عائلة ترامب.. نجاح يفتقر للمؤهلات الأخلاقية

في يوم من أيام الدراسة الهادئة في مدرسة كيو فورست بحي كوينز الأمريكي، وجه الطالب دونالد ترامب النرجسي والعنيف -كما وصفه زملاؤه- لكمة قوية إلى معلم الموسيقى سببت له كدمة سوداء، وذلك بحجة أنه لا يفقه شيئا فيها.
كان الصغير دونالد مصدرا للمتاعب لأسرته، فقد ذهب إلى منهاتن برفقه صديقه، واشتريا سكاكين استعدادا للشجار مع إحدى الجماعات في الحي الذي يقطنان فيه.
يقول عنه زميله ساندي ماكنتوش “كان دونالد عنيفا وشرسا، كما كان زيرا للنساء يصطحب الكثير من الفتيات الجميلات إلى المدرسة العسكرية رغم أنه ممنوع دخولهن، وكنا نعتقد أنه ينظر إلينا نظرة دونية لأنه كان يعاني من عقدة الاستعلاء”.
ويبدو من استعراض تاريخ عائلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن تصرفاته لم تكن وليدة لحظة دخوله البيت الأبيض وعالم السياسة، بل هي شيء متجذر في عائلته المعروفة بتاريخها الحافل بالغرائب والجدل، ابتداء من الجد ومرورا بالأب ووصولا إلى الابن دونالد الذي أصبح الرئيس الـ45 للولايات المتحدة الأمريكية في العشرين من يناير/كانون الثاني 2017.

فريدريك ترامب.. من حلاق مهاجر إلى مليونير
بدأت حكاية عائلة ترامب عام 1885 مع جده فريدريك ترامب، ذلك الشاب الحاد الذكاء الذي ترك عائلته في كالشتات الألمانية، وسافر وحيدا إلى الولايات المتحدة كحلاق مفلس في منهاتن لا يجيد الإنجليزية وعمره 16 عاما فقط، وذلك بعد تعرض أسرته التي تتاجر بالخمور لضائقة مالية.
لكن ذلك الشاب رغم صغر سنه كان يتحين الفرص ويستغلها، فترك الحلاقة وتوجه إلى الساحل الشمالي الغربي في المحيط الهادي حيث توجد “سياتل”، وافتتح أول مطعم له ثم أغلقه، وفتح فندقه الأول قرب أحد مناجم التعدين، حيث يأتي العمال له بعد عناء يوم طويل، كل ذلك وعمر فريدريك الذكي 23 عاما فقط.
وفي 1897 انتشرت شائعة بين عمال التعدين عن وجود منجم ذهب في الجبال الكندية الوعرة؛ تلك المنطقة المسماة بالحصان الميت لكثرة الخيول التي ماتت فيها نتيجة الانهيارات الثلجية. لكن خطورة المكان لم تثن ترامب الصغير عن مهمته، فتوجه إلى الحصان الميت مع العمال وفتح مطعما لهم يقدم وجبات من لحوم تلك الخيول الميتة! ففريدريك العامل بلا كلل لن يدع الفرصة تفوته.

تجارة البغاء كانت حاضرة في تاريخ عائلة ترامب، فبعد رحيل العمال عن منطقة الحصان الميت رحل معهم فريدريك بفندق جديد في أقصى الشمال الأمريكي، حيث كان يتردد عليه 3000 عامل يوميا للشرب ولقاء الحسناوات اللواتي أحضرهن فريدريك إلى فندقه إلى أن أغلقته الشرطة.
وفي عام 1901 عاد فريدريك إلى مدينته الألمانية كالشتات أملا في الزواج وبدء حياة جديدة، لكنه خرج بأمر ترحيل بسبب رحيله من البلاد دون موافقه أو إكمال خدمته العسكرية، فعاد حلاقا إلى الولايات المتحدة.
وفي ضاحية كوينز بدأ ترامب الكبير العمل في العقارات بعد أن جنى ثروة من العمل في الحلاقة، فقد كان مدخرا يعيش في حي فقير، فبلغت ثروته عام 1918 نصف مليون دولار.
توفي فريدريك بوباء الإنفلونزا عام 1918 وعمره 49 عاما، تاركا خلفه أرملته القادمة من أسرة ألمانية فقيرة وثلاثة أبناء، أكبرهم فريد والد دونالد ترامب.

