتسوقها نفسها المعذبة إلى أطراف القناعات بقسوة تستحق الشفقة.
لم يكلف أي من الطرفين نفسه بالقلق على تلك النفس المعذبة أو الروح القلقة، بل نصبوا جميعا من أنفسهم قضاة وجلادين أيضا.
حين تتجسد العذابات على المذبح
ويستدعي ما حدث مع “حلا شيحة ” المعاني التي طرحها فيلم “صمت الحملان” (The Silence of the Lambs) (1991) بطولة أنتوني هوبكنز، حيث كانت كل شخصيات الفيلم تعيش حالة من الفرحة الخاصة جدا ولكن لا أحد يستطيع أن يخبر الآخر عن سبب هذه الفرحة غير أن المؤكد أن القبض على أستاذ الطب النفسي المجرم آكل لحوم البشر “هانيبال ليكتر” كان سببا مباشرا لتلك الفرحة.
لكن شخصا واحدا فقط لم يفرح أو يغضب رغم تكليفه بمهمة تتعلق باستجواب ليكتر، وهي مهمة ترقى لدرجة الخطورة على الحياة، وهذا الشخص هو محققة البوليس المتدربة كلاريس ستارلينغ أو الممثلة جودي فوستر.
كان طبيب السجن الطموح يعتبر هانيبال ليكتر ثروة علمية فريدة سوف تكون علامة مهمة في مشواره المهني، ومدير السجن يعتبر وجود هانيبال ليكتر في سجنه تأكيدا على مكانته هو شخصيا وثقة وتأهيلا لمنصب كبير، وكانت كلاريس تنهي تدريبها استعدادا للتخرج فتم اختيارها للتحقيق معه والخروج بمعلومات عن قاتل آخر تم علاجه لديه لمدة من الزمن.
وكانت الخطورة في هانيبال ليكتر أنه لم يتمكن من لمس أحد ولو لمسة بسيطة إلا وقتله بتوحش وبشاعة، أما الوحيدة التي لمسها المجرم آكل لحوم البشر ولم يقتلها فهي كلاريس التي لم تكن تريد منه أي شيء وتراه إنسانا بعيدا عن ذلك الجزء الذي يشكل “مصلحة” لها.
جاء فيلم “صمت الحملان” ليجسد رؤية ما بعد الحداثة كما طرحها جاك دريدا عام 1964 وهي ببساطة تتعلق بتحولات مجتمعية تؤدي بالمجتمعات إلى تجزئة بعضها، وبالأفراد إلى تجزئة بعضهم بعضا حيث يهتم أو ينظر أو يتعاطى الفرد مع الجزء الذي يخصه من الآخر، وهو ما يخلق تلك العلاقات الـ”ما بعد حداثية” التي تبدأ ببداية موضوع الاهتمام وتنتهي بنهايته بغض النظر عن الإنسان نفسه.
ويحد الفيلم والمعركة عن الممثلة العائدة تلك النقطة التي يقف عندها عالم الفن والعالم المضاد له حيث تفترسهما معا حالة “ما بعد حداثية” من دون وعي بخطورة الانسياق وراءها والسيطرة عليها لكنهما لا يكشفان عذابات تلك “الفتاة” حلا.
حلا الحائرة منذ الصغر
ولدت حلا في الإسكندرية لأم لبنانية هي السيدة نادية زيتون ولها ثلاث شقيقات هن رشا وهنا ومايا، وهي ابنة الفنان التشكيلي أحمد شيحة وأقرب بناته إلى قلبه.
نشأت مدللة ووهبها الله الجمال والأب الناجح الذي يتمتع بشهرة لا بأس بها ويعيش في عالم الفن التشكيلي، ولم يحاول الرجل أن يفرض على ابنته منذ طفولتها أي قناعة بل ترك لها القرار في كل تفاصيل حياتها مانحا إياها استقلالا تاما.
وبين القاهرة والإسكندرية وبيروت استمتعت حلا بطفولة وصبا فتاة من الطبقة البرجوازية العليا. لا تعرف الكثير عن الدين لكنها تلتقي في المناسبات والسهرات بفنانين وفنانات على قدر من الشهرة، وكانت مثل قرينات سنها وبيئتها تعيش حياة اجتماعية مختلطة ولها أصدقاء وصديقات.
كان ساحل “العجمي” هو المصيف المفضل للأسرة، وفي هذا المكان بالتحديد لفتت حلا الأنظار خاصة بعد شهرتها إذ كانت رغم وجودها مع “شلة الأصدقاء والصديقات” تبدو غير سعيدة وتدخل في نوبات من الغضب تصل بها إلى حد تحطيم المقاعد وقذف الأكواب والزجاجات من فوق الطاولة التي تجلس أمامها في المقاهي المنتشرة على الساحل.
ولم يستمر الأمر طويلا على هذا الحال، إذ قبعت في المنزل ثلاثة أشهر لا تخرج إلا للضرورة القصوى، ثم لجأت إلى الحجاب الذي اختفت كل هذه الأعراض بعد ارتدائها له وكانت المرة الأولى لارتداء الحجاب عام 2003.
ولكن بعد عام واحد فقط خلعته وعادت إلى الشاشة واستمرت حتى عام 2006 وعاودتها حالات الاكتئاب وعدم الإحساس بالسعادة إلى أن ارتدته ومن ثم ارتدت النقاب وغابت لـ12 عاما مع زوجها يوسف هيرسن الكندي ذي الأصل الإيطالي وأنجبت خلال ذلك الوقت “خديجة وهنا”.
حلا من غير روح حتى الـ24
عرفت حلا أن الصلاة واجبة على المسلم وأنها ركن من أركان الإسلام عام 2003 أي بعد أن بلغت الرابعة والعشرين من عمرها (ولدت عام 1979)، وهو ما يبرر حالات الضيق والاكتئاب التي انتابتها، فقد كانت بلا حياة روحية تقريبا، ولكن في المقابل فإن انضباط حلا والتزامها الاجتماعي سواء في مواعيدها مع الآخرين أو في الأعمال المشتركة كان مضرب الأمثال.
تمتعت حلا شيحة بقبول لا يقارن سوى بذلك الذي حظيت به الفنانة الراحلة سعاد حسني، وتلقائية وعفوية مدهشة في الأداء جعلتها تؤدي مختلف الأدوار دون جهد يذكر، وهكذا كان قبولها وشهرتها بين الجمهور سريعا كالبرق.
قدمتها الدراما التلفزيونية في عام 1999 عبر مسلسل “نسر الشرق” الذي أخرجه الراحل حسام الدين مصطفي، ثم شاركت نور الشريف بطولة مسلسل “الرجل الآخر” فكان المحطة الأهم واستقرت في قلوب الجماهير وحققت من خلاله الخطوة الأهم وهي الانتقال إلى شاشة السينما عبر فيلم “ليه خلتني أحبك” الذي أنتج عام 2000 من بطولة كريم عبد العزيز ومنى زكي وأحمد حلمي ومن إخراج ساندرا نشأت.
وتدور أحداثه حول حب كبير نشأ بين داليا (منى زكي) وهشام (كريم عبد العزيز)، ولكن والد داليا يرفض زواجها منه دون سبب فينفصلان ويسافر هشام إلى أمريكا بينما ترتبط داليا برجل آخر. وبعد سنوات يعود هشام من السفر وينشئ شركة خاصة ويقع في حب نهى (حلا شيحة) ابنة صديقة والدته ويعترف لها بحبه وتتم خطبتهم. وفي إحدى المرات عند خروجه من النادي يقابل حبيبته القديمة داليا بالصدفة وقد أصبحت مصورة مشهورة وانفصلت عن الرجل الذي ارتبطت به بعد انفصالها عنه. وبينما يخبرها أنه ارتبط بفتاة أخرى تصاب بصدمة شديدة تجعلها تقرر أن تفسد هذه الخطبة وذلك بمساعدة صديقها زكريا (أحمد حلمي) فهي ما زالت تحبه بشدة.
وجاءت محطتها الأهم عام 2001 حين قدمت فيلم “السلم والثعبان” مع الممثل هاني سلامة، ثم فيلم “تايه في أمريكا” مع خالد النبوي عام 2002، وفي العام نفسه قدمت “اللمبي” مع محمد سعد وفيلم “سحر العيون” مع المطرب الراحل عامر منيب.
حلا المتأرجحة في عالم مضطرب!
وارتدت الحجاب عام 2003 ثم خلعته لتشارك عادل إمام فيلم “عريس من جهة أمنية” عام 2004 وكان بمثابة جائزة حيث اختارها عادل إمام لتقوم بدور ابنته، ثم “أريد خُلعا” عام 2005، وفي نفس العام قدمت مسلسل “راجع لك يا إسكندرية”. أما في عام 2006 فقدمت مع المطرب محمد فؤاد فيلم “غاوي حب”، وأخيرا شاركت في فيلم “كامل الأوصاف” الذي ارتدت الحجاب أثناء تصويره واستكملت التصوير به ومن ثم اعتزلت.
تزوجت حلا شيحة للمرة الأولى من المطرب هاني عادل الذي كان نجم فريق “وسط البلد”، لكن الزواج لم يستمر طويلا فانفصلا بعد أشهر قليلة بعد أن تغير عالمها تماما ولم يعد الوسط الفني يستهويها، فانتقلت إلى الإسكندرية لتعيش هناك والتقت بصديق قديم كان مسيحيا وأسلم والتزم هو يوسف هيرسن الكندي الإيطالي وعاشا معا 12 عاما وشكلت حلا خلال هذه السنوات ملامح لوحة إنسانية قد تبدو مختلفة عن ملامح تلك اللوحة التي رسمتها قبلها، لكن المتأمل قليلا يلحظ تلك الحيرة والتحولات الناتجة عنها وتلك الروح المعذبة القلقة الباحثة دائما عن المعنى.
وبين مجتمع “ما بعد حداثي” يراها كل طرف فيه من زاويته الخاصة ويدافع أو يهاجم المرأة المسكينة والممثلة الموهوبة بالقدر الذي يفيده من دون النظر إليها.