ترامب الأب.. إمبراطورية الاحتيال
كان فريد -والد دونالد ترامب- الابن الأكبر لفريدريك ونسخة مصغرة عنه، فهو مثله حاد الذكاء ويجيد استغلال الفرص.
تعلم الفتى صاحب الـ12 عاما عندما توفي والده البناء وبرع فيه، فبنى البيت الأول وهو في سن الـ17 حيث بدأت رحلته في البناء والعقارات.
وبعد انهيار الاقتصاد الأمريكي عام 1929، أعلن الرئيس الأمريكي وقتها خطة للبناء لحل الأزمة الاقتصادية، وفي الوقت نفسه كانت هناك شركة عقارية في بروكلين على وشك الإفلاس، وكانت المحكمة ستعلن عن الحاصل على الرهونات العقارية.
استخدم فريد وقتها معارفه السياسيين للحصول على كل ممتلكات الشركة قبل إعلان المحكمة، فحصل عليها وأسس شركته للبناء والإسكان. ومن هنا بدأت تسوء سمعه فريد.

لم تكن تلك الحادثة الأسوأ في تاريخه، فبعد الحرب العالمية الثانية بدأ فريد ترامب في صناعة ثروته وإمبراطوريته الحقيقية بالاحتيال.
استغل فريد مبادرة الرئيس الأمريكي وقتها ببناء منازل للجنود العائدين من الحرب بتمويل من الحكومة، وعرض فريد على الحكومة تولي المشروع فأخذ أكثر مما يتطلب المشروع ودس الباقي في جيبه.
وكانت هذه الفضيحة الأقوى لفريد الخجول البعيد عن الأضواء والمختلس لأكثر من أربعة ملايين دولار.
وفي عام 1936 تزوج المختلس الخجول فريد من ماري ما كلود الفتاة الفقيرة التي ولدت عام 1912 وعملت خادمة في نيويورك بعد أن التقت به في حفل راقص عام 1912.

دونالد ترامب.. المتمرد السيئ السمعة
كان الطفل دونالد ترامب سيئ السمعة في مدرسته، يثير الشغب في الحصص ويستخدم العنف مع زملائه، فأرسله والده إلى المدرسة العسكرية في نيويورك.
تخرج ترامب من كلية الاقتصاد في الستينيات، لتبدأ الأنظار تتجه إليه بعد إكمال تعليمه لإدارة أعمال والده الذي ساءت سمعته في فضيحة الاختلاسات.
فضل فريد ترامب ابنه دونالد على أخيه الأكبر فريدي الذي لم تُعجب إدارته للمشاريع والده، فاتجه فريدي إلى العمل طيارا، بينما تولى دونالد إدارة مشاريع والده وهو في سن الـ25.
بدأت غرائب دونالد وفضائحه وهو في سن الـ28 عندما تعرف على روي كون الشاذ جنسيا وعراب عائلات الجرائم والمافيا، فاستخدمه دونالد للدفاع عنه في فضيحة السبعينيات العنصرية عندما رفض دونالد تأجير الشقق في قريته العقارية للسود أو الأمريكيين من أصول أسبانية.

كان لدونالد الشاب الذي امتلك إمبراطورية منهاتن العقارية وهو لم يتجاوز العشرينات من عمره علاقات عاطفية عدة، انتهت بزواجه من عارضة الأزياء إيفانا التي أنجب منها ثلاثة أبناء هم دونالد الابن وإيفانكا وإيريك.
لكن ذلك الزواج الذي استمر 12 عاما انتهى بالطلاق بعد دخول عارضة أزياء أخرى حياة ترامب؛ وهي مارلا ميبلز الزوجة الثانية له التي لم يستمر زواجه منها أيضا فطلقها بعد أن أنجب طفلته تيفاني وخسر أمواله وأعلن إفلاسه.
وفي 1999 مات والد ترامب، وبعده بعام توفيت أمه، لكن تلك الخسائر لم تنه رحلة ترامب، فعاد إلى حياته الطبيعية مرة أخرى، وتزوج عام 2005 من العارضة الثالثة ميلانيا المهاجرة من سلوفانيا، واستكمل مسيرة إمبراطوريته حتى أصبح رئيسا للولايات المتحدة فملأ الدنيا وشغل الناس